الحرب وتخليد ذكرى القتلى

ضريح ياسوكوني وتكريم مجرمي الحرب

سياسة

أثار تكرار الزيارات الرسمية لضريح – ياسوكوني - اثر تولي السيد شينزو آبي منصبه كرئيس الوزراء للمرة الثانية جدلاً مريراً حيث ان ذلك المعبد يضم اضرحة ايضاً لمجرمي الحرب إلى جانب غيرهم من ضحايا الحروب اليابانية. يقوم مؤرخ الدبلوماسية هيغوراشي يوشينوبو بتسليط الضوء على عملية بلغت ذروتها في التكريم السري لمجرمي الحرب من الفئة ’’أ‘‘ عام 1978.

 مع وصول درجة حرارة الصيف إلى ذروتها في كل عام، يصبح ضريح ياسوكوني مرة أخرى موضع تركيز من قبل وسائل الإعلام المختلفة. والقضية هي ذاتها دائماً: هل سيزور رئيس الوزراء أو أعضاء آخرون من مجلس وزرائه الضريح في الخامس عشر من أغسطس/آب والتي هي الذكرى السنوية لاستسلام اليابان في الحرب العالمية الثانية؟ وهل مثل تلك الزيارات مناسبة؟

فقد زار رئيس الوزراء الياباني جونئيتشيرو كويزومي ضريح ياسوكوني كل عام في الفترة الواقعة ما بين ٢٠٠١ و٢٠٠٦. وكان يؤّكد دوماً على توضيح أن زياراته كانت مدفوعة بمشاعر العزاء والتبجيل والامتنان نحو قتلى وشهداء الحرب بشكل عام أكثر من كونها ناجمة عن تمجيد الروح العسكرية.

ولكن القليل فقط من الناس هنا نسوا ردود الفعل الشديدة التي أحدثتها زياراته لدى الدول الآسيوية الشرقية المجاورة لليابان. ولعل الذكريات عن ردات الفعل العنيفة تلك كانت السبب الرئيسي التي منعت أي رئيس وزراء آخر من زيارة الضريح منذ كويزومي. ولكن لماذا تكون زيارة ضريح ياسوكوني من رئيس الوزراء كافية لإثارة زوبعة دولية ولتصعيد التوتر في المنطقة بِرُّمَتِهَا؟ فالذكرى وما يتعلق بها من خدمات ومراسم تقيمها الحكومة في الخامس عشر من أغسطس/آب من كل عام تَمُّر عادةً دون إحداث أي جدل يذكر.

والجواب البسيط على ذلك أن ضريح ياسوكوني يكرم، من ضمن آخرين، أرواح مجرمي حرب من ’’الفئة أ‘‘. وحيث يعتقد البعض وجود لارتباط الضريح بمجرمي الحرب هؤلاء، فقد أشار البعض إلى نزع فتيل الأزمة عبر نزع القدسية عن أرواح أولئك المجرمين أو نقل تكريمهم إلى مكان آخر. ولا يزال من غير المؤكد ما إذا كان اتخاذ مثل هذا الإجراء يمكن أن يحل تلك الأزمة أو يمكن أن يوجه ببساطة التركيز على مجرمي الحرب من الفئتين ’’ب‘‘ و’’سي‘‘، حيث يتم تكريم أرواح عدد كبير منهم في ضريح ياسوكوني.

واذا ما أخذنا هذا الاقتراح على محمل الجد، فمن الواضح أن تكريم أرواح مجرمي الحرب بشكل عام والمجرمين من الفئة ’’أ‘‘ بشكل خاص هو جوهر الخلاف. وانني لآمل في هذه المقالة أن أسلط الضوء على أصول هذا الخلاف وأن أجيب على بعض الأسئلة الأساسية: من هم مجرمو الحرب مثار الجدل؟ ولماذا يتم تكريمهم في مؤسسة دينية مثل ضريح ياسوكوني؟ وفي الختام، من كان المسؤول عن تكريم مجرمي الحرب من الفئة ’’أ‘‘ وماذا كانت دوافعهم؟

جرائم الحرب من الفئة ’’أ‘‘ و محاكمات طوكيو

انّ مجرمي الحرب العالمية الثانية هم أشخاص تمت محاكمتهم وأدينوا بإحدى المحاكم العسكرية الدولية التي أقيمت من قبل الحلفاء بعد الحرب لملاحقة مجرمي الحرب قضائياً. ولتسهيل محاكمة أولئك الذين اعتبروا مسؤولين عن الحرب والأعمال الوحشية التي رافقتها، أنشأت قوى الحلفاء ثلاث فئات من جرائم الحرب(*١). وهي :

الفئة الأولى كانت ’’جرائم ضد السلام‘‘ (الفئة أ) والتي عُرّفت بأنها فئة الذين قاموا بالتخطيط والإعداد والبدء أو شن الحروب العدوانية أو التآمر للقيام بأعمال أدت لتلك المآسي. وعلى الرغم من أن الحروب العدوانية كانت تعتبر انتهاكاً للقانون الدولي قبل الحرب العالمية الثانية، إلا أنها لم تعامل كجرائم جنائية يمكن بسببها أن يُحاكم الأفراد أو يُعاقبوا. ولهذا السبب تعرضت هذه المحاكم لانتقادات بسبب إدانتها وفرض عقوبات على أشخاص بتأثير رجعي لقوانين سُنَّت فقط بعد حدوث الجرائم.

الفئة الثانية (الفئة ب) وهي فئة جرائم الحرب التقليدية التي تتضمن سوء معاملة السجناء وقتل مدنيين في الأقاليم المحتلة وتدمير وحشي للمدن. حيث كانت كل هذه الجرائم تستحق العقوبات بموجب القانون الدولي المسنون قبل الحرب العالمية الثانية.

الفئة الثالثة (الفئة سي) هي فئة ’’الجرائم ضد الإنسانية‘‘. وهي تشمل حالات اضطهاد واسعة أو ممنهجة وأعمال وحشية تم ارتكابها ضد مجموعة من الناس. وقد تم إنشاء هذه الفئة من قبل الحلفاء مع اقتراب نهاية الحرب العالمية الثانية مجددا بتأثير رجعي لتشمل جرائم النازية ضد اليهود الألمان وآخرين التي سبقت الحرب. وكذلك اعتبار أن اعمال وحشية تم ارتكابها من قبل دولة ضد مواطنيها قد تم شملها بالفئة ’’ب‘‘.

نظرا لأنها لم تكن مشمولة بالتعريف التقليدي لجرائم الحرب وعلى الرغم من التدرج البسيط بالمسؤولية ’’بين الفئات‘‘ (كيو باللغة اليابانية)، فإن التصنيف لا يشير بالضرورة إلى وحشية الجريمة. ففئة جرائم الحرب ’’أ‘‘ ليست بالتعريف أسوأ أو أكثر خطورة من جرائم الفئة ’’ب‘‘ أو ’’سي‘‘.

ولكن الفئة ’’أ‘‘ لمجرمي الحرب استحوذت على اهتمام أكبر بكثير من فئتي مجرمي الحرب ’’ب‘‘ أو ’’سي‘‘ في اليابان، ويعود ذلك بشكل أولي إلى رتبهم العالية وإلى الطريقة التي تمت محاكمتهم بها. وكانت قد أقيمت في اليابان محاكمات مجرمي الحرب من الفئة ’’أ‘‘ بشكل حصري من قبل المحكمة العسكرية الدولية للشرق الأقصى (IMTFE) والتي تعرف أيضا باسم ’’محاكمات طوكيو‘‘ والتي أجريت برعاية مشتركة من قوى الحلفاء في الفترة الواقعة ما بين ١٩٤٦-١٩٤٨. ولأن الفئة ’’أ‘‘ لجرائم الحرب متعلقة بالتخطيط وبدء حروب عدوانية، كان المتهمون حتما من صناع القرار على أعلى المستويات وهم مسؤولو رئاسة الوزراء وضباط الجيش والبحرية القادة وكبار ضباط الجيش والحكومة الآخرون. وفي سياق التاريخ الياباني، يشير مصطلح ’’مجرمو الحرب من الفئة ’’أ‘‘ إلى القادة الثمانية والعشرين الذين تمت محاكمتهم بجرائم ضد السلام في محاكمات طوكيو (كما أن جرائم الفئتين ’’ب‘‘ و’’سي‘‘ تم النظر فيها في محاكمات طوكيو).

كما أنشأت قوى الحلفاء محاكماً عسكرية أخرى عديدة في آسيا لجرائم حرب الفئتين ’’ب‘‘ و’’سي‘‘ التي ارتكبت على يد اليابانيين. ومن بين تلك المحاكم محكمة عسكرية أمريكية في يوكوهاما ومحكمة بريطانية في سنغافورا ومحكمة هولندية في باتافيا (جاكرتا) ومحكمة صينية في نانجينغ. حيث ركزت تلك جميعها على انتهاكات القوانين التقليدية للحرب مثل اساءة معاملة السجناء. ومعظم الذين تم توجيه التُهم إليهم كانوا ضباطاً من رتب عسكرية متدنية إلى متوسطة. وطبقا لإحصائيات أعدتها وزارة الصحة والرعاية الاجتماعية (الآن اسمها وزارة الصحة والعمل والرعاية الاجتماعية) تمت محاكمة نحو ٤٨٣٠ مواطن ياباني بجرائم حرب من الفئتين ’’ب‘‘ و’’سي‘‘. (وهذا الرقم لا يشمل الذي مات قبل انتهاء محاكمته). وفي ضوء هذه المقدمة، دعونا ندرس العملية التي قادت إلى تكريم أرواح الفئات المختلفة من مجرمي الحرب في ضريح ياسوكوني.

أولى التحركات لتكريم القتلى

ضريح ياسوكوني مخصص لأرواح الذين قدموا حياتهم في سبيل بلدهم، أغلبيتهم أعضاء في القوات المسلحة. خلال الحرب، وكان الجنود اليابانيون كثيرا ما يتواعدون بـ’’اللقاء مجددا عند ياسوكوني‘‘ قبل ذهابهم إلى حتفهم. والتكريم في ضريح ياسوكوني يصادق على أن أولئك الأشخاص ضحوا بحياتهم في سبيل بلدهم ويبجل موتهم بنبل في سبيل هدف. وقيل انه حتى قبل انتهاء فترة الاحتلال من قبل التحالف، بدأ أقرباء المدانون بجرائم حرب الذين مازالوا على قيد الحياة بالسعي لإكساب أقربائهم شرفا مماثلا. وقد لخصت إيمامورا هيسا(*٢) (رئيسة طوكيو روسو كازوكو كاي، جماعة تدعم أقرباء مجرمي الحرب) مشاعر هؤلاء الأقرباء الأحياء وذلك خلال شهادتها أمام لجنة الشؤون القضائية في مجلس المستشارين / البرلمان الياباني في أواخر عام ١٩٥١. فقد قالت: ’’نظراً لأن الذين عوقبوا على جرائم حرب لا يمكن أن يتم تكريمهم حالياً في ضريح ياسوكوني، فإن أقرباء المدانون يقضون أيامهم وهم يشعرون بأنهم منبوذين ويائسين، إنهم حقاً يستحقون الشفقة‘‘.

وقد اكتسبت التحركات لإعادة تأهيل مجرمي الحرب اليابانيين زخما بسرعة بعد انتهاء الاحتلال في أبريل/نيسان من عام ١٩٥٢. وفي مايو/أيار من نفس العام، أصدرت وزارة العدل مذكرة لتعديل تفسير القانون الذي ينص على أن مجرمي الحرب يجب أن يعاملوا بنفس طريقة معاملة المجرمين المدانين في محاكم قانونية يابانية. وبهذا الشكل استعاد مجرمو الحرب حقوقهم المدنية.

وفي عام ١٩٥٣، مكّن تعديل القوانين المتعلقة بفوائد الإغاثة العامة الأقرباء الأحياء لمجرمي الحرب الذين أعدموا أو ماتوا في السجن من الحصول على نفس المنافع التي يحصل عليها الموظفون الحكوميون الآخرون الذين ماتوا في سبيل الواجب. وفي عام ١٩٥٦ واستجابة لضعوط جماعة نيببون إيزوكو كاي (الجمعية اليابانية لأقارب ضحايا الحرب) بدأت وزارة الصحة والرعاية الاجتماعية بالعمل مع ضريح ياسوكوني على برنامج أشارت إليه بأنه ’’غوشي جيمو كيوريوكو‘‘ أو ’’تعاون إداري على تكريم أرواح القتلى‘‘.

فكيف أصبحت وزارة الصحة والرعاية الاجتماعية منخرطة بتكريم قتلى الحرب في ضريح ياسوكوني؟

ضريح ياسوكوني مؤسسة دينية خاصة

كان ضريح ياسوكوني قبل الحرب العالمية الثانية جزءا مهما من الدولة يخضع للسلطة القضائية لوزارات الجيش والبحرية والداخلية. في ذلك الوقت كانت وزارتّي الجيش والبحرية مسؤولتان عن اتخاذ قرارات بشأن من يتم تكريمه في الضريح حيث كانتا تقدمان معلومات لإدارة الضريح عن أولئك المخولين بالتكريم فيه على شكل مستندات تعرف بـ’’سايجين ميهيو‘‘ أو ’’بطاقات معلومات للتكريم‘‘. لكن في سبتمبر/أيلول من عام ١٩٤٦، تغير وضع الضريح وأصبح مؤسسة دينية خاصة وذلك بموجب المادة ٢٠ من الدستور الذي وضع مباشرة بعد الحرب وتلزم المادة الفصل بين الحكومة والدين.

الا ان الضريح كان يفتقر للمصادر لجمع معلومات مفصلة عن قتلى الحرب ولم يكن لديه خيار غير الاعتماد على بيانات حكومية. بشكل أساسي، كانت تلك مسؤولية وزارتي التسريح الأولى والثانية اللتان أنشئتا أواخر عام ١٩٤٥عندما حل الاحتلال وزارتي الجيش والبحرية في إطار عملية نزع سلاح اليابان. وعندما تم إلغاء جهاز ادارة التسريح، نُقلت تلك الوظائف مجددا للضريح. وفي أبريل/نيسان من عام ١٩٥٤، أصبحت الخدمات الحكومية المتعلقة بإعادة الأشخاص والمحاربين والناجين إلى وطنهم مسؤولية مكتب الإغاثة والعودة للوطن في وزارة الصحة والرعاية الاجتماعية (تغير اسمها إلى مكتب إغاثة ضحايا الحرب عام (١٩٦١). وترافق هذا الأمر مع تدفق أفراد الجيش السابقين على وزارة الصحة والرعاية الاجتماعية. وكان الإجراء الجديد لترشيح أشخاص متوفين ليتم تكريم أرواحهم في ضريح ياسوكوني كالتالي:

  1. يتقدم ضريح ياسوكوني بطلب للحكومة للحصول على معلومات عن قتلى الحرب.
  2. استجابة للطلب آنف الذكر، ترسل وزارة الصحة والرعاية الاجتماعية مذكرات إلى كل محافظة تطلب فيها إجراء مسح لجمع البيانات الضرورية. مهمة التأكد من الوفاة كانت تقع على عاتق مسؤولي البلديات.
  3. تستخدم وزارة الصحة والرعاية الاجتماعية نتائج المسوح لكتابة ’’بطاقات معلومات التكريم‘‘ التي ترسل بدورها إلى ضريح ياسوكوني.
  4. يتخذ ضريح ياسوكوني القرار النهائي بشأن تكريم أرواح الذين قامت وزارة الصحة والرعاية الاجتماعية بترشيحهم.

وطبقا للسجلات، تم الانتهاء من تكريم قتلى الحرب العالمية الثانية (باستثناء مجرمي الحرب) في ضريح ياسوكوني بشكل كبير بحلول أبريل/نيسان عام ١٩٥٩، حيث جرى في الضريح آنذاك تأبيناً جماعياً لهذا الهدف(*٣).

تكريم مجرمي الحرب من الفئة ’’ب‘‘ و’’سي‘‘

في نفس الفترة تقريبا، بدأ حل مشكلة مجرمي الحرب اليابانيين يلوح في الأفق. فقد تم إطلاق سراح آخر مجرمي الحرب بشكل مشروط من سجن سوغامو في مايو/أيار من عام ١٩٥٨ وقد انتهت مدة أحكامهم في ديسمبر/كانون الأول من نفس العام. في تلك المرحلة بدأ تكريم مجرمي الحرب الذين تم إعدامهم (والذين ماتوا في السجن) يظهر على أنه أمر ممكن. ولَعِبَ مكتب الإغاثة وإعادة التوطين في وزارة الصحة والرعاية الاجتماعية مدعوما بشكل كبير من الجنود القدامى دورا رائدا في تكريم مجرمي الحرب. وتحسبا لإمكانية حدوث رد فعل عنيف من العامة، سعى المكتب لتحقيق أهدافه بصمت، فبدأ بمجرمي الحرب من الفئتين ’’ب‘‘ و’’سي‘‘. في مارس/آذار من عام ١٩٥٩، وذلك عندما أرسل المكتب إلى ضريح ياسوكوني أول دفعة من بطاقات معلومات لتكريم أرواح مجرمي الحرب من الفئتين ’’ب‘‘ و ’’سي‘‘.

وفي ذلك الوقت كان كبير كهنة ضريح ياسوكوني تسوكوبا فوجيمارو (١٩٠٥–١٩٧٨) والذي كان سابقا الأمير ياماشينا بوجيمارو. منذ حقبة ميجي وحتى نهاية الحرب العالمية الثانية، وكان يُنتظر من الأعضاء الذكور في الأسرة الأمبراطورية أن يعملوا في الجيش. إلا أن الأمير ياماشينا تجنب هذا التقليد، فدرس التاريخ الياباني في الجامعة الأمبراطورية بطوكيو. وفي عام ١٩٢٨، تخلى الأمير عن صفته الرسمية في الأسرة الأمبراطورية وأخذ لقب نبيل (كوشاكو) حيث واصل الاحتفاظ بها حتى نهاية الأرستقراطية بعد الحرب العالمية الثانية. وفي يناير/كانون الثاني، عُيّن كبيرا للكهنة ’’غوجي‘‘ في ضريح ياسوكوني وقد احتفظ بهذا المنصب لمدة ٣٢ عاما(*٤).

وقد تحرك تسوكوبا بسرعة بعد تلقيه بطاقات المعلومات لتكريم القتلى في مارس/آذار عام ١٩٥٩، وتم تكريم ٣٤٦ مجرم حرب من الفئتين ’’ب‘‘ و’’سي‘‘ في ضريح ياسوكوني الشهر التالي. وبين أبريل/نيسان من عام ١٩٥٩ وأكتوبر/تشرين الأول من عام ١٩٦٧، تم تكريم أرواح ما مجموعه ٩٨٤ من مجرمي الحرب من الفئتين ’’ب‘‘ و’’سي‘‘ على أربع مجموعات. وكما كان يبدو فأن الضريح لم يحصل على إذن من أقاربهم الذين مازالوا على قيد الحياة (بعضهم يعارض التكريم). ثم واصلت وزارة الصحة والرعاية الاجتماعية إرسال مذكرات للمحافظات فيما يتعلق بـ’’التعاون الإداري على تكريم أرواح القتلى‘‘ من عام ١٩٥٦ وحتى عام ١٩٧٠. وفي فبراير/شباط من عام ١٩٧١، أخطرت الوزارة حكومات المحافظات بنيتها تعليق جميع المذكرات المتعلقة بالتعاون الإداري على تكريم أرواح القتلى في الحال(*٥). وبدا واضحاً أن المذكرات تسببت بمخاوف من أن تكون الوزارة قد انتهكت المادة ٢٠ من الدستور والتي تلزم الفصل بين الحكومة والشؤون الدينية.

التقدم بحذر نحو تكريم مجرمي الحرب من الفئة ’’أ‘‘

وهكذا شعرت السلطات بأنها مجبرة على مواصلة عملية التكريم بحذر شديد حتى بالنسبة لمجرمي الحرب من الفئتين ’’ب‘‘ و’’سي‘‘، وقد كان قلة منهم شخصيات بارزة. ممن تّوجب عليها أن تكون أكثر وعيا حيال تكريم مجرمي الفئة ’’أ‘‘ التي كانت محتقرة على نطاق واسع. ثم أرسلت وزارة الصحة والرعاية الاجتماعية إلى ضريح ياسكوني أول دفعة من ’’بطاقات المعلومات للتكريم‘‘ لمجرمي الحرب من الفئة ’’أ‘‘ في فبراير/شباط عام ١٩٦٦. وتضمنت معلومات عن ١٢ من الـ ١٤ المتوفين من مجرمي الحرب من الفئة ’’أ‘‘ من بينهم ٧ أشخاص كانوا قد شنقوا وهم (دويهارا كينجي، هيروتا كوكي، إتاغاكي سيشيرو، كيمورا هييتارو، ماتسوي إوانيه، موتو أكيرا، توجي هيديكي) بالإضافة لخمسة أشخاص ماتوا في السجن بشكل طبيعي وهم (هيرانوما كيئيتشيرو، كويسو كونياكي، شيراتوري توشيو، توغو شيغينوري، إوميزو يوشيجيرو).

أما الشخصان المتبقيان فهما ماتسوؤكا يوسوكيه وناغانو أوسامي وكانا قد توفيا بشكل طبيعي خلال المحاكمة، ووضعا ضمن فئة منفصلة بشكل مؤقت. وفي يناير/كانون الثاني من عام ١٩٦٩، اتفق مكتب إغاثة ضحايا الحرب في وزارة الصحة والرعاية الصحية وضريح ياسوكوني على خطة لتكريم مجرمي الحرب من الفئة ’’أ‘‘ ولكن مع تجنب الإعلان عنها. الاّ انه بعد مُضي عام، لم تقم الشعائر اللازمة بعد مما ادى الى نفاذ صبر المؤيدين بحماس لتكريم مجرمي الحرب من الفئة ’’أ‘‘. كان هؤلاء المؤيدون مدفوعين بشكل أساسي بأيديولوجية تتمثل بأن محاكمات طوكيو لم تحظ بأي شرعية وأن استبعاد مجرمي الحرب من الفئة ’’أ‘‘ كان ينطوي على قبول ضمني بقرار المحاكم. وفي عام ١٩٧٠، مرر مجلس الشؤون الدنيوية القوي في ضريح ياسكوني قرارا يدعو إلى تكريم مجرمي الحرب من الفئة ’’أ‘‘ ولكن القرار ترك توقيت التكريم لكبير الكهنة. وكان تسوكوبا عازما على إرجاء تكريم مجرمي الحرب من الفئة ’’أ‘‘ أطول فترة ممكنة.

أيديولجية كبير كهنة ضريح ياسوكوني

استمر المأزق حتى وفاة تسوكوبا المفاجئة في مارس/آذار من عام ١٩٧٨. وخلفه ماتسودايرا ناغايوشي (١٩١٥–٢٠٠٥) في منصبه اعتبارا من شهر يوليو/تموز من نفس العام. ولعله من المهم ذكر الخلفية التاريخية لماتسودايرا ناغايوشي. جده، ماتسودايرا يوشيناغا (١٨٢٨–٩٠)، كان إقطاعي مقاطعة فوكوي. وفي أواخر فترة توكوغاوا شوغوناتيه، دعا يوشيناغا لدمج شوغوناتيه مع المحكمة الإمبراطورية. وبعد سقوط شوغوناتيه، مُنح منصبا داخل حكومة ميجي الجديدة. والد ماتسودايرا، يوشيتامي (١٨٨٢–١٩٤٨)، كان آخر وزير في الأسرة الإمبراطورية. ماتسودايرا نفسه كان رائدا بحريا في البحرية الإمبراطورية خلال الحرب العالمية الثانية وضابطا في قوات الدفاع الذاتي بعد الحرب. والد زوجته، دايغو تاداشيغيه، كان نائب أميرال في البحرية الإمبراطورية، وقد حوكم على يد الهولنديين بعد الحرب وأدين بارتكاب جرائم حرب من الفئة ’’ب‘‘ وأعدم بالرصاص. وهو مدرج في قائمة قتلى الحرب الذين يكرمهم ضريح ياسوكوني(*٦).

وكان ماتسوداير قد رفض بشكل لا لبس فيه قرار المحكمة وقال إن محاكم طوكيو أنتجت وجهات نظر مشوهة عن التاريخ تبرز اليابان بأنها الشيطان الوحيد. وكان مصمما منذ البداية على تكريم مجرمي الحرب اليابانيين من الفئة ’’أ‘‘ في ضريح ياسكوني. وكان هذا جزء من أيديولوجيته لزرع الشك بمحاكم طوكيو. وعند تعيينه في منصب كبير الكهنة، تحرك بسرعة. ففي مراسم أجريت بشكل سري في الـ١٧ من أكتوبر/تشرين الأول من عام ١٩٧٨، بعد توليه منصبه بثلاثة أشهر، قام بتكريم أرواح مجرمي الحرب من الفئة ’’أ‘‘ البالغ عددهم ١٤ شخص من بينهم ماتسوؤكا وناغانو(*٧). وعندما انكشفت القصة للعلن في أبريل/نيسان من العام التالي، كان رد فعل الناس صامتا بشكل نسبي. ولكن الخلاف اندلع بقوة بعد ست سنوات، عندما أصبح رئيس الوزراء الياباني ناكاسونيه ياسوهيرو أول رئيس وزراء بعد الحرب يصلي في المعبد في الخامس عشر من أغسطس/آب من عام ١٩٨٥ في الذكرى الأربعين على نهاية الحرب العالمية الثانية.

وقد تسببت الزيارة بعاصفة من الانتقادات من الدول الآسيوية المجاورة لليابان. ثم وافق ناكاسونيه في السنة التالية على عدم زيارة الضريح احتراما لوجهات نظر الزعيم الصيني هو ياو بانغ. ومنذ ذلك الحين، أصبحت زيارة مسؤولين في رئاسة الوزراء لضريح ياسوكوني قضية ساخنة، تستجلب انتقادات شديدة من الخارج وعقبات في التقدم الدبلوماسي بين اليابان وجيرانها. ولعل المصدر النهائي لهذا الصراع الجاري كان تكريم مجرمي الحرب من الفئة ’’أ‘‘ عام ١٩٧٨. سيما وان تكريم هذه المجموعة لا يمكن ببساطة أن يُعزى إلى دوافع دينية أو ما شابه ذلك. وفي الحقيقة، فقد كان وبشكل صارخ عملاً أيديولوجياً وسياسياً مدفوعاً بالحاجة لتبرير وتشريع الفصل المثير للجدل بشكل كبير في تاريخ اليابان.

 (المقالة الأصلية باللغة اليابانية بتاريخ ١١ أغسطس/آب ٢٠١٣، الترجمة من الإنكليزية)

(*١) ^  هيغوراشي يوشينوبو، طوكيو سايبان (محاكم طوكيو)، (طوكيو: كودانشا، ٢٠٠٨).

(*٢) ^ إيمامورا هيسا زوجة نائب الأميرال إيمامورا هيتوشي (١٨٨٦–١٩٦٨) الذي أدين بجرائم حرب من الفئتين ’’ب‘‘ و’’سي‘‘ من قبل محكمة أستراليا وتم سجنه حتى عام ١٩٥٤.

(*٣) ^ جينجا هونتشو (جمعيات معابد الشينتو)، ياسوكوني جينجا (معبد ياسكوني) يايه (طوكيو: معهد PHP، ٢٠١٢).

(*٤) ^  أسامي ماساهيكو، كوزوكو لخ تييكوكو ريكوكايغون (العائلة الأمبراطورية والجيش والبحرية اليابانييان الإمبراطوريان)، (طوكيو: بونغيه شونجو، ٢٠١٠).

(*٥) ^  راجع كوكوريتسو كوكّاي توشوكان (مكتبة البرلمان الوطنية) شينبين ياسوكوني جينجا مونداي  شيريو شو (مجموعة جديدة من المواد المتعلقة بالجدل حول ضريح ياسوكوني) (طوكيو: مكتبة البرلمان الوطنية، ٢٠٠٧).

(*٦) ^ مانيئيتشي شينبون ياسوكوني شوزايهان (فريق صحفي تابع لمانيئيتشي شينبون في ضريح ياسوكوني)، ياسوكوني سينغو هيشي (تاريخ ياسوكوني السري في فترة ما بعد الحرب)، (طوكيو: صحيفة مانيئيتشي، ٢٠٠٧)، هاتا إيكوهيكو (ياسكوني جينجا نو سايجين-تاتشي) (الآلهة المسجلة في ضريح ياسوكوني)، (طوكيو: شينتشو شا، ٢٠١٠).

(*٧) ^ في ٢٠ يوليو/تموز ٢٠٠٦، قالت نيهون كيزاي شيمبون (نيكّيه) أن الامبراطور شوا (هيروهيتو) عبر عن عدم سعادته جراء تكريم مجرم الحرب من الفئة ’’أ‘‘ وذلك بناء على مذكرة وجدت في أوراق توميتا أساهيكو الذي كان مدير شؤون القصر في وكالة القصر الأمبراطوري بين ١٩٧٨-١٩٨٨. (توميتا توفي في ٢٠٠٣). تسجل المذكرة تصريحات تُفترض أنها للامبراطور في أبريل/نيسان عام ١٩٨٨: ’’أتفهم أن تسوكوبا تعامل مع القضية (تكريم مجرمي الحرب من الفئة ’’أ‘‘) بحذر مناسب ولكن ابن ماتسودايرا استعجل تكريمهم حالما استلم منصبه. بماذا كان يفكر؟‘‘ جاء هذا بعد تقارير في عدة صحف كبرى في ٢٦ و٢٧ من أبريل/نيسان من عام ٢٠٠٧ فيما يتعلق بمذكرات أورابيه ريوغو (حاجب الأمبراطور ١٩٦١-١٩٩١، توفي ٢٠٠٢). لقد ادّعت المذكرات أن عدم موافقة الإمبراطور على التكريم متعلق بشكل مباشر بالظروف التي قادته لعدم زيارة الضريح. وكانت آخر زيارة للإمبراطور لضريح ياسوكوني في نوفمبر/تشرين الثاني من عام ١٩٧٥.

الحرب الصينية اليابانية الحرب العالمية الثانية ياسوكوني