إعادة تشكيل مكان العمل في اليابان: هل يمكن إصلاح نمط العمل الناجح؟

هل تتمكن اليابان من إصلاح طريقة العمل قبل فوات الأوان؟

مجتمع

لقد تغيرت اليابان بشكل جذري منذ عصر النمو الاقتصادي السريع، ولكن الشركات اليابانية لا تزال متشبثة بثقافة قديمة بالية في مكان العمل حيث يعمل الموظفون الأساسيون، الغالبية الساحقة منهم من الرجال، لساعات طويلة شاقة وترك مسؤوليات العائلة وشؤونها لزوجاتهم. المستشارة التجارية كومورو يوشيئي تناقش الحوافز والدعم الحكومي لتعزيز التوازن بين العمل والحياة التي تتناسب مع المجتمع الياباني الذي يعاني انخفاض عدد المواليد من ناحية والشيخوخة السريعة من ناحية أخرى.

يتغير طريقة تقييم الموظفين

إن ما يجب أن نلفت الانتباه إليه بالدرجة الأولى في خطة تنفيذ ”قرارات مجلس تحقيق إصلاح طريقة العمل“ الحكومية والتي تم نشرها في شهر مارس / آذار من عام ٢٠١٧، هو الاتفاق بين الحكومة ونقابة العمال والشركات على وضع حد أعلى لساعات العمل، مع فرض عقوبة على المخالفين. وبالمقارنة مع الدول الأخرى، فإن ”الموافقة على العمل الإضافي لمدة ١٠٠ ساعة شهريا“ ربما يعتبر أمر لا يمكن القبول به على الرغم من أنه حالة خاصة. ولكن قد تتغير معايير تقييم موظفي الشركات في المستقبل بعد وضع حد أعلى لساعات العمل الإضافي ولأول مرة في اليابان. وكخطوة أولى، آمل أن يتغير تماما المناخ الاجتماعي والجو في داخل الشركات والذي كان يعتبر العمل لساعات طويلة أمرا بديهيا حتى الآن.

وفي الوقت الحالي فإن ”الإنتاجية لكل فترة“ والتي يتم قياسها بكمية العمل التي تم إنجازها عند القيام بإقفال الحسابات في نهاية الشهر أو في نهاية السنة، هي معيار التقييم في الشركات اليابانية. وفي الدول الأخرى التي تضع حدا أعلى لساعات العمل، فإنه يتم الأخذ بعين الاعتبار ”الإنتاجية لكل ساعة“ بالطبع. وإذا أخذنا كلمة واحدة ألا وهي ”مبدأ النتائج“، فإن معناها يصبح مختلفا تماما بين اليابان والدول الأخرى. ففي اليابان التي تأخذ بعين الاعتبار ”الإنتاجية لكل فترة“، تم اعتبار الموظفين الذين يقومون بالعمل الإضافي لساعات طويلة ويراكمون كمية العمل من خلال ”تحدي القدرة البدنية“ كنزا ثمينا.

وبعد أن تم وضع حد أقصى لساعات العمل الإضافي، كيف سيقوم مدراء كل شركة من الشركات بتقييم الموظفين في المستقبل؟ فإذا أصبح الموظف الذي يقوم بإنجاز العمل بوقت قصير، ويعود إلى المنزل، ثم يأتي إلى الشركة في صباح اليوم التالي في الوقت المحدد ”موظفا جيدا“، فإنه من الممكن أن يتم تقييم الموظفات في الشركة ولأول مرة بفضل ذلك.

وركزت وسائل الإعلام المحلية على ”العمل الإضافي لمدة  ١٠٠ ساعة شهريا“ فقط، ولكن في أماكن العمل التي لا يوجد فيها اتفاقية بين العمال والإدارة، فإن عدد ساعات العمل الإضافي هو بحدود ٤٥ ساعة في الشهر بشكل أساسي، وحتى لو كان هناك اتفاقية بين العمال والإدارة فإنه في الشهر التالي للشهر الذي يتم العمل فيه ١٠٠ ساعة إضافية، يتم تحديد عدد ساعات العمل الإضافي بحدود ٦٠ ساعة. وما يجب أن نلفت الانتباه إليه هو القيام أخيرا بوضع حد أقصى لساعات العمل الإضافي ولأول مرة بعد ٧٠ عاما من انتهاء الحرب العالمية الثانية.

التغير السريع في التركيبة السكانية: عدم قيام اليابان باتخاذ التدابير اللازمة

نجحت اليابان في تحقيق تنمية اقتصادية متسارعة في ظل ظروف مواتية تُسمى ”فترة العلاوة السكانية“ (وهي حالة تركيبة سكانية تتمثل بارتفاع نسبة الشباب وانخفاض كبير في نسبة المسنين، حيث كان هناك انخفاض في تكاليف الضمان الاجتماعي، وبالتالي كان من الممكن تحويل المبالغ التي يتم توفيرها من الضمان الاجتماعي إلى الاستثمار في البنى التحتية) والممتدة من منتصف الستينيات إلى منتصف التسعينيات من القرن الماضي، وذلك من خلال القيام بالعمل لساعات طويلة في مؤسسات تتميز بنسبة مرتفعة من الموظفين الرجال فقط.

ولكن مع حلول ”فترة العبء السكاني“ والتي ازدادت شيخوخة السكان خلالها، أصبح العمل لساعات طويلة من عوامل تثبيط المجتمع. ففي المجتمع الذي يجب على عدد قليل من السكان العاملين القيام بدعم الكثير من الأشخاص، أصبح من المهم تخصيص وقت لرعاية الوالدين، ووقت لتربية الأطفال أيضا من أجل إيقاف تناقص عدد السكان، وتحقيق نتائج في العمل بكفاءة وفي فترة زمنية محدودة.

ودخلت أوروبا في ”فترة العبء السكاني“ قبل اليابان، ولكن تم اتخاذ تدابير من أجل التعامل مع ذلك في الدول الأوروبية  بعد إدراك تغير التركيبة السكانية بصورة شاملة. ومن أجل الحصول على أقصى استفادة من العدد المحدود للسكان الذين هم في سن الإنتاج، فإن القيام بخلق بيئة من السهل العمل فيها بالنسبة للسيدات اللواتي يقمن بتربية الأطفال أو الأشخاص الذين يقومون برعاية كبار السن كالوالدين وغيرهم، وتأمين القوى العاملة هو من أولى الأولويات. وأيضا، من أجل تأمين القوى العاملة المستقبلية، تم اتخاذ تدابير للحد من انخفاض المواليد. وفي الكتب المدرسية اليابانية، تم التعريف بجهود الدول الأوروبية من وجهة نظر ”تدابير الرعاية الاجتماعية الفائقة“، ولكن في الواقع كان تعاملا استراتيجيا بعد إدراك تغير التركيبة السكانية.

وبالمقابل، دخلت اليابان في ”فترة العبء السكاني“ مع عدم القيام باتخاذ التدابير اللازمة. واستمرت بيئة العمل التي لا يمكن إلا للرجال العمل فيها، من دون تغير أماكن العمل لساعات طويلة، بالإضافة إلى الفشل في تدابير مواجهة انخفاض المواليد حتى وقتنا الحالي. ويقال إن النجاح الاقتصادي الذي حققته اليابان في فترة النمو الاقتصادي السريع، يتجاوز نظيره الصيني الحالي بشكل كبير. فهل كانت تجربة النجاح المفرط هذه قوية أكثر من اللازم يا ترى؟ فعدد مدراء الشركات الذين يدركون تغير التركيبة السكانية بشكل سريع، لا يزال يقتصر على عدد قليل جدا.

وعند النظر إلى ماضي أولئك المدراء، فإن الكثير منهم كان قد أقام في الدول الأوروبية، أو لديهم خبرة بالعمل كمدراء في شركات أجنبية. ولأن أمريكا تتميز بكونها ”دولة مختلفة“ من وجهة نظر التركيبة السكانية التي يتدفق إليها المهاجرون بشكل مستمر، فإن الدراية الكاملة بظروف أمريكا فقط يشير إلى أن وجهة النظر حول تعامل الإدارة في ”فترة العبء السكاني“ لا يتم ذكرها أبدا. وأيضا حتى لو انتبه المدراء لذلك، فإنه ليس من السهل أن تقوم كامل المؤسسة بالتوجه إلى ”إصلاح طريقة العمل“ والسعي إلى توحيد الإرادات لتغيير الدفة، والحصول على موافقة حملة الأسهم والمستثمرين.

طريقة العمل الجديدة في الشركات الصغيرة والمتوسطة أيضا: تدابير الدعم من خلال الإدارات المحلية

إن توجهات وفلسفة ”إصلاح طريقة العمل“ كتصحيح عقيدة العمل لساعات طويلة، والتوفيق بين تربية الأطفال ورعاية المسنين من جهة والعمل من جهة أخرى، وتحقيق طريقة العمل المرنة وغيرها من الأمور، ليس هناك مجال للاعتراض عليها. والمشكلة هي في كيفية نشر هذه الأمور وتحقيقها في المجتمع الياباني. ومن أجل ذلك، فإنه من المهم أن تقوم الحكومة بتقديم حوافز قوية إلى الشركات التي تفكر في ”محاولة بذل الجهود من أجل حل هذه المشكلة ولو قليلا“.

وهناك حالات من الممكن تسميتها أمثلة ناجحة بدأت ببذل الجهود بشكل مسبق في محافظة ميئه وفي محافظة كوماموتو وغيرها. حيث قامت محافظة ميئه بوضع خطة لتحقيق التوازن بين الحياة والعمل لسكان المحافظة من خلال القيام بإصلاح طريقة العمل في الشركات الرئيسية في داخل المحافظة، ولتشجيع التدفق السكاني من المحافظات المجاورة عن طريق ”رغبة الناس بالعيش في محافظة ميئه التي من الممكن تحقيق التوازن بين الحياة والعمل فيها“ من خلال الترويج للمحافظة كعلامة تجارية، وذلك من أجل القيام بالتنمية المحلية لمحافظة ميئه. ويعود هذا الأمر إلى وجود قضايا محلية كقلة القوى العاملة بسبب انخفاض المواليد وزيادة شيخوخة السكان والتسرب السكاني، والأداء البطيء للشركات المحلية وغيرها من القضايا.

ومن أجل القيام بذلك، قامت نفس المحافظة بتوظيف مبالغ دعم التنمية المحلية المقدمة من الحكومة، وبدأت في شهر يوليو/ تموز من عام ٢٠١٥ بتنفيذ ”مشروع دعم التوازن بين الحياة والعمل“ والذي يستهدف الشركات المحلية. وبالإضافة إلى مشاركة مدراء ومشرفي عمال ١٣٠ شركة في ”ندوات حول إعادة تكوين الوعي“، تم إقامة ”دورات تدريبية لتدريب الأشخاص الرئيسيين في الشركات“ لمدة ثلاثة أيام لنقل المعرفة التنفيذية لإصلاح طريقة العمل، وتستهدف مسؤولي قسم التوظيف في ٢٠ شركة من تلك الشركات. وبالإضافة إلى ذلك، تم التعاقد مع شركات استشارية بشكل مباشر من قبل ١٣ شركة من تلك الشركات، وتم إعداد مثال عملي للإصلاح بشكل مفصل.

وفي الشركة المساهمة تشوبو سيستم سنتر في مدينة تسو (شركة تقوم بتأجير الأجهزة المكتبية، ولديها ١٠ موظفين) والتي هي إحدى الشركات الثلاث عشرة، تم تأسيس ”نظام الإجازة العائلية“ والذي يمكن من خلاله الحصول على إجازات ساعية (٤٨ ساعة سنويا) من أجل دعم الزوجات قبل وبعد الولادة، والقيام باصطحاب الأطفال إلى الرياض والمدارس، والعودة بهم إلى المنزل، والمشاركة في فعاليات تلك الرياض والمدارس، ومن أجل القيام برعاية الأسرة وغيرها من الأمور، بالإضافة إلى الإجازة براتب العادية. وتمت الموافقة على الحصول على إجازة متواصلة والتي تعتبر من الأمور التي يتم التردد عند القيام بها في المؤسسات ذات عدد الموظفين القليل، وتم إدخال نظام ”الموافقة على الإجازة المستمرة لمدة ثلاثة أيام (خمسة أيام مع يومي السبت والأحد)“.

وبالمقابل، تم العمل على دفع كفاءة العمل من خلال مشاركة معلومات العملاء ونقل السلطات، من أجل التمكن من التعامل مع العطل المفاجئة وترك مكان العمل بشكل مفاجئ من قبل الموظفين. وازدادت الإنتاجية لكل موظف (الربح الإجمالي/ عدد الموظفين) بالمقارنة مع السنة السابقة بمقدار ١٥٪‏. وقامت نفس الشركة بافتتاح مشروع ”لتقديم الاستشارة حول زيادة الإنتاجية، وتحقيق التوازن بين الحياة والعمل وغيره“ كمشروع جديد تمت إضافته إلى المشاريع الجديدة.

وبالإضافة إلى ذلك، فإنه في الشركات الثلاث عشرة وردت تقارير تشير إلى ارتفاع معدل استخدام الإجازات براتب إلى ثلاثة أضعاف، وارتفاع نسبة ولادة الموظفات إلى ۲.٥ أضعاف، وارتفاع عدد حالات الزواج إلى ضعفين. وبدأ معدل الولادات يرتفع في كامل محافظة ميئه. فعند تغير طريقة عمل الرجال، تشعر النساء بالاطمئنان ويقمن بولادة الولد الثاني.

وهكذا، فإنه من الضروري توفير مبالغ الدعم هذه بشكل كامل من أجل ”إصلاح طريقة العمل“، ودعم الشركات المحلية من خلال الاستفادة من الاستشارات حول التوازن بين الحياة والعمل والتي تقوم الإدارات المحلية التي تريد بذل جهود جادة بتقديمها. وذلك بسبب وجود شركات صغيرة ومتوسطة وشركات متناهية في الصغر لا يمكن لها القيام بالإصلاح بمفردها بسهولة. وعند إقرار ”قانون العمل المرن“ في عام ٢٠٠٠ من قبل حكومة طوني بلير في بريطانيا، تم تقديم نفس مبلغ الدعم لفترة محددة تقدر بسنتين. ومن الأفضل إدخال نظام للحوافز ذي مدة محددة في الفترة بين تعديل القانون وتنفيذه في المستقبل في اليابان.

(المقالة الأصلية نشرت باللغة اليابانية في ۱۰ مايو/ أيار لعام ۲۰۱٧. صورة العنوان: محافظ ميازاكي كاوانو يوشيتسوغو وهو يقوم بعمله بارتداء ”جاكيت الحمل“ والتي تزن ٧ كيلوغرامات، كإحدى نشاطات ”حملة دعم التوازن بين الحياة والعمل“ التي تقوم بها تسع محافظات في كيوشو مع محافظة ياماغوتشي وشركات القطاع الاقتصادي. وفِي هذه الحملة قام محافظو ثلاث محافظات هي ساغا وميازاكي وياماغوتشي بارتداء جاكيت الحمل وقاموا بالعمل والأعمال المنزلية والتسوق وغيره، وتم رفع فيديو مصور لهم وهم يقومون بذلك على اليوتيوب باسم ”حمل المحافظ“. وجذب انتباه العديد من الأشخاص في داخل وخارج اليابان. (تقديم: حملة دعم التوازن بين الحياة والعمل)

المجتمع المسن توظيف أسلوب العمل إصلاح طريقة العمل