الاستفادة المثلى من المصادفة

ثقافة لايف ستايل اللغة اليابانية

روبرت كامبل بروفسور للأدب الياباني في جامعة طوكيو أمريكي المولد، أصبح شخصية معروفة في اليابان لظهوره المتكرر على شاشة التلفزيون. وقد تحادثنا مع كامبل حول جاذبية الثقافة اليابانية وإمكاناتها من أجل مستقبل أفضل.

روبرت كامبل Robert CAMPBELL

باحث في الأدب الياباني. بروفيسور في جامعة واسيدا. ولد في نيويورك. تخرج من جامعة كاليفورنيا، بيركلي، وحصل على الدكتوراه في الأدب الياباني من جامعة هارفارد. عمل سابقا أستاذا في كلية الدراسات العليا للفنون والعلوم بجامعة طوكيو، ومديرا عاما للمعهد القومي للأدب الياباني. من بين أعماله ’’ترجمات إنجليزية مجمعة لقصائد إينوي يوسوي‘‘. قام بتحرير ’’كلاسيكيات يابانية في زمن العدوى‘‘ و’’قصص 100 عام من طوكيو‘‘.

أستاذ الأدب الياباني في جامعة طوكيو، ومحرر نقدي للكتب في جريدة وطنية، وضيف يظهر على نحوٍ متكرر على شاشات التلفزيون والإذاعة. وقد وضعت كل هذه الأنشطة المتنوعة الباحث الأدبي روبرت كامبل في طليعة المشهد الثقافي الياباني. كأمريكي أمضى حتى الآن ٢٦ عاما في اليابان، وكيف ينظر إلى تناغم التقليد القديم والحداثة الرائعة التي تميز اليابان الحديثة؟ وقد تحدثنا إلى كامبل عن نقاط الجذب في الثقافة اليابانية وإمكانات توظيفها من أجل المستقبل.

الصحفي: يبدو أنك مشغول للغاية.

روبرت كامبل: في الوقت الراهن، أظهر في برنامج تلفزيوني صباحي مرة واحدة في الأسبوع، وأعمل كمضيف في برنامجين إذاعيين اثنين، الأول شهري والثاني مرتان في الشهر. كما أظهر أيضا في برامج أخرى على أساس غير منتظم حسب الطلب وكذلك أنا أيضا عضو في اللجنة التحريرية لصفحات نقد الكتب في صحيفة يوميوري شيمبون، التي تجتمع مرتيّن في الشهر. ثم هناك العديد من المحاضرات وغيرها من الواجبات وأحاول قدر الإمكان تركيز الجزء الأكبر من تدريسي الجامعي بين يومي الثلاثاء والخميس واستخدام بقية الوقت للقيام بالنشاطات الأخرى.

الصحفي: كونك باحثاً أدبيا آنت منخرط بشكل كبير مع العالم غير الأكاديمي. فما الذي يدفعك للعمل في هذه المجموعة المتنوعة من المجالات المختلفة؟

كامبل: الأنواع المختلفة من الأعمال التي أقوم بها تجعلني على اتصال مع أنواع مختلفة من الناس، وتتطلب مستويات مختلفة من اللغة. وأنا بدوري أستمتع بهذا التنوع. أيضا، وأعتقد أنه اذا كنت مهتما حقا في الوصول والتواصل مع الناس، فإنه ليس بما فيه الكفاية الوصول لما تصبو إليه بمجرد انتظار الناس للقدوم إليك. وعلى المرء أن يستسلم إلى الأشياء بصدق إذا ما كنت ترغب في الحصول على نتائج حقيقية وإنه بمجرد اتخاذ هذا الالتزام، تُصبح كل هذه الأنشطة المختلفة جزءا من هويتك لذلك لا أشعر ثمّة وجود أي تناقض بين نفسي كباحث والشخص الذي أنا هو عليه كمعلق على شاشة التلفزيون. وإذا كان هناك أشياء تجعل الأمور مثيرة للاهتمام، فهو التنوع. ولقد ظهرت مؤخرا على سبيل المثال، في برنامج تلفزيوني عندما تطرق الحديث إلى فريق كرة القدم الياباني للسيدات (ناديشيكو جابان) الذي فاز بكأس العالم في يوليو/تموز عام ٢٠١١. كنا نتحدث عن آفاق الفريق في التصفيات الأولمبية في خريف ذلك العام، عندما ذكرت أن زهرة ناديشيكو (superbus Dianthus، أو القرنفل الوردي) كان يثنى عليها في اليابان منذ العصور القديمة باعتبارها واحدة من سبعة نباتات في فصل الخريف. أعتقد أن العمل خارج حدود الأوساط الأكاديمية يتيح لي الفرصة لتحقيق الاستفادة القصوى من خلفيتي وتجاربي سواء كباحث أدبي أو كشخص قَسَّم حياته بين اليابان والولايات المتحدة.

اللغة باعتبارها وسيلة للفن

الصحفي: هل يمكن أن تخبرنا قليلا كيف أصبحت مهتما في البداية باللغة والثقافة اليابانية؟

كامبل: هاجر أجدادي إلى أمريكا من أيرلندا، ولقد نشأت في برونكس، ليس بعيدا عن إستاد يانكي. وخلال مرحلة المدرسة الإعدادية، انتقلت من نيويورك إلى كاليفورنيا وانتهى بي المطاف للالتحاق بجامعة كاليفورنيا بيركلي. كان ذلك خلال فترة السبعينات في ذروة ما بعد الحداثة، عندما كان لدينا شخصيات مثل ميشيل فوكو في الحرم الجامعي. وكانت اهتماماتي الرئيسية تَنصَّب على الفلسفة الحديثة والأدب والفن لكن في أحد الأيام عندما كنت طالبا في السنة الأولى، خلال محاضرة عن نابوكوف، تطرق الأستاذ لذكر رواية مشهورة في العالم كانت تُعرف تحت مسمى حكاية غنجي، والتي كُتبت في اليابان في القرن الحادي عشر(*١).

الصحفي: أ تقصد قمة العمل الكلاسيكي لجميع الأعمال الكلاسيكية!

كامبل: خرجت واشتريت نسخة من ترجمة ”إدوارد سايدن- شتيكر“ على الفور. ولا تنسى أن هذا حصل في الحقبة المعروفة ما بعد الحداثة حيث أعلن الناس بثقة ”نهاية الأدب“. وقد لمست شيئا في الأدب الياباني الكلاسيكي يغاير ذلك الاعتقاد ويُقَدِّم وسيلةً للابتعاد عن تلك الطريقة في التفكير. كنت آخذ محاضرة عن الفن الياباني في ذلك الوقت، حيث صادفت نوعا من الرسم يدعى Rakuchū rakugai-zu لأول مرة. هذه هي لوحات ستارية من فترة أزوتشي-موموياما (١٥٦٨-١٦٠٣) التي تصور من عيون الطيور مناظر في كيوتو وحولها، العاصمة في تلك الفترة. في هذه اللوحات الملفوفة في إطار ضبابي كانت هناك حشود من جميع الرتب ومناحي الحياة: الباعة النساء يحملن بضائعهن على أعمدة مثبتة على أكتافهن، والرجال يتقاتلون والكهنة البوذيون يطلبون صدقات وهِبات لقد شعرت آنذاك بالطاقة الهائلة المنبثقة عن تلك اللوحات.

الصحفي: ربما كانت تلك واحدة من أكثر الفترات نشاطا في كل التاريخ الياباني.

كامبل: أردت أن أرى المزيد من هذه اللوحات اليابانية، وسألت البروفيسور للحصول على المشورة. وقال لي: ”يمكنك رؤية هذه اللوحات أي وقت لذا يتوجب عليك تعلم اللغة أولا“. كان لدي الوقاحة للجدال. قلت، ”لدي زوج من العيون والأعصاب البصرية وأنا مثلك تماما“. ”لماذا يجب دراسة اللغة بغية رؤية اللوحات؟ من المؤكد أننا جميعا سواسية عندما نقف أمام لوحة؟“ قال لي البروفسور أنه إذا درست اللغة، سأكون قادرا على تعلم قصص الناس المصورة في هذه اللوحات. وأدراك مدى اتساع واجهات المنازل التي يعيشون فيها؟ ونوع العمل الذي مارسوه؟ ولماذا يضحك هذا الشخص؟ ولماذا يبكي آخر؟ اقتنعت، والتحقت في دورة لغة يابانية مكثفة للمبتدئين خلال العطلة الصيفية في السنة الجامعية الأولى. وإنني لاعتقد أن هذه كانت أكثر النصائح حكمة بين التي حصلت عليها من أي وقت مضى.

الصحفي: أَلم تَكُ محظوظا ليكون لديك معلم جيد مثل هذا!

كامبل: أخذت دروس اللغة اليابانية للمستوى المتوسط عندما كنت طالباً بالسنة الثانية، ثم خلال فصل الصيف قبل السنة الثالثة التحقت في برنامج لغة مكثف في كلية ميدلبري في فيرمونت وهذه الدورة سكنية مدتها شهرين لا يسمح خلالها استخدام أي لغة إنكليزية حتى استخدام الهاتف للاتصال بالأسرة أو بالأصدقاء ممنوع.

الصحفي: هل كانت تلك الدورة صارمة لهذه الدرجة؟

كامبل: نعم، وبعض الطلاب جن جنونهم لأنهم لم يستطيعوا التحدث مع صديقاتهم أو أصدقائهن!

الصحفي: أو ليس هذا نظام قاسٍ جداً!

كامبل: ولكن بفضل هذا البرنامج، تعلمت التحدث باللغة اليابانية. جئت إلى اليابان كطالب قبل السنة الدرسية الأخيرة. وفي وقت لاحق، أصبحت مهتما بالثقافة في فترة إيدو (١٦٠٣-١٨٦٨)، وعندما كان عمري ٢٧ صرت طالب أبحاث في جامعة كيوشو.

من إيدو لميجي

الصحفي: ما الذي جذبك إلى ثقافة إيدو؟

كامبل: محور بحثي هو ثقافة القرن التاسع عشر، بدءا من أواخر إيدو في فترة بونكا-بونسيي (١٨٠٤-١٨٢٩). وكان ذلك الوقت الذي بدأ فيه نشر الكتب اليابانية بشكل كبير، وذلك غالبا باستخدام الطباعة على القطع الخشبية. حيث طُبعت كل أنواع الأشياء: وتم وضع اللمسات الأخيرة وتثقيف العديد حول المعرفة والفلسفة وأدلة السفر، والكتب حول فشل المحاصيل والمجاعة، ودواوين شعر الهايكو المكتوبة من قبل أناس عاديين. فقد وُجِدت هناك أيضا أعمال دراسية للتعلم الذاتي من أجل الناس الذين يدرسون الكتب الأربعة والكلاسيكيات الخمسة عن التقاليد الصينية من تلقاء نفسهم. وعلى الرغم من أن الثقافة ”العالية“ أو الثقافة الرفيعة ذات الأقدمية، مثل شعر الواكا ورومانسية البلاط والشعر باللغة الصينية، ما زالت موجودة آنذاك ووضعها جيد، كانت ثقافة الجماهير ”الشعبية“ تتطور بشكل ديناميكي وعلى نطاق فلكي.

الصحفي: كان هذا في وقت قريب عندما بدأت السخرية من جانب ثقافة شعبية من مستويات أدنى غوغائية نوعا ما تظهر تجاه التقاليد والقيم الخاصة بالثقافة رفيعة المستوى، مثل ”Nise Murasaki inaka Genji (غنجي ريفي من قبل موراساكي زائف)“ من قبل ريوتي تانيهيكو، التي تحاكي وتسخر من حكاية غنجي.

كامبل: قد تكون بعيدة كل البعد عن أناقة الأعمال الأصلية، ومع ذلك فإن المحاكاة الساخرة من فترة إيدو غالبا ما تحتوي على رسائل وتلميحات جادة حول كيفية العيش. ومثال جيد آخر هو الرومانسية المفعمة بالضجيج ”Nansō Satomi hakkenden (السيرة الذاتية لثمانية كلاب)“ من قبل كيوكوتي باكين، الذي يصف حوادث خيالية تحصل في اليابان خلال فترة موروماتشي التي تم إعادة صوغها بأمانة(*٢). ثم هناك كتب ninjōbon التي تصور العواطف الإنسانية كقصص الحب مثل ”Shunshoku ume-goyomi (ألوان الربيع: تقويم الخوخ)“ و”Shunshoku harutsuge-dori (ألوان الربيع: نذير الطيور)“ من قبل تاميناغا شونسوي التي تصور علاقات الحب بين سكان القرية في فترة إيدو. حيث أن أدب تلك الفترة يجلب السرور الذي لا ينضب ومن بين الأشياء التي تجعل أعمال تاميناغا جذابة جدا يتمثل في التصوير الحي للمناطق المزدحمة من إيدو مثل شيناغاوا وفوكاغاوا، وأوصاف الرجال والنساء في ذلك الوقت وهيئتهم.

الصحفي: اليابان في تلك الفترة كانت بشكل ما مغلقة عن العالم الخارجي نتيجة لسياسة العزلة التي فرضتها شوغونية توكوغاوا. بعد أن أنضجت ثقافة مميزة خاصة بها خلال فترة إيدو، حولت اليابان نفسها بشكل كبير بعد إصلاحات ميجي في عام ١٨٦٨ وبدأت فجأة عمدا وبشكل استباقي في دمج التأثيرات الثقافية من الخارج.

كامبل: اعتمد اليابانيون نظام الكتابة الصينية خلال القرنين السادس والسابع، وقاموا بواسطة اللغة الصينية بتقديم الثقافة والحضارة الصينية. وعلى الرغم من أنهم وضعوا في وقت لاحق نظاما للكتابة باللغة اليابانية باستخدام رموز كانا الصوتية المستمدة من كانجي (الحروف الصينية)، فقد استمر اليابانيون في استخدام الـ kanbun (الصينية الكلاسيكية) باعتبارها وسيلة جادة للكتابة وصولا إلى عهد ميجي (١٨٦٨-١٩١٢). واستخدم المثقفون الـ kanbun لترتيب أفكارهم، وهذا وفر لهم تدريبا حيويا في فن بناء حجج منطقية. وكان ذلك لا يقدر بثمن عندما حولت اليابان اهتمامها نحو ثقافات الغرب. فإذا نظرتم إلى شخصيات أدبية كبيرة من عهد ميجي، على سبيل المثال، موري أوغاي الذي درس الألمانية، أو ناتسومي سوسيكي الذي درس اللغة الإنكليزية، أعتقد دون شك في أن الخبرة والانضباط العقلي التي تراكمت من خلال دراستهم للصينية الكلاسيكية كانت جزءا أساسيا ممّا جعل من الممكن بالنسبة لهم ترجمة الأدب الأجنبي والفلسفة إلى اللغة اليابانية وعلى نحوٍ عال من توخي الدقة. سيما وأنه لدى اليابان تاريخ طويل من دمج الثقافة الصينية، وهذا ما قَدّم أساسا ضروريا عندما وصل الأمر إلى تعلم لغات وثقافات الغرب في عهد ميجي. أعتقد أن هذا الإرث يستمر في إبلاغ الثقافة اليابانية لهذا اليوم.

الصحفي: هل كان هناك نوع معين من الطاقة في الثقافة اليابانية سمح لها حينئذٍ باستيعاب الأدب والفكر من الثقافات الأخرى بهذا النجاح؟

كامبل: تولت اليابان خطواتها الأولى نحو التحول إلى دولة حديثة موحدة مع إصلاحات ميجي عام ١٨٦٨. وكان ذلك بعد ثلاث سنوات فقط من إنتهاء الحرب الأهلية الأمريكية. وفي أوروبا كانت إيطاليا وألمانيا تسعيان للاتحاد في نفس الوقت تقريبا وفي هذا السياق وفي إطار إعادة تنظيم نطاق عالمي في البلدان والمناطق، خضعت اليابان لإصلاحات ميجي، وبدأت تشكيل نوع جديد من الثقافة، جنبا إلى جنب مع نمط جديد من الكتابة النثرية على أساس اللغة المنطوقة. في الواقع، ولعل هذا هو واحد من المشاريع التي أود متابعتها على مدى السنوات القليلة المقبلة لجني نظرة جديدة على الثقافة اليابانية من فترة بونكا-بونسيي في عصر ميجي من وجهة نظر التاريخ العالمي.

الصحفي: هل المعرفة حول هذه الفترة تساعد على تسليط الضوء على أي من القضايا التي تواجه المجتمع الياباني اليوم؟

كامبل:  تميزت فترة إيدو بالتسلسل الهرمي الاجتماعي المحدد بدقة. وفي هذا السياق وُضعت ثقافة الجماهير ”المنخفضة“ أو الشعبية من خلال دمج عناصر الثقافة ”الرفيعة“ من النخبة. في عصر ميجي، وقد استوعبت اليابان أدبيات الغرب باستخدام المفردات المستمدة من الصينية. وفي كلتا الحالتين، اعتمدت الثقافة اليابانية موقفا إيجابيا وعملت بشكل استباقي لامتصاص التأثيرات الثقافية من داخل وخارج البلاد. وقد يكون صحيحا أن هناك أقل من هذا الطموح والطاقة اليوم. إذا نظرتم إلى روايات الكتاب الشباب اليوم، فالكثير منهم يميلون إلى أن تكون محدودة للغاية في المنظور - كثيرا ما تجري الأحداث في المدارس ويتم التركيز بشكل ضيق على الحياة اليومية لبطل الرواية وبضعة أشخاص آخرين. أشعر بالقلق أحيانا حول كيفية استعادة اليابانيين شيئا أكثر عمقا لثقافتهم في السنوات القادمة.

الصحفي: المانغا اليابانية (الرسومات) والأنيمي (أفلام الرسوم المتحركة) تكتسب شعبية متزايدة في الخارج، كجزء من ظاهرة ”كوول اليابان“.

كامبل: أنا أحب المانغا شخصيا وهناك الكثير من العناوين الجيدة هناك. ولكن وظيفتي هي أن تجعل الناس يدركون أن اليابان لديها الكثير لتقدمه وأكثر من مجرد الأنيمي والمانغا بين الفن والأدب في فترة إيدو على سبيل المثال، كما نلحظ ذلك أيضا في أعمال كُتاّبٍ معاصرين ومشهورين مثل أوشيدا هياكين وتانيزاكي جونيتشيرو.

طعم الصدفة

الصحفي: حصدت كارثة الزلزال وتسونامي في ١١ مارس/آذار ٢٠١١ الآلاف من الأرواح، ودمرت مساحات شاسعة من منطقة توهوكو. كيف كان تأثير الكارثة عليك؟

كامبل: زهر الكرز ساكورا هو واحد من الرموز المعروفة في اليابان. وقد احتفل بجمال الزهور في الربيع في شعر الواكا وغيره أشكال الأدب لقرون عديدة. هناك تعبير قديم يعود تاريخه إلى فترة هيان (٧٩٤-١١٨٥): سوميزومي ساكورا - أزهار الكرز المصبوغة باللون الأسود كالحبر وهذه الفكرة أتت من أسطورة تحول فيها لون أزهار الكرز إلى الأسود في حِداد بعد وفاة شخص ما. وكنت أتوقع أنه قد يكون من الصعب التمتع بالساكورا في ذلك العام، حيث آثار الكارثة لا تزال ماثلة. لكن عندما ذهبت لرؤية الأزهار في حديقة شينجوكو غيوئن، أدركت مرة أخرى كم هي جميلة في الواقع. لقد سمعت العديد من الناس يقولون إن الأزهار كانت واحدة من الأشياء التي أعطت التشجيع والقوة لسكان التوهوكو بعد وقوع الكارثة.

الصحفي: وقد مثلت أزهار الكرز مجموعة واسعة من العواطف اليابانية على مر السنين. تقول أحد أشعار واكا الشهيرة من القرن التاسع للشاعر أونو نو كوماتشي، على سبيل المثال:
Hana no iro wa / utsurinikeri na / itazura ni / waga miyo ni furu / nagame seshi ma ni
الأزهار الذابلة/تتلاشى ألوانها/بينما أنا/أقضي أيامي حزيناً/ويستمر المطر

كامبل: اليابان بلد ينعم بفصول تتغير بشكل جميل، ولكن في الوقت نفسه، يعاني كثرة الكوارث الطبيعية، مثل الأعاصير والزلازل والتسونامي. جعلتني الكارثة الأخيرة أفهم كيف شكلت قوة هذه البيئة التي لا يمكن التنبؤ بها تطوير الحس الياباني المتميز تجاه الزوال. ويتجسد ذلك من خلال فكرة مونو نو أواري، والتي تترجم أحيانا ظهور شعور الشفقة. في فترة إيدو، واستخدم اليابانيون تعبير kobore-zaiwai، الذي يصف لحظة غير متوقعة من السعادة- وأعتقد أننا يمكن أن نسميها ”الصدفة“. الإدراك أن العالم من حولنا لن يستمر إلى الأبد يجب أن يجعلنا نكنز بشكل أكبر فرص اللقاءات ولحظات السعادة القصيرة التي تنشأ في مجرى حياتنا. وكان هذا النوع من الحساسية نقية القلب سِمَةً نموذجية في اليابان خلال فترة إيدو.

الصحفي: الفكرة هي أننا يجب أن نأخذ الوقت لتذوق ملذات ولحظات قليلة من السعادة التي تأتي طريقنا؟

كامبل: اسمحوا لي أن أقدم لكم مثالا. في أوائل شهر مايو/أيار أتيحت لي الفرصة لزيارة العديد من مراكز الإجلاء في منطقة توهوكو المدمرة جراء الكارثة. ولم يكُ بَعد قد تم استعادة إمدادات الكهرباء، وكان الناس يقومون بالطهي على مواقد الغاز. وأمضت واحدة من الشابات قرابة ساعتين على أحد التلال القريبة وعادت مع دلو كامل من النباتات البرية الصالحة للأكل. كان الجميع سعداء، وبدأ الناس إعداد وجبة من أعشاب ونباتات جَلَبَتها هذه الفتاة وحتى في خضم هذه الظروف الرهيبة كان الناس لا يزالوا قادرين على التعبير عن الامتنان لنِعَم الطبيعة من النباتات، ولجهود المرأة التي كان قد ذهبت لجمعها. وعلى الرغم من كل شيء، وبعبارة أخرى، فإنهم ما زالوا قادرين على تذوق لحظات الحياة القصيرة من kobore-zaiwai. من جهة أخرى، تخطت الصين اليابان مؤخرا كثاني أكبر اقتصاد في العالم، والناس تحذر من أن آثار كارثة ١١ مارس/آذار سيسبب انزلاق القوة الاقتصادية اليابانية إلى أبعد من ذلك. ولكن في الوقت نفسه، يمكن أن توفر هذه الكارثة أيضا فرصة للناس لإعادة تقييم نمط الحياة اليابانية الحديثة. ربما سيستعيد الناس نظام القيم اليابانية التقليدية، الذي يؤكد على أهمية وجود علاقة متناغمة مع الطبيعة. وهذا قد يؤدي إلى أنواع جديدة من التعبير الثقافي.

الصحفي: ما هي أفضل طريقة للأجانب لتجربة هذا النوع من الثقافة اليابانية الذي تتحدث عنه؟

كامبل: بطبيعة الحال فإن أفضل طريقة هي يأتي الناس إلى اليابان ويقوموا باكتشاف البلد بنفسهم. وغالبا ما يفترض الناس أن اليابان يجب أن تكون مكانا مكلفا للزيارة، خاصة مع ارتفاع قيمة الين مقابل العملات الأخرى في الوقت الراهن. ولكن في الواقع يمكنك العثور على تذاكر ذهابا وإيابا من الولايات المتحدة مقابل أقل من ٦٠٠ دولار، وفي طوكيو هناك أماكن إقامة تكلفتها منخفضة تصل لحوالي ٢٠٠٠ إلى ٢٥٠٠ ين في الليلة الواحدة. واليابان مكان من السهل جدا زيارته هذه الأيام. طوكيو أو كيوتو حيث لا يهم كثيرا أين تذهب وبوسع الزائر قضاء بضعة أيام بالتجوال ومحاولة العثور على شيء يناسب الذوق الشخصي الخاص به. ليدي غاغا، على سبيل المثال، من أشد المعجبين بمحل صغير جدا لمعكرونة الصوبا التي تؤكل وقوفا في محطة طوكيو للقطارات. وإنّني لأعتقد أن هذا هو تقريب جيد فبمجرد بدء المشاهدة، ستجد اليابان الخاصة بك، اليابان التي تناسب الأذواق والاهتمامات الخاصة بك

الصحفي: شكرا لتوفير هذا المتسع من الوقت للتحدث معنا حول هذه طائفة واسعة من المواضيع وبعد ما عشت فترة طويلة في اليابان، وأصبحت بذلك متأقلماً مع الحياة هنا، هل يقول لك الناس إنك تغيرت عندما تعود إلى الولايات المتحدة؟

كامبل: أسمع هذا في بعض الأحيان. مرة واحدة، عندما كنت في أحد المطاعم في الولايات مع أختي، ودون وعي أمسكت صحن المعكروني أمامي وبدأت أكله ...

الصحفي: رفع الطبق باليد من المائدة هو عرف ياباني بشكل خاص؟

كامبل: بالتأكيد ليس هذا شيئا يمكن لأميركي فعله عادة.

الصحفي: يجب أن تعترف أن هذا مريح جدا..

كامبل: لا بد لي من القول، مع ذلك، أن أختي وَبَخّتني وقد شعرت بالحرج (يضحك).

(المقالة الأصلية باللغة اليابانية بتاريخ ٣ أكتوبر/ تشرين الأول ٢٠١١. بُناءً على مقابلة أجراها عن قسم الإعلام الثقافي بصحيفة يوميوري شيمبون السَيّدان أوكاي تيتسو- نائب رئيس تحرير وماتشيدا شينيا - صحافي مع الأستاذ روبرت كامبل. الترجمة من الإنكليزية.)

(*١) ^ حكاية غنجي (غينجي مونوغاتاري) هي أقدم رواية خيالية نثرية في اليابان كتبتها موراساكي شيكيبو، إحدى سيدات البلاط الإمبراطوري. تعود على الأقل إلى عام ١٠٠٨، وتصف حياة وحب الأمير غنجي ”الرائع“، أحد النبلاء المولود لواحد من أقران مرتبة متدنية من الإمبراطور. يظهر أكثر من ٤٠٠ شخصية في الفصول الـ ٥٤ من هذا العمل، الذي يحتل أكثر من ١٢٠٠ صفحة في إصدار اللغة الإنكليزية.

(*٢) ^ كتبت Nansō Satomi hakkenden أو ”السيرة الذاتية لثمانية كلاب“ في أواخر فترة إيدو من قبل كيوكوتي باكين. تقع أحداث القصة في فترة موروماتشي (١٣٣٣-١٥٦٨) وتصف هذه الرواية الملحمية من المغامرة مآثر ثمانية شبان ولدوا من علاقة بين الأميرة فوسي من عشيرة ساتومي من أوا والكلب البطل ياتسوفوسا. وبُدءَ بنشر الرواية عام ١٨١٤ واستمر لمدة ٢٨ عاما. ويتألف هذا العمل الضخم من ٩٨ فصول في ١٠٦ مجلد.

اللغة اليابانية حكاية غينجي