الطريق نحو حقوق الإنسان

سياسة مجتمع

صاحب السمو الملكي الأمير الحسن بن طلال ساهم بجهوده لسنوات عديدة في تعميق التفاهم بين مختلف الدول التي تشكل منطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا. حاوره في مسقط رأسه بالأردن الدبلوماسي الياباني السابق "نيشيمورا متسو يوشي" في مختلف القضايا خلال انعقاد منتدى WANA ٢٠١٢ في الاردن.

صاحب السمو الملكي الأمير الحسن بن طلال، المملكة الأردنية الهاشمية HRH Prince El Hassan bin Talal

الأمير الحسن ولد عام ١٩٤٧ هوعم الملك عبد الله الثاني ملك الأردن، وشقيق الملك الراحل الحسين، أوكل إليه في فترة حكم الملك الراحل وبصفته وليا للعهد التعامل مع الشؤون الداخلية والخارجية، وكان طيلة تلك الفترة أقرب مستشاريه السياسيين إضافة إلى القيام بمهام نائب الملك أثناء فترة غياب الملك الراحل طيب الله ثراه-كان لجهود سموه وطروحاته في قضايا مختلفة على المستوى المحلي والاقليمي والدولي تأثيراً كبيرا، ويعرف أيضا باسم رجل الثقافة والفكر، وقد حصل الأمير الحسن علي العديد من الدرجات العلمية الفخرية من عدة جامعات عالمية، وله دور نشط ومؤثر في المنظمات العالمية المختلفة، بما في ذلك العمل بصفته المشرف السابق (والرئيس الفخري الحالي) للمؤتمر العالمي للأديان من أجل السلام، رئيس اللجنة الاستشارية المعنية بالسياسات في المنظمة العالمية للملكية الفكرية، ورئيس نادي روما.

 انطلقت فاعليات منتدى WANA في أبريل ٢٠٠٩، وهو منتدى للحوار يتناول القضايا التي تؤثر على منطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا تغطية القضايا التي تشمل مواضيع مثل الاقتصاد، البيئة، التعليم، المشاكل الاجتماعية، بمشاركة واسعة من المثقفين وغيرهم من الخبراء من بين مجموعة من الدول المختلفة المشاركة في المناقشات.

 عقد المنتدى الرابع (WANA) في ٢٠١٢ لمعالجة موضوع ”الهوية“، وشارك المنتدى حوالي ٧٠ مشاركا من ٢٧ دولة أعضاء في (WANA)، فضلا عن 10 خبيرا من دول خارج المنطقة، بما في ذلك اليابان.

يسعى منتدى (WANA) ومنذ تأسيسه إلي كيفية إيجاد السبل من اجل تنمية وتطوير المنطقة، بدعم من صاحب السمو الملكي الأمير الحسن بن طلال رئيس المنتدى. وشهدت هذه الفترة اندلاع الثورات الشعبية وما نتج عنها من حراك اجتماعي، والذي أصبح يطلق عليه الأن اسم ”الربيع العربي“، الذي حرر الشعوب العربية من الأنظمة الاستبدادية التي جثمت على صدورهم لما يقرب من أربعة عقود، يدور موضوع  المناقشة حول مسألة أي الاتجاهات التي سوف تسلكها تلك المجتمعات في المستقبل. وقد تم اختيار ”الهوية“ كموضوع للمنتدى (WANA) لمناقشة كيفية تشكيل ”هوية“ المنطقة للوصول للتطورالذي حصل في اليابان إبان حقبة الحرب العالمية الثانية.

مقابلة ”نيشيمورا“ الدبلوماسي الياباني السابق مع الأميرالحسن لمناقشة القضايا الإقليمية والاستماع إلى أفكاره حول ما هو مطلوب للتوصل إلى هوية يمكن أن تجمع بين العرب ومنطقة (WANA) ككل.

لاعبين جدد في المنطقة

نيشيمورا:  بخصوص غرب آسيا وشمال أفريقيا، هل يمكن أن توضح لنا سموك الرؤية الخاصة بك وقراءتك المستقبلية الخاصة بالمنطقة، وكيف تراها بعد عشرة أو خمسة عشر عاما من الآن؟

الأمير الحسن: بخصوص ما الذي ستؤول إليه المنطقة في المستقبل بعد عشرة أو خمسة عشرعاما إذا فكرنا بالمعطيات الحالية، بمعنى أن القوى الاقتصادية ستتمثل في تركيا وإسرائيل. وهناك أيضاً إمكانية لإيران بعد التوصل إلى اتفاق مع المجتمع الدولي، فقط إذا تم تسهيل المناقشة لتحقيق انفراجاً في الأزمة والوصول إلي حل بشأن قضية أسلحة الدمار الشامل في المنطقة عن طريق إدراك إيران للضرورة القصوى لحل تلك المشكلة حتى ننتهي منها.

ولكن ما اعتقد أنه مهم هو أن غرب آسيا هو همزة الوصل بين شرق آسيا وجنوب آسيا، من جهة، والغرب (وهذا يعني أوروبا ودول شمال الأطلسي) من جهة أخرى. ولكن الآن، مع تحول الاهتمام إلى شرق آسيا، من المثير للاهتمام أن نلاحظ أن الاقتصادات الناشئة، الواقع السياسي والنمو الاقتصادي الصيني يجذب انتباه الولايات المتحدة، وتجدر الإشارة هنا إلى استعراض القوة الذي تقوم به الصين في بحر الصين الشرقي، وبحر الصين الجنوبي. وايضا ظهور الأسطول الصيني مؤخراً على الساحة في غرب آسيا، فها نحن نرى الأسطول الصيني يقوم بزيارة المنطقة في الآونة الأخيرة وكانت آخر مرة بميناء ”جدة“ على البحر الأحمر، في المملكة العربية السعودية نرى أيضاً اهتمام روسيا بخط أنابيب النفط التركي ”باكو جيهان“ الذي يمر عبر الأراضي التركية. لذلك السبب ظهر لاعبين جدد بالمنطقة ممن يسعون وراء تلك المصالح.

أما بالنسبة لإسرائيل نجد أن هناك حالة من الاستقطاب خاصه بموضوع الهوية، لأنه حتى ضمن اليهود أنفسهم هناك اختلافات وانقسامات في بلد المنشأ أو مسقط الرأس أو المنطقة التي هاجروا منها. وقد أدى هذا الاستقطاب إلى بناء جدارعازل يفصل بين إسرائيل والسكان الفلسطينيين. وهناك أيضا الجدار العازل الذي ارتفع في أذهان وعقول الناس، بين المتشددين من ناحية، والليبراليين والذين يشككون في الحاجة إلى التقسيم من ناحية أخرى، وهذا تقسيم عنصري كما يحلو للبعض أن يطلق عليه.

وهذا يحدث في سياق ”الربيع العربي“ وما كان يطلق عليه ”الصيف الإسرائيلي“، حيث طفت إلى السطح مظاهرالسخط الشعبي متمثلة في شكل احتجاجات غاضبة، وظهر في أجزاء كثيرة من العالم أيضا العديد من المشاكل المتعلقة بقضايا مثل الظروف المعيشية، المعاشات، التعليم، الميزانية والكرامة الإنسانية.

ضرورة إنشاء مؤسسات إقليمية

نيشيمورا: إن التطورات الأخيرة يبدو وكأنها كانت بمثابة جرس إنذار لإسرائيل. 

الأمير الحسن: بالضبط. هناك عوامل مشتركة من عدم الرضا والسخط الاجتماعي، بالإضافة إلى المواجهة بين الدول، وهو من بقايا المواجهة التاريخية بين الدول. أعطيك بعض الأمثلة على هذه الصراعات، تلك بين إسرائيل والدول العربية، الخلافات والنزاعات بين الدول العربية، النزاع التركي الكردي، فضلا عن المخاوف الإيرانية بشأن مستقبل العراق ووجود قوات التحالف في العراق. فبدلا من الاستقرار، فان الواقع الذي نراه الآن هو نوع من أنواع التقسيم والتشرذم أو بلقنة المنطقة. 

نيشيمورا: موضوع المنتدى (WANA) عام ٢٠١٢ هو”الهوية“؛ ما هي وجهات نظركم حول هذا الموضوع من فيما يتعلق بالعالم العربي؟ 

الأمير الحسن: فيما يتعلق بـ ”الهوية“ وما يمكن تسميته ”الهوية المؤسسية“ أرى أن هناك مشكلة واحدة وهى عدم وجود أوغياب المنظمات الإقليمية الاقتصادية والاجتماعية الفعلية التي تمثل المنطقة. وعندما أشير إلى المنطقة، آمل أن تشمل المنظمات جميع دول المنطقة. 

أعتقد أنه إذا كنا نتحدث عن استقرار السكان في المنطقة، من المهم بشكل كبيرالحث على الانضمام إلى القيم المعيارية لمبادرة هلسنكي حول العولمة والديمقراطية، والمبادرة المشتركة بين فنلندا وتنزانيا بهدف حل المشاكل المتعلقة بالعولمة من خلال الحوار الذي ينطوي على وجهات النظر المختلفة للأطراف المعنية. هذه القيم تقوم اساساً على ضمان كرامة الإنسان والنمو الإقتصادى المواكب للتنمية الإجتماعية أكثر من مجرد مصالح مهدية أو شخصية يجب تقديم بدائل ملموسة للمعضلات والمشاكل القائمة حتی يستطيع أن يحصل الناس على حقوقهم. لماذا لا يوجد ميثاق اجتماعي في منطقتنا، ولا يوجد كود أو قانون  لقواعد السلوك في الحوار بين المتدينين من مختلف الأديان؟ لماذا لا يوجد لدينا صندوق للتضامن الاجتماعي؟

أعتقد أن الإجابة على هذا السؤال تكمن في أن هويتنا متأرجحة وتعتمد علي التأثيرات من القوى الخارجية. تتم إدارة صناديق الثروة السيادية للبلدان في منطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا من قبل الناس الذين ليسوا من هذه المنطقة. على سبيل المثال اذا قدم البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير اي دعم للمنطقة فهم فقط من يحدد الأولويات تماماً مثل البنك الدولي، اذن النتيجة هي أنه لا يوجد هناك شراكة، سواء فيما يتعلق بالثروات السيادية في المنطقة، أو بين المؤسسات الدولية.

ما أطمح إليه هو أن يشهد العقد القادم التعاون بين المنظمات والمؤسسات الإقليمية في العالم العربي والإسلامي والمؤسسات الغربية، ودول مجموعة الثماني الصناعية الكبرى (أو حتى دول مجموعة العشرين) بهدف الانتقال من الأحادية، (الأحادية الصارمة)، إلى التعددية والاحترام المتبادل، يجب احترام وتقدير إسهامات منطقة غرب آسيا للمجتمع الدولي. ومن شأن ذلك أن يجمع بين الهوية العربية وغير العربية التركية، الإيرانية، ومنطقة غرب آسيا وربما تمتد لتشمل أفغانستان، وباكستان، والهند. وبهذه الطريقة، يمكن أن نشكل حلقة أتصال قوية في سلسلة تربط بلدان البحر الأبيض المتوسط من أوروبا وجنوب آسيا وغرب آسيا، وجنوب شرق آسيا.

المخاوف المتزايدة من المتشددين

نيشيمورا: ما هي بعض التحديات الأخرى التي تتعلق بموضوع  الهوية في المنطقة؟ 

الأمير الحسن: إذا بقيت المنطقة حقلاً للصراع، فإن ذلك سيشجع علي صعود الأصوليات اليمينية المتشددة، بشكل عام. يبدو لي أن هذه المدارس الجديدة والمجموعات المتنوعة، مع أسمائها المختلفة، والتي تخطف وتؤذى الناس ليست مدارس للفقه الإسلامي وليس لهم أية علاقة بالإيمان والتدين. فالإسلام ليس كما تطرحه تلك الأفكار. 

لذلك آمل أن يسود مفهوم التشاور بين المسلمين في مكة المكرمة بشكل خاص في السنوات العشر القادمة، وأن تؤخذ تلك المفاهيم على محمل الجد. أملي هو أن  يتشاور المسلمون مع بعضهم البعض، وأن يعلنوا مواقفهم من القضايا الملحة  في الوقت الراهن مثل : كرامة الإنسان، والحق في الحياة، وتحريم كل أشكال التمييز وهلم جرا.

وأعتقد أنه في حالة إستمرار حكم الجماعات السياسية التي تحاول بكل قوة أن تخطف ثورات شعوب بلدان الربيع العربي لخدمة أطر أيديولوجية أوأفكار معينة، فإن مستقبل المنطقة بعد عشر سنوات حسب إعتقادى لن يكون مستقراً بحيث يسمح لها بالتعاون مع بقية بلدان العالم، بل ستكون منطقة تتغذى على الألم والصعاب.

وأعتقد أن شريان الحياة تأثر في المنطقة بسبب الصراعات والحروب التي دامت لأكثر من قرن الآن. هناك مقولة تقول ”أنا على حق وأنت على باطل“، وهو نوع من الاعتقاد السائد بين كل مجموعة أن هي فقط التي لديها احتكار للحقيقة من دون الأخرين، سواء الحقيقة الإسرائيلية، الحقيقة العربية، وحقيقة غير العربي غير المسلم، أو على حقيقة التدخل الذي تتعرض له المنطقة من خلال صفقات السلاح والتلاعب في أسعار النفط (دعونا نواجه الأمر). بسبب هذه المماراسات والأفكار لا يوجد لدينا مؤسسات قادرةعلى الاستجابة السريعة المسؤولة لمجابهة سياسة الإرتجال التي خضعنا لها وعانينا منها طويلاً.

هذا هو السبب في إيماني بأهمية وجود صيغة تمكن مشاركة السياسيين الذين يقفون على قمة المثلث الذي يتألف من ثلاث جهات وهم المجتمع المدني والقانون الإنساني والفكر الاقتصادي الاجتماعي، وآمل أن يساعد هذا الجمع علي تشجيع وتحريك هؤلاء الذين يفكرون في المنطقة ليس فقط من المنظور الإحصائي ولكن من خلال المسؤولية الملقاة علي عاتقهم هم والسكان من أجل التغيير. 

نيشيمورا: أنا متفق معك تماماً. أعتقد أن هذه الجوانب الإنسانية في غاية الأهمية، لأن ما زال هناك نزعة في اليابان لمشاهدة المنطقة من منظور اقتصادي ضيق. 

الأمير الحسن: فيما يتعلق بهذا الموضوع، لاحظت أن هناك مقال في ”هيرالد تريبيون الدولية“ من قبل ”بيترساذرلاند“ داعيا إلى ”مسؤولية الإنسان“ بشكل أكبر فيما يتعلق بالعجز الهيكلي الاجتماعي في أوروبا. على سبيل المثال لماذا لم يتم اختيار رئيس المجلس الأوروبي بالانتخاب؟ لماذا لا يوجد المزيد من الاهتمام بالنقاشات العامة حول السياسات الاقتصادية؟ هذا يعيدني مرة أخرى إلى العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية.إذا كان هذا هو الحال في أوروبا، أعتقد أنه ينبغي تطبيق نفس المعاييرعلى منطقة غرب آسيا. المشكلة ليست مسألة الديون الوطنية أو نقص الموارد، بل المشكلة الأهم هي العجز في الكرامة الإنسانية. واستعادة التوازن الهيكلي، لإشراك الناس في اختيار مصيرهم، سواء كانوا نساء أو شباب أو مجموعات ضغط مختلفة. ولكن هذا وحده لا يكفي.

نحن بحاجة إلى ”معيار للجدارة“ إذا كنا في طريقنا لتحقيق الانتقال إلى هوية جديدة، هوية أكثر إنسانية بمشاركة الناس، بما في ذلك الشباب الذين هاجروا إلى جميع أنحاء العالم من قبل بالملايين - ما يسمى بـ ”الهجرة العربية“، وكثير منهم من ذوي القدرات والمهارات العالية. هذا المعيار للجدارة“ ضروري لهم من أجل المساهمة في إعادة إعمار المنطقة. ويجب أيضاً أن نصغى إليهم جيداً.

نظرة على النموذج الياباني

نيشيمورا: وأخيرا، هل لدى سموك أية رسالة تريد أن توصلها أو شيء تريد مشاركته فيما يتعلق باليابان وآسيا ؟

الأمير الحسن: حسنا في الختام، أود أن أعود إلى النقطة الأولى. أنا والغالبية العظمى من شعوب غرب أسيا نكن احتراماً حقيقياً وإعجاباً بالأخلاقيات اليابانية، لأنها استطاعت المزج والجمع بطريقة عبقرية بين الجانب التجريبي التقليدي والحديث أيضا. وفي هذا الصدد، أود أن أؤكد على أن ما أسميه ”صيغة الحقيقة“، وهي الصدق مع نفسك، الصدق مع الآخرين، والصدق مع البيئة الاجتماعية والاقتصادية الخاصة بك (أو مع البيئة الخاصة بك المادية والبشرية). ويمكن فهم ذلك على أنه عامل تحفيز لجهود إعادة الإعمار في اليابان بعد كارثة الزلزال والتسونامي ١١ مارس/ أذار.

ونحن بالطبع ندرك ونتفهم البعض من معاناة الشعب الياباني بعد أن تم استهدافه بالقنبلة النووية في الحرب العالمية الثانية. فالإنسان يضطهد أخيه الإنسان، ويتعامل بوحشية مع الطبيعة ويعرضها لخطر الحرب الأمر الذي من شأنه أن يعيد الأرض حرفياً وبكل معنى الكلمة الى صحراء مره أخرى. يجب علينا إعادة بناء وإعمار البيئة مرة أخرى من أجل البشرية، ومساحات لحياة الإنسان ليس فقط للعيش ولكن للازدهار والرفاهية. لذلك أعتقد أن منطقتنا يمكن أن تنظر إلى اليابان؛ كبلد بعيد عنا جغرافياً ولكن لديه ذلك القدر من الفطنة التي نحن في أمسَ الحاجة إليها.

(تمت المقابلة في ٣٠ مايو/ أيار ٢٠١٢، الترجمة من اللغة الإنكليزية، الصور مهداة من مؤسسة نيبون) 

مؤسسة اليابان الربيع العربي العرب الإسلام الشرق الأوسط الأردن العراق