مستقبل الاقتصاد المصري.. إلى أين؟

سياسة اقتصاد

تولى الدكتور محمد مرسي رئاسة جمهورية مصر العربية بعد أول انتخابات تجري في مصر بعد الإطاحة بنظام مبارك في ثورة شعبية في يونيو/ حزيران ٢٠١٢. ثم تم تعيين الدكتور هشام قنديل رئيسا للوزراء. لكن بعد الثورة تدهور حال الاقتصاد المصري بشدة، وقلت معدلات النمو بدرجة كبيرة، كما تأكل احتياط النقد الأجنبي بصورة رهيبة في ظل تعثر واضح في مفاوضات صندوق النقد الدولي. إلتقينا مع رئيس الوزراء على هامش فعاليات مؤتمر طوكيو الدولي الخامس لتنمية أفريقيا (تيكاد ٥) وسألناه عن تصوراته عن كيفية انعاش الاقتصاد المصري المنهك، كما سألناه أيضاً عن العلاقات المصرية اليابانية وآفاق التعاون بين البلدين.

هشام قنديل Hisham QANDIL

رئيس وزراء جمهورية مصر العربية. ولد عام ١٩٦٢. تخرج من كلية الهندسة بجامعة القاهرة سنة ١٩٨٤، وحصل على درجتي الماجستير والدكتوراه من جامعتي يوتا ونورث كارولينا بالولايات المتحدة الأمريكية عامي ١٩٨٨ و١٩٩٣. بعد عودته الى مصر التحق بالمركز القومي لبحوث المياه ومنح وسام الجمهورية من الطبقة الثانية في عام ١٩٩٥. وتولى منصب مدير مكتب وزير الموارد المائية والري لشؤون مياه النيل خلال الفترة من ١٩٩٩ حتى ٢٠٠٥ وعين كرئيس لقطاع مياه النيل. تم تكليفه بحقيبة وزارة الموارد المائية والري في حكومة عصام شرف المؤقتة بعد الثورة واستمر في حكومة الجنزوري. في ٢٤ يوليو ٢٠١٢ عينه الرئيس محمد مرسي رئيساً لمجلس الوزراء.

الإصلاحات الاقتصادية وقرض صندوق النقد الدولي

السؤال: لم يرتفع النمو في مصر عن معدله في الماضي. فقد كان النمو ٧٪ قبل الثورة وبعد ذلك أصبح ١٫٧٪ والعام الماضي كان ٢٫٢٪. هل لك أن تعلق على الأمر؟

تم الإطاحة بنظام مبارك بعد ثلاثة عقود من الحكم اثر ثورة شعبية عارمة اندلعت في ٢٥ يناير/ كانون الثاني ٢٠١١.

النمو مهم جداً ولكننا نريد أن نتأكد أنه ينعكس أيضاً على الفقراء. فقد كان محصوراً في مجموعة ضيقة من الأغنياء ولم يصل للفقراء منه شيء أبداً. وهذا هو السبب وراء تركيزنا على الاستثمار في المشاريع الصغيرة والمتوسطة الحجم، كما نرغب في إنفاق الأموال التي يتم توفيرها من ترشيد الإعانات في القطاع الاجتماعي مثل التعليم والصحة. إن الاستثمار في الموارد البشرية هو الاستثمار الأفضل للمستقبل

يمكن أن تحقق أرقام نمو مرتفعة بشكل كاذب تصل إلى ٦ أو ٧ في المائة كما كان الحال عليه من قبل، ولكن الناس لن تشعر به أو تراه. نريد أن نحقق نمواً يبلغ ٧٪ ولكن عندما نقوم بذلك، وعندما نحقق نمواً بنسبة ٧٪ فإننا نريد أن نتأكد من أن المصريين يشعرون بهذا النمو.

السؤال: إذا كنتم ستقومون فعلاً باستئناف المحادثات مع صندوق النقد الدولي يجب عليكم أن تفكروا بخفض معاشات الموظفين الحكوميين والإعانات وهكذا دواليك. لقد تعرضت مصر للكثير من الانتقاد بسبب تلك النقاط في التاريخ الحديث. ماهي خطتك للدفع تجاه المفاوضات؟


أولا برنامجنا هو برنامج وطني وهو برنامج محلي. يجب علينا تنفيذه. ليس لدينا بديل غير زيادة الإيرادات وترشيد نفقاتنا. لا نتحدث عن خفض الرواتب على الإطلاق. فالرواتب منخفضة في مصر، فهي ليست كما هو الحال في أوربا أو في أماكن أخرى من العالم والتي يمكن أن تخفض الرواتب فيها. الرواتب منخفضة بشكل مسبق. يمكن أن نرشد إعانات المحروقات وقد بدأنا بذلك منذ الأول من يونيو/ حزيران.

وشرعنا أيضاً بنظام البطاقة الذكية لتوزيع الغذاء، كأول جزء من خطة بمرحلتين. وستبدأ المرحلة الثانية في يوليو/ تموز حيث سنكون قادرين على ترشيد توزيع الغاز والديزل للعامة.

السؤال: كيف ستقومون بذلك؟

هناك الكثير من عمليات التهريب للوقود المدعوم حكومياً، حيث إننا نستورد الوقود بدولار لليتر الواحد تقريباً ونبيعه بعشرين سنتا. ولكن يُهرب الوقود المستورد إلى الخارج ويُعاد استيراده.

ولذلك فإننا نريد أن نقوم بالترشيد لمنع عمليات التهريب تلك، الأمر الذي سيوفر لنا الكثير من النقود كما أننا سنقوم ببعض الترشيد في التوزيع وهو أيضا سيوفر لنا بعض النقود.

فقطاع السياحة على سبيل المثال لن ينال إعانات وقود في وقت لاحق من هذا العام. وسيكون عليهم دفع سعر أعلى. يحتاج هذا القطاع إلى دعم ولا يمكن رفع الدعم عنه فوراً، يجب أن يتم الأمر بالتدريج. ولكن بنفس الوقت، من غير المنطقي أن نستمر بتقديم الوقود المدعوم حكوميا له. يجب أن يتم ترشيده.

لدينا بعض الإجراءات قيد التنفيذ للعناية بطبقة الفقراء وسريعي التأثر. بالتأكيد سيتأثرون ولكننا بحاجة إلى التخفيف من التأثير أكبر قدر ممكن من خلال برامج اجتماعية تتعلق بالإسكان والتقاعد والتعليم وأمور أخرى مشابهة.

لذلك أعتقد إنه برنامج متوازن أن نقوم بالتفاوض مع صندوق النقد الدولي. نأمل أن نتوصل إلى اتفاق معه بحلول نهاية هذا الشهر.

نتمنى عودة السياحة اليابانية

هل لك أن تطلعنا على الأفكار التي تحملها لتطوير العلاقات بين مصر واليابان؟

: في البداية أريد أن أثني على الدعم الذي قدمته اليابان للشعب المصري. ينبغي أن أذكر أننا على مدى التاريخ شهدنا دعماً يابانياً للشعب المصري دون التدخل أبداً في الشؤون الداخلية المصرية أو شؤون أي بلد آخر. وهو أمر تستحق الحكومة اليابانية الثناء عليه.

بالتأكيد تحتاج مصر في هذا الوقت مساعدة تقنية ومالية ولكن أعتقد أن الأمر سيكون مستداماً بشكل أكبر من خلال الاستثمار الأجنبي المباشر. إحدى المبادرات التي يمكن أن تطبق بسرعة وبشكل ناجح هي استئناف السياحة اليابانية إلى مصر. ففي عام ٢٠١٠ قدم إلى مصر نحو ١٢٠٠٠٠ سائح ياباني. وقد انخفض الرقم العام الماضي إلى ٣٠٠٠٠ سائح ولهذا فإننا بحاجة إلى زيادة عدد السياح مجدداً، لن أقول إلى مستويات عام ٢٠١٠ ولكن سأقول إننا بحاجة إلى تطوير كبير. أعلم أن هناك نحو ٢٠ مليون سائح ياباني في الخارج كل عام. ويمكن أن نحصل على دعم فوري وفعال من خلال جلب بعض هؤلاء السياح اليابانيين إلى مصر مرة أخرى.

الدكتور عزت سعد محافظ الأقصر يوقع على اتفاق من أجل تعزيز التبادل المشترك مع السيد توشيكازو يامادا للرئيس الفخري لجمعية صداقة الأقصر بمقر السفارة المصرية بطوكيو يوم ٧ يونيو/ حزيران ٢٠١٣ وتعد تلك الخطوة من الجهود الرامية إلى تعزيز السياحة اليابانية في مصر.

 

تطوير محور قناة السويس

نعلم أن الصينيين نشطون جدا في الأمور الاقتصادية والاستثمار. كيف تعلق على هذا الأمر عند المقارنة مع اليابان؟

الأمر ليس بإجراء مقارنات، إنه يتعلق بفرص اليابان. فعندما تتحدث عن الاستثمار فإنك بالتأكيد ستتكلم عن الأوضاع المربحة للطرفين. فالمستثمرون لن يأتوا ما لم تكن هناك إمكانية.

فعلى سبيل المثال، هنالك إمكانية ضخمة حول ممر قناة السويس لتطوير الصناعات والدعم اللوجستي على طرفي القناة. تدعم اليابان الجسر الذي يربط أفريقيا بآسيا والذي يدعى ’’جسر السلام‘‘. نقوم حاليا بإنشاء نفقين تحت قناة السويس. ولدينا ثلاث مناطق صناعية رئيسية: واحدة جنوب قناة السويس وواحدة على الجانب الشرقي من القناة والثالثة على ميناء بورسعيد. شارك الصينيون في التقييم والدراسة التي أجريت لأحد الأنفاق وسيقومون بتمويل إنشائه. وسيحصل الصينيون على منطقة بمساحة ٦٠ كيلومترا مربعاً لدعم منطقة صناعية. كما يتناهى إلى أسماعنا بعض الاهتمام من قبل الهند وخصوصا شركة ’’تاتا‘‘ بالإضافة لإندونيسيا. وبالطبع هناك بعض المستثمرين العرب والمصريين.

إنها منطقة من المستقبل، من أجل المستقبل القريب، لأنك عندما تستثمر في مصر فإنك لا تستثمر فقط في سوق فيه ٩٠ مليون شخص، ولكن من خلال الاتفاقيات الأحادية والثنائية والإقليمية بإمكانك أن تدخل إلى سوق يضم ملياري مواطن.

إن قناة السويس هي المكان الأرخص لتنقل منه بضائعك إلى بقية أنحاء العالم. بالطبع يجب أن تكون مصدراً لكل أرجاء العالم. ولكن إذا اقتصرت صادراتك على كوريا فعندئذ من الواضح أن اليابان ليست معنية بالقضية. ولكن إذا أردت أن تتواجد في مكان بحيث تستطيع التصدير إلى بقية أنحاء العالم، شرقا وغربا وجنوبا، فمصر هي البوابة.

ما هي المجالات التي تريد أن يستثمر اليابانيون فيها؟ فالشركات اليابانية تريد أن تعرف ما هو الوضع الحالي للاقتصاد المصري والعجز في الميزانية.

لدينا برنامج إصلاح اجتماعي واقتصادي لمحاولة التغلب على العجز في الميزانية ولبناء احتياطاتنا من النقد الأجنبي مرة أخرى ولتحسين مناخ الاستثمار.

ففي قطاع السياحة على سبيل المثال، إننا على وشك استعادة معدلات عام ٢٠١٠ قبل الثورة. ونتوقع أن يزور مصر هذا العام ١٤ مليون سائح.

لذلك عندما نتحدث عن تحسينات وخصوصاً في مجالات الأمن والسلامة للسياح، أقول لك إن الروس والإيطاليين والألمان قد أتوا إلى مصر ويعتقدون أنها آمنة. ولذلك فأفضل شيء نقوم به هو أن ندعوك إلى زيارة مصر لترى بنفسك. وهناك استثمارات من قبل القطريين والأتراك والصينيين، هؤلاء الناس يرون أن هناك فرصة. بالطبع يوجد مخاطرة ولكنهم يرون في تلك المخاطرة فرصة.

بالتأكيد البنية التحتية مطلوبة أيضاً، كما أرغب في إبراز أهمية التصنيع. يبعد ممر قناة السويس عن مطار القاهرة ١٠٠ كم فقط، ولدينا قرية بضائع هناك.

كما يوجد لدينا عدد معقول من الموانئ البحرية على البحر الأحمر. ولذلك بإمكانك أن تحضر حاويات وأن تقوم بتصنيع منتجات ومن ثم تستطيع أن ترسلها بالطائرة من خلال نقلهم ١٠٠ كم فقط. وإذا أردت أن تشحن منتجاتك بالقارب فهو أمر جيد أيضاً أما إذا أردت أن تشحنها بالطائرة فالمطار قريب.

كما تستطيع الحصول على عمالة رخيصة في مصر. وحتى العطالة تعتبر فائدة للمستثمرين في هذا الوقت. فليس من الصعب جعل الناس تعمل. بالطبع هناك تحديات. ولا أريد أن أقول أن كل شيء وردي. فهو ليس كذلك على الإطلاق. هناك تحديات ولكن هذه التحديات تشكل فرصة، وذلك لأنك عندما تدخل إلى هذه السوق بشكل مبكر فبإمكانك أن تجني أرباحاً أكثر من الانتظار إلى أن تصبح كل الأمور مستقرة. وإذا فعلت ذلك، فسيصبح من الصعوبة بمكن دخول السوق وستصبح الأمور مكلفة بشكل أكبر وستجني أرباحا أقل.

محور قناة السويس.

 

التكنولوجيا اليابانية وأزمة الطاقة المصرية

السؤال: نعلم أن مصر تعاني من أزمة في الطاقة. كيف تتعامل حكومتكم مع هذه المشكلة؟ وهل هناك أي خطط لاستخدام التكنولوجيا اليابانية؟ وإذا كنتم ستستخدمونها، فهل لك أن تعطينا المزيد من التفاصيل؟

الدكتور هشام قنديل يطلع على مجلة Nippon.com

حسناً، مشكلة الطاقة لها وجهان. الوجه الأول، أنت بحاجة إلى بناء عدد كافي من محطات الطاقة والوجه الثاني أنت بحاجة إلى تأمين وقود كافي لتشغيل تلك المحطات. يستغرق بناء محطة طاقة من ثلاث إلى أربع سنوات. كما أن التنقيب عن الغاز والنفط والفحم سيستغرق عدة سنوات. وللتغلب على تلك القضايا نحن بحاجة إلى استثمار. يجب أن نستثمر في قطاع النفط وفي بناء محطات الطاقة المتجددة أو غير المتجددة.

سوقنا مفتوحة لكل الشركات ولكل البلدان لأن يأتوا ويبنوا محطات طاقة وفق شراكات بين القطاعين العام والخاص. اليابانييون ذوو باع طويل في هذا الأمر، نتطلع إلى مساهمتهم.

السؤال: ما هو تعليقك حول مشكلة سد النهضة وأزمة نهر النيل بين مصر وأثيوبيا؟

لقد استغلينا فرصة انعقاد هذا المؤتمر لإجراء لقاء موجز مع رئيس الوزراء الأثيوبي، حيث تحدثنا عن مخاوف الحكومة المصرية والشعب المصري من بناء سد ’’النهضة‘‘ والأثار المترتبة عليه من تناقص نسبة مصر من مياه نهر النيل. على كل حال هناك لجنة ثلاثية تم اقتراحها لإجراء تقييمات وتقديم ضمان لمصر والسودان بأن هذا السد لن يؤثر سلبياً على كلا البلدين بأي شكل من الأشكال.

وقد تشكلت هذه اللجنة من ممثلين عن تلك الحكومات وخبراء وطنيون تم توظيفهم بشكل مشترك. وقد سلمت اللجنة تقريرها البارحة. الأمر الذي نجمع عليه أنه بمجرد تسليم التقرير فإن ممثلي الحكومات سيجتمعون معاً لمناقشة النتائج ولبحث ما يمكن القيام به حول السد. هذا هو الوضع الحالي.

السؤال: هناك مصارع سومو مصري حقق بعض الشهرة في اليابان. هل سمعت عنه؟

رئيس الوزراء: التقيت بمصارع السومو عبد الرحمن أحمد شعلان ’’أوسونا آراشي‘‘. من الجيد أنه تمكن من تحقيق هذا النجاح في عالم السومو الياباني. إن تحقيق مثل هذا الإنجاز في تلك المدة الزمنية القصيرة جداً أمر يستحق الإطراء. نحن فخورن جداً به. نعتقد أنه سفير جيد لمصر واليابان في نفس الوقت.

(أجرى المقابلة ”هارانو جوجي“ المدير التنفيذيأجرى المقابلة ”هارانو جوجي“ المدير التنفيذي لـ Nippon.com، اللقاء مشترك مع وكالة كيودو اليابانية للأخبار، تم اللقاء بالتعاون مع السفارة المصرية باليابان والأستاذ كمال جاب الله مدير تحرير جريدة الأهرام المصرية)

 

 

مصر اليابان