أوياما يوكيؤ: مصور مفتون بجبل فوجي

ثقافة سياحة وسفر

تم تسجيل جبل فوجي كموقع للتراث العالمي لليونسكو عام ٢٠١٣. بالطبع، لدى فوجي الأكثر ارتفاعا في البلاد مكانة خاصة في قلوب جميع اليابانيين، ولكن لم يكرس أحد حياته من أجل هذا الجبل كما فعل أوياما يوكيؤ. تحدثنا إلى المصور أوياما يوكيؤ الذي أمضى نحو ما يقرب من ٤٠ عاما في السعي لاكتشاف أعمق أسرار الجبل.

أوياما يوكيؤ OHYAMA Yukio

مصور. ولد في عام ١٩٥٢. بدأ بالتقاط صور جبل فوجي منذ عام ١٩٧٦. انتقل عام ١٩٨٥ إلى قرية أوشينو Oshino في محافظة ياماناشي Yamanashi على سفح جبل فوجي. استقر عام ١٩٩٠ في حي فوجيجانيه Fujigane من فوجيكاواجوتشيكو Fujikawaguchiko حيث استمتع بمشاهدة الجبل ٢٤ ساعة في اليوم من النافذة الكبيرة لغرفة الجلوس في منزله. من أعماله المنشورة دايتشي نو فوجيسن (جبل فوجي من مستوى الأرض). حصل على جائزة إنجاز العمر Lifetime Achievement Award من جمعية المصورين في اليابان في عام ٢٠١١.

الحياة في خدمة جبل فوجي

ألبوم صور وجده بالصدفة في محل لبيع الكتب غيّر مصير أوياما يوكيؤ. تضمن الكتاب المذكور صورا لجبل فوجي كانت مختلفة تماما عن أي شيء شاهده أوياما من قبل، وصورة للجبل غير مألوفة لديه مقارنة مع ما شاهده خلال مرحلة الطفولة في مسقط رأسه في أوداوارا أو يوكوهاما.

في ذلك الوقت، كان أوياما يساعد شركة بناء تابعة للعائلة بينما كان يمارس تصوير السكك الحديدية كهاو في وقت فراغه. كأحد الهواة العصاميين، لم ينوي أوياما ليصبح مصورا محترفا بدوام كامل. ومع ذلك، تسببت هذه الصور التي شاهدها في هذا الكتاب باتخاذ قرار بتكريس جميع أوقات الفراغ في تصوير جبل اليابان الرمزي.

تسلق أوياما، الذي كان ٢٤ سنة فقط في ذلك الوقت، الجبال المحيطة بجبل فوجي للمقارنة بين وجهات النظر المختلفة، وسار عبر الغابات التي تغطي المنحدرات فوجي. حتى أنه قام باستئجار طائرة من طراز سيسنا للنظر إلى أسفل الجبل من السماء. قضى أيامه دون التفكير في أي شيء سوى فوجي، لدرجة أنه خلال العشرينات من عمره، بدأ أوياما الاعتقاد بأنه لم يكن مجرد مصور جبل فوجي، وإنما خادمه. وبعد ثماني سنوات من التفاني، رأى أن الوقت قد حان لإقامة معرض فردي لأعماله.

يقول أوياما، ”في ذلك الوقت لم يكن هناك أي مصورين آخرين ممن ركزوا حصرا على فوجي. كان مصورو الجبال يسخرون مني حيث ظنوا أنني كنت أضيع وقتي في تصوير الجبل الذي سبق تصويره مرات لا تعد ولا تحصى. أعتقد أن صورة فوجي قوية جدا. استحضر اسم الجبل صورة في أذهان الناس لشخص نبيل، لا يتغير، وكأنه يبتسم تقريبا حيث لا يزال ثابتا وفخورا. لم يخطر للناس تجاوز تلك الصورة. أنا ربما كنت أول من يبقى هنا في محاولة لالتقاط واقع الجبل“.

”الجميع يعرف جبل فوجي، ولكن هذا الانتشار يجلب بقعة عمياء حيث لا أحد يعرف شكله الحقيقي. لهذا السبب أردت التقاط الصور التي كسرت المفاهيم الثابتة والقوالب النمطية. يعيش بعض الناس الذين جاءوا إلى معرضي الخاص في سفوح جبل فوجي لأجيال عديدة. قالوا لي إنهم لم يروا هذا الجبل في صوري من قبل. عندما سمعت ذلك، كنت سعيدا جدا وشعرت بالبكاء“.

غابات شاسعة تعج بالحياة

كان لدى الصور غير العادية التي التقطها أوياما تأثير كبير، وفتح الباب لمعارض منفردة جديدة، وجذب اهتمام دور نشر التصوير الفوتوغرافي. وفي العام التالي انتقل من يوكوهاما لأوشينومورا في محافظة ياماناشي. قرر أن يعيش عند سفح جبل فوجي ويكرس نفسه للتصوير الفوتوغرافي هناك. بعد ست سنوات، في سن ٣٨ عاما، اقترب أكثر حيث قام ببناء منزل له ولأسرته في فوجيغاني على مقربة من شواطئ فوجي كاواجوتشيكو، بحيرة قرب ذروة الجبل. باستخدام هذا المنزل كقاعدة، واصل أوياما تعميق معرفته بالجبل العظيم.

في سن الـ ٤١، بدأ التركيز على تصوير غابات أوكيغاهارا التي تنتشر حول سفح الجبل، وغالبا ما تسمى jukai، أو ”بحر من الأشجار“. بدايات هذه الغابة يمكن إرجاعه ١٢٠٠ سنة، إلى انفجار جانبي على الشمال الغرب من فوجي حيث انبعثت الحمم البركانية الضخمة. وقد أدى هذا المد من الصخور المنصهرة إلى تشكيل ما يعرف اليوم ببحيرة شوجيكو، وموتوسوكو وسايكو التي كانت كلها عبارة عن جسم واحد من الماء. تم إنشاء فسحة جديدة من الأرض حيث استقرت الحمم. وهكذا نبتت الأشجار في الصخور البركانية. على مر القرون، نمت وتضاعفت لتشكيل الغابات الشاسعة الموجودة اليوم. ومع ذلك، فإن الأشجار تبدو مختلفة جدا عن تلك الموجودة في الغابات الأخرى حيث تمتد الجذور في كل الاتجاهات على سطوح الحمم التي تبردت. يعتقد الكثيرون أن هذا يجلب صورة غريبة للغابات مع انتشار خرافات مفادها بأن الغابة قادرة على إرباك هؤلاء المارين لتفقدهم الشعور بالاتجاه وبالتالي تصبح البوصلات عديمة الفائدة.

الصورة تقديم أوياما يوكيؤ

”الدراما التلفزيونية التي تجري أحداثها في الغابات أعطت المنطقة هذه الصورة الحاقدة في ذهن الجمهور. تلك الصورة من الغابة بمثابة بقعة للانتحار، ومكان يأتي إليه الناس لإنهاء حياتهم، أعمت الناس وأبعدتهم عن إدراك خصوصية هذه الغابات.

”عندما تمشي في الواقع من خلال الغابات، الحقيقة مختلفة تماما عن الصورة الشعبية. يسمونها ”بحر من الأشجار“، وبالتأكيد، في يوم ماطر أو ضبابي، يبدو الأمر وكأننا نمشي في قاع البحر. عندما أكون داخل هذا الجو السميك من الخضرة، أشعر حقا بقوة الحياة المنبثقة من هذه الأشجار. تنشر الأشجار جذورها عبر طبقة رقيقة من الأرض التي تراكمت على الحمم. تبدو جذوع وفروع كل شجرة وكأنها تحفر طريقها. تلك الأشجار يكافح بكل ما أوتي من قوة للعيش“.

الصورة تقديم أوياما يوكيؤ

نداء الجبل

في سن الـ ٥١، أصدر أوياما مجموعته من الصور فوجي جوكاي (فوجي: بحر من الأشجار). وتغطي الصور ١٠ أعوام وتكشف عن قصة هذه الغابة الشهيرة التي لم ترو من قبل. يقول أوياما إن أسلوبه في التصوير الفوتوغرافي يرتبط ارتباطا وثيقا بشوغيندو - تقليد روحي ياباني يدمج أفكار البوذية والشنتو. يتركز التقليد على ممارسة مسكن الجبل الزاهد. في كل مرة يدخل الغابة وهو يحمل الترايبود (مِنصَب ثلاثي القوام) والكاميرا، يأخذ أوياما ثمانية صور فقط. في سياق الحوار الدائر بينه وبين الجبل، يضغط على مصراع الكاميرا فقط عندما يكون هناك شيء رائع حقا ملفت للنظر.

”في كثير من الأحيان عندما أمشي من خلال الغابات أشعر كما لو أنني جزء واحد من البيئة المحيطة بي. بينما أعمل على تحرير ذهني والتركيز على شحذ أحاسيسي، أكاد أشعر كما لو أنني أشعر بأرواح الغابة. بحر الأشجار مليء بالأجواء الروحية.“

”كما أجد أنه كلما تعمقت في الغابات، أستطيع أن أشعر باقتراب جبل فوجي مني. عندما أكون وحيدا في الأجزاء الأعمق، يبدو يتخيل لي أحيانا سماع الأصوات الداعية لي من مكان ما. يبدو أن الأصوات تقول... ’أوياما! تعال بسرعة الى عالمنا...‘ كما لو كنت قد تسللت إلى عالم آخر. الصور التي ألتقط في هذه اللحظات غالبا ما تظهر مشهدا من الصعب تصديقه.“

مكان مقدس

الآن في الستينات من عمره، قضى أوياما ما يقرب من ٤٠ عاما يمشي على جبل فوجي. ماذا يعني تسجيل الجبل مؤخرا كموقع للتراث العالمي بالنسبة له؟

”جبل فوجي ليس مجرد جبل جميل. وهو مكان مقدس حيث تسكن الأرواح اليابان القديمة. فمن هنا ظهرت أصول الأرواحية اليابانية. آمل أن يشعر الزوار من الخارج بهذه الهالة الروحية عندما يأتون إلى فوجي. لا يوجد مكان تماما مثل هذا البحر من الأشجار في أي مكان آخر. لا يسعني الشعور بأن الجبل يحتوي على أبواب غير مكتشفة تقود إلى عالم آخر“.

ومن المؤمل أن تسجيل مواقع التراث العالمي سوف يجلب المزيد من الزوار لاكتشاف سحر فوجي من جميع أنحاء العالم. يمكنك أن تكون على يقين من أن هذا سوف يكون فرحة لأوياما، الذي قضى حياته في محاولة للعثور على الأسرار الخفية لهذا المكان الخاص.

(النص الأصلي باللغة اليابانية بتاريخ ٢٠ يونيو/حزيران ٢٠١٣ بناءً على مقابلة أجراها كوندو هيساشي في nippon.com. التصوير: كوديرا كي).

▼مقالات ذات صلة
جبل فوجي: جبل تسكنه الأرواح (صور) جبل فوجي بعدسة أوياما يوكيؤ (صور)

جبل فوجي الثقافة الطبيعة التصوير الفوتوغرافي