الحلول التي تقدمها اليابان للعيش في بيئة نظيفة

مبنى عصري في بيئة طبيعية خالصة في طوكيو

لايف ستايل

”كازيه نو موري“ يُعتبر مشروع سكن جماعي في طوكيو، حيث يوفر للسكان جودة عيش مميزة بجوار حديقة يابانية خصبة. تم تصميم المشروع بشكل يجمع بين وسائل الراحة العصرية والإبداع التقليدي، مما يخلق نموذجاً للتصميم المدني الملائم للبيئة. يتيح للسكان التمتع بالطبيعة وتجنب الاعتماد الكبير على تكييف الهواء بفضل نسيم الصيف البارد الذي يتدفق من الحديقة طوال العام.

شغف العيش في أحضان الطبيعة

لعل الحياة في مدينة كبيرة وعصرية مثل طوكيو غالباً ما تعني الانعزال عن كُلِّ من الطبيعة وأحاسيس المجتمع.

مشروع ”كازيه نو موري“ في حي أوتا في طوكيو يُعتبر تحفة هندسية وسكنًا جماعيًا مُلهمًا. يعتمد هذا المشروع على فكرة تكامل البيئة والمجتمع ويهدف إلى توفير حياة مستدامة ومريحة لسكانه.

1. التصميم البيئي: يتميز ”كازيه نو موري“ بتصميم مُحاط بالطبيعة، حيث يتم دمج المباني مع المساحات الخضراء والحدائق الداخلية. يهدف هذا التصميم إلى تعزيز التواصل مع الطبيعة وتحسين جودة الحياة اليومية.

2. المساحات المشتركة: يتضمن المشروع مساحات مشتركة مثل الحدائق والصالات الخضراء، حيث يمكن للسكان الاستمتاع بالطبيعة والتفاعل مع بعضهم البعض. هذا يعزز الروح المجتمعية ويقلل من الشعور بالعزلة.

3. المباني الذكية: يعتمد ”كازيه نو موري“ على التكنولوجيا الذكية لتحسين كفاءة الطاقة وراحة السكان. يتم تضمين أنظمة التحكم في المناخ والطاقة لتوفير بيئة مريحة وفعّالة من حيث الطاقة.

4. المفهوم البيئي: يعكس هذا المشروع الاهتمام المتزايد بالاستدامة والتوازن بين الحضر والطبيعة. يُظهر كيف يمكن تحقيق تصاميم معاصرة تلبي احتياجات السكان بينما تحترم البيئة.

5. تحفيز الابتكار: يشجع ”كازيه نو موري“ على التفكير الابتكاري في مجال التصميم العمراني وكيفية جعل المدن أكثر استدامة وصحة للسكان.

بهذا المشروع، يُظهر حي أوتا في طوكيو مثالًا على كيف يمكن تحقيق توازن بين الحياة الحضرية والطبيعة، وكيف يُمكن لتصاميم المساكن الحديثة أن تكون مريحة وصديقة للبيئة في آن واحد.

فالحرمان من التمتع بالطبيعة الخضراء وعدم اتصال الشخص بجيرانه قد يؤثر سلبياً على عقول سكان طوكيو الذين هم دائماً في عجلة من أمرهم. لكنَّ في حي أوتا في طوكيو، هناك مشروع سكن جماعي يدعى ”كازيه نو موري“ (غابة النسيم) التي تقدم حلولاً عملية لهذه المعضلة المعاصرة وتشكل قالباً لأسلوب حياة أكثر ملائمة للبيئة.

تنمو الخضراوات والأزهار على سطح المنبى بالقرب من ألواح الطاقة الشمسية التي تولد طاقة كهربائية تكفي لتشغيل المضخة عدة ساعات في اليوم لتحريك الماء في البحيرة، ويتم بيع الكهرباء الفائضة عن الحاجة.
تنمو الخضراوات والأزهار على سطح المنبى بالقرب من ألواح الطاقة الشمسية التي تولد طاقة كهربائية تكفي لتشغيل المضخة عدة ساعات في اليوم لتحريك الماء في البحيرة، ويتم بيع الكهرباء الفائضة عن الحاجة.

تعد ”كازيه نو موري“ مشروعًا سكنيًا جماعيًا في حي أوتا في طوكيو، يهدف إلى توفير بيئة سكنية تجمع بين العصرية والاستدامة وتعزز التواصل بين السكان والطبيعة. يتميز المشروع بمنطقة حراجية وجدول صغير يتدفق منه الماء إلى بحيرة، مما يخلق منظرًا جذابًا وطبيعيًا. في فصل الصيف، يظهر الشراغيف في البحيرة، مما يتيح للمراقبين متابعة تطورهم من اليرقات إلى الضفادع. الحديقة تضم مجموعة متنوعة من المخلوقات الحية، مثل الضفادع والوز، وتساهم في إنشاء بيئة هادئة تعزز الاسترخاء والتواصل مع الطبيعة. بالإضافة إلى ذلك، يستيقظ السكان على أصوات الموسيقى الناجمة عن زقزقة العصافير والبلابل، مما يعزز شعورهم بالسلام والهدوء خلال الصباح.

يتميز السكن الجماعي، المعروف أيضًا بمصطلح ”الكوهاوسنغ“ في أوروبا وأمريكا الشمالية، بمشاركة السكان في تخطيط وتصميم الأماكن الداخلية والخارجية وفقًا لاحتياجاتهم وتفضيلاتهم. في حالة ”كازيه نو موري“، فقد تم التوافق بين السكان ومالك الموقع على الحفاظ على المساحات الخضراء للأجيال القادمة.

بعد اكتمال المشروع، توفي مالك الموقع بعد ثلاث سنوات، ولكنه استشار شركة ”تيم نت“ للمساعدة في الحفاظ على النباتات والأشجار في الأرض حتى بعد رحيله. بالتعاون مع شركة هان للتصميم المعماري، تم تصميم سكن جماعي يتوافق مع البيئة الطبيعية، حيث تم تضمين المساحات الخضراء والتنوع البيولوجي كجزء لا يتجزأ من التصميم.

تم تشكيل جمعية تصميم مبان من قبل ثمانية أسر من سكان المبنى، بالتعاون مع صاحب الأرض، بهدف الحفاظ على المساحة الخضراء القيمة في الموقع. استمرت الجمعية في وضع تصميم لجميع الوحدات الفردية والمرافق المشتركة على مدى حوالي عامين. انتج هذا التعاون مشروعًا استُكمل في عام 2006 ويتألف من ثلاثة طوابق. تم بناء الشقق الأرضية باستخدام الخرسانة المسلحة، واحتلت مساحة تقريبية تبلغ 350 متر مربع من إجمالي مساحة الموقع البالغة 760 متر مربع.

وجدير بالذكر أنَّ الحفاظ على المساحة الخضراء في موقع السكن الجماعي له فوائد عملية. ففي الصيف على سبيل المثال، تُضفي ظلال الأشجار برودة على المنطقة مما يسمح للسكان بأن يوفروا نقودهم ويخفِّضوا من انبعاث غازات الكربون من خلال التقليل من استخدام مكيفات الهواء. وعلاوة على ذلك، فإن كميات المياه التي يتم سحبها من البئر تتدفق من الجدول إلى البحيرة حيث تُستخدم لسقاية النباتات. كما يشكل مشاهدة الحديقة مكان تجمع آخر يمكن للسكان اللقاء فيه.

لفحات النسيم تغني عن وجود مكيفات الهواء

منظر داخل شقة ساتو مأخوذ من الشرفة الشمالية. تسمح النوافذ الكبيرة على الجهتين الشمالية والجنوبية للمبنى بتدفق النسيم إلى المطبخ. يمثل إعادة استخدام الألواح الخشبية المقوسة من منزل مالك العقار القديم كحوامل للمصابيح أحد الأمثلة على التمازج والتناغم بين العناصر العصرية والتقليدية.

قمنا بزيارة ساتو ساتشيكو وزوجها ريوئتشي اللذان يعيشان في الطابق الثالث من ”كازيه نو موري“. تقول ساتشيكو إنهما اختارا مشروع السكن الجماعي هذا لأنه يقدم أسلوب حياة ومزايا تطابق الحياة المثالية التي يحلمون بها. فقد كانا يبحثان على وجه الخصوص عن مكان يكون سعره مقبولاً ليعيشا فيه، وبحيث يحظيان فيه بنظرة عن قرب على حديقة يابانية ويتمتعان بحرية اختيار التصميم الداخلي ليناسب تفضيلاتهما على أكمل وجه.

 

شجرة الويستارية التي قام السكان بزراعتها بعد أن انتقلوا إلى المبنى تمتد الآن لتصل إلى الطابق الثالث مشكلة ما يشبه ستارة خضراء.
شجرة الويستارية التي قام السكان بزراعتها بعد أن انتقلوا إلى المبنى تمتد الآن لتصل إلى الطابق الثالث مشكلة ما يشبه ستارة خضراء.

تم تشكيل جمعية تصميم مبان من قبل ثمانية أسر من سكان المبنى، بالتعاون مع صاحب الأرض، بهدف الحفاظ على المساحة الخضراء القيمة في الموقع. استمرت الجمعية في وضع تصميم لجميع الوحدات الفردية والمرافق المشتركة على مدى حوالي عامين.

انتج هذا التعاون مشروعًا استُكمل في عام 2006 ويتألف من ثلاثة طوابق. تم بناء الشقق الأرضية باستخدام الخرسانة المسلحة، واحتلت مساحة تقريبية تبلغ 350 متر مربع من إجمالي مساحة الموقع البالغة 760 متر مربع.

تعمل الستارة الخضراء المكونة من الأشجار في الفناء الخارجي للمبنى على تقليل تأثير أشعة الشمس القوية في فصل الصيف، حيث تسمح بتدفق نسمات الهواء اللطيفة من خلال أوراقها. في صيف عام 2011، استخدم ريوئتشي وزوجته ساتشيكو نظام تكييف الهواء لمدة عشرة أيام فقط، على الرغم من الظروف الجوية الحارة. في فصل الشتاء، تسمح فتحات بين الأغصان العارية بدخول أشعة الشمس لتدفئة المبنى. كما تم تجهيز جدران المبنى بعوازل خارجية لمنع فقدان الحرارة، حتى في وحدات الطابق الأرضي التقليدية الباردة.

أعشاب نامية على الشرفة تزين طاولة الطعام.
أعشاب نامية على الشرفة تزين طاولة الطعام.

يستمتع ريوئتشي وزوجته ساتشيكو بإمكانية إعداد الطعام في المطبخ وفي الوقت نفسه يمكنهم الاستمتاع بإطلالة النباتات والأزهار على الشرفة من غرفة المعيشة. بالنسبة لساتشيكو، كانت هذه الخاصية هي واحدة من أهم الجوانب في شقتها الجديدة. تعلق قائلة: ”في الشقة السابقة، كان الشيء الوحيد الذي كنت أراه أثناء الطهي هو الجدران المحيطة بي. الآن، أستطيع أن أرى هذه النباتات والأزهار. إنها تهدئ العقل وتضيف السكينة، خاصة مع ازدهار النباتات التي تتجه نحو الجنوب، وتظهر الأزهار على الشرفة الشمالية وكأنها تتسلل إلى داخل الشقة“.

                   

ماذا بإمكان سكان المدن عمله من أجل البيئة

لعلّ إحدى المهام المترتبة على سكان ”كازيه نو موري“ في السنوات المقبلة تتمثل في الحفاظ على بيئتهم الحية بطريقة يمكن تحمل نفقاتها. إنه ليس بالأمر السهل الوصول إلى اتفاق بين السكان حول كيفية استخدام الأموال المحدودة المتوفرة للتعامل مع قضايا تتمثل في صيانة المبنى أو العناية بالحديقة.

هذا ويشير ساتو ريوئتشي إلى أن أحد الأمور بالغة الصعوبة يتجلى في الحفاظ على المساحات الخضراء في المدينة. ”يبدو لي أن الذي يقومون بعملية التطوير في هذه الأيام لديهم وعي ضئيل جداً بأهمية البيئة الطبيعية. إن الحفاظ على المساحات الخضراء وصيانتها لا ينطوي على قيمة اقتصادية كبيرة لهم، ولذلك فهم يفضلون قطع الأشجار الطويلة. وتتلاشى حالياً الأراضي الكبيرة لتتحول إلى قطع أصغر أو تتحول إلى مواقف سيارات صغيرة. ولا يوجد أدنى شك بأن حماية الخضرة في المدن الكبيرة مثل طوكيو أمر صعب ولكنه مهم. فهوَ ليس أمراً يمكن لشخص لوحده أن يقوم به. وسيصبح الأمر ممكناً فقط عندما يبني الناس سكناً جماعياً مثل كازيه نو موري“.

ويقوم ريوئتشي وزوجته ساتشيكو مع بقية السكان في كازيه نو موري بما عليهم من التزامات وواجبات للحفاظ على المساحة الخضراء الثمينة بينما يتذوقون الجمال المتاح لهم كل يوم في فترة عيشهم في المدينة.

في الأيام الجميلة يستمتع ساتو ريوئتشي وزوجته ساتشيكو بنعمة تناول الطعام على الشرفة.






(المقالة الأصلية باللغة اليابانية. الصور : بعدسة أوتاكي كاكو)

بيئة