اليابان والموضة

أرق أنواع الحرير في العالم من بلدة كاواماتا

مجتمع ثقافة

عرفت اليابان منذ انفتاحها على الغرب في عصر ميجي (١٦٠٣-١٨٦٨) حتى الستينات من القرن الماضي بتصديرها للحرير ذو الجودة الممتازة. وقد شهد مؤخراً الطلب على هذا الحرير تراجعاً كبيراً نتيجة لظهور ألياف صناعية رخيصة الثمن بالإضافة للمنافسة الخارجية الحامية. ورغم هذه الظروف فإن بلدة كاواماتا بمحافظة فوكوشيما تسعى لاحياء صناعة الحرير باستخدام تكنولوجيا ذات معايير عالمية.

أرق أنواع الحرير


عرض خريطة بحجم أكبر

ريش الحورية دقيق لدرجة الشفافية كما تعبر عنه هذه الصورة.

تنتج مدينة كاواماتا بمحافظة فوكوشيما واحداً من أَرَقِ وأنعم أنواع الحرير في العالم، حيث تشعر في ملامستك له بأنك تمسك بطبقة مُكثًّفة من الهواء أو بعباءة من الريش أكثر رقةً من كيمونو الهاجورومو الأسطوري الذي تمت حياكته منريش الحوريات (وفقاً للحكايات الشعبية اليابانية) والذي يتمثل في ألياف دقيقة ذات كثافة طولية بقدر ٨ دنيير (احدى الوحدات المستخدمة في خيوط النسيج) أي أرفع من شعرالإنسان بستة أضعاف (يبلغ سمك الشعر حوالي ٥٠ دنيير). ولعل هذا النسيج الشفاف من القطن او الحرير والمعروف بالأورغندي (نسبة لموطنه بلدة اورغانج الاوزبكية على حدود تركمانستان) والذي يتم حياكته على نول به آلاف الكرات البيضوية من الحرير ذي الألياف الرفيعة، وبشكل خفيف لدرجة أنك تحس عند رفعه بأن وزنه شبه منعدم كما تلف ليونته يديك برقة ونعومة.

يقال أن حرير كاواماتا أرفع وأرق أنواع الحرير على مستوى العالم، كما ان التكنولوجيا المستعملة لإنتاج كثيف لهذا المنسوج تحظى بدورها بثناء مميز مكنها من الحصول على جائزة رئيس الوزراء بالمسابقة الوطنية للإبداع مونوزوكوري Monozukuri عام ٢٠١٢. ورغم انتشار صناعة الحرير في البلدان الأخرى فإن حرير كاواماتا لا يزال محل طلب كمنتج ذو جودة عالمية.   

رحلة عبر تاريخ كاواماتا منشأ ”أوشحة يوكوهاما“

”ريش الحورية“ (الجزء السفلي) مقارنة مع نسيج حريري أغلظ بحوالي عشر مرات صنع باستخدام نفس التقنية.

عرفت مدينة كاواماتا منذ القدم بإنتاجها للحريرالرفيع. وتقول الأسطورة أن زوجة الإمبراطور سوشون (الذي حكم ما بين٥٨٧ -٥٩٢) قامت بنشر تعاليم تربية دودة القز ونسج الحرير اثر لجوئها الى كاواماتا هرباً من أعدائها بعدما اغتيل زوجها. في حين أن كتابات من منتصف القرن السابع عشر تشير إلى أن المدينة قد اشتهرت كمدينة للحرير وأصبحت تصدر منتجاتها خارج اليابان في ثمانينات القرن ١٩.

ازدهرت صناعة الأوشحة الحريرية في ميناء مدينة يوكوهاما، حيث اشتهر ”وشاح يوكوهاما“ في جميع أنحاء العالم، حتى أنه احتكر ٨٠٪ من السوق العالمية لبعض الوقت. وقد صُنع ما يقرب من نصف كمية الأوشحة المنتجة آنذاك باستعمال حرير منسوج بكاواماتا. يصرح السيد فوجي ساوارا كازووتشي، مدير جمعية صناعات الغزل والنسيج في محافظة فوكوشيما، والخبير في تاريخ مدينة كاواماتا ومنتجاتها الأساسية بالقول ”كانت الرِّقة من خصائص حرير كواماتا منذ ظهوره. وأصبح يصدر للخارج عبر يوكوهاما، وذلك ابتداء من عام ١٨٨٤ مباشرة بعد اصلاحات عصر ميجي في عام ١٨٦٨ بفضل جودته العالية ولكونه منتجاً خالصاً. ويرجع اختيار فوكوشيما كمقر لأول فرع لبنك اليابان في منطقة توهوكو لكونها مركزاً تجارياً للحرير الخام ومشتقاته واللذان يعتبران من صادرات مدينة كاواماتا الأساسية. وبصفة المدينة مركز توهوكو المالي فقد شهدت كاواماتا تدفق العملات الصعبة نتيجة عائدات مبيعات الحرير. اما الآن فقد انخفض حجم الإنتاج إلى الِعشر عّما كان عليه عندما كان في أوجِّه“.

التجربة الناجحة

غلاف تقويم باللغة الإنجليزية منحوت على الخشب من منتجات شركة كواماتا لتنقية الحريرعام ١٩١١، وكان هذا التقويم يُقدّم كهدية لمستوردي الحرير المصّدر من أوروبا أو أمريكا.

أعادت مدينة كاواماتا احياء مجدها القديم بفضل صناعة ”ريش الحوريات“. تم انجاز هذا النسيج من قبل شركة ساي أوريموتو المحدودة التي تأسست قبل ٦٠ عاماً. ويقول مدير المؤسسة أن هذا الاسم راجع ”لصورة ستار من الضباب الخفيف، الذي يحلق في السماء بمجرد تعرضه لنسمة ريح“. يتميز القماش بخيوط مدبوغة بالألوان ومتناوبة لتخلق نسيجاً قزحي اللون أتت نتيجته حسب توقعات الشركة عندما قررت تصميمه. وجاء تمويل مشروع أرق حرير في العالم من مصادر مختلفة، بما في ذلك وزارة الاقتصاد والتجارة والصناعة، التي وصفته بأنه مشروع يدعم الموارد المحلية. حيث يتم اختيار شرانق دودة القز المستخدمة كمادة أولية لنسيج الحرير ضمن نوع متميز من الشرانق. في المعتاد، تحوم دودة القز على شرانقها بعد تغيير جلدها أربع مرات، ولكن الحرير المستخدم في ”ريش الحورية“ ينتمي لنوع يدعى سانمينسن sanminsan، وهذا يعني ”دودة القز التي تنام ثلاث مرات“ وتبدل الشرنقة الخاصة بها ثلاث مرات. فالشرانق المنتجة بعد ثلاثة دورات فقط تكون أصغر، لكن الألياف الحريرية التي تقدمها رقيقة ومرنة شبيهة بخيوط العنكبوت. ونستنتج من التكلفة الباهظة لإنتاج هذا النوع من الحرير أن عدد الشركات التي تستخدمه محدود.

فستان زفاف صنع بريش الحورية من تصميم كاتسورا يومي، معروض في معرض منسوجات فوكوشيما بطوكيو في مارس/ أذار ٢٠١٢.

 

يشرح السيد سايتو دوافع المؤسسة لاستخدام هذا النوع من خيوط الحرير الذي ترددت الشركات الأخرى في استخدامه قائلاً: ”إن الأنسجة الرفيعة جداً مشهورة في عالم الأزياء حالياً. فقد عملنا على سبيل المثال مع مصممة الأزياء وفساتين الزفاف كاتسورا يومي لمدة ٣٠ عاماً والتي عبرت عن رغبتها في تصميم زي خفيف للغاية تشعر فيه العروس بالراحة وبامكانية الرقص به بكل سهولة“.

 

أجرت الشركة تحسينات فريدة في النسج على النول مكنهّا من نسج قماش ابتداءاً من خيوط حرير السانمينسن الرفيعة بكميات كبيرة، وكذلك تجنب التشدد بالضغط والجهد على قطع القماش مما قد يؤدي إلى قطع االخيوط أو نفش القماش. هذه الرقابة الصارمة لاجتناب توتر خيط القماش هو ما سمح لشركة ساي أوريمونو من تسويق ريش الحورية.

النجاح في باريس وميلانو

عملت مؤسسة ساي أوريمونوعلى تطوير أعمالها في الخارج، وقامت بتصدير الحرير لسوق أزياء الزفاف الأمريكية لما يقرب من العشرين عاماً، ولكن الصادرات انخفضت بعد الأزمة المالية عام ٢٠٠٨. وقد اغتنمت الشركة هذه الفرصة لزيادة مبيعاتها في سوق الملابس الأوروبية. حيث تمثلت خطوتها الأولى بالمشاركة في المعرض التجاري الذي عقد في ميلانو تحت رعاية منظمة التجارة الخارجية اليابانية JETRO. وبفضل رد الفعل الإيجابي وكذلك حاجة السوق الأوروبية الماسة لهذا المنتج الراقي قدمت الشركة طلباً للمشاركة في برامج JETRO لدعم مشاريع التصدير. وقد تلقت ساي أوريمنو طلبيات من العديد من العلامات التجارية العالمية.

وذلك بعد عرض منتجاتها في المعارض التجارية التي أُقيمت في كل من باريس وميلانو خلال شهر فبراير/ شباط ٢٠١٢. وذكرت الصحف المحلية بعدئذٍ أنه تم اختيار نسيج الشركة من قبل العلامة التجارية الشهيرة جورجيو أرماني Giorgio Armani.

ويقول سايتو بحماس شديد: ”يتطلب تقديم المنتجات وعرضها للبيع الكثير من الوقت والجهود. فلم يكن بإمكاننا أن نصنع ريش الحورية لولا المساعدة السخية لكل من شركة صبغ الخيوط، شركة فتل الخيوط، وشركة صقل القماش. كما تعودنا على تداول كلمة ”كيزونا“ على الألسنة منذ حصول الكارثة، والتي تعبر عن الروابط الاجتماعية التي تجمعنا. وأعتقد أن هذا النسيج هو حقاً تتويج كبير لمفاهيم الترابط والتعاون“.

يحلم سايتو أن يستخدم قماش شركته في أزياء المسرح- وذلك ليس عند منتجي الدراما البسطاء فحسب، بل وفي المسارح ذات التقاليد العريقة من مستوى أوبرا باريس. وإلى أيَّ مَدى سيُحّلق هذا الحلم بأجنحة ريش الحورية؟ في الوقت الذي تحظى فيه الأوشحة الحريرية اليابانية بشعبية كبيرة في جميع أنحاء العالم، كان اسم بلدة كاواماتا مخبأ وراء ظل ميناء يوكوهاما حيث يتم تصديرالأوشحة. لكن اليوم بالعكس، يبدو أن حرير كاواماتا على استعداد لبناء شهرته العالمية بنفسه وباسمه هو بالذات.

(المقالة الأصلية باللغة اليابانية بقلم ياناجيساوا ميهو، الترجمة من الإنكليزية، الصور: كاتو تاكيمي)

 

نول من طراز أوهاشي بمتحف النسيج.

كاواماتا، محافظة فوكوشيما

السكان: ١٥٠٠٠ نسمة تقريباً (١ مارس/أذار ٢٠١٢).

طريقة الوصول: ٤٥ دقيقة بالحافلة من الجنوب الشرقي لمحطة مدينة فوكوشيما للخطوط الحديدية والواقعة على خط توهوكو شينكنسن JR . أقرب ميناء جوي هو مطار فوكوشيما.

المعلومات: الموقع الالكتروني الرسمي للبلدة (باللغة اليابانية فقط) يحتوي على مزيد من التفاصيل.اضغط هنا

تاريخ كاواماتا

أواخرالقرن السادس القول بأن أوتهيمي/ Otehime أدخلت دودة القز إلى كواماتا.
١٨٧٧ افتتاح مصنع الحرير في محافظة فوكوشيما.
١٨٨٥ بيع أول كاروميهابوتاي/ Karumehabutae(نسيج رقيق محض) في الخارج.
١٨٨٩ تحول قرية كاواماتا لتصبح مدينة كاواماتا.
١٨٩٩ تدشين بنك اليابان لأول فرع له في فوكوشيما.
١٩٠٥ تطوير النول من نموذج قوة أوهاشي في كاواماتا مؤدياً بذلك الى التصنيع.
١٩١٥ إنشاء بنك كاواماتا.
١٩٥٥ دمج كاواماتا مع ٧ قرى قريبة لتشكل حدودها الحالية.
١٩٨٨ تدشين متحف النسيج بفتح أبوابه لاستقبال الزوار.

اقرأ أيضاً عن الموضة من خلال هذه الروابط:

Sabae, Fukui Prefecture
Kojima, Okayama Prefecture

الأزياء باريس الحرير إيطاليا