عولمة الثقافة المعاصرة

الدور الذي لعبته المانغا عقب كارثة الزلزال

ثقافة مانغا وأنيمي

كرس فنانون من مختلف أنواع المجالات أنفسهم لمد يد العون والمساعدة بعد كارثة الزلزال المدمر والتسونامي الذي ضرب شمال شرق اليابان. وقد كانت استجابة رسامي المانغا من اليابان والخارج لتلك الكارثة سريعة وقوية، حيث قدموا يد المساعدة واجتمعوا معاً لتقديم رؤية تبعث بصيصاً من الأمل من قلب الركام والحطام.

استضاف المتحف الدولي للمانغا الموجود في مدينة كيوتو معرضاً لأعمال نشرت مؤخراً تدعى (Magnitude Zero) وذلك في الفترة الواقعة بين شهري مارس/ أذار وحتى السادس من مايو/ أيار ٢٠١٢، حيث بيّنت مجموعة الأعمال هذه كيفية استجابة رسامي الرسوم المتحركة من مختلف أنحاء العالم للأحداث المأساوية في شمال شرق اليابان في ١١ مارس/ أذار ٢٠١١.

ففي حديثٍ بمناسبة اليوم الافتتاحي للمعرض، تناقش كل من فنان
الـ (Bande dessinée)(*١) الفرنسي جان ديفيد مورفان ورسّام المانغا الياباني شيرياغاري كوتوبوكي ما يمكن للمانغا تقديمه للعالم. وعلى الرغم من الاتجاه السائد الذي يعتبر المانغا مُجرّدَ وسيلةً ترفيهيةً بسيطة فقط، فقد أظهر الحديث والمعرض الذي أعقبه مجموعة مدهشة من الطرق التي استخدمت من قبل شخصيات عالم المانغا للاستجابة لتلك الكارثة الاستثنائية والتي لم يسبق لها مثيل.

الفنانون الفرنسيون وسرعة رد الفعل

جان دافيد مورفان.

كانت الكارثة بالنسبة لليابانيين بمثابة تذكيرٍغيرعاديٍ بأهمية وقوة المجتمع التي تتحقق عند الوقوف جنباً إلى جنب. كما عبر الكم الفائض من المساعدات والتشجيع على التضامن الذي تجاوز الحدود الوطنية للبلاد حيث لم تأت تلك المساعدات من داخل اليابان فحسب بل جاءت من جميع أنحاء العالم ايضاً.

قد يكون مشروع Magnitude Zero أحد نتائج هذا التضامن، ولكن كان الحافز الرئيسي وراء هذا الكتاب والمعرض مشروع آخر يدعى Magnitude 9، وهو عبارة عن مجموعة من الرسوم كان الهدف منها دعم جهود اليابان لإعادة البناء حيث تم إصدارها في فرنسا في شهر سبتمبر/ايلول عام ٢٠١١، أيّ بعد ستة أشهر من وقوع الكارثة.

يجمع معرض Magnitude Zero أعمالاً لرسامين أجانب، كانت مدرجة أصلاً في مشروع 9 Magnitude، مع أعمال أخرى لرسامين يابانيين. وكان المعرض في الوقت ذاته موضعَ تقدير للفنانين من جميع أنحاء العالم ممن أسهم في مشروع Magnitude 9، كما يُظهر المعرض أيضاً مشاعر العزم والتصميم الملموسة لدى الشعب الياباني للبدء في إعادة الإعمار من جديد.

كان جان دافيد مورفان، وهو المنظم لمشروع Magnitude 9، متواجداً في منطقة ”كيتشي جوجي“ بطوكيو عند وقوع الزلزال. ومازال يذكر الهزات العنيفة والصدمة التي تلقاها عندما شاهد الصور المروعة والمرعبة لكارثة التسونامي على شاشات التلفزيون. وقد بدأ بالتفكير على الفور في طريقة لمد يد المساعدة وأجرى حينها عدة اتصالات منها مع زميله سيلفان رانبيرغ المقيم في طوكيو، وكذلك مع (CFSL.net)، وهو موقع إلكتروني خاص بنقابة الرسامين الفرنسيين حيث دعاهم لإطلاق مشروع مدونة إلكترونية توجه نداء للرسامين بهدف تقديم رسومات لدعم ضحايا الكارثة. كانت الإستجابة فائقة حيث تم تقديم ٢٧٠٠ رسمة في غضون ثلاثة أسابيع فقط!! وتم تحديد ٢٥٠ رسمة منها فيما بعد ليتم نشرها لاحقاً في مشروع Magnitude 9.

يعزو مورفان الفضل في الاستجابة المثيرة للإعجاب للإلهام الذي استوحاه الرسامين في جميع أنحاء العالم من المانغا اليابانية وللمحبة والمودة التي يكنّونها لليابان والشعب الياباني. ثمة عامل آخر مَكَّن من الحصول على رسائل التشجيع على وجه السرعة وهو أن المانغا يمكن أن تنتج بتكلفة أقل وبشكل أسرع من الفيديوهات والأفلام.

في كثير من الحالات، تناول الفنانون الأجانب هول الكارثة بشكل مباشر على عكس ما كان ممكناً في اليابان. فمن بين الصور المعروضة على المدونة مثلاً، كانت هناك واحدة تصور فتاة تذرف الدم من عيونها بدلاً من الدموع!! وهذا يمكن أن يكون صادماً للغاية في حال تم نشره في اليابان. وسواء كانت هذه الصور تشير إلى حساسية مختلفة أو مزيد من حرية التعبير في الخارج فهي بالنهاية نتاج منظور مختلف وتظهر البعد الكبير للدمار الذي وقع.

كان من المحتم على مورفان انتقاء الأعمال المعروضة في المشروع بعناية كبيرة وذلك بسبب هذا الاختلاف في وجهات النظر. يقول مورفان: ”أنا واثق أننا بذلنا كل ما في وسعنا لإتمام هذا المشروع ولمراعاة مشاعر الناس في اليابان أيضاً. على سبيل المثال، قررنا تجنب التطرق إلى حادث المفاعل النووي. حيث كنا قلقين من أن تطغى هذه القضية على كل شيء آخر وتلفت الانتباه بعيدا عن الجوانب الأخرى للكارثة، سيما وأن الطاقة النووية تعتبر من المواضيع الحساسة جداً في فرنسا. أردنا الاستمرار في التركيز على هدفنا الرئيسي، وهو التعبير عن تعاطفنا وتعازينا. هذا الاعتبار وضبط النفس كان مناقضا للتقارير المتعلقة بالحادث النووي في وسائل الإعلام الأجنبية الأخرى التي عمدت إلى التهييج المفرط للإحاسيس“.

نقابة المانغا اليابانية وتوجهها إلى العمل

كانت استجابة نقابة المانغا في اليابان سريعة ولافتة، وذلك حسب قول ييو إيتو، الباحث في متحف كيوتو الدولي للمانغا حيث بدأ فنانو المانغا وشركات النشر والمكتبات إلى الاستجابة والعمل على الفور تقريبا بعد وقوع الزلزال.

تاكيهيكو اينوي، الذي أصبح ذائع الصيت إثر ابتكارات ناجحة لسلسة مانغا مثل سلام دانك وفاغابوند، بدأ العمل في اليوم نفسه إثر وقوع الزلزال، عندما بدأ ينشر على تويتر سلسلةً من الرسوم لأناس يبتسمون، والتي أطلق عليها اسم smile.

ظهر أيضا في اليوم التالي للزلزال مشروع Jishin no baka yarō!! MDS sakusen وتعني (اللعنة عليك أيها الزلزال!)، وهو مشروع بقيادة مياكي رانجو ضم أيضاً مساهمات من رسامي مانغا معروفين. وعلى الرغم من الشعور بالعجز في مواجهة مأساة لم يسبق لها مثيل، فقد قرر الفنانون بأن لديهم واجباً للقيام بما في وسعهم وكانت النتيجة تدفق مستمر من الرسائل الرامية إلى تشجيع ضحايا الكارثة.

شيرياغاري كوتوبوكي.

شركات النشر أيضا استجابت بحساسية شفافة لمخاوف الناس بشأن الزلزال والحادثة النووية لمفاعل فوكوشيما. وفي غضون شهرين من وقوع الزلزال، أعيد إصدار سلسلة قصص سايتو تاكاو تحت عنوان (البقاء على قيد الحياة) والتي نشرت في السبعينات من القرن الماضي، حيث تروي سلسلة المانغا هذه قصة صبي ينجو من الزلزال المدمر، كما تم عرضها بشكل بارز في واجهات المتاجر، مع تخصيص جزء من عائداتها لمساعدة جهود إعادة الإعمار.

وفي غضون أسبوعين من وقوع الحادث النووي، تم تحميل مشاهد على شبكة الإنترنت تتضمن قصة الفنان ياماغيشي ريوكو تحت عنوان بايسون، والتي نشرت لأول مرة في عام ١٩٨٨ بعد كارثة تشيرنوبيل، كما أتيحت مجانا للمستخدمين والقراء. وقد أبدى هذا العمل الذي يتناول إيجابيات وسلبيات الطاقة النووية شعبية بين جيلٍ جديدٍ من القراء. (اقرأ Phaethon باللغة اليابانية).

كان شيرياغاري كوتوبوكي واحداً من الفنانين الذين شاركوا في مشروع (اللعنة عليك يا زلزال!). ويقول أنه فوجئ بسرعة الاستجابة الغير مسبوقة. يقول أيضاً أنه فيما عدا ريوكو ياماغيشي، لم يتطرق رسامو المانغا في الماضي الى القضايا الاجتماعية في أعمالهم. حتى بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ ايلول حيث لم تكن هناك استجابات واسعة وكبيرة في المانغا. ولكن تغير الوضع كلياً هذه المرة خاصة مع انصباب الاهتمام على الإشعاعات النووية. ولعله وبفضل تويتر والمدونات الإلكترونية، كان فنانو المانغا قادرين على نشر أفكارهم ومشاريعهم دون المرور عبر شركات النشر. وهذا أحدث فرقا شاسعاً.

عمل للفنان شيرياغاري كوتوبوكي.

 

التطلع للمستقبل

شيرياغاري نفسه صور الوضع في مرحلة ما بعد الكارثة في سلسلة مانغا مؤلفة من أربعة أجزاء تحت عنوان
Chikyū bōei ke no hitobito (المدافعون عن الأرض)، وقد نشرت في الطبعة المسائية لصحيفة أساهي منذ ابريل/ نيسان ٢٠٠٢. يقول شيرياغاري: ”لقد حاولت دائما تصوير واقع الحياة اليومية في أعمالي ولذلك كان من المستحيل بالنسبة لي تجاهل وقوع الزلزال. لكن كنت أعرف أنني بحاجة للقيام بهذه الخطوة بحذر شديد. فالناس ينظرون إلى الموضوع من وجهات نظر مختلفة. سوف أثير غضب الناس من حولي إذا أردت المضي قدما بالادعاء أن الطاقة النووية آمنة. وليس هناك أحد ممن يحب أن يكون في موضع سخرية. أنا لا أريد أن أجرح مشاعر أحد، لذلك أتأكد دائما من أن الشخصية الرئيسية في أعمالي هي شخصية تستدعي الضحك“.

جمعت شرائط شيرياغاري في فترة ما بعد الكارثة في سلسلة مانغا Ano hi kara no manga (منذ ذلك اليوم)، التي نشرتها شركة إنتربرين في يوليو عام ٢٠١١. إحدى القصص المدرجة في الكتاب، وهي Umibe no mura (قرية على البحر)، ظهرت بالأصل مباشرة بعد وقوع الكارثة في مجلة الرسوم المتحركة الشهرية (Beam) كما طُرحت للبيع في الثاني عشر من شهر أبريل من عام ٢٠١١. تدور أحداث القصة في المستقبل بعد مرور ٥٠ عاما على الزلزال المدمر، في عالم انتقلت فيه الناس الى زيادة استخدام الطاقة المستدامة وأساليب الحياة الأكثر تواضعا. وقد لاقت هذه المانغا اقبالاً كبيراً من جمهور القرّاء.

يقول شيرياغاري: ”لقد سألت نفسي مرارا وتكراراً عَمّا يمكن لفنان المانغا تقديمه بشكل مفيد في مثل هذه الظروف. فكرت بهؤلاء العلماء الذين كانوا يحاولون شرح أثر الحادث في وسائل الإعلام حيث يخرجون بكل هذه الأرقام فيتقبلها بعض الناس ويرفضها البعض الآخر، وغيرهم ممن لم يهتم في الحقيقة في أي من الاتجاهين. وقد يكون هذا الخليط من الناس ذوي وجهات النظر المختلفة حول الأمور والقضايا هو من يخلق هذا النوع من الأجواء في وقتنا الحاضر. وهذا بالضبط ما أردت تصويره في أعمالي. شعرت أن المانغا بحاجة لإظهار الواقع اليومي التي تجاوزت أرقام العلماء. على الرغم من جميع الصعوبات والآلام التي نمر بها الآن، لا يزال هناك الكثير من الأسباب التي تجعلنا نتحلى بالأمل إذا تَطلعنا إلى الأمام، إلى ٥٠ عاماً في المستقبل. هكذا فكرت عندما رسمت قرية على البحر، بعيدا عن الأرقام والعلم“.

لدى المانغا دور مميز تلعبه في حياتنا. تتمحور وظيفة السياسة في التعامل مع القضايا الكبرى التي تواجهنا يومياً. أما الصحافة فهي تسلط الضوء على هذه القضايا لدى الجمهور والقراء، وتعمل العلوم على تحليل الوضع وإيجاد الحلول. المانغا، على النقيض من ذلك، يمكن أن تلعب دورا هاماً بالإعراب عن التعاطف مع الضحايا وتظهر صورة الأمل في المستقبل حتى لو أنها ليست سوى رؤية مصورة.

لقد رسمت المانغا المتعة والبسمات على وجوه القراء في وقت طغى عليه القلق والحزن والغضب. كما دفعت المانغا الناس على التفكير بجدية حول الموضوعات الصعبة للطاقة النووية والإشعاعات. حتى أنها تجاوزت اللغة والحدود الوطنية وجمعت بين الناس من مختلف أنحاء العالم. وسَوف تستمر قوة المانغا المعبرة في لعب دورٍ هامٍ في السنوات المقبلة.

(المقالة الأصلية باللغة اليابانية، بقلم يوميكو ياتا، المصور ماكوتو ايتو، شكر خاص للمساعدة المقدمة من متحف كيوتو الدولي للمانغا، وللرسوم التوضيحية من شركة مايند كرييتير المحدودة ومن السفارة الفرنسية في اليابان)

(*١) ^ Bande dessinée  هو مصطلح فرنسي يشير إلى الرسوم بشكل عام، ولكن أيضا يمثل النوع من الرسومات التي يتم ابتكارها في فرنسا وبلجيكا.

مانغا فرنسا