أيام المهرجانات: دليل إلى أساكوسا و”سانجا ماتسوري“

القصة وراء أصل ”سانجا ماتسوري“ والسر الذي ربط بين المعبدين البوذي والشنتوي والمهرجان!

مجتمع ثقافة

يأتي ”سانجا ماتسوري“ أو مهرجان سانجا ليتوج منطقة أساكوسا في مطلع كل صيف وهو تقليد يفتخر بسبع آلاف سنة من التاريخ. تقام مراسمه الآن في معبد أساكوسا للديانة الشنتوية لكن أصوله ترتبط أيضا بمعبد سينسو-جي للديانة البوذية. وفي هذا المقال وعن طريق تتبع تاريخ نشأة مهرجان سانجا وصلته بالمعبدين البوذي والشنتوي سيتضح أمامنا القدر المثير الذي ربط كلاهما بمنطقة أساكوسا!

إله الرحمة في البوذية الذي علق في شبكة صيد!

حتى نتعرف عن أصل مهرجان سانجا لا بد وأن نعود إلى بداية تأسيس معبد ”سينسو-جي“، الذي هو أقدم معبد في العاصمة طوكيو. الزمان: ساعات صباح باكر من يوم ١٨ شهر مارس/ آذار عام ٦٢٨ الموافق لعام ٣٦ من فترة حكم الإمبراطور سُيْكو (حقبة أسوكا). المكان: إيدو أورا بالقرب من مصب نهر سوميدا الحالي. حيث كان الأَخَوان هينوكوما هاماناري وتاكيناري يصطادان ووجدا تمثالا لـ”كانّون“ في شبكة الصيد. قام الأخوان بأخذه إلى شخصٍ ذي علم من أهل المنطقة اسمه ”هاجينو ناكاتومو“ والذي تعرف عليه وأوضح أنه تمثال لـ”شو كانزيؤن بوساتسو“ أو ”أفالوكيتسافارا“ والمعروف باسم ”كانّون“، وهو البوداسف الذي يمثل الشفقة والرحمة عند البوذيين. بعد ذلك قام هاجينو، والذي أصبح راهبا، بعبادته وتقديسه في بيته ليبدأ تاريخ معبد سينسو-جي.
وكان الكثير من المصلين من الذين أصبحوا يأتون لزيارة وتقديس بوداسف الرحمة ”كانّون“ في أساكوسا، مما كان السبب في انتعاش القرية وبث الحياة والنشاط بها تدريجيا بعد أن كانت وقتها ليست سوى قرية صيد صغيرة تطل على جدول ثغر بالقرب من خليج طوكيو.

الكاهن ”يانو كوجي“ من معبد أساكوسا الشنتوي

ولكن، ما هي قصة نشأة معبد أساكوسا ”أساكوسا-جينجا“ الذي يقع تماما بجانب معبد سينسو-جي؟ يشرح لنا السيد ”يانو كوجي“ أحد كهنة المعبد ويقول:

”في أواخر حقبة هيآن، ظهر البوداسف كانّون في رؤية لشخص من سلاسة أسرة السيد هاجينو مؤسس معبد سينسو-جي، وقال له: ”لقد التقطني أجدادك من قاع الماء وحافظوا عَليِّ بالصيانة بكل تقدير واحترام وهم أشخاصٌ يستحقون الشكر والتقدير ولهم الفضل في نهوض وازدهار أساكوسا. لذا عليك بتقديس هؤلاء الثلاث وإقامة معبد شنتوي لهم بجانب معبد سينسو-جي“، ويقال إن هذا كان سبب تأسيس معبد أساكوسا.“

ويُعرف أساكوسا-جينجا أو معبد أساكوسا بـ”سانجا ساما“. و”سانجا“ تعني ”الثلاث آلهة“ والمقصود حيث بَهِمُّ الأَخَوان هينوكوما والسيد هاجينو أصحاب الفضل في نهوض أساكوسا وازدهارها. ومن هنا جاءت تسمية المهرجان حتى يومنا هذا بـ”سانجا ماتسوري“، والذي يقام في شهر مايو/أيار من كل عام.

صورة من أمام المبنى الرئيسي لأساكوسا جينجا

الميكوشي الثلاث تجول في شوارع المدينة

أقدم المكتوبات عن مهرجان سانجا كانت في عام ١٣١٢. وذكر فيها أنه في يوم ١٨ مارس/ آذار أي اليوم الذي ظهر فيه لأول مرة تمثال كانّون الخاص بمعبد سينسو-جي تم حمل مجسّمات الميكوشي التي هي مجسّمات على شكل معابد مصغرة تُحمل في المواكب والمهرجانات وبداخل تلك المجسمات أرواح الثلاث من معبد أساكوسا ليُذهب بهم إلى الحرم الرئيسي لمعبد سينسو-جي، وذلك لتقضية ليلة كاملة مع البوداسف كانّون ”كانّون بوساتسو“ في المعبد حيث نجري مراسم سيغينكاي وفي اليوم التالي تُحمل مجسمات الميكوشي لتجول في شوارع المدينة بعد عبورها نهر سوميدا على ظهر قوارب لأداء ما يُعرف بمراسم القوارب.

ميكوشي معبد أساكوسا وهي محملة بأرواح المقامات الثلاث

ويقول يانو: ”إن الفكرة الأصلية وراء مهرجان سانجا تكمن في قضاء أرواح الثلاث ليلة كاملة مع البوداسف كانّون في الحرم الرئيسي لمعبد سينسو-جي ومن ثم مشاهدة أحوال مدينة أساكوسا من خلال ركوبهم في الميكوشي والتجول في شوارع المدينة. كما يحمل المهرجان في مضمونه فكرة أن قوة وطاقة المقامات الثلاث تعم وتنتشر فوق الأرض مع هول اهتزاز وتمايل الميكوشي بفِعل الحشد الغفير وهم يحملونهم على الأكتاف.“

استمرت مراسم المهرجان تقام باشتراك كلٍ من معبد سينسو-جي للديانة البوذية ومعبد أساكوسا-جينجا للديانة الشنتوية كعيد ”بوذي-شنتوي مزدوج“ حتى نهاية حقبة إيدو. ولكن مع بداية حقبة ميجي (عام ١٨٦٨)، قامت حكومة ميجي، والتي تبنت سياسات لتحديث وتقوية البلاد، بتحديد التعاليم الشنتوية لتكون الديانة الرسمية للبلاد وأصدرت قانون ”الفصل بين الشنتوية والبوذية“ وقامت بالفصل ما بين المعابد البوذية والمعابد الشنتوية. ولهذا السبب، أصبح معبد أساكوسا-جينجا الشنتوي ينظم وحده مهرجان سانجا وألغيت مراسم قضاء الليلة في معبد سينسو-جي ومراسم القوارب، ولكن المراسم التي تقام دون تغيير ظلت كما هي أي مراسم حمل أرواح المقامات الثلاث في الميكوشي والتجول بهم في شوارع المدينة.

ويُكمِل يانو بالقول: ”الآن أصبح هناك الكثير من أهل المدينة من الذين لا يعرفون هذا الأمر، ناهيك عن السياح والزائرين القادمين من الخارج. ولكن، لا بد وأن يكون لأي مهرجان أو عيد أصل وبالتالي عُرف مرتبط بالمكان الذي نشأ فيه. وأعتقد أنه بمعرفة وفهم أصل النشأة يُمكن الاستمتاع بشكل أكبر وأعمق بكل عيد.“

عام ٢٠٠٠، وبغية نشر أصل وتاريخ المهرجان وعلاقته بمدينة أساكوسا على نطاق أوسع، تمّ إحياء مراسم تمضية الثلاث مقامات لليلة كاملة بجانب البوداسف كانّون داخل معبد سينسو-جي ”مراسم شيغينكاي“. ولذا أصبحت بالتالي مراسم حمل الميكوشي الثلاث للذهاب ومن ثم العودة من وإلي البهو الرئيسي للمعبد تقام من جديد بعد أن كانت قد توقفت أي هذه المراسم لزمن طويل. وفي مارس/ آذار عام ٢٠١٢ كذلك وكاحتفال خاص بذكرى مرور ٧٠٠ سنة على بداية الاحتفال بمهرجان سانجا، تم أحياء مراسم عبور الميكوشي الثلاث لنهر سوميدا على القوارب ”فوناتوجيو (مراسم القوارب)“، وكانت لحظة تاريخية مبجلة أعادت أجواءً نادرة المشاهدة لمراسم احتفال القوارب والتي كانت متوقفة لفترة دامت أكثر من ١٠٠ سنة، ذلك باستثناء تلك المرة حين أقيمت هذه المراسم لمرة واحدة فقط عام ١٩٥٨ أي منذ ٥٤ سنة.

مراسم ”فوناتوجيو“ وعبور قوارب الميكوشي الثلاث لنهر سوميدا من جديد بعد ٥٤ سنة. (الصورة مقدمة من أساكوسا-جينجا)

مهرجان سانجا يجمع ويوحد أهالي أساكوسا

وبالرغم من أن مهرجان سانجا أصبح احتفالا خاصا بمعبد أساكوسا-جينجا، إلا أن معبد سينسو-جي يعتبر رمزا هاما لأهل مدينة أساكوسا، ولا تزال هناك علاقة وطيدة تربطه بالمهرجان.

السيد أمينو غيكوو من معبد سينسو-جي.

يحدثنا السيد ”أمينو غيكوو“، الكاهن البوذي من معبد سينسو-جي ويقول: ”إن إلفة وشهرة معبد سينسو-جي بكونه المكان الخاص بالبودسف كانّون بأساكوسا لزمن طويل، ترجع إلى الإيمان العميق لدى عامة الناس تجاه كانّون (أو إله الرحمة كانّون) الذي يعامل البشر بمختلف طبقاتها جميعا سواسية ويتفهم ضعفهم أمام الشهوات الدنيوية. ومن ناحية أخرى، فإن روح بوذا تسكن في قلوب الناس مما يسمح بتكوين هذا الرابط الروحي.“

”ولعل حرم المعبد نفسه والذي يقع ضمن نطاق المدينة، حيث يمر الناس لشراء وقضاء احتياجاتهم اليومية ويمر الأطفال ذهابا وإيابا من جانبه إلى مدارسهم، هو ما ربط المعبد وجعله جزءاً لا يتجزأ من المدينة. أي أن سر مدينة أساكوسا كمكان هو في أنها تجمع ما بين الجانب الروحي والجانب الدنيوي في آن واحد.“

كما يعتبر مهرجان سانجا فرصة للتواصل بين سكان المدينة. حيث يتجمع المسؤلون والمنظمون للمهرجان ويجلسوا أمام خيمة ”أوميكي شو“ (مكان ينصب لتقديم الخمور للآلهة) حيث تُقدم لهم السيدات في المناطق المجاورة الشاي ويَقِمنَ بالتحضير لمأدبة ”ناأوراي“ التي تقام بعد المهرجان وغيرها، كما يقوم الشباب أقوياء البُنية بحمل مجسمات الميكوشي بينما يراقبهم الأطفال ويتطلعون إليهم.وهكذا، ينشأ التواصل بين جميع الأعمار ويتحد أهالي المنطقة معا من خلال المهرجان. وهذه الوحدة نفسها هي القوة المحفزة التي تجعل أساكوسا تزدهر كمدينة سياحية تجذب إليها الزائرين من كل مكان.

أمام الحرم الرئيسي بمعبد سينسو-جي

يحدد معبد أساكوسا في يوليو/ تموز من كل عام تاريخ يوم الاحتفال بمهرجان سانجا للعام المقبل. وتبدأ التحضيرات من ديسمبر/ كانون الأول، وتنطلق برمته مع بداية السنة الجديدة. وبالنسبة لأهالي أساكوسا فإنهم يتفقون أن فصل سنة عن سنة لا يكون في نهاية وبداية السنة الميلادية (١ يناير/كانون الثاني) وإنما يكون في شهر مايو/ أيار حين يقام المهرجان.

واتسم احتفال عام ٢٠١٢ كونه جاء بحلول ذكرى مرور ٧٠٠ سنة على إقامة المهرجان والذي اُعتبر من أكبر الاحتفالات التي كان الجميع يتطلع إليه وتطلب تجهيزات وتحضيرات ضخمة انتهت بإقامة احتفال أكثر من رائع خطف الأنفاس وظل ذكرى مبجلة لا تنسى مما دفع بأهالي أساكوسا للتطلع باشتياق وباستمرار لمهرجان سانجا من عام إلى آخر.

(المقالة الأصلية باللغة اليابانية بقلم ساكوراي شين ونٌشرت بتاريخ ٢٩ يونيو/حزيران ٢٠١٢. تصوير: كوديرا كي)

أساكوسا سانجا ماتسوري ميكوشي معبد أساكوسا جينجا معبد سينسو جي