الحنين إلى الماضي

حلوى شعبية الداغاشي وطعم الحنين التي تحملها

ثقافة لايف ستايل

كان التوقف عند أكشاك بيع الوجبات الخفيفة رخيصة الثمن (يطلق عليها باللغة اليابانية اسم داغاشي) عُرفٌ اعتاد طلاب المدارس القيام به بعد الانتهاء من الدوام اليومي. تستحضر تلك الوجبات الخفيفة الكثير من الذكريات الجميلة للكبار اليوم. نلقي هنا نظرة فاحصة على بعض من هذه الوجبات الخفيفة وعلى أحد أكشاك طوكيو التي لا تزال تبيع تلك المنتجات.

يشعر معظم اليابانيين ممن تجاوزوا الأربعين ربيعاً من العمر برشفة من الحنين عند ذكر الحلوى والوجبات الخفيفة رخيصة الثمن التي تدعى داغاشي. تعيد هذه المأكولات ذكريات سنوات الطفرة الاقتصادية، التي امتدت منذ حقبة الخمسينات إلى السبعينات من القرن الماضي، عندما كان الأطفال في كثير من الأحيان يصطفون أمام متاجر الحلوى المحلية لشراء لعبة صغيرة أو حلوى تتيح لهم فرصة الفوز بجائزة ما. بالنسبة للأطفال الصغار، كانت هذه الدكاكين مكانا مسليا لقضاء الوقت بعد انتهاء دوام المدرسة.

في الماضي، تمتعت محلات الداغاشي بشعبية بين الاطفال حيث تقدم مجموعة واسعة من السلع بأسعار رخيصة وكذلك السحوبات والحلوى التي تتيح فرصاً للفوز بجوائز قيمة. وقد وجدت هذه المحلات والأكشاك في كل أرجاء اليابان حتى فترة الثمانينات، ولكن بدأت تتناقص وتختفي تدريجيا مع تنوع منتجات الوجبات الخفيفة المصنعة وزيادة في أعداد البقالة والسوبرماركت. هذا وليس هناك الآن العديد من محلات الداغاشي كما كانت الحال في سنوات الطفرة الاقتصادية، ولكن لا يزال بالإمكان رؤيتها في بعض الأماكن. ومن الممكن أيضا شراء حلوى الداغاشي والوجبات الخفيفة على شبكة الإنترنت أو من خلال الطلب البريدي.

محل الداغاشي الأقدم في طوكيو

تم بناء المبنى الحالي لمحل "كامي-كاواغوتشيا" في أواخر القرن التاسع عشر، وقد بقي هذا البناء على حاله رغم تعرض المدينة لزلزال كانتو العظيم عام ١٩٢٣ والقصف خلال الحرب العالمية الثانية. (العنوان: ٣-١٥-٢٠ زوشيغايا، ميناتو كو، طوكيو؛ يغلق المحل في الأيام الممطرة)

”كامي-كاواغوتشيا“ هو محل داغاشي يقع في محيط معبد كيشيبوجين في طوكيو على بعد ثلاث دقائق من محطة كيشيبوجين-ماي على خط ترام تودين أراكاوا. يبيع هذا المحل الحلوى لأكثر من ٢٣٠ عاماً وذلك منذ افتتاحه في عام ١٧٨١. يوشياما ماسايو، التي تدير حاليا المحل، هي صاحبته الثالثة عشر. في البداية كانت تباع حبات الحلوى المصنوعة من ثمار الحمضيات، ولكن اعتباراً من منتصف فترة الخمسينات، أصبح من الصعب الحصول على المكونات اللازمة للتصنيع، فبدأ المحل ببيع مجموعة متنوعة من الداغاشي. وقد كان متجر ”كامي-كاواغوتشيا“ النموذج الذي كان مصدر الهام للمتجر الذي يظهر في فيلم الرسوم المتحركة أمويدي بورو بورو (فقط يوم أمس)، من إنتاج ستوديو جيبلي.

صورة ليوشياما ماسايو (يسار) في عام ١٩٥٤، مع صاحب المحل الثاني عشر ياسوي تشيو (وسط).

بعد مضي نحو٥٠ عاما، مازالت يوشياما ماساي تبيع الداغاشي في محل

الوجبات الخفيفة المصنوعة من الحبار وسمك القد.

 

فتاة صغيرة مع جدتها في محل داغاشي تفوز بجائزة.

تعرّفنا يوشياما على مجموعة من الداغاشي المعروضة في الجزء الأمامي من متجرها: إحدى المنتجات الشعبية لدينا هي الحبار المجفف. وفي الواقع، وبسبب ارتفاع أسعار الحبار اليوم، يستخدم صانعي الداغاشي سمك القد المجفف ويضيفون إليه توابل الحبار، مما يجعله في متناول يد الأطفال بسعر قدره ١٠ ين للقطعة الواحدة. منتج شعبي آخر لدينا هو حلوى ”اربح جائزة“. والأطفال الذين يزورون محلات كهذه، غالباً ما تكون هي المرة الأولى لهم التي يأتون بها هذا المكان لشراء شيء يريدونه من تلقاء نفسهم. لذلك فإنهم يقضون الكثير من الوقت للتفكير بما سيشترون، وهذا وقت مثير وممتع بالنسبة لهم.

ولكل جيل لديه صورته الخاصة عن الداغاشي، ولكن الأطعمة المحبوبة جداً عموماً هي كيناكو امي (الحلوى المغطاة بمسحوق فول الصويا)، الخوخ المجفف، والبسكويتة الرقيقة مع الكريما، وحلويات مثل حلوى راموني بطعم الصودا أو الفوغاشي وهي حلوى السكر الأسمر المصنوعة من الغلوتين.

وتقول يوشياما: ”الأطعمة المفضلة في متجري هي مربى البرقوق والبسكويت المغطى بالكريما. عندما كنت طفلة، كانت الشوكولاته تعدّ من الأطعمة الفاخرة، ولكن في هذه الأيام يمكن للأطفال شراء الحبة بمجرد ١٠ ين فقط. يتوفر لدينا حوالي ١٠٠ نوع مختلف من الحلوى والوجبات الخفيفة. الشيء الوحيد الذي لم يتغير هو البسمة على وجوه الأطفال لدى اختيارهم للحلوى المفضلة لديهم“. ثمَّ يرتسم على وجه يوشياما علامات من الحزن عندما تشير إلى أن هناك عددا أقل من الأطفال في هذه الأيام، وكيف أن الأطفال يمضون وقتاً أقل مع أصدقائهم في أيام الأسبوع. وغالباً ما يصطحب الآباء أطفالهم إلى أكشاك الداغاشي في عطلة نهاية الأسبوع، وفي معظم الأحيان تجد عيون الكبار متألقة أكثر من الأطفال عندما يقع بصرهم على المنتجات المدرجة في المحل.

الحلوى المغطاة بمسحوق فول الصويا وهي أكثر الأنواع تفضيلا منذ زمن طويل. وحيث يمكن أن تكسب حبة ثانية إذا كان لون العصا من طرفها السفلي أحمر اللون.

اماي بو: وجبة خفيفة مفتتة.

الخوخ الحامض في شراب يترك صبغة حمراء على اللسان.

اتجاهات وتوجهات جديدة

يخبرنا انوكوتشي نوبوكاتسو، رئيس متاجر الداغاشي للتجزئة انوكوتشي شوتين، بأن شركته توزع حالياً نحو ٥٠٠ نوع مختلف من الداغاشي، وبأسعار تترواح عموماً بين ١٠ و ١٠٠ ين. وخلال فترة ازدهار الاقتصاد الياباني، كان ينظر إلى الداغاشي على أنها أطعمة شعبية على "الطراز القديم“ وكان يعتقد أنها على طريق الزوال.

امّا اليوم فقد عادت هذه الوجبات الخفيفة القديمة مرة أخرى إلى دائرة الضوء. وبما أن البلاد تواجه مستقبلاً غير واضح المعالم، فقد يشعر الكبار (خصوصاً كبار السن منهم) بالحنين الى حقبة ماضية تذكرهم بها الداغاشي. يقول إنوكوتشي ايضا: ”يبذل بعض اليابانيون الذين يعيشون في الخارج جهداً لتقديم الداغاشي والألعاب اليابانية الكلاسيكية للناس في البلدان الأجنبية، وتشهد محلاتنا زيادة في الطلبات من الخارج“. كما تسعى متاجره دائما لتوسيع قنوات المبيعات في الخارج، وذلك باستخدام صفحة مخصصة على الفيسبوك لمناشدة اليابانيين المغتربين في الخارج.

وهناك بعض التطورات الجديدة عندما يتعلق الأمر بالداغاشي مثلَ زيادة في متاجر الداغاشي المصممة بشكل يوحي للزائر بفترة الريترو (Retro) من عصر شووا (١٩٢٦-١٩٨٩). وهناك أيضاً عدد غير قليل من حانات الداغاشي حيث يمكن للزبائن الاستمتاع بالوجبات الخفيفة المفضلة لديهم منذ الطفولة، أوأطباق الغداء المدرسية الكلاسيكية، جنباً إلى جنب مع المشروبات الكحولية. وكذلك من خلال المهرجانات المدرسية حيث غالباً ما يتم تصميم مجموعة محلات داغاشي طبق الاصل عن المحلات القديمة. وقد شهدنا مؤخراً ارتفاعاً في مبيعات الداغاشي التي توزع كهدايا في مناسبات الزفاف وغيرها من الحفلات الأخرى. وهنالك عدد أقل من محلات الداغاشي هذه الأيام في اليابان، ولا يزال نحوَ ٥٠ منها في طوكيو وحدها. يقدم كل متجر المنتجات الخاصة به، مثل الألعاب الرخيصة التي تعمل بقطع النقود المعدنية والمرطبات الصيفية مثل المثلجات، أو الوجبات الخفيفة الساخنة في فصل الشتاء.

ولربما ينتاب البالغون البهجة كالاطفال تماماً عندما يرون الحلوى والألعاب التي تغطي رفوف محلات الداغاشي حيث تعيد هذه المنتجات لديهم ذكريات الطفولة وهم يتفحصونها بعيونهم قبل اختيار المشتريات، ويشعرون بالإثارة عند اختيار الحلوى الرابحة. تعتبر زيارة محلات الداغاشي وسيلة ممتعة للبالغين تذكرهم بتلك المشاعر التي كانت لديهم عندما كانوا صغاراً، وأيضا للمشاركة في الفرح والبهجة مع أطفالهم أو أحفادهم.

(المقالة الأصلية باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية، صور: يامادا شينجي)

ما هي الداغاشي؟خلال عصر إيدو (١٦٠٣-١٨٦٨)، كانت أكثر أنواع الحلوى غلاء تلك المصنوعة من السكر الأبيض، وكانت تسمى جوغاشي. في المقابل، كانت يطلق على الحلوى الأرخص ثمناً والمصنوعة من الحبوب الخشنة أو النشاء والمستهلكة من قبل الناس العاديين بداغاشي. وقد صنعت معظم أنواع الداغاشي التي مازال يتناولها الناس حتى اليوم على النحو المشار اليه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. كانت الداغاشي معدّة للأطفال الصغار، ولذلك جاء صانعي الحلوى بوسائل مختلفة لإبقاء الأسعار منخفضة، مثل بيع الحلوى أو العلكة بالحبة الواحدة. يطلق على المحلات التجارية التي تبيع داغاشي، داغاشييا ”Dagashiya“، وتبيع عادة المأكولات البحرية المجففة والمتبل منها أو المحلاة وكذلك الحلوى المصنوعة من النشاء أو المحلّيات المرتكزة على الأرز، والأطعمة المصنعة ذات فترة صلاحية طويلة مثل الفواكه والخضراوات الملونة.


الحلوى في وعاء زجاجي قديم.


كعكة كاستيلا الإسفنجية على أعواد خشبية.


بسكويت بنكهة الحليب وحلوى السكر الأسمر (الفوغاشي).


الحبار على الأعواد الخشبية.


مربى الخوخ.


حلوى


حبل من الحلوى.


علكة بنكهة الكولا وغيرها من المنتجات.


حلوى \"راموني\" في قارورة بلاستيكية.


\"Poly Ballon\" (لعبة فقاعات بلاستيكية) وغيرها من المنتجات.


بسكويت بنكهة الحليب.


فطائر الأرز.


علكة ١٠ ين.


حلوى \"الراموني\".


حلوى بطعم الحبار

ألعاب الأطفال أطفال