”تقاليد مذهلة“ مواكبة للحياة العصرية

كشف قناع النينجا... حقائق لا تعرفها عن محاربي النينجا!

ثقافة

النينجا هم محترفون في فن الحرب والاستطلاع في اليابان القديمة، وقد أصبحوا مشهورين بمهاراتهم في التسلل والتجسس والقتال. تطورت فنون النينجا في القرون الوسطى في اليابان، حيث كانوا يعملون كجواسيس ومرتزقة للساموراي والقادة العسكريين. تعتمد شهرة النينجا على العديد من العناصر الأسطورية والتاريخية، مما يخلق أسطورة حول شخصيتهم. تظهر النينجا في الأفلام والأنيمي بصورة مثالية كمقاتلين خارقين يتقنون الفنون القتالية ويتمتعون بقدرات خارقة. من الجدير بالذكر أن البعض من الأساطير المحيطة بالنينجا تختلف عن الواقع التاريخي، وقد يكون هذا الأمر مسبباً للالتباس بين الأفكار الخيالية والحقائق التاريخية حول هذه الشخصيات.

الصورة النمطية للنينجا

تعتبر النينجا حاليًا مصدر إعجاب لدى الكثيرين، حيث ظهروا في القصص والأنيمي والأفلام، وليس فقط في اليابان ولكن لجميع سكان العالم. يرتدي أفراد النينجا اللذين يُعرفون بـ ”كوروشوزوك“ زيًا أسودًا يسمى ”كورومونو“، الذي يساعدهم في التمويه في الظلام. يُصوِّر النينجا في الثقافة الشعبية غالبًا كقتلة ماهرين يتحركون بسرعة وخفة، ويستخدمون مجموعة متنوعة من الأسلحة والأدوات، مثل الشوريكين (نجوم النينجا) والكاتانا (سيف ياباني).

تعتمد معظم هذه الصور على الأفلام والأعمال الفنية الخيالية، ومع ذلك، فإن النينجا الحقيقيين في التاريخ لم يكونوا دائمًا يرتدون الزي الأسود. كان لديهم مهارات تجسس وحرب نفسية وتكتيكية، وكانوا غالبًا يعملون في الظلام ويستفيدون من التمويه، ولكن كانوا أيضًا يرتدون ملابس تناسب البيئة لتحقيق أقصى فعالية في مهامهم.

ولكن صورة النينجا تلك شكلت بعد فترة زمنية. لقد استقرت تسمية ”النينجا“ في النصف الثاني من خمسينيات القرن الماضي بعد تناولهم في القصص التاريخية والمانغا والأفلام. في الماضي، كان هناك العديد من التسميات مثل ”سوبّا“ (Suppa) و ”رابّا“ (Rappa)، ولكن يبدو أن ”شينوبي“ كانت الأكثر شيوعًا.

ونظرًا لاستخدام مقاتلي النينجا لفنون غير تقليدية لأداء مهامهم بشكل متخفي، فإن المواد التاريخية حول هذا الموضوع قليلة، مما منحه طابع الغموض. ولكن مع تقدم الدراسات في السنوات الأخيرة، تمكنا أخيرًا من كشف بعض الحقائق حول هذا الموضوع.

مجموعة ملصقات دعائية لسلسلة أفلام “شينوبي نو مونو” التي حققت نجاحا كبيرا في ستينات القرن الماضي معروضة في متحف نينجا إيغا ستايل.

البحث عن النينجا 

إن أشهر معاقل النينجا هي إيغا (مدينة إيغا في محافظة ميئي) وكوكا (مدينة كوكا في محافظة شيغا). تتجاور مدينتا إيغا في شمال غرب محافظة ميئي وكوكا في أقصى جنوب محافظة شيغا، حيث يفصلهما الجبل فقط. يحدّ المدينتين خط مستقيم بطول 20 إلى 30 كيلومترا، بحيث يمكن قطع تلك المسافة في نصف يوم سيراً على الأقدام.

بدأت جامعة ميئي الوطنية بمدينة تسو المجاورة شرقاً لمدينة إيغا، بحثاً حقيقياً عن النينجا في عام 2012 في إطار ”حملة لتنشيط المنطقة من خلال تسليط الضوء على ثقافة النينجا“. وسعت الدراسة لكشف حقيقة النينجا من وجهة نظر تاريخية بقيادة يامادا يوجي الأستاذ بكلية الآداب. يقول الأستاذ يامادا: ”لم يتبقى لنا من كتب فنون النينجا كدليل لدراسة النينجا سوى تلك التي تبقى في إيغا وكوكا. مما يعني أن التعرف على النينجا يقتضي البحث عن تلك المدينتين أولاً“.

”كتاب فنون النينجا المعروض في دار فنون كوكا نينجا ستايل“.

علاقات طيبة وليست عدائية

تقترن بدايات النينجا بفترة جمع المرتزقة المحليين خلال عصر الحروب. يُعتقد أن ظهور النينجا في مدينة كوكا كان مرتبطًا بمقاومة السكان المحليين لنظام الإقطاع والتوحد لتشكيل منظمة مستقلة لمواجهة هذا النظام. في حين أن أصل النينجا في إيغا يُرجح أن يكون مرتبطًا بعصابة نشأت نتيجة للصراع مع الإقطاع.

كانت إيغا وكوكا على مقربة من كيوتو، العاصمة في ذلك الوقت، مما سهل نقل آخر المعلومات بسرعة. ساعدت التضاريس الجبلية المحيطة في الحفاظ على سرية المعلومات المحلية وتوفير بيئة مناسبة لأنشطة التجسس. كما أن الحياة الصعبة في تلك المناطق الجبلية ساهمت في تطوير قوام جسدي قوي لأفراد النينجا. في الوقت نفسه، ساهم ضعف سيطرة الإقطاع على تلك الأراضي في تعزيز التنظيمات المستقلة بشكل تدريجي.

رغم الصورة التي يرسمها الأدب والمانغا حول إيغا وكوكا كعدوين، إلا أن الحقيقة كانت مختلفة، حيث كانت المدينتان تحتفظان بعلاقات ودية وثيقة، وقد سُميتا بـ ”البلد الموحد إيغا وكوكا“. وقد شهدت المدينتان علاقات تصاهر وتبادل مستمر للمعلومات. في عام 1579، هاجم أودا نوبوكاتسو، ابن نوبوناغا، منطقة إيغا في فترة تُعرف بـ ”تننشو إيغا نو ران“. قام النينجا بالدفاع عن المنطقة باستخدام النيران والهجمات الليلية.

أضاف يامادا ”وبالطبع قام أفراد النينجا من كوكا بالمحاربة معهم جنبًا إلى جنب“. وعندما تلقى توكوغاوا إياسو، الذي كان في مدينة ساكاي، خبر ”هجوم هننوجي نو هين“ في عام 1582، نجح في العودة إلى معاقله بسلام في ميكاوا بفضل حراسة النينجا، حيث تخطوا جبال إيغا. وأثنى إياسو على مهاراتهم وقدراتهم، وظل يستخدمهم كحراس لقلعته في إيدو. وبفضل شهرتهم الواسعة، بدأ كبار الإقطاع الآخرين في توظيف النينجا كحراس شخصيين لهم، مما أدى إلى انتشار الأسماء المرتبطة بإيغا وكوكا في جميع أنحاء اليابان.

يمكن تجربة تسلق الجدران الحجرية في ”قرية كوكا لفنون النينجا“.

النينجا غير مقاتلة

تابع يامادا ”يقوم سكان إيغا وكوكا بأعمالهم اليومية في الزراعة وغيرها صباحًا، وفي فترة ما بعد الظهر يتجمعون للقيام بتدريباتهم استعدادًا للمهام.“ تكمن أهم مهمات النينجا في جمع المعلومات عن العدو وتقديمها لقائدهم. لذلك يسعى النينجا لتجنب المواجهات القتالية قدر الإمكان، محاولين البقاء على قيد الحياة والعودة بسلام من مهمتهم بأي طريقة ممكنة. عندما يدخل النينجا أراضي العدو، فإنها لا تعلم متى قد يتعرضون للهجوم أو ما قد يحدث لهم. تتمركز تدريباتهم اليومية حول تعزيز قدرات الدفاع والهروب من العدو بدلاً من تطوير مهارات الهجوم.

يشدد يامادا على أن تنمية القوة العضلية والتحمل لا تكون الهدف الوحيد، بل يتم التركيز على رفع القدرات الحركية إلى أقصى حد من خلال استخدام فعّال للجسم والتنفس. ويُضاف إلى ذلك، أن أفراد النينجا المكلفين بالمهام الخطيرة كان لديهم روح قوية تتحمل الأخطار. كانوا يقومون بتنمية تلك القوة الروحية والمرونة من خلال التدريب اليومي، مما يمكنهم من التعامل بسلاسة مع أي موقف دون الوقوع في حالة من الارتباك.

الشوريكين أو النجوم حادة الشفرات التي لم تستخدم في الأغلب وقت القتال الحقيقي ”موقع الشوريكين قرية كوكا لفنون النينجا“.

يُعتبر الإبداع والفضول عاملين داعمين لأنشطة النينجا، حيث أن تطوير مهاراتهم وزيادة قدراتهم سمح لهم بجمع معلومات أكثر واكتساب حكمة أعظم. لذا يمكن القول إن فنون النينجوتسو تمثل حقًا فنون البقاء على قيد الحياة. تشمل هذه الفنون هجماتًا على العديد من النقاط العمياء، واستخدام العوامل النفسية بمهارة. يكمن جزء من هذا الفن في معرفة كيفية مهاجمة نقاط ضعف الخصم واستغلال العوامل النفسية بمهارة. ويتعلق ذلك بالمعرفة العميقة لفن الاختفاء من الأعداء باستخدام تقنيات التخفي والتمويه، مستغلين نقاط العميان على نحو نفسي.

يقول يامادا ”لقد كان أفراد النينجا في إيغا وكوكا على دراية كبيرة باستخدام المتفجرات والعقاقير. فبالإضافة إلى سهولة حصولهم على المعارف الخاصة بالأسلحة النارية بحكم قربهم من كيوتو، اكتسبوا علوم العقاقير من كهنة الجبال. بل ويبدو أنهم كانوا محبين للعلم حتى أنهم اطلعوا على كتب البوذية. ويبدو أنهم كرروا التجارب عدة مرات بمعرفتهم باختلاف تأثير المتفجرات حسب نسب الخلط والمواد الخام ونتيجة لذلك، ابتكروا أدوات منطقية علميا مثل الشعلة المقاومة للرياح والدخان الصاعد رأسيا“.

زي الشوزوكو الخاص بالنينجا وأدواتهم متعددة الوظائف (معرض متحف نينجا إيغا ستايل).

إحياء روح النينجا

كان النينجا يتسمون بالتفاني في البقاء على قيد الحياة، وكانوا يسعون جاهدين لإتمام مهامهم وإبلاغ قادتهم بالمعلومات الحيوية. كما يشير الأستاذ يامادا، لم يكون النينجا أبطالًا خارقين بقوة فائقة، بل كانوا مؤهلين للبقاء على قيد الحياة. بمعنى آخر، كانوا مدربين جيدًا لمواجهة أي ظروف تهدد حياتهم. هذه هي الحقيقة التي تكشف عنها الدراسات حول حياة النينجا.

وفي الوقت الحالي، يُلاحظ أن كل شيء حولنا أصبح سهلاً بشكل كبير، مما قد يجعل الإنسان يفتقر إلى القدرة على التعامل مع التحديات بنفس القوة والمرونة التي كان يتحلى بها النينجا. يعتقد الأستاذ يامادا أن في هذا الزمن، حينما يواجه الناس تحديات الحياة، يمكنهم أن يستفيدوا من قدرة النينجا على البقاء على قيد الحياة تحت أي ظروف، ويتعلموا كيفية التغلب على المعوقات بالاجتهاد والتفاني.

من”متحف نينجا إيغا ستايل“.

(النص الأصلي باللغة اليابانية٫ الترجمة من الإنكليزية. إعداد وكتابة: ساتو نارومي
تصوير: أوشيما تاكويا)

نينجا الثقافة التقليدية