”تقاليد مذهلة“ مواكبة للحياة العصرية

«الكابوكي»... تعرف على تاريخ أشهر فنون المسرح اليابانية

ثقافة

تم افتتاح مسرح كابوكيزا الجديد في حي جينزا في طوكيو في 2 أبريل/نيسان 2013. يعود تاريخ فن الكابوكي إلى ما يقارب 400 سنة، وعلى مدى هذه الفترة، شهدت المسارح التي استضافت العروض العديد من الأحداث الملحمية والمميزة. دعونا نلقي نظرة على بعض الأحداث الأكثر إثارة في هذه المسارح على مر التاريخ.

ظهور مسرح الكابوكي، الذي يعتبر اليوم واحدًا من أبرز مظاهر الثقافة اليابانية التقليدية، يعود إلى بدايات القرن السابع عشر عندما خلقت ”إزومو نو أوكوني“، خادمة في معبد إزومو تايشا في محافظة شيماني الحالية، أسلوبًا جديدًا في الفن الدرامي عام 1603. هذا النمط، الذي أصبح يعرف فيما بعد بكابوكي أودوري، تطور عبر الزمن ليصبح فنًا أدائيًا معقدًا يجمع بين الدراما، الموسيقى، الرقص، والأزياء الفخمة.

على مدى تاريخه الطويل، شهد مسرح الكابوكي العديد من التحولات والتطورات، من تغييرات في الأسلوب والأداء إلى التأثيرات السياسية والاجتماعية التي شكلت محتواه وطريقة عرضه. في البداية، كانت عروض الكابوكي تقام في الهواء الطلق قبل أن تنتقل إلى المسارح المبنية خصيصًا لهذا الغرض. كما كان الكابوكي في البداية يؤدى بواسطة النساء، ولكن بسبب قيود حكومية تم فرضها فيما بعد، تحول إلى أداء يقوم به رجال يرتدون أزياء نسائية في أدوار الشخصيات الأنثوية، وهو ما يعرف بـ”أوناغاتا“.

المعرض الذي أقيم في متحف سنتوري للفنون في روبونغي، طوكيو، بعنوان ”كابوكي: مسارح خلال فترة إيدو“ والذي استمر من 6 فبراير/شباط إلى 31 مارس/آذار 2013، قدم نظرة شاملة على تاريخ مسرح الكابوكي من خلال عرض مخططات ولوحات لمسارح الكابوكي، بالإضافة إلى لوحات تصور الممثلين والأداءات. هذا المعرض سلط الضوء على أهمية الكابوكي كجزء لا يتجزأ من التراث الثقافي الياباني وكشف عن التطورات التي مر بها هذا الفن الدرامي على مر السنين.

تفاصيل من لوحة منذ أوائل القرن السابع عشر تصور عرض الكابوكي الذي أدته ممثلة إزومو نو أوكوني. (الصورة مجاملة من متحف ياماتو بونكاكان. يحظر النسخ)

 أول مسرح كابوكي

مثلت وفاة ”ناكامورا كانزابورو الثامن عشر“ في ديسمبر/كانون الأول 2012 خسارة كبيرة لعالم مسرح الكابوكي وللثقافة اليابانية بشكل عام. ناكامورا كانزابورو الثامن عشر كان جزءًا من سلالة عريقة تعود جذورها إلى ”ساروواكاوا كانزابورو“، الذي يعتبر رائدًا في تاريخ مسرح الكابوكي لدوره الحاسم في تأسيس مسرح ساروواكازا في عام 1624. هذا التقليد المسرحي الذي استمر على مدى الأجيال يمثل جزءًا لا يتجزأ من التراث الثقافي الياباني.

ساروواكاوا كانزابورو، بعد انتقاله من كيوتو إلى إيدو (طوكيو الحالية)، حصل على الإذن من القاضي المحلي لإقامة أول مسرح كابوكي في المنطقة التي تقع الآن بين نيهومباشي وكيوباشي. هذه الخطوة كانت بمثابة نقطة تحول في تاريخ الكابوكي، حيث بدأت تنمو شعبية هذا النوع من الفن بشكل ملحوظ.

الموقع الأصلي لمسرح ساروواكازا، بالقرب من قلعة إيدو، كان له طابع خاص؛ حيث كان الطبل يُستخدم تقليديًا للإعلان عن وصول أعضاء طبقة الساموراي. وبطريقة مشابهة، كان يتم تعليق طبل على برج عال فوق المسرح لجذب الزبائن إلى العروض. ومع ذلك، الخلط بين أصوات الطبلين أدى في نهاية المطاف إلى نقل المسرح إلى المنطقة المعروفة الآن بنينغيوتشو.

هذه الأحداث تسلط الضوء على التحديات والتطورات الفريدة في تاريخ مسرح الكابوكي، وكيف تشكلت هذه الفنون الأدائية وتطورت عبر الزمن لتصبح جزءًا حيويًا ومستمرًا من الثقافة اليابانية.

ممارسة جلب الجمهور لوجباتهم معهم وتناولها داخل مسرح الكابوكي تعكس كيف كانت هذه العروض تجربة اجتماعية وثقافية غنية ومتعددة الأبعاد في اليابان خلال فتراتها الأولى. الجمهور لم يكن مجرد مشاهدين سلبيين؛ بل كانوا مشاركين نشطين في الحدث، حيث كانوا يأكلون، ويشربون، ويتحدثون، مما يخلق أجواءً احتفالية.

المسارح كانت أماكن للتجمع الاجتماعي بقدر ما كانت مواقع للفنون الأدائية. توفير عروض مستمرة من الصباح حتى المساء يشير إلى الدور الحيوي الذي كان يلعبه مسرح الكابوكي في الحياة اليومية والثقافية لليابانيين. كان الناس يزورون المسارح ليس فقط لمشاهدة العروض، ولكن أيضًا كنشاط ترفيهي وسياحي، مما يظهر أهمية المسارح كمراكز ثقافية واجتماعية في المدينة.

مفهوم ”ماكو نو ؤتشي“، أو استراحة البينتو، يعكس كيف تم دمج الطعام والثقافة بشكل عضوي في تجربة مشاهدة الكابوكي. وجبة ”سوكيروكو سوشي“ التي تم تسميتها على اسم إحدى مسرحيات كابوكي جوهاتشيبان، تظهر الارتباط العميق بين الأطعمة المحلية والفن الأدائي، حيث أصبحت بعض الأطعمة جزءًا من التقاليد المسرحية نفسها.

هذا التداخل بين الثقافة، الطعام، والفن يسلط الضوء على كيف كان مسرح الكابوكي أكثر من مجرد منصة للأداء؛ بل كان تجربة شاملة تعكس الحياة اليومية والعادات الاجتماعية لليابان في تلك الفترة.

مطبوعة أوكييو إي لأوتاغاوا تويوهارو تظهر عرض الكابوكي في عام ١٧٦٩. (الصورة مقدمة من متحف محافظة نارا للفن؛ يحظر النسخ)

الأزمة والمخلص

حادثة إجيما-إيكوشيما في عام 1714 تبرز الدور الهام والمعقد الذي كان يلعبه مسرح الكابوكي في المجتمع الياباني خلال فترة الإيدو، وكذلك العلاقة المتشابكة بين الفن والسياسة والأخلاق في ذلك الوقت. هذه الحادثة لم تُظهر فقط كيف كان الكابوكي شكلاً من أشكال الترفيه الشعبي الذي يجتذب حتى النخبة من المجتمع، بما في ذلك أعضاء الحريم الشوغوني، ولكنها أيضًا أظهرت المخاطر التي يمكن أن ينطوي عليها هذا الترفيه في ظل نظام صارم يحكم السلوك والأخلاق.

العواقب الوخيمة للحادثة، بما في ذلك نفي إجيما وإيكوشيما وهدم يامامورازا، توضح كيف كان يُنظر إلى الكابوكي على أنه ليس مجرد ترفيه ولكن كمصدر محتمل للتهديد الاجتماعي والأخلاقي. كان الكابوكي في قلب الحياة الثقافية اليابانية، لكنه في الوقت نفسه كان يخضع لرقابة صارمة وأحيانًا لقيود من السلطات التي كانت تحاول السيطرة على تأثيره وضمان أنه لا يتعارض مع الأخلاق والنظام القائم.

الإجراءات الصارمة التي اتخذت في أعقاب الحادثة تشير إلى محاولة من الشوغون لإعادة تأكيد السيطرة والنظام، وتقييد الفضاء الذي كان يمكن أن يُنظر إليه على أنه يشجع على التحلل الأخلاقي أو يهدد الهيكل الاجتماعي. على الرغم من هذه الحادثة، واصل الكابوكي النمو والتطور كشكل فني محبوب ومحترم، مع تعديلات وتحولات عبر الزمن ليلائم القيود الأخلاقية والاجتماعية المتغيرة.

هذا الحدث يعتبر نقطة محورية في تاريخ الكابوكي، يبرز التوتر بين التعبير الفني والقيود الاجتماعية، ويعكس الدور الذي لعبه الكابوكي في تشكيل الثقافة اليابانية وتأثيرها.

مطبوعة ملونة كبيرة لأوتاغاوا كونيسادا تصور إيتشيكاوا دانجورو في ١٨١٢. (الصورة مقدمة من متحف الفن في مدينة تشيبا؛ يحظر الاستنساخ).
مطبوعة ملونة كبيرة لأوتاغاوا كونيسادا تصور إيتشيكاوا دانجورو في ١٨١٢. (الصورة مقدمة من متحف الفن في مدينة تشيبا؛ يحظر النسخ).

إيتشيكاوا دانجورو هو واحد من أبرز الأسماء الفنية في تاريخ الكابوكي، وهو لقب يُورث عبر الأجيال في عائلة إيتشيكاوا. كان دانجورو الأول، المعروف أيضًا باسم إيتشيكاوا دانجورو الأول (1660-1704)، شخصية رئيسية في تطوير الكابوكي ولا سيما في تأسيس أسلوب ”أراغوتو“ الذي يُترجم تقريبًا إلى ”الأسلوب الخشن“ أو ”القوي“، وهو يتميز بالمشاهد القتالية الدرامية والماكياج الوجهي المعقد والأزياء الزاهية.

أسلوب ”أراغوتو“ أصبح ركنًا أساسيًا في مسرح الكابوكي، واشتهر بتصويره للشخصيات البطولية والمعارك الأسطورية التي تجذب الجمهور بسبب تشويقها وحيويتها. هذا الأسلوب لعب دورًا حيويًا في زيادة شعبية الكابوكي خلال فترة إيدو.

إيتشيكاوا دانجورو الثاني، من جانبه، لعب دورًا مهمًا في الحفاظ على استمرارية الكابوكي في أوقات الأزمات، خاصة بعد الحادثة التي كانت قد هددت وجود الكابوكي كفن. من خلال تنظيم المسارح وتعديل جداول العروض لتجنب العروض في وقت متأخر من المساء، ساهم في تعزيز صورة الكابوكي كفن محترم وساعد على استعادة ثقة الجمهور والسلطات في هذا النوع من الترفيه.

الأسماء الفنية مثل إيتشيكاوا دانجورو تشكل جزءًا لا يتجزأ من تقاليد الكابوكي، حيث يتم تمرير الألقاب من جيل إلى جيل داخل العائلات الفنية، مع كل جيل يضيف إلى إرث الأسماء من خلال أدائه وإسهاماته في فن الكابوكي. هذه التقاليد تُبرز العمق التاريخي والثقافي لمسرح الكابوكي، وتعكس الاحترام الكبير للتاريخ والأسلاف في الثقافة اليابانية.

حكاية ياويا أوشيتشي

قصة ”حريق أوشيتشي“ هي مثال رائع على كيفية تحول الأحداث التاريخية والشخصيات الحقيقية إلى قصص شعبية تتم إعادة تمثيلها على مسارح الكابوكي. الكابوكي لا يعرض فقط الأساطير والقصص التقليدية ولكنه يستلهم أيضًا من الأحداث الواقعية والدراما الإنسانية، مما يجعله شكلاً فنيًا يتردد صداه بقوة مع جمهوره.

الحرائق كانت شائعة بشكل خاص في إيدو (طوكيو الحديثة)، وذلك بسبب البناء الواسع النطاق بالخشب وقرب المباني من بعضها البعض، مما سهّل انتشار الحرائق بسرعة. ”كانت الحرائق والمشاجرات زهور إيدو“ هو تعبير يلخص الحياة في المدينة، حيث تعكس ”الزهور“ جمال وسحر الأحداث العابرة واللحظات الفارقة التي تُشكل الذاكرة الجماعية للمدينة.

القصة المأساوية لأوشيتشي تعبر عن العديد من العناصر الجذابة للمسرح الكابوكي، بما في ذلك الحب، الشغف، الندم، والعقاب. تمثيل مثل هذه القصص على المسرح يعكس ليس فقط المواضيع الدرامية العميقة ولكن أيضًا يسلط الضوء على القيم والمعتقدات الاجتماعية في تلك الفترة.

أداء قصة ”حريق أوشيتشي“ على مسرح الكابوكي يؤكد على الأهمية الثقافية والتاريخية للكابوكي كوسيلة لنقل التاريخ والتقاليد اليابانية. من خلال الجمع بين الحكايات الشعبية والتقنيات المسرحية المعقدة، يواصل الكابوكي إثراء الثقافة اليابانية ويقدم نافذة على الماضي للأجيال الجديدة.

الكوارث الطبيعية والحرب

مسرح كابوكيزا، الذي يعتبر أحد أبرز المعالم الثقافية في طوكيو، يجسد بالفعل دراما التاريخ الياباني نفسه. مع كل تحدٍ واجهه، من حرائق إلى زلازل وحتى الدمار الناجم عن الحرب، استطاع المسرح أن يعود أقوى من ذي قبل، مما يعكس الروح اليابانية للمثابرة والتجديد. هذه القدرة على النهوض من جديد بعد كل محنة هي جزء لا يتجزأ من جاذبية كابوكيزا، ليس فقط كمكان لأداء الكابوكي ولكن كرمز للثقافة اليابانية نفسها.

بناء كابوكيزا في عام 1889، بعد سنوات قليلة من إصلاح ميجي الذي شهد تحول اليابان من نظام الشوغونية إلى الإمبراطورية الحديثة، يعد دليلاً على الرغبة في الحفاظ على التقاليد الثقافية اليابانية وسط التغيرات السريعة التي شهدتها البلاد. في الوقت الذي كانت فيه اليابان تتطلع إلى الغرب وتستورد التكنولوجيا والأفكار، كان إنشاء مسرح كابوكيزا بمثابة تأكيد على قيمة وأهمية الفنون التقليدية.

على مدار تاريخه، شهد كابوكيزا العديد من عمليات الإعادة بناء والتجديد، كل منها يعكس التغيرات في التكنولوجيا والتصميم المعماري، وكذلك الحفاظ على الأساليب التقليدية في البناء والأداء. على الرغم من التحديات، ظل المسرح مركزًا للحفاظ على فن الكابوكي وتقديمه للأجيال الجديدة، مما يضمن استمرارية هذا الفن التقليدي الفريد.

إعادة افتتاح كابوكيزا بعد كل مرة من الدمار يعد شهادة على الالتزام بالفن والثقافة، بغض النظر عن الصعوبات. يعكس هذا الانتعاش المستمر ليس فقط الروح اليابانية للتجديد والتحمل ولكن أيضًا القيمة العميقة المُعلقة على الفنون الأدائية كوسيلة للتعبير عن الهوية الوطنية والثقافية.

الإصدار الثاني من كابوكيزا. (الصورة المقدمة من شوتشيكو المحدودة)

تجاوز بعض أكبر مسارح العالم

إعلان رئيس شركة شوتشيكو المحدودة، ساكاموتو جونئيتشي، عن الأهداف الطموحة لمسرح كابوكيزا الجديد يعكس الرغبة في تجديد وتوسيع جاذبية الكابوكي ليس فقط على المستوى الوطني ولكن أيضًا على الصعيد الدولي. تركيزه على تقديم عروض تجمع بين الجودة الفنية والشعبية يهدف إلى جعل فن الكابوكي أكثر إتاحة وجاذبية لجمهور أوسع، بما في ذلك الجماهير العالمية.

التزام كابوكيزا بـ”تعزيز فهم أفضل للثقافة اليابانية في جميع أنحاء العالم“ يشير إلى رؤية استراتيجية تعتبر الكابوكي ليس فقط كتراث ثقافي ياباني ولكن كجسر للتبادل الثقافي الدولي. هذا النهج يمكن أن يساعد في تعميق الاهتمام والتقدير للفنون اليابانية والثقافة بشكل عام بين الجماهير الدولية.

الهدف الطموح لزيادة عدد المشاهدين السنوي إلى 1.1 مليون يعتبر إنجازًا كبيرًا، خاصة عند مقارنته بأرقام الحضور في مؤسسات فنية عالمية أخرى مثل لا سكالا ودار الأوبرا في فيينا ودار أوبرا متروبوليتان في نيويورك. تحقيق هذا الهدف يتطلب استراتيجيات مبتكرة لجذب الجمهور، بما في ذلك تحسين التسويق الدولي وربما تقديم عروض تستخدم التكنولوجيا الحديثة أو تعاونات فنية مع فنانين من ثقافات أخرى لجعل الكابوكي أكثر صلة بالجماهير المعاصرة.

الاعتراف بالتأثير الدولي للكابوكي، كما يتضح من إعجاب شخصيات مثل شارلي شابلن وجان كوكتو، يسلط الضوء على قوة هذا الفن في تجاوز الحدود الثقافية. استراتيجية كابوكيزا للتوسع والترويج للكابوكي على الساحة العالمية قد تسهم في تعزيز هذا التأثير، مما يساعد على ضمان استمرارية وتطور فن الكابوكي في القرن الحادي والعشرين.

(المقالة الأصلية باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: من متحف توكوغاوا للفن، يحظر النسخ)

التاريخ إيدو كابوكي