المانغا والأنيمي في اليابان اليوم

رؤية مختلفة لصناعة الأنيمـي اليـابـانيـة

ثقافة مانغا وأنيمي

نظرة على صعود مخرج الأنيمي شينكاي ماكوتو بعد أن سجل آخر أعماله فيلم ”اسمك.“ أرقاماً قياسياً في شباك التذاكر سواء داخل اليابان أو في الخارج أيضاً. في هذا المقال نتطرق لرؤية شينكاي للأنيمي الياباني في المستقبل.

عصر جديد في صناعة الأنيمي اليابانية

برز شينكاي ماكوتو كمخرج أفلام يحب القيام بكل شيء بنفسه منذ بدايته في عالم الأنيمي. ومن هذا المنطلق فهو لا يشبه أبداً المخرج هوسودا مامورو المعاصر له والذي استهل حياته المهنية بالعمل في استوديو وأصبح نوعاً ما حاملاً للتقاليد القائمة على التعاون في صناعة أفلام الأنيمي. كما أن طبيعة أعمال الرجلين مختلفة. فبينما الغرض من أعمال هوسودا هو الترفيه، يسعى شينكاي إلى إخراج أعمال مميزة تصل برؤيته الشخصية كمخرج إلى حدها الأعظم.

بدأ شينكاي مشواره المهني في إنتاج شارات أفلام متحركة لشركة تطوير ألعاب كمبيوتر. ومن هناك بدأ بصناعة أفلامه من الأنيمي القصيرة. وفي عام ٢٠٠٠، فاز بالجائزة الكبرى لمسابقة CG Animation Contest عن الفيلم القصير ”كانوجو تو كانوجو نو نيكو (هي وقطتها)“، الذي تبلغ مدته ٤ دقائق و٤ ثواني. وفي عام ٢٠٠٢، أصدر أولى أفلامه التجارية وهو ”هوشي نو كيه (أصوات من نجم بعيد)“ بطول ٣٠ دقيقة، وقد عرض في دور السينما على نطاق ضيق قبل أن يباع على أقراص دي في دي. وقد استحوذ شينكاي على الاهتمام لأنه يقوم تقريبا بكل شيء بنفسه، حيث إنه لا يقوم بإخرج الفيلم وكتابة السيناريو فحسب، بل يعمل أيضاً على الرسومات والأعمال الفنية والروسومات ثلاثية الأبعاد على الكمبيوتر والتصوير والتحرير والأصوات. وقد حقق الفيلم نجاحا كبيرا وانتشرت صوره على أغلفة عدة مجلات أنيمي. وقد شهدت بدايات القرن الواحد والعشرين مع وصول شينكاي ولادة حقبة جديدة في صناعة الأنيمي اليابانية.

المخرج شينكاي ماكوتو أثناء مقابلة معه بعد عرض فيلم”كيمي نو نا وا. (اسمك.) “ في مهرجان طوكيو السينمائي الدولي ٢٠١٦. وإلى جواره لافتة دعائية استخدمت عندما عرض الفيلم في اليابان صيف عام ٢٠١٦ (TIFF ٢٠١٦).

طفل من عصر الديجيتال

لعبت الثورة الرقمية دوراً مهماً في تشكيل أعمال شينكاي. وهذا ينطبق على صناعة الأنيمي برمتها في نهاية القرن العشرين، فبحلول عام ٢٠٠٢ كان جلُّ إنتاج الأنيمي التجاري قد أكمل عملية التحول. وفي الوقت الحالي فإن عملية إنتاج الأنيمي تقريبا تتم رقمياً بصورة كلية، حيث تستخدم الكمبيوترات في عمليات التلوين والتصوير والتحرير. والعناصر الوحيدة المتبقية من الحقبة التناظرية هي الرسومات والخلفيات التي تصنع يدويا.

ولأن أدوات الرسوم المتحركة أصبحت أرخص، فقد تلاشت الهوة بين المحترفين والهواة. وفي الحقيقة فإن جودة الصور في فيلم ”أصوات من نجم بعيد“ بعيدة تماماً عما يوصف بقلة الخبرة. وعلى الرغم من أنك قد تشير إلى وجود آثار متبقية من ”عدم الاحترافية“ في بعض جوانب تصميم الشخصية، فإن معالجة المخرج للمشهد وحرب الروبوتات الآلية أعاد الاهتمام من جديد. كما ساعدت الإنترنت على نشر سمعة طيبة للفيلم أسرع على الإطلاق مما كان في الماضي في زمن وسائل الإعلام المطبوعة، بينما تأثير أقراص الدي في دي ووسائل الإعلام المشابهة وصل إلى القمة في تلك الأثناء، ما أدى إلى زيادة كبيرة في عدد المعجبين الذين يرغبون بشراء العمل الفني على قرص دي في دي ومشاهدته مرات عديدة. وهذه التطورات الصغيرة مجتمعة أصبحت موجة تغيير عظيمة. ولأن التوقيت كان رائعا، تمكن شينكاي ماكوتو من ركوب الموجة بل وحتى زاد من ارتفاعها.

وفي ذلك الوقت توقع الكثير من نقاد الأنيمي - بمن فيهم أنا - أننا سنرى بروز مخرجين شباب بصورة ثابتة يمشون على خطى شينكاي بحيث يقومون بكل شيء بأنفسهم. ولكن هذا الأمر لم يحدث. وحتى في وقتنا الحالي، ليس لمثل هؤلاء المخرجين حضور كبير في السوق. وبشكل خاص بعد أن تحولت مشاهدة مقاطع الفيديو على شبكة الإنترنت إلى اتجاه سائد في حوالي عام ٢٠٠٦، أصبحت محافظة مخرجي الأنيمي المستقلين على أعمالهم منتعشة من الناحية التجارية أمرا في غاية الصعوبة.

مشهد من فيلم ”اسمك.“. تلعب الغيوم المنجرفة والأنماط المتغيرة للإضاءة عادة دورا مهما في أفلام شينكاي. الصورة من لجنة إنتاج فيلم ”كيمي نو نا وا.“ ٢٠١٦.

مواضيع التأمل النفسي

إن حقيقة عدم ظهور موجة من المخرجين الذين يقومون بكل شيء بأنفسهم حتى الآن تحاكي نجاح شينكاي، توضح أن نجاح فيلم ”أصوات من نجم بعيد“ يعود للفيلم بحد ذاته أكثر من قيام شينكاي بكل شيء بنفسه. وعلى الرغم من ذلك، يبدو من المرجح أن هذا النهج كان مناسبا بشكل مثالي لتأملات شينكاي النفسية حول طبيعة الوحدة وإمكانية وجود صلات هادفة بين البشر.

أحد المواضيع التي سادت في فيلم ”أصوات من نجم بعيد“ هو إلى حد يمكن لشخصين أن يبقيا قريبين من بعضهما بفضل الرسائل النصية بالرغم من أنهما بعيدين جسديا عن بعضهما. كما عالج شينكاي قضية الألم المصاحب لعدم القدرة على اللقاء وجها لوجه في فيلم ”بيوسوكو ٥ سينتشيميترو (بسرعة ٥ سنتيمترات في الثانية)“ لعام ٢٠٠٧ وآخر أعماله ”كيمي نو نا وا. (اسمك.)“. وعلى الرغم من أن أساليب الطرح كانت مختلفة فإن محور الاهتمام يبقى ذاته. وهذا هو صلب العنصر الشعوري في أعماله وهو ما يفتن المشاهدين. كان لأول أعمال شينكاي عام ٢٠٠٢ مثل هذا التأثير الدرامي بسبب الطريقة التي تناول فيها قلق الناس بشكل مباشر، الأمر الذي أشعل إحساسا قويا بالإدراك والتعاطف لدى الكثير من المشاهدين.

عندما كانت رسائل البريد الإلكتروني بحد ذاتها جديدة نسبيا، سلط فيلم شينكاي ضوءا جديدا على المشكلة التقليدية والعالمية المتمثلة في بعد البشر عن بعضهم، حيث تناولها من داخل دوامة العالم الآخذ في التحول نحو عصر الديجيتال. لقد ذُهل المتفرجون من أن شينكاي كان يبدع كل هذه الصور بنفسه وتملكهم إحساس بالقرب نحوه.

اجعل المناظر الطبيعية تتكلم

لا تعبر شخصيات أفلام شينكاي عادة عن مشاعرها بصورة مباشرة كما أنه لا يكتب مشاهد ذات أفعال وردود أفعال بسيطة، بل يتم توصيل المشاعر من خلال الجو الإجمالي للفيلم وذلك من خلال المشاهد التي تتبدل فيها سحب السماء بصورة جميلة، وفي تغير الضوء بصورة طفيفة، وفي المونولوجات الشعرية، وفي الموسيقى التي تعزف بصورة متواصلة على مدار الفيلم. وهناك صفة مميزة أخرى تتمثل في أنه على الرغم من أن الكثير من الأفلام هي قصص حب، هناك عدد محدود جدا من المشاهد التي يظهر فيها الشخصيتان الرئيسيتان معا أو متقاربين جسديا. كما أن اللحظات الحاسمة نادرة في أفلامه. وهذا يعني أن للمشاهدين الحرية في إطلاق أفكارهم ومشاعرهم في قصة الفيلم. وبالاعتماد على هذا النوع من التفاعل الكيميائي مع مشاعر المشاهدين، غدت أفلام شينكاي أقرب ما تكون إلى الشعر.

وإذا كانت الأمور قد سارت بصورة مختلفة، فمن الممكن أن شينكاي واصل إنتاج أفلامه بمفرده. ولكن اعتبارا من ثاني أفلامه وطوله ٩١ دقيقة ”كومو نو موكو ياكوسوكو نو باشو (المكان الموعود، وراء الغيوم)“ عام ٢٠٠٤، تحول شينكاي إلى نهج جديد. فبينما حافظ على موقفه في الاستقلالية وأبقى على مسافة بينه والاتجاه السائد في صناعة الأنيمي، بدأ في صناعة أفلام مشاركة مع فريق مختار ممن يتشاركون معه إدراكاً حسياً أساسياً. يميل فيلم ”المكان الموعود، وراء الغيوم“ بقوة لأن يكون فيلم خيال علمي، وصُنع في ”عالم“ خيالي أكثر إتقانا من أفلام شينكاي السابقة. ولكن في فيلم ”بسرعة ٥ سنتيمترات في الثانية“ القصير المكون من عدة مقاطع مصورة لعام ٢٠٠٧ عاد شينكاي إلى موضوع المشاعر المخفية من خلال استخدام خلفية وموضوع أكثر واقعية.

وفي عام ٢٠١١ أصدر شينكاي فيلم ”هوشي أو أوؤ كودومو (الطفلة التي تتبعت أصوات من قاع الأرض)“ وهو فيلم فنتازيا مظلمة. وفي تصوير الشخصية الذي تم وفقا لأسلوب استوديو جيبلي، بدا الفيلم وكأنه يقترح أن شينكاي كان مستعدا للانضمام لاستوديوهات كبرى، وشعر الكثيرون أن هذا الأمر كان خلافا لأسلوب شينكاي الفردي كمخرج أفلام. وبعد هذه المحاولة الرامية لإيجاد توجه جديد، أصدر شينكاي عام ٢٠١٣ فيلم ”كوتونوها نو نيوا (حديقة الكلمات)“ بطول ٤٦ دقيقة. وكان الفيلم تعبيرا حاسما عن طريقة شينكاي في تصوير المشاعر من خلال المشاهد. ويحظى الماء بحضور قوي في الفيلم. يرسم شينكاي بتحكم مذهل الكثير من الصور لنباتات متلألئة تتساقط منها قطرات خلال فصل ممطر وحار في الفترة التي تسبق فصل الصيف. ترمز شفافية الماء إلى نقاوة التفاعلات بين الشخصيتين الرئيسيتين في الفيلم وهما أستاذة مدرسة ثانوية وطالب. ويستحضر الفيلم بشكل مؤثر مشاعر لا يمكن ترجمتها إلى كلمات.

فيلم ”اسمك.“ خلاصة أسلوب شينكاي

إن فيلم ”اسمك.“ هو آخر أعمال شينكاي والذي صدر عام ٢٠١٦، وهو على ما يبدو قائم على فكرة أنه سيكون نوعا من ”أفضل“ توليفة من كل شيء يعطي أفلام شينكاي تميزها (حسب كلمات كاوامورا غينكي وهو مخرج في شركة Tōhō). يستفيد الفيلم من الدروس المستقاة على مدى عقد من الزمن، من المشاهد الجميلة التي ترمز إلى الروح البريئة لسن المراهقة إلى الدمج المتقن بين الموسيقى والصور التي تتغير بتناغم على الشاشة والدمج بين الجمالية اليابانية التقليدية والفنتازيا. يبدو أنه يضم جميع العناصر التي قد يحبها المرء في أعمال شينكاي.

المشهد النهائي من فيلم ”اسمك.“، عندما تلتقي الشخصيتان الرئيسيتان في الفيلم في النهاية. (الصورة من لجنة إنتاج فيلم ”كيمي نو نا وا.“ ٢٠١٦.).

يظهر الفيلم علامات على جهد متأن للتأكيد على أوراق اعتماده كعمل ترفيهي. إن تغير الأسلوب في الفيلم هو أيضا موضع إعجاب، بدءا من اللمسات الكوميدية قبل الانتقال إلى تصوير النضال المرير لشخصين متباعدين زمانيا ومكانيا.

كما يمتلك الكثير من طاقم إنتاج الفيلم سجلا مهنيا لامعا. ومن بينهم تاناكا ماسايوشي والمعروف بعمله في تصميم الشخصيات لعروض التلفزيون مثل ”تورادورا“ و”أنو هي ميتا هانا نو ناماي أو بوكوتاتشي وا مادا شيراناي (أنو هانا: الزهرة التي رأيناها في ذلك اليوم)“، وأندو ماساشي الذي عمل سابقا لفترات محددة كمشرف على التحريك في أفلام لاستوديو جيبلي حققت نجاحا مثل ”الأميرة مونونوكي“ و”سين تو تشيهيرو نو كاميكاكوشي (المخطوفة)“. ولذلك فالفيلم يجمع كل العناصر الرئيسية لعمل أحدث ما تم التوصل إليه في مجال أفلام الأنيمي في اليابان في وقتنا الراهن، حيث يجمع بين الأسلوب العصامي لمخرج أفلام مع أنيمي تعرض في وقت متأخر من الليل على التلفاز وتقاليد استوديو جيبلي. وتم استخدام هذه العناصر لإنجاح العمل بدون إذابة الصفات الفردية التي تجعل من أعمال شينكاي مميزة وبالتالي فقد كان إنجازا باهرا.

شينكاي وهوسودا

منذ فيلم ”الفتاة التي قفزت عبر الزمن“ لعام ٢٠٠٦، زاد هوسودا مامورو بصورة تدريجية من تعقيد مواضيع أفلامه فاتحا المجال أمام إمكانيات جديدة من خلال فنه. ولعل أعمال شينكاي ستسير على نفس النهج في السنوات المقبلة. وإذا كان سيتم التعبير عن النجاح الهائل لآخر أفلامه في قراره بالانفتاح على شعور أوسع زمانيا ومكانيا، فمن الممكن أن نراه يواصل شق طريقه وفتح آفاق جديدة في أعماله في المستقبل، حتى عندما يحافظ على أسلوبه الخاص به.

على الرغم من أن هوسودا مامورو بدأ مشواره المهني في استوديو كبير بينما شينكاي ماكوتو بدأ مشواره منطلقا من خلفية مستقلة قبل أن يحقق نجاحا، فإنهما متشابهان من حيث أنهما دائما يتطلعان لإبداع أنيمي تأسر عيون وقلوب المتفرجين. ومن المؤكد أن كلاهما سيواصل كفنانين ومخرجين كشف عوالم أوسع لنا في المستقبل. آمل في أن طموحهما وانفتاحهما على تحديات جدية سيجلب اهتماما جديدا واحتراما للأنيمي ككل في السنوات القادمة.

(المقالة الأصلية مكتوبة باليابانية ومنشورة في ١١ نوفمبر/تشرين الثاني ٢٠١٦. الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان من فيلم ”اسمك.“ لمخرجه شينكاي ماكوتو. الصورة من لجنة إنتاج فيلم ”كيمي نو نا وا.“ ٢٠١٦.).

ميازاكي هاياو أنيمي شينكاي ماكوتو هوسودا مامورو