يوميات فتاة تحتضر تعيد الحياة لعائلتها!

مجتمع هو وهي صحة وطب لايف ستايل

 فتاة تبلغ من العمر عشرين ربيعًا، عاشت حياتها رغم قصرها على أكمل وجه. حظيت بعائلة وقفت بجانبها في كل دروب الحياة. إلا أن ما ساعدهم أكثر على تقريب المسافات بينهم دفتر لتسجيل الملاحظات كانت تستخدمه ابنتهم الراحلة أطلقوا عليه فيما بعد اسم ”كتاب المستقبل“.

رسالة نُشرت في الوقت المناسب

كانت من عشاق الأكل ممن تأخذهم الحماسة عندما يتعلق الأمر بالطعام، أحبت الطهي، وكانت دائمًا ما تنكب على قراءة الكتب المختلفة. كانت مساعد قائد فريقها للكرة الطائرة في المدرسة الثانوية، وعاشت حياة أحاطتها بنظرة عقلانية. وفي صغرها، كانت (كانازاوا رينا) طفلة مدهشة اشتهرت بمرافقتها للبالغين في جلسات أسمارهم.

في الرابع عشر من فبراير/ شباط لعام 2017، نُشر لرينا رسالة في أحد أعمدة مساهمات القراء في صحيفة (أساهي شيمبون) القومية.

وذكرت قائلة في بداية رسالتها: ” لقد أصبت بسرطان الدم (اللوكيميا) وأنا طفلة. وقد أجريت عمليتي زرع للنخاع، ولكن للأسف عاودتني الإصابة منذ أن كنت في الخامسة عشر من عمري. منذ قرابة العام، أخبرني طبيبي بأنه يجب علي أن أكون مستعدة لأسوء الاحتمالات التي قد تصيب حالتي في أي وقت، ومع ذلك كنت سعيدة. فعندما أتناول طعام العشاء في المنزل بصحبة عائلتي أو مع صديقي المقرب، أو مجرد الاستحمام والنوم في سريري، أشعر بسعادة غامرة.

وتسهب (رينا) في نص رسالتها عن الحديث عن دفتر ملاحظاتها، حيث كانت تنوي أن يكون سجلاً يشتمل على كل ما أرادت حدوثه بعد رحيلها، لكن والدتها (ماكي)، كانت تشعر بقلق عميق إزاء النظرة السلبية المرتبطة بهذه الكتابات، لأنها كانت تعتمد على افتراض أنها فارقت الحياة.

في أحد الأيام، اقترحت الأم ماكي أن تستخدم الأسرة أحد دفاتر تسجيل الملاحظات لكتابة خواطرهم وأفكارهم الخاصة، حتى لا يشعروا بالندم على نسيانها لاحقًا. وتقول رينا ”كنت أشعر بسعادة غامرة عندما أرى ذلك الدفتر الأحمر (كتاب المستقبل) ذو الشريطة السوداء ملقى على الطاولة من فرط الكتابة.“ 

كتاب الأحلام

وتوضح الأم ماكي كيف استلهمت فكرة (كتاب المستقبل) قائلة ”روادتني الفكرة من خلال العادة المتعارف عليها عند بعض اليابانيين التي يطلق عليها (ending notes) أو (خطابات الوداع) التي يسجل المرء فيها أفكاره وأمانيه والأحداث المهمة ليتركها لذويه وأحبائه كجزء من الاستعداد لرحلة الممات، لكن الأمر كان على النقيض بالنسبة لنا حيث كانت كتاباتنا تعتمد على فرضية أن رينا ستعيش، وليس بمثابة استعدادًا للموت. كان علينا أن نكتب كل الأشياء التي تدور في أذهاننا للتأكد من أن أحلامنا التي كتبنا عنها قد تحققت“.

قمنا بشراء دفتر ملاحظات أحمر اللون وذو مظهر أنيق من أحد المتاجر منخفضة الأسعار في حدود 100 ين (0.93 سنتًا)، ووضعناه في المطبخ حتى يتمكن أفراد العائلة من تدوين الأشياء التي يرغبون في تناولها أو الأماكن التي يريدون الذهاب إليها أو الأشياء التي يريدون القيام بها. وكان علينا أن نقوم بشطب الأشياء التي تحققت أو اكتمل تنفيذها. وأصبح الكتاب أيضًا بمثابة وسيلة للتواصل بين أفراد العائلة لكتابة الأشياء التي قد يجدون صعوبة في قولها لبعضها البعض بشكل مباشر.

بعض من صفحات دفتر ملاحظات عائلة رينا (كتاب المستقبل)

غالبًا ما كانت ملاحظات رينا تتعلق بالأكلات التي تحب تناولها أو عن أوقاتها مع صديقها. ومن ضمن الأشياء التي تحققت في قائمتها وقامت بالشطب عليها ”تناول اللحم البقري المشوي وكعكة الجبن السوفلية (تشيز كيك)“، ”إعداد كعكة الشوكولاتة في عيد الحب“ و ”النوم جنبًا إلى جنب مع جميع أفراد عائلتها في أي يوم ممكن، وتناول مأدبة الإفطار سويًا في الصباح الباكر“ هذا إلى جانب رغبتها في نشر إحدى رسائلها في إحدى الصحف. وفي آخر صفحة من كتاب الملاحظات كتبت رينا عن الأشياء التي أرادت أن تعرفها أسرتها بعد رحيلها.

واعترفت الأم ماكي قائلة ”اليوم الذي قررت فيه أن أدون الملاحظات في كتاب المستقبل كان بمثابة اليوم الذي استسلمت فيه للأمر الواقع“، لطالما رفضت احتمالية وفاتها واعتقدت أنني لن أدعها ترحل. لكن اليوم الذي بدأت فيه تدوين الملاحظات في هذا الكتاب واللحظة التي تخليت فيها عن عنادي مع القدر وتركت كتاباتي السلبية تسيل على صفحاته كانت تعني أنه يجب عليّ أن أتقبل حقيقة فراق رينا“.

واختتمت رينا رسالتها في صحيفة أساهي قائلة: ”لا أحد يعلم ماذا تخبأ لنا الأقدار. هذا هو السبب في أننا من الضروري أن نتواصل بصدق ونتحدث عن الأشياء السعيدة والحزينة على حد سواء، دون أن نخفيها. بفضل كتاب المستقبل، يمكننا أن نبتسم ونضحك معًا كأسرة واحدة. قد تصبح الأمور صعبة في بعض الأحيان، لكن الكتاب يدفعني للأمام“.

الأم (ماكي) وأخت رينا الصغرى (ساإيه) (على اليسار)، يستعيدوان ذكرياتهم التي لا تنسى مع صفحات كتاب المستقبل

كانت مصدر فخرنا وسعادتنا

قدم إينويه فوميكو رئيس مؤسسة ميلفيل لدعم الأطفال المصابين بالسرطان، وهي إحدى المنظمات الغير ربحية التي تدعم أسر الأطفال المصابين بالسرطان، الدعم لرينا خلال رحلتها منذ وقت إصابتها بالمرض لأول مرة وهي في سن الخامسة عشر من عمرها. وقبل أشهر من وفاتها، ذهبوا لتناول السوشي في سوق تسوكوجي للأسماك (هو أكبر سوق لبيع الأسماك بالجملة في العالم) وكذلك تناولوا حلوى البارفيه (نوع من الحلوى الفرنسية المجمدة) في إحدى الأماكن المشهورة بتقديم وإعداد الحلويات والفواكه. وقد ذكر قائلًا ”يتم حاليًا علاج ما يقرب من سبعين إلى ثمانين في المائة من حالات سرطان الدم لدى الأطفال، لكن ما أصاب رينا كان نوع خاص (nontypeable form) لا يمكن تصنيفه“.

بعد ثلاثة أشهر من نشر رسالة رينا في الجريدة، في شهر مايو/ آذار 2017، نشرت والدتها ماكي رسالتها هي الأخرى في نفس العمود. وذكرت فيها قائلة ”ابنتنا الكبرى رينا، التي حاربت بشجاعة اللوكيميا، وافتها المنية ورحلت عنا في السادس والعشرين من أبريل/ نيسان. أنا والدة رينا البالغة من العمر عشرين عامًا والتي كتبت في هذا العمود في فبراير/ شباط. طريقتها في التواصل مع الكثير من الناس بهذه الطريقة منحها القوة لتحيا ما تبقى من عمرها. فمنذ أن مرضت وهي في الخامسة عشرة من عمرها وحتى توفيت في العشرين، عاشت حياتها في كثير من الأحيان كأي فتاة أخرى في متوسط عمرها“.

وتسرد الأم قائلة ”بالنسبة لرينا كان (كتاب المستقبل) بمثابة وسيلتها لمكافحة المرض، وبالنسبة لي كأم ثكلى ولشقيقتها الصغرى كان بمثابة عونٍ لنا يساعدنا على تخطى آلام فراقها. (كتاب المستقبل) أراه هبة من الله ساعدنا في توحيدنا ولم شملنا، وعلى الرغم من أنني بدأت الأمر من أجل رينا، إلا أنه في حقيقة الأمر كان من أجلنا نحن، كإرث خلفناه وراءنا. أنا فخورة جدًا بهذه الروح التي كانت تمتلكها ابنتي“

قاومت الأسرة المرض باعتقاد راسخ بأن رينا ستتعافى وستشفى في النهاية. وكانت (سإيه) أخت (رينا) التي تصغرها بعامين هي أول من تبرع لها بنخاع العظام في سن الثالثة عشر. فعندما ظهر أمر إمكانية إجراء عملية زرع نخاع، كانت ساإيه حريصة على التبرع، قائلة إنها من المرجح أن تكون أفضل جسم ملائم لأختها. وأثناء فترة العملية وما بعدها ظلت الأم ماكي مضطربة وقلقة للغاية خلال إقامتها بالمستشفى التي استمرت لأسبوعين متتاليين. وفي النهاية تمت عملية الزرع بنجاح.

الأختان (رينا و ساإيه (على اليسار) تحتفلان سويًا بوصول رينا لعامها العشرين في الاحتفالات التي تقام كل عام بمناسبة وصول الفتيان والفتيات لعامهم العشرين. وفي الصورة قلدت ساإيه شكل رينا في زيها المدرسي.

فريق كرة الطائرة

بعد خروجها من المستشفى، تكمنت رينا من حضور حفل تخرجها في المدرسة الإعدادية، لكن تم رفض قبولها في العديد من المدارس الثانوية على خلفية أنه ”لا توجد سابقة“ لقبول طالبة تعاني من هذا المرض الخطير ولم يتعاملوا معه من قبل. ولكن في نهاية المطاف، كانت هناك مدرسة خاصة واحدة تفهمت حالتها واتسمت بالمرونة الكافية لقبولها. وخلال فترة تواجدها هناك، أعادت إحياء فريق كرة الطائرة بالمدرسة الذي لم يكن به سوى ثلاثة أعضاء وأمضت شهرًا للدراسة بالخارج في إنكلترا.

تم طلاق وَالِدَيَّ رينا عندما كانت في الصف الثالث الابتدائي، وأثناء عمل والدتها كمديرة في إحدى محطات الوقود، كانت رينا تطهو الطعام وتساعد في جميع الأعمال المنزلية. وبعد أن أُجريت لها عملية زرع نخاع ثانية وتخرُجها من المدرسة الثانوية، التحقت رينا بمدرسة تدريب متخصصة في مجال التغذية. وعملت بدوام جزئي أثناء دراستها في إحدى المطاعم العائلية وأيضًا في إحدى مدارس التعليم المكثف (مدارس متخصصة في إعداد الطلبة لامتحانات القبول في المدارس الثانوية والجامعات).

وتصف الأم ماكي ابنتها بأنها كانت دائمًا على دراية وملمة بالأحداث من حولها وتقول: ”كان ما يشغل بالها دائمًا أن تحيا وتتعافى، ولم تكن أبدًا مضطربة أو خائفة. حتى عندما كانت حالتها الصحية تزداد سوءًا، كانت تفكر دائمًا في سبل لجعل حياتها أكثر راحة. وكانت مستعدة لكل الاحتمالات بشكل لا يصدق، فلم تشتكي قط، حتى عندما كان جسدها يتداعى وتفقد قدرتها البصرية. كنا نبكي سويًا أحيانًا متفرقة، إلا أنها ما تلبث أن تستعيد ثقتها وتنظر مجددًا إلى المستقبل بشكل إيجابي“. ولقلق رينا على عائلتها بعد رحيلها، كتبت لهم أيضًا رسائل في دفاتر وخطابات أخرى بخلاف (كتاب المستقبل) الذي تشاركوا كتابته.

كتاب ملاحظات رينا (كتاب المستقبل) وصندوق بلاستيكي يضم بعضًا من متعلقاتها بالمستشفى، كتبت عليه عبارة تحذيرية تقول ”افتح على مسؤوليتك!“

رسالة خفية

لم يتبقى لدى الأم والأخت سوى هذه الكلمات التي استوقفتهم كثيرًا، حيث استطاعت رينا من خلال كتاباتها أن تصيغ ما بداخلها وتقدمه إليهن بأسلوب محكم، وتقول ماكي وساإيه ”يا لها من كاتبة قصص رائعة، كلماتها بالفعل كان لها وقع قوي علينا“.

تقول الأم ماكي ”الشيء الذي أثر في أكبر الأثر، كان دفتر ملاحظات صغير سجلت فيه رينا كميات الأدوية والعلاجات التي كانت تتلقاها والتي كانت في تزايد مستمر“ كان الدفتر في صندوق شفاف مزخرف كُتبت عليه عبارة تحذيرية: ”افتح على مسؤوليتك!“ وتم لصق قطعة من الشريط اللاصق في منتصف الصفحة الأخيرة. وتبعًا لتعليمات رينا، لم تقم والدتها بإزالة الشريط اللاصق حتى وقت جنازة رينا، لتكتشف أن تحته رسالة منها قرأتها الأم أمام الأشخاص الذين كانوا مقربين من ابنتها.

”شكرًا لكم على كل لحظات الحب والسعادة التي وهبتوني إياها“.

دفتر ملاحظات رينا الطبي ومعه رسالتها الأخيرة التي كانت مخبأة تحت الشريط اللاصق.

لقد مر عامان منذ رحيل رينا، والآن بلغت ساإيه عمرها العشرين، وتقوم مؤخرًا بقص 30 سم من شعرها للتبرع به لجمعية خيرية تقوم بتصنيع الشعر المستعار لخدمة احتياجات مرضى السرطان من الشباب، وتقول ساإيه ”لو لم تكن رينا هي السبب لم أكن لأتخيل أن أفعل ذلك مطلقًا، ولكنت تخليت عن أشياء كان من الممكن أن تكون مفيدة للأخرين. إنها هبة من أختي“

لا يزال (كتاب المستقبل) كما كان في السابق موضوع على طاولة مطبخ العائلة. أُمنية واحدة لم تتحقق بعد ”صنع الزخارف من أزهار الكرز“. تذكر ساإيه والدتها بلطف أنه يجب عليهن صنع بعضًا منها بحلول فصل الربيع.

 (النص الأصلي نُشر باللغة اليابانية في الثالث والعشرين من أبريل/ نيسان الماضي، والترجمة من اللغة الإنكليزية. الحوار والمادة النصية والصور من إعداد دوي إيمي من فريق عمل Nippon.com. صورة الموضوع: دفتر الملاحظات الذي تم شراؤه من إحدى المتاجر المنخفضة الأسعار بتكلفة 100 ين والذي أصبح فيما بعد (كتاب المستقبل)

العائلة الطب كبار السن