إعادة النظر في خيارات اليابان بخصوص قضية ”التاريخ“ قبل ذكرى الحرب العام القادم

سياسة

الحرب العالمية الأولى بمثابة نقطة تحول في العلاقات بين اليابان والصين

يصادف هذا العام مرورالذكرى المئوية لاندلاع الحرب العالمية الأولى، وقد قمنا بإعداد سلسلة من المقالات الخاصة للاحتفال بهذه المناسبة. فقد كانت حرب ١٩١٤-١٩١٨ معلماً لليابان على طول الطريق حتى أصبحت قوة من الدرجة الأولى في شرق آسيا. ولكن بعض الأحداث في تلك الفترة كان وما زال يلقي بظلاله على العلاقات بين اليابان والصين، ولا سيما الواحد وعشرون مطلباً والتي ضغطت اليابان بشأنها على الحكومة الصينية عام ١٩١٥ والنقل المباشر لامتيازات ألمانيا في ”شاندونغ“ إلى اليابان بموجب معاهدة فرساي ١٩١٩. والتي يمكن أن ينظر إليها على أنها الفترة التكوينية للحركة المناهضة لليابان في الصين، وذلك كما رأينا من خلال مقاطعة المنتجات اليابانية والهجمات على شخصيات يعتقد أنها موالية لليابان، والتفكير الصيني تجاه العدالة على المستوى الوطني واستخدام وسائل عنيفة في السعي لتحقيق تلك العدالة. وبعبارة أخرى، فإنَّ الحرب العالمية الأولى وتداعياتها تمثل نقطة تحول باتجاه الأسوأ في مسار العلاقات بين اليابان والصين.

إلا أن بعض المعلقين اليابانيين يشيرون إلى أن اليابان اتخذت خطا معتدلا في سياستها نحو الصين خلال العشرينات وذلك تمشيا مع الاتفاقات التي تم التوصل إليها في مؤتمر واشنطن عام ١٩٢٢. لكن المؤرخون الصينيون قاموا باتخاذ وجهة نظر مختلفة. حيث أنه وكما يرون، فقد كان ”الاعتدال“ في اليابان مجرد مسألة تعاون مع الولايات المتحدة وبريطانيا. وفي تلك الأثناء بالذات واصلت اليابان تعزيز حضور وجودها في الصين، مع التركيز على المجال الاقتصادي. ولعل عرض التاريخ من خلال الاحتفال بالذكرى السنوية لأحداث سابقة ليس نهجا يجب أن نرحب به، لكنه أصبح من الشائع في هذه الأيام في شرق آسيا أن يتم ذلك وبالتعاون مع وسائل الإعلام وغيرها إحياء وإعادة تشكيل الذكريات من خلال إجراء الأنشطة المختلفة في المناسبات الكبرى من المعالم التاريخية. سيما وأن وجهات نظر التاريخ جلبت إلى الصدارة العديد من هذه الأنشطة التذكارية التي لها تأثير كبير على العلاقات الحالية بين اليابان وجيرانها.

الصين وكوريا: تاريخ مشترك من مكافحة العدوان الياباني

واستشرافا للمستقبل لعام ٢٠١٥، يمكننا أن نتوقع التعامل مع آثار ذكرى أخرى، والتي هي واحدة بوزن أعظم بالنسبة لنا من الحرب العالمية الأولى المئوية، وهي الذكرى السبعين لنهاية الحرب العالمية الثانية والحرب اليابانية الصينية الثانية، التي اندلعت على شكل صراع واسع النطاق عام ١٩٣٧ وبعد سنوات من الاشتباكات لكن على نطاق أصغر. وسوف يكون العام القادم أيضا الذكرى الخمسين لمعاهدة العلاقات الأساسية بين اليابان وكوريا الجنوبية، والتي ساعدت على تطبيع العلاقات بين طوكيو وسيؤول.

وأما بالنسبة للصينيين والكوريين، فهناك الحرب الصينية اليابانية من ١٩٣٧-١٩٤٥، والاحتلال الياباني لأجزاء من الصين، وكذلك حكم اليابان الاستعماري لشبه الجزيرة الكورية ١٩١٠-١٩٤٥ وهي كلها مظاهر لنفس الظاهرة: وهو العدوان الياباني. (وأوَّدُ الإشارة إلى أن هذا النوع من الخلط بين الحكم الاستعماري والعداء الصريح تحت عنوان واحد لا يبدو شائعا في أوروبا.) وقد يتعزز هذا الشيوع بين وجهات النظر الصينية والكورية من حقيقة ما تعتبره الحكومة الكورية الجنوبية الحالية من أن كوريا كانت من بين المنتصرين في الحرب العالمية الثانية، وذلك عندما انضمت الحكومة الكورية في المنفى والتي كان مقرها في ”تشونغتشينغ“ (تشونجكينج) إلى الحرب في جانب دول الحلفاء.

وعندما زار الرئيس الصيني ”شي جين بينغ“ كوريا الجنوبية الشهر الماضي (يوليو/حزيران) ٢٠١٤، ألقى كلمة في جامعة سيول أكد فيها أن الصين وكوريا لهما تاريخ مشترك في أنهما قاتلا ضد العدوان الياباني. وكان في الواقع يدعو البلدين للانضمام في معركة مشتركة ضد اليابان اليوم وعلى معرفة التاريخ. وفي الوقت نفسه، تخطط كل من الصين وروسيا لعقد الاحتفالات المشتركة في ٣ سبتمبر/أيلول عام ٢٠١٥، للاحتفال بالنصر في الحرب ضد اليابان. ويمكننا أن نتوقع هذه التحركات القاسية ضد اليابان هي مبنية على أساس القضايا التاريخية والتي يمكن أن تؤدي إلى المزيد من الخطاب المناهض لليابان في السنة القادمة.

خيارات للاستجابة الرسمية في اليابان

وربما يرى البعض أن هذا ”الهجوم التاريخي“ لن يكون له سوى تأثير محدود وأن اليابان يجب أن تتجاهل ذلك وبهدوء. ولكن في ساحة معركة العلاقات العامة الدولية، فإن السكوت ليس من ذهب بالضرورة. فكيف يتعين بالتالي على اليابان الاستعداد للاستجابة على التقاذف اللفظي الذي من المرجح أن يتطاير خلال الذكرى السنوية القادمة؟ وقد يكون في القطاع الخاص، لدى المنظمات والأفراد خيارات مختلفة للاختيار من بينها من حيث الأنشطة والرسائل. لكن الأضواء ستُسلط على الأغلب على رد الحكومة. هنا أود التطرَّق لبعض الخطط المحتملة في هذا الرد الرسمي.

الخطة ١: تكمن في الحكومة لإعادة تأكيد المواقف التي أعربت عنها في الماضي. حيث أكد رئيس الوزراء ”شينزو آبي“ أن إدارته ستواصل التمسك ببيان ”موراياما“ لعام ١٩٩٥ والذي يعتذر فيه عن الاستعمار والعدوان الماضي وذلك ردا على استجواب خلال جلسة مساءلة جرت في البرلمان/الدايت، في أكتوبر/تشرين الأول ٢٠١٣ وفي شهر مارس/أذار من هذا العام أعلن رئيس الوزراء أن الإدارة لن تسعى لمراجعة بيان ”كونو“ لعام ١٩٩٣ بشأن قضية ”نساء المتعة“.(*١) ولعل التأكيد المتكرر لهذه النقاط هو استجابة على مستوى الحد الأدنى، وعلى الرغم من أنها قد تفتقر إلى أي إبداع أو مُستجد لكنها قد تكون في الواقع الطريقة الأكثر فعالية لدحض انتقادات مختلفة.

الخطة ٢: تكون في تقديم تعليل موقف اليابان بشأن النقاط التي تواجه انتقادات. الخطاب المناهض لليابان على مدى السنة المقبلة ومن المرجح أن يشمل ليس فقط قضايا مثل الاحتكاك مع الصين على جزر ”سينكاكو“ ومع كوريا الجنوبية على نساء المتعة ولكن هناك أيضا قضايا أكثر عمومية من النظام الدولي بعد الحرب العالمية الثانية، والفظائع التي ارتكبت في زمن الحرب، والرجعة المزعومة لليابان نحو القومية والنزعة العسكرية من اليابان تحت إدارة ”آبي“.

وهي بعض الانتقادات التي وجهت ضد اليابان والتي قد تستحق الاعتبار، ولكن سوء الفهم وبعض الأخطاء الواقعية تحتاج إلى تصحيح، وربما هذه أيضا فكرة جيدة لنشر جهود اليابان بعد الحرب العالمية الثانية لتعزيز السلام والسعي إلى المصالحة مع الأعداء في الماضي. وبالطبع ليس من الضروري بالنسبة لبلادنا التحدث بصوت واحد؛ ويجب تقبل التنوع في الآراء، كما نأمل في الحصول على درجة معينة من الاتساق .وإذا ما كنا ننوي الرد بهذه الطريقة، فسوف نحتاج أيضا إلى إجراء تحليل مفصل للتعليقات الحرجة من مصادر خارجية.

بيان جديد في عام ٢٠١٥؟

الخطة ٣: هي لإدارة آبي للخروج ببيان جديد من تلقاء نفسها بمناسبة الذكرى السنوية عام ٢٠١٥. ويبدو السؤال الرئيسي فيما إذا كان مثل هذا البيان سيكون على أساس الالتزام المستمر بالبيانات الصادرة من الإدارات السابقة، وذلك كما هي الحال مع الخطة ١ المذكورة أعلاه، أو ينطوي على قدر معين من تعديل الموقف الرسمي. في الحالة الأولى، كأن تقوم الإدارة مَثلاً بنوع من الاحتفالات رمزا للمصالحة بين اليابان وخصومها السابقين. على الرغم من أنه سيكون من الصعب الحصول على موافقة كل من الصين وكوريا الجنوبية بالمشاركة، في حين يُبدي البعض الآخر، مثل الولايات المتحدة وأستراليا ودول جنوب شرق آسيا، استعدادها للمشاركة في هذه الاحتفالات، والتي يمكن أن يخطط لها مع الإشارة إلى تعهدات مماثلة في أوروبا وأماكن أخرى.

أما داخل اليابان، فهناك الكثيرون ممن يعبرون عن الشكوك حول فكرة السعي للمصالحة. وصحيح أن بلدنا لا ينبغي ببساطة الانحناء في مواجهة الانتقادات الخارجية المشبعة بسوء الفهم والأخطاء. ولكن إذا تعهدنا المصالحة فسيكون ذلك ليس خنوعاً لانتقادات الآخرين ولكن كمبادرة خاصة بنا، ويمكننا أن نأمل في كسب الاحترام الدولي والمزيد من الثناء. وبالرغم من أن الناس في اليابان قد يشعرون بالتردد بشأن اللحاق بنماذج أوروبية لتحقيق مثل هذه المصالحة، حيث أن أعين المجتمع الدولي ستكون علينا، فأنه لا يمكننا أن نتجاهل بعقلانية السوابق الأوروبية للجهود التي بُذِلَت من هذا النوع.

ومن ناحية أخرى، قررت إدارة ”آبي“، إصدار بيان الذكرى بتعديل التصريحات السابقة من الحكومة اليابانية، وسوف تحتاج إلى إعداد دقيق والسعي لكسب تفَّهم الولايات المتحدة وحلفاء آخرين من خلال شرح موقفها لهم مقدما. وسوف تحتاج أيضا إلى النظر في كيفية الرد على الانتقادات المحلية والدولية.

ومن بين الخيارات الأخرى للاحتفالات بالذكرى السبعين، فربما ينظر أحدنا إلى القضايا المتعلقة بالحرب في العصر الحديث من منظور أكثر نبالة من التاريخ العالمي من خلال تنفيذ مشروع بحثي مشترك أو تنظيم ندوة. الأفكار الواردة أعلاه وكل ذلك ليس سوى مجرد أمثلة.

لكن بالتأكيد هناك العديد من الخيارات الأخرى، وربما يمكن الجمع بين عدد منهم وكما أشرت أعلاه، فالكثير من الناس يفكرون بالفعل قدما في الذكرى السبعين في العام المقبل. ولعَلنا بحاجة لمناقشة وتقرير ما إذا كان وكيف يتوجب على اليابان مراقبة هذه النقاط والتحول المتميز كما أننا نحن هنا في nippon.com نفعل ما بوسعنا لمواصلة هذا النقاش عن طريق نشر المواد ذات الصلة عندما تصبح متاحة، وسوف نستمر في القيام بذلك خلال الأشهر القادمة.

(المقالة الأصلية باللغة اليابانية في ١١ أغسطس/آب ٢٠١٤. الترجمة من اللغة الإنكليزية)

(*١) ^ البيان الرسمي لـ ”موراياما“، تحت عنوان ”بيان رئيس الوزراء“ توميتشي موراياما ”بمناسبة الذكرى ٥٠ لانتهاء الحرب“.
<http://www.mofa.go.jp/announce/press/pm/murayama/9508.html>
صدرعن رئيس الوزراء موراياما توميتشي في شهر أغسطس/آب عام ١٩٩٥، معربا عن أسفه عن الأضرار والمعاناة الناجمة خلال حكم اليابان الاستعماري والعدواني. البيان الرسمي لـ ”كونو“، تحت عنوان ”بيان من وزير شئون مجلس الوزراء ”يوهي كونو“ على نتائج الدراسة حول قضية نساء المتعة“. <http://www.mofa.go.jp/policy/women/fund/state9308.html>. صدر عن وزير شؤون مجلس الوزراء كونو يوهى في شهر أغسطس/آب عام ١٩٩٣، معربا عن ”خالص الاعتذار والندم لجميع نساء المتعة بغض النظر عن مكان المنشأ، لتلك اللواتي عانين من آلام لا حد لها وجروح جسدية ونفسية مستعصية“.

الصين العدوان سينكاكو الحرب الصينية اليابانية الحرب العالمية الثانية نساء المتعة شرق آسيا كاواشيما شين كوريا بيان كونو