تعزيز الدعم الاستراتيجي للدراسات اليابانية في الخارج

سياسة ثقافة

التحديات الثلاث التي تواجه الدراسات اليابانية في الخارج

وصلت الدراسات اليابانية في الخارج إلى نقطة تحول كبرى في نواح كثيرة. وإذا ألقينا نظرة عامة على تلك التحديات، فَسَوف نرى أنها مُكونة على النحو التالي:

التحدي الأول، يكمن في وجود تحول ملحوظ واتجاه سريع في طرق الاهتمام باليابان من مجالات أدبية واقتصادية، إلى الأنيمي أو الألعاب الإلكترونية وغيرها من أشكال الثقافة الناعمة (القوة الناعمة). وربما لم يبدأ هذا التحول الآن لكن يمكن القول إنه ترسخ بالفعل منذ فترة ليست بالقصيرة. وهناك بالطبع العديد من الطلبة الذين يلتحقون بقسم اللغة اليابانية من خلال بوابة الاهتمام والحب للأنيمي والألعاب الإلكترونية، فتعلم اللغة اليابانية هو بالطبع أمر جيد، ولكن لا يمكن انكار احتمال وجود اختلاف وانفصام بين اليابان التي هي في مخيلتهم واليابان كما هي في الواقع أو اليابان الحقيقية. لذلك فالتحدي كما يقال هو كيفية استغلال ذلك والربط بين الاهتمام بتلك النوعية من أشكال الثقافة الناعمة وفهم ودراسة لليابان بشكل أعمق.

التحدي الثاني، هو شيء ملحوظ في المؤسسات الغربية، حيث يقال إنه بسبب إدراج الدراسات اليابانية كجزء لا يتجزأ من الدراسات الآسيوية، سيما وأنه حدث تدفق في الطلبة وأعضاء هيئة التدريس إلى الدراسات الكورية الجنوبية والدراسات الصينية على نطاق واسع، وهو ما يصعب من عملية الحفاظ على دورات الدراسات اليابانية والوظائف المرتبطة بها، أو يُطلب من المتخصصين في الدراسات اليابانية التدريس عن الصين. وقد يكون هناك أيضاً منظور مختلف لهذا الطرح، فمع ذلك هناك تزايد في الاهتمام بالصين في الولايات المتحدة وأوروبا بشكل يلفت النظر، وكذلك يبدو أن عدد الشركات اليابانية التي كان يتم الاستشهاد بها كمثال في كليات إدارة الأعمال انخفض بشكل كبير مقارنة بالثمانينيات من القرن الماضي. ومن هذا المنطلق أعتقد أن هناك حاجة إلى إعادة التفكير مرة أخرى في معنى قيمة الدراسات اليابانية في حد ذاتها، ومعنى الدراسات التي يتم تعلمها.

التحدي الثالث، هو الاختلاف في الموضوعات ذات الاهتمام من قبل الباحثين داخل اليابان وخارجها، وندرة الحوار فيما بينهم. وهذا يرتبط بالحقيقة القائلة بأنه ليس هناك ما يسمى فئة "الدراسات اليابانية" في اليابان نفسها، فإذا وضعنا مركز الأبحاث الدولي للدراسات اليابانية جانباً، وعلى عكس الدول الأخرى حيث تندرج الدراسات اليابانية تحت مسمى واحد وهو "الدراسات الأجنبية"، نجد أن المجتمع الأكاديمي الياباني قد قَسّم الدراسات اليابانية إلى مجالات مختلفة ومستقلة مثل التاريخ الياباني، الفكر الياباني، السياسة اليابانية ونحو ذلك.

أهمية دور المتخصصين في الشأن الياباني كقناة إعلامية

في الدراسات اليابانية في الخارج، هناك على سبيل المثال تركيزٌ على المقارنة بألمانيا فيما يتعلق بتاريخ الحرب الغربية على اليابان، حيث كان الجزء الخاص بطريقة معاملة الجيش الياباني لأسرى الحرب الغربيين مثار اهتمام. وعلى الرغم من وجود مثل تلك النوعية من الدراسات في اليابان أيضا، ولكن طريقة ومنظور الاهتمام بها تختلف عن الغرب. حيث أن الاختلافات في طريقة وكيفية الاهتمام هو أمر عادي بطبيعة الحال، وأعتقد أنه من الأفضل وجود مسافة بين الدراسات اليابانية داخل اليابان والدراسات اليابانية في الخارج.

لكن مع وجود اتجاه نحو تقدم وتطور الدراسات اليابانية بالخارج في نفس الوقت، فليس بالضرورة أن يتم انجاز تلك الدراسات بالتعاون مع مثيلتها داخل اليابان. كما أن عملية الاقتباس من الرسائل العلمية الخاصة بالدراسات اليابانية التي تَنشر بلغات أجنبية في المجلات الأكاديمية في اليابان هي قليلة.

هذا وتُقَدِّم الحكومة اليابانية عبر مؤسسة اليابان مساعدات كبيرة وبشكلٍ حثيث للدراسات اليابانية في الخارج. لن يتم التعامل معها على أنها أحد أشكال التبادل الثقافي بشكل عام، على الرغم من أن الدارسات اليابانية في الخارج تعد رئة هامة جدا لتوصيل وتعريف العالم الخارجي باليابان، وهي واحدة من وسائل الإعلام. فعند حدوث أمر ما في اليابان، يتم الاستعانة بالباحثين الأجانب في الدارسات اليابانية للشرح والتعليق على الأحداث. كما يتم إيفاد الأساتذة والباحثين اليابانيين للخارج للتدريس ونقل الثقافة اليابانية للطلبة الأجانب المهتمين باليابان، ولكن بشكل رئيسي ما زال الباحثون الأجانب هم الغالبية ويأتون في المقام الأول.

تعزيز الحوار وتدريب ”متخصصي الشأن الياباني“ أكثر من ”محبي اليابان“

وكما ذكر أعلاه، على الرغم من المشكلات المختلفة التي تواجهها الدراسات اليابانية وأقسام اللغة اليابانية بالجامعات الأجنبية في الخارج، أوّد طرخ فكرة إعادة النظر في الدعم الموجه للدراسات اليابانية في الخارج، والتعامل معها كجزءٍ من برامج اليابان الدولية في مجال العلاقات العامة.

ويبدو أن الحكومة اليابانية تركز على إقامة العلاقات العامة عبر إرسال اليابانيين خارج البلاد، ولكن تعزيز مثل هذه العلاقات يمكن أن يتم أيضاً من خلال الحوار مع الباحثين في الشأن الياباني في الخارج.

فَعلى سبيل المثال، وحسب استطلاع رأي قامت به منظمة The Genron NPO وهي منظمة غير ربحية حول النزعة القومية داخل اليابان في السنوات الأخيرة تبيّن أن زيادة طفيفة من عدد المؤيّدين لتنامي النزعة وممن شارك في الاستطلاع قد ظهرت في حين أن زيادة تلك النسبة لهؤلاء في الخارج مرتفعة نوعاً ما. وهذا الأمر نفسه ينطبق على الباحثين في الشأن الياباني من الأجانب في الخارج. وأعتقد أنه يجب التركيز على عملية نشر المعلومات من ِقِبل الباحثين في الشأن الياباني من الأجانب، بغية التغلب على تلك الفجوة في عملية التقدير والتفهم بين الطرفين.

وهذا بالطبع لا يعني أن الباحثين في الشأن الياباني في الخارج متعاطفين مع اليابان. فعدد الباحثين في الشأن الياباني في الغرب من ذوي التوجه الليبرالي ليس بالقليل، ولديهم ميول قوية لتقديم خطاب نقدي تجاه السياسات اليابانية وغيرها من الأمور. في حين أن الباحثين الصينين في الشأن الياباني يتبنون بشكل واضح مواقفاً أكثر نقداً تجاه اليابان.

ولكن حتى إذا كانت النتيجة تنتقد لليابان، فإن الحقائق التي يتم عرضها، والخلفيات والأطر المختلفة هامة، وهي أمور تستحق التقييم. وأعتقد أن تعزيز الحوار وتدريب ”متخصصي الشأن الياباني“ أكثر من ”محبي اليابان“، وكذلك عملية تعميق متخصصي الشأن الياباني لعلاقتهم باليابان هي أمور بالغة الأهمية.

وبالنظر للموضوع من هذه الزاوية التي أشرت إليها، حيث تتمثل التحديات في طريقة الاهتمام باليابان عن طريق الثقافة الناعمة، وكذلك التيار الذي يركز على الدراسات الصينية والكورية أكثر من الدراسات اليابانية، أو ضعف التواصل والحوار مع المجتمع الأكاديمي الياباني، فإنني أعتقد بأنّه من الضروري دعم الباحثين في الشأن الياباني إيجابياً في الخارج كجزء من العلاقات العامة، ومن خلال تقديم الدعم الاستراتيجي

ثلاثة نقاط تتعلق بالدعم الاستراتيجي

لكن هنالك بعض النقاط الواجب ملاحظتها والانتباه لها عند القيام بتحقيق ذلك.
أولاً، بدلاً من النظر للأمر من منظور إذا كان مفيداً من عدمه بالنسبة لليابان فكما هو موضح أعلاه، يجب التركيز على ”الثقة“ من ناحية إدراك الحقيقة، والتحليل الصحيح. فالتركيز على المزايا والعيوب سيعود بنا إلى الوراء ولاستحضار المشروع الثقافي مجدداً والذي كان موجوداً قبل الحرب.

ثانياً، بدلاً من الميل نحو التركيز على ”الثقافة اليابانية“ حتى الآن، أو التركيز فقط على شرح قضية الجزر المتنازع عليها مؤخرا، وقضية التاريخ للخارج وغيرها من نقاط الصراع التاريخية والقضايا الإقليمية، يجب على اليابان أن تركز على شرح القضايا التي تواجه المجتمع الياباني، وتقديم صورة كاملة عن الحياة اليومية لليابان إذا جاز التعبير سيما وانّه يشار إلى أن اليابان هي من البلدان المتقدمة التي تواجه تحديات كثيرة. حيث يمكن القول إن اليابان تعدو على حافة الهاوية في نواح كثيرة بداية من شيخوخة المجتمع الياباني وغيرها من القضايا.

ثالثاً، نحن بحاجة إلى إيلاء المزيد من الاهتمام لما يقوله الآخرون عن بلدنا في الخارج. ويبدو أن البعض يعتقد أن ”اليابان لا يمكن فهمها إلا من قبل اليابانيين فقط“، ومع ذلك، فقد توجد هناك أمورٌ غائبة عن الإدراك داخل اليابان، كما توجد أمور أيضاً لا ينتبه إليها أحد داخل المجتمع الياباني لكنها محور اهتمام الكثيرين في البلدان الأُخرى ولعل نقل رسالة اليابان للعالم الخارجي هو أمر يستحق الاهتمام، ولكن يجب ألا تكون عملية في اتجاه واحد. وإنني لأعتقد أن هناك عدم توّفر وعيٍ كافٍ تجاه بعض القضايا التي تستحوذ على الاهتمام العالمي، وذلك على الرغم من وجود إمكانية لتسويتها بإجراء بعض التعديلات، وهذا هو ما يضع اليابان في مرمى سهام الانتقاد من العالم الخارجي ولعّلنا بحاجة لكي نكون مُستمعين أَفضل.

ونحن في موقع nippon.com نقوم بتغطية مميزة لدراسات وأبحاث خاصة باليابان تحظى باهتمام من هم وراء البحار، كما نرتبط بعلاقات وثيقة مع الباحثين في الشأن الياباني بالخارج، ونركز على إرسال وبث المعلومات المطلوبة عن اليابان خارج البلاد فعلى سبيل المثال، هناك موضوعات قد تكون متابعتها محدودة باللغة اليابانية لكنها تستحوذ على اهتمام أعداد كبيرة من القراء باللغات الأخرى الست التي يُقَدِمها موقعنا ومع أخذ مثل هذه المُعطْيات في الحُسبان، فَسوف نستمر في مساعينا لإثراء محتوى هذا الموقع باللغات المتعددة على الإنترنت.

(النص الأصلي باللغة اليابانية في ١٤ أكتوبر/تشرين الأول ٢٠١٤)

اليابان الصين كاواشيما شين كوريا