روح الساموراي ما زالت تعيش في قلوب اليابانيين

مجتمع ثقافة

في شهر أكتوبر/تشرين الأول عام 2011 تم منح جائزة أمير أستورياس الإسبانية للسلام لأولئك السادة ”أبطال فوكوشيما“ الذين قاتلوا لجعل الأزمة التي حلّت بمحطة فوكوشيما النووية الأولى لتوليد الطاقة تحت السيطرة. وقد حضر حفل توزيع الجوائز ممثلون عن قوات الدفاع الذاتي اليابانية، ورجال الإطفاء، وضباط الشرطة، الذين أسهموا في تبريد المفاعلات التي أصابها التسونامي الضخم وقاموا بإجلاء السكان من المناطق المجاورة إلى بر الأمان. وقد تلقوا الثناء من قبل اللجنة المسؤولة عن الجائزة للطريقة التي تصرفوا بها في مواجهة أزمة غير مسبوقة في تاريخ اليابان حيث اتسم سلوكهم بِكَونِهِ ”يجسد القيم الأكثر تجذرا في المجتمع الياباني“ إضافة إلى ”تضحياتهم الشجاعة بالذات“. وفي مؤتمر صحفي على المستوى المحلي في إسبانيا تساءل أحد الصحفيين حول المعنى الحقيقي لما يطلق عليه ”روح الساموراي“ و”كاميكازي“ التي تعبر عن شكل من أشكال التضحية والتي ظهرت بشكل بارز في تقارير وسائل الإعلام في أعقاب الحادث النووي المرعب.

ما هي روح الساموراي ؟

لقد جرى اللقاء الأول بين الساموراي وإسبانيا قبل ما يقرب من نحو 400 عاماً. وكان ذلك عام 1613 عندما ذهبت بعثة دبلوماسية برئاسة هاسيكورا روكويمون تسونيناجا (1571ـ1622) زارت خلالها الملك فيليب الثالث وكذلك بابا الفاتيكان. وقد اختار بعض أعضاء وفد هاسيكورا البقاء في إسبانيا، وحتى هذه الايام لا يزال هناك مئات الأشخاص من أصل ياباني يمكن العثور عليهم في المنطقة المحيطة بميناء مدينة إشبيلية تحمل اسم عائلة جابون JAPON. وقد قام الساموراي وعلى مدى فترة طويلة من السلام الذي ساد خلال عصر إيدو (1602ـ1868) بتطوير مهارتهم في المبارزة الى شكل من أشكال بناء الشخصية من جانب والجانب الروحي للإنسان من جانب آخر. وفي عصر ميجي (1868-1912)، صدر كتاب ”بوشيدو“ الذي كُتب باللغة الإنكليزية والذي قدم فيه ايضاً روح الساموراي إلى العالم الخارجي باعتبارها جانباً مهماً من الأساس الروحي للشعب الياباني. لكن التساؤل يبقى هل استوعب الناس حقاً داخل اليابان وخارجها المعنى الحقيقي لروح الساموراي؟ - فَوفقاً للكاتب نيتوبي، وفيما يتعلق بشرح روح الساموراي أو ”بوشيدو“ كما يطلق عليها باليابانية، فانِّه طبقاً للأقوال التي تم تداولها شفهياً عبر الأجيال المختلفة تتلخص في انَّ طريقة حياة الساموراي هي التي تطورت من خلال طريقة معيشتهم عبر مئات السنين، وهي الطريقة التي يجب أن يحميها ويحافظ عليها المحارب في حياته وعمله أيضاً. وتعرف البوشيدو بأنها مزيج من التعاليم مأخوذة من التقاليد الفلسفية الرئيسية الثلاثة في اليابان، أولاً :التعاليم البوذية من الصفاء، الرقي، عدم التعلق بالحياة، ثانياً: التعاليم الشنتوية من الإخلاص والوطنية، ثالثاً: الأخلاق الكونفوشية.

روح البوشيدو تعيش حتى الآن

لقد استطاعت روح البوشيدو أن تنجو من الاندثار وتصبح شيئاً من الماضي فبقيت حتى يومنا هذا ضمن فنون الدفاع عن النفس اليابانية مثل الكندو. وقد كتب الفيلسوف واتسوجي تيتسورو (1889ـ1960) أن رياضة الكندو تنطوي على تربية النضال إلى مستوىً يتجاوز الحياة من خلال تحرير النفس من التعلق بها. كما يغرس التعاليم الأخلاقية من خلال الالتزام الصارم بقواعد الآداب. كما يوجد ضريح صغير داخل دوجو (道場) وتعني حرفياً ”مكان الطريقة“. حيث كان الدوجو مرتبطاً بوجوده في المعبد أما اليوم فيشير المصطلح إلى مكان التدريب الرسمي حيث يبدأ كل تدريب بالانحناء في انسجام تام باتجاه الضريح. وأي شخص يزور أي دوجو فَسوف يعجب ويُبَهَرُ - كما اعتقد -  من الأجواء الخاصة المميزة التي تلف المكان. سيما وإن للحركات في الكندو قواعداً ولوائحاً تنظيمية صارمة للغاية، ويتم تجنب جميع الحركات غير الضرورية وفي حالة الوقوف، تتحرك القدم اليمنى في البداية لجعل الحركة أسهل لاستخدام السيف وتوفر الحماية من الهجوم المفاجئ. وجدير بالذكر أن الهدف الأساسي في الكندو ليس ضرب الخصم ولكن قهر الذات وهزيمتها. مما يدل على انها ممارسات روحية أكثر من كونها مادية أو جسدية كما يمكن أن يُفهم خطأ. ولهذا السبب لن تجد أبداً أيّ ممارس للعبة الكندو يرفع قبضته في الهواء للاحتفال بتسجيل نقطة على الخصم. ولعل الأخلاق الأساسية للكندو ترتكز على تجنب اظهار أي من المشاعر الدفينة سواء الجبن، المخادعة، أو الخنوع. حيث ان ما هو على المحك ليس الخير ضد الشر ولكن النبل والشرف مقابل الخسة والحقارة. وهكذا فإن روح الساموراي قادرةٌ على العمل بهدوء في مواجهة الشدائد، ولديهم قوة كافية من الإرادة للسيطرة على أنفسهم. وانني لآمل بأنّ هذا الفهم الصحيح لروح الساموراي سوف يعزز من خلال منح جائزة أمير أستورياس الإسبانية للسلام للسادة ”أبطال فوكوشيما“. وكما أشار نيتوبي في عصر ميجي فقد عاش البوشيدو على التمسك بالخير والفضيلة حتى بعد أن انتهوا كنظام اجتماعي. اليوم وبعد قرن كامل ما زال من الممكن العثور على روح الساموراي في اليابان. وآمل أن يفخر الشعب الياباني بتلك الفضائل وكذلك ضمان أن تبقى تلك الروح سائدةً في المستقبل أيضاً.

(المقالة الأصلية باللغة اليابانية، 9 نوفمبر/ تشرين الثاني 2011 )

فوكوشيما إيدو زلزال شرق اليابان الكبير