الجودو يبتعد عن اليابان

ثقافة رياضة

صدمة دورة لندن الأوليمبية

سجلت اليابان رقماً قياسياً جديداً في أوليمبياد لندن لهذا العام بحصولها على ٣٦ ميدالية. إلا أن شعوراً بالقلق تخلل أجواء الإحتفالات بهذه الإنتصارات، حيث كانت نتائج رياضة الجودو للرجال مخيبة للآمال فهم لم يحصلوا على أيّ ميدالية ذهبية مقارنة بأداء السيدات الذي كان أفضل بقليل وذلك بفوز ماتسوموتو كاوري بميدالية ذهبية وحيدة عن وزن ٥٧ كيلوغرام نساء.

تضمنت التعديلات الجديدة في قوانين الجودو إلغاء نقطة الكُوكَا(*١)، كما أضحى الإمساك برجل البنطال مباشرة غير قانوني. وقد أدخلت هذه التعديلات لتشجيع الرياضيين على استخدام مهاراتهم في الجودو لتحقيق فوز ساحق بدلاً من تجميع نقاط الفوز بشكل تدريجي. من المفترض أن تكون تلك التغييرات في قواعد اللعبة لصالح لاعب الجودو الياباني والذي طالما سعى للفوز عبر نقاط الإيبُونْ التي تكسب اللاعب أعلى النقاط عبر الضربة القاضية التي تنهي القتال تلقائياً. ولكن الأداء الياباني كان مخيباً للآمال بشكل كبير حتى بعد تلك التعديلات.

العقلية الإنعزالية

فماذا كانت المشكلة إذاً؟ على المستوى الفردي، امتلك كل الرياضيين المنتقين للمشاركة بالاولمبياد المهارات للتنافس على أعلى مستوى دولي. حيث يستمر لاعب الجودو الياباني في تحقيق نتائج باهرة في جميع البطولات الكبرى، وهذا الأمر على الأقل بقي ثابتاً ولم يتغير.

لكن من الواضح أيضاً أن النتائج أضحت أقل ثباتاً من ذي قبل. وينطبق الحال بشكل خاص على الأوزان الثقيلة والتي لطالما هيمنت عليها اليابان في الماضي. فلم يعد هناك أي رياضي مهيمن بشكل واضح. كما أدى نهج اليابان المثالي القائم على حتمية أن يفوز كل من تم اختياره من اللاعبين بميدالية ذهبية إلى الفشل ايضاً. ولذلك علينا أن نواجه الحقيقة التي لا مفر منها والتي تفيد بأن هنالك أمر خاطئ في الطريقة التي ندرب بها أصحاب الأوزان الثقيلة من لاعبي الجودو في اليابان. حيث كان الفائز في منافسة الرجال لأوزان ما فوق المئة كيلوغرام الفرنسي تيدي رينر والذي فاز أيضا بأربعة ألقاب عالمية متتالية في هذا الوزن. إذاً فما هو الشيء الذي يتوجب على اليابان القيام به لصنع رياضيين على ذلك المستوى مرة أخرى؟

أعتقد أننا بحاجة إلى التحرر من العقلية الإنعزالية المنغلقة السائدة حاليا في رياضة الجودو اليابانية. إن التفكير في ”قرية الجودو“ يقودنا إلى الاعتقاد بأن الجودو هي رياضة يابانية تقليدية، وبالتالي يجب أن تكون واحدة من أقوى الألعاب في اليابان. وإذا تم تدريب الرياضيين من مدربين يابانيين لهم باع كبير في تقاليد وتاريخ الجودو اليابانية، فإنهم سينتصرون حتما في منافسات عالمية. حيث يكون من المسلمات وجوب كون جميع المدربين يابانيين.

إلا أن الحقيقة تشير إلى أنه لم يعد فوز اليابانيين في المنافسات العالمية مضموناً. لقد حان الوقت لنتعلم من بقية أنحاء العالم. من الممكن أن تبدو هذه الفكرة جلية، إلا أنها واحدة من الأفكار التي لم تتغلغل حتى الآن في مجتمع الجودو الياباني المغلق.

سايتو هيتوتشي، الحاصل على الميدالية الذهبية في أولمبياد لوس أنجلوس وسول في فئة الأوزان الأكثر من ٩٥ كيلوغرام ومدرب فريق الرجال في دورة الألعاب الأولمبية في بكين، كتب مقالة في صحيفة يوميوري في ٥ أغسطس/ آب لعام ٢٠١٢ اعترف فيها قائلاً: ”كنت أعرف أن هذا اليوم سيأتي“. فقد أدرك هو والمدير التنفيذي ”لاتحاد الجودو الياباني“ بأن اليابان لم تعد قادرة على الفوز في المنافسات العالمية. و بات من الضروري إجراء إصلاحات للخروج من العقلية الانعزالية وتحقيق الفوز مرة أخرى. وهذا سيعني جلب مدربين أجانب وتشجيع لاعبي الجودو على الدراسة في الخارج.

العولمة والإصلاح الهيكلي

من الضروري أيضا توسيع جذور رياضة الجودو اليابانية. ففرنسا (موطن اللاعب تيدي رينر الفائز بأربع بطولات عالمية متتالية) على سبيل المثال، نجحت ببناء مرافق ومنشأت تدريب جودو في جميع أنحاء البلاد وهي تنشىء لاعبي جودو محترفين باستمرار. حتى أصبح عدد ممارسي رياضة الجودو في فرنسا يفوق اليابان. حيث نشأ العديد من الرياضيين المحترفين في اليابان في المدارس المعروفة بعراقتها في تعليم رياضة الجودو. هذا الاعتماد على عدد قليل من مدارس النخبة جعل من الصعب جدا توسيع جذور هذه الرياضة.

كتب شينوهارا شين إيتشي، مدرب فريق الرجال في دورة الألعاب الأوليمبية في لندن، في مقال نشر في صحيفة ماينيتشي في ٧ أغسطس/ آب لعام ٢٠١٢ بأنه يعتقد أن التراجع النسبي لليابان ناجم عن مشاكل في عملية اختيار الرياضيين والفرق في القوة الجسدية بين المتبارين اليابانيين والأجانب. كما كتب أنه يعتقد أيضا أن الضغط النفسي على اللاعبين للفوز بالميدالية الذهبية يوّلدُ مشكلة أخرى. وبالرغم من أنه ينبغي أن يكون هدف لاعب الجودو الحصول على الميدالية الذهبية إلا أنه يجب أن نتقبل أيضاً أن حقيقة الفوز بالميدالية الفضية أو البرونزية ليست أمراً مشيناً. أعتقد أننا بحاجة إلى نظرة أكثر إيجابية هنا.

 أصبحت الجودو رياضة عالمية الآن. إني أؤيد أسلوب ”جودو الإيبُونْ“ الذي يحافظ على تقاليد الجودو كفن من فنون القتال اليابانية. ولكن إذا استمر الجودو في اليابان بإعطاء الأولوية لهذه المثالية على حساب الأشياء الأخرى، فسيكون هناك خطر في تزايد انعزالها عن باقي دول العالم. أعتقد أن إتحادات الجودو اليابانية تحتاج إلى تحقيق منظور أوسع يعكس الطبيعة العالمية لهذه الرياضة اليوم. وبدون أيّ تعصب أو قيود، نحن بحاجة إلى إجراء مراجعة عاجلة للوضع الحالي لأنها الطريقة الوحيدة التي سنتمكن من خلالها تحديد الخطوات التي يجب اتخاذها للإرتقاء بالجودو الياباني إلى قمة العالم من جديد.

(المقالة الأصلية باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية، سبتمبر/ أيلول ٢٠١٢) 

(*١) ^ هناك مجموعة من النقاط في الجودو. الإيبُونْ هي أعلى نقطة، يفوز المتنافس الحاصل عليها بالمباراة بشكل تلقائي. كوكا، ألغيت الان، كانت تعطى ”للتأثيرات“ الأقل والمحققة أثناء اللعب.

الرياضة الجودو