زيارة أوباما لليابان بعيون عربية

سياسة هو وهي

اختتم الرئيس الأمريكي باراك أوباما زيارته لليابان في الـ ٢٥ من شهر أبريل/نيسان الماضي حيث استغرقت زيارته مدة ثلاثة أيام وخلال هذه الفترة استقبلت الحكومة اليابانية الرئيس الأمريكي استقبالا حاراً كضيف دولة. وكانت حرارة الاستقبال التي اظهرتها اليابان هذه هي الأولى لها منذ ١٨عاماً وذلك لإعادة ترميم العلاقات اليابانية الأمريكية وإعادتها الى حيويتها. وبالفعل فقد استجاب أوباما لرغبة اليابانيين ووافق على تمديد زيارته يوماً إضافياً وبذلك كانت أطول زيارة لرئيس أمريكي لليابان.

وتأتي تلك الزيارة بعد انقطاع دام ثلاث سنوات وبالطبع فقد حاز هذا الخبر على اهتمام وسائل الإعلام المحلية والعالمية. وقامت الصحف وقنوات التلفزيون بإذاعة زيارة أوباما بأدق التفاصيل. وقد بدا رئيس الوزراء الياباني آبي منهمكاً بإبراز روح الضيافة اليابانية لإسعاد ضيف اليابان وكسب رضاه.

ويمكننا أن نشبه العلاقة اليابانية الأمريكية بعلاقة الرجل بالمرأة. فإذا شبهنا الولايات المتحدة بالمرأة فيمكننا أن نقول أن اليابان (أي الرجل) يستغل هذه الفرصة لإعادة انعاش العلاقة وإعادة الدفء لها من جديد. وقد يكون السوشي الذي تناوله كلا الزعيمان رمزاً لدرجة التقارب بين البلدين، ولكن بالنسبة لي كعربي فلا يبدو لي أن هذا التحالف بين البلدين قائم على أسس قوية ومتساوية. ولو عدنا إلى المثال السابق فإن علاقة التواكل على الحبيب أو الحبيبة ستؤدي في نهاية المطاف إلى نفور من الطرف الآخر وانتهاء العلاقة بينهما عاجلاً ام أجلاً. وقد تبدو اليابان وكأنها راضخة تماماً لطلبات وأوامر الولايات المتحدة ولكنني أظن أن العلاقة بين الدولتين ليست بتلك البساطة التي يتصورها البعض.

التخوف من الحس القومي الزائد

وبالتزامن مع زيارة أوباما فقد تطرقت وسائل الإعلام بشكل مكثف إلى استراتيجية آبي الدبلوماسية تجاه آسيا. وقد تعالت الأصوات انتقاداً لزيارته ضريح ياسكوني ومواقفه تجاه قضايا الاعتراف بالتاريخ الصحيح كما رأت وسائل الإعلام أن هذه التصرفات أثرت سلباً على التحالف الياباني الأمريكي وأعاقت تقدمها.

إن عبارات مثل (نظام ما بعد الحرب)، (البلد الجميل)، (التحدي من جديد) التي تبناها آبي هي في رأي العديد من الإعلاميين والمحللين تعبر عن تفكير ربما يؤجج الفكر القومي الذي لطالما تخوفت منه اليابان بعد نهاية الحرب العالمية الثانية التي انتهت بهزيمة اليابان. ويعود سبب هذا التخوف إلى النظام التعليمي السلمي الذي تبنته اليابان منذ وقت طويل وكذلك تبنيها فكرة زرع مشاعر الخوف تجاه الحرب بشكل عام، وبالتالي فقد أدى ذلك إلى الحساسية تجاه أية حركة تستدعي المشاعر القومية اليابانية من جديد.

هذا وقد صرح آبي أمام لجنة الميزانيات لمجلس المستشارين: ”أريد اخراج اليابان من عقلية ما بعد الحرب. لقد مضى على الحرب ٧٠ عاماً وبهذه المناسبة أود العمل على تكوين دولة جديدة تواكب التطورات العالمية على كافة المستويات“. وأضاف ”أريد أن تبقى اليابان بلداً سلمياً ولكن الحقيقة هي أن الدستور الحالي هو من صنع قوات الاحتلال“.

لانعرف بالضبط ماذا يعني آبي بما أطلق عليه (نظام ما بعد الحرب) وقد يكون عدم ادراكنا لماهية هذه العبارة هو أمر خطير للغاية ومع ذلك فإن محاولة اليابان البحث عن مصلحتها بطريقتها الخاصة ليس بالأمر الخاطئ.

إيجاد خطة تعيد هيكلة اليابان

إن الولايات المتحدة معروفة بدراستها لطبيعة الطرف الذي تتعامل معه. وبناء عليه فإنها درست اليابان جيداً وأصبحت معتادة على التعامل مع العقلية اليابانية بشكل واع للغاية. وحتى لو لم يستطع اليابانيون قراءة أفكار رئيس الوزراء حول أهدافه التي يسعى إليها من خلال التحالف مع الولايات المتحدة وإلى أين يريد أن يقود اليابان فإن أغلب الظن أن الولايات المتحدة قادرة على معرفة ما يجول في خاطره بشكل أو بأخر.

وأظن أن الولايات المتحدة لن تستخدم القوة إلا إذا شعرت أن مصلحتها القومية مهددة بالفعل، ولا أظن أن أية دولة مستعدة للإستماتة في الدفاع عن حلفائها مهما كانت العلاقات قوية بينهما. وأعتقد أن آبي مدرك لذلك تماماً، ولذلك فهو قد بدأ يؤمن بمدى أهمية تجهيز اليابان لتستطيع الدفاع عن نفسها دون مساعدة من أحد، وأعتقد أن وجود خطة رئيسية يلتف حولها الشعب الياباني هو ما سيجعله قادراً على تحقيق ذلك. وفي هذا السياق يمكننا أن نستخلص أن خطط آبي في صنع (نظام ما بعد الحرب)، (البلد الجميل) هي خطط رئيسية لإعادة إحياء اليابان من جديد.

ذكر الكاتب شيبا ريوتارو في كتابه Kono Kuni No Katachi أو (شكل تلك الدولة) أنه : ”لا يوجد في تاريخ اليابان بطل ولكن يوجد شخصيات نظمت الهيكل الحكومي للدولة“ قد لا يتمكن آبي من أن يصبح بطلاً قومياً ولكنه قد يستطيع اعداد خطة رئيسية وينظم الهيكل الحكومي. وبذلك فهو يحاول إعداد اليابان من الناحية الدفاعية والإقتصادية كما يحاول الاعتماد على علاقة التحالف المميزة مع أمريكا للارتقاء بالبلد إلى مستوى آخر تصبح فيه أكثر استقلالية.

وعلى كل حال فعلى اليابان الإستعجال في صنع خطتها وهي ما تزال تحظى بدعم الولايات المتحدة الأمريكية.

(المقالة الأصلية باللغة اليابانية)

العلاقات الخارجية أوباما العلاقات اليابانية الأمريكية الولايات المتحدة الأمريكية زواج