قضية المختطفين اليابانيين بين مناورة كوريا الشمالية ومقامرة اليابان

سياسة

لا يزال الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون يمسك بخيوط اللعبة بمهارة بينه وبين اليابان. فقد نجح في جعل رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي ينخرط في متاهةٍ استراتيجية قد تكون مضيعة للوقت وتخدم في المقام الأول مصالح الرئيس الصيني شي جين بينغ ولعَّل ما نشهده الآن مُجَرّدَ نسخة دبلوماسية لحِيلَةٍ قديمة ترمي لإلهاب حماس وغيرة عاشق من خلال إظهار اهتمام زائف بأن هنالك منافس آخر. إلا أنه حتى الآن لا يزال من غير المعروف ما إذا كانت الصين قد ابتلعت الطعم أم لا، ولكن في وسعنا القول إنه وحتي هذه المرحلة يمكن لبيونغ يانغ أن تهنئ نفسها على جر طوكيو إلى اللعبة وفق بنود واعدة بتحقيق مصالح كوريا الشمالية فقط.

رهان اليابان الغامض

في ٢٩ من مايو/أيار أعلنت الحكومة اليابانية أن طوكيو وبيونغ يانغ توصلتا إلى اتفاق يهدف إلى حل قضية المختطفين التي طالما ألقت بظلالها على علاقات اليابان بكوريا الشمالية. وبموجب بنود الاتفاق، قدمت بيونغ يانغ وعوداً ببدء تحقيق شامل وكامل لمعرفة مصير المواطنين اليابانيين المختطفين على يد عملاء كوريا الشمالية في سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين بالإضافة إلى يابانيين آخرين يعتقد أنهم اختفوا في كوريا الشمالية. وبالإضافة إلى المختطفين المؤكد من اختطافهم والمفقودين المشتبه باختطافهم، فقد أصبح من المتوقع أن يشمل التحقيق جمع معلومات عن قبور ورفاة يابانيين قضوا في نهاية الحرب العالمية الثانية فيما يعرف الآن بكوريا الشمالية ويابانيين تقطعت بهم السبل في كوريا بعد الحرب وكذلك مواطنين يابانيين هاجروا إلى كوريا مع أزواجهم بعد الحرب. وبالمقابل وعدت اليابان من جانبها برفع أو تخفيف عقوبات معينة على كوريا الشمالية حالما تتأكد من أنها فتحت تحقيقاتها عن طريق هيئة خاصة تم تأسيسها لهذا الغرض. والعقوبات المشار إليها في الاتفاق تشمل إجراءاتٍ خاصة فرضتها طوكيو على كوريا الشمالية بشكل أحادي، منها قيودا مفروضة على السفر وتحويل الأموال وحظر دخول سفن تحمل سلعاُ لأغراض إنسانية وترفع علم كوريا الشمالية إلى الموانئ اليابانية. سيما وأن المشكلة تكمن في التزام طوكيو بتخفيف تلك العقوبات حالما يعاد فتح التحقيق بدلا من الانتظار لمعرفة نتائجه. علماً بأنّه لم يتم بدء التحقيق حتى الآن. وبالتالي كيف لنا أن نعلم ما إذا كان التحقيق سيجرى بطريقة مقبولة لليابان؟ وماذا إذا كانت النتائج غير كاملة ولا تؤدي إلى إغلاق القضية أو بعث الرضى في نفوس أولئك الذين واصلوا ممارسة ضغوط للتوصل إلى نتائج شاملة؟ ولربما يبدو أن العقوبات الأحادية الجانب المطبقة حاليا هي وسيلة اليابان الحقيقية والوحيدة للمساومة من أجل ممارسة الضغط بهدف التوصل إلى مثل تلك النتائج. وعَليَهِ فكيف لَها أي لليابان أن تأمل بالمفاوضة من أجل التوصل إلى حل أكثر جدية حالما تتخلى عن أوراق قوتها؟

إعادة تدفق الأموال من اليابان إلى كوريا الشمالية

ومما لا ريب فيه أن بيونغ يانغ تمتلك بالتأكيد أسباباً للسعي من أجل تخفيف تلك القيود الخاصة. حيث أن كوريا الشمالية تعاني من أزمة اقتصادية مزمنة تستميت من أجل تدفق أوراق نقدية إليها من الخارج. وقد أدت القيود التي فرضتها اليابان على تحويل الأموال إلى كوريا الشمالية، كرد على تجاربها النووية والصاروخية التي أجرتها مؤخراً، إلى توقف تدفق الأموال من الكوريين الشماليين الذين يعيشون في اليابان والذي هو مصدر مهم لها. وكانت هذه القضية دائما هي الموضوع الرئيسي بالنسبة للمفاوضين الكوريين الشماليين، وليست قضية البيع المعلقة لمبنى المقر الرئيسي في طوكيو الخاص بالجمعية العامة للكوريين الشماليين المقيمين في اليابان كما يعتقد خطأ الكثير من اليابانيين. وكان الكوريون الشماليون قد سبق وأدركوا أنه ليس في وسع الإدارة المختصة في الحكومة اليابانية التدخل في أي قرار قضائي صادر عن المحاكم المعنية وذلك بناءً على استنتاجات مُكتسبة من مراقبة تطورات مماثلة في هذا الخصوص ولذا فقد كانت قضية البيع هذه المرة مجرد واجهة دخانية دون آمال فعلية للحصول على تنازلات في هذا الصدد. فقد ركز الكوريون الشماليون أولا وقبل كل شيء على إعادة فتح صنابير تدفق الأموال التي كانت طوكيو قد أغلقتها عبر فرض قيود على تحويل الأموال إلى كوريا الشمالية، ولذا فقد كان معهم كل الحق في أن يكونوا سعداء بنتائج  تلك المفاوضات. أما الجانب الياباني فقد امتلك بِدَورهِ دوافعاً قوية. سيما وأنَّ رئيس الوزراء آبي سَبق وأن أطلق بِنَفسه حملته الخاصة لحل قضية الاختطاف قبل بِضع سنوات عندما كان عضوا في الدايت/البرلمان الياباني، وجعل تلك القضية في إدارته الحالية واحدةً من الأهداف الرئيسية في السياسة الخارجية للبلاد. لكن مع حدوث تقدم على مستوي القضايا المعلقة بشكل كلي منذ إطلاق سراح خمسة مختطفين في عام ٢٠٠٢، فإنّ مصير معظم الضحايا لا يزال مجهولاً. ولا ريب في أن آبي يشعر بضغط كبير لتحقيق بعض النتائج قبل فوات الأوان نظراً للسن المتقدم لآباء وأمهات المختطفين على حدٍ سواء.

اليابان جسر العبور إلى الصين

وكما أن لدى بيونغ يانغ دوافع مقنعة للانخراط في حوار مع طوكيو، إلا أنّ تلك الدوافع لا تتمتع ولسوء الحظ بتأثير كبير على منحى علاقات اليابان مع كوريا الشمالية. ومما تفتقد بيونغ يانغ إليه بلا ريب هو تدفق الأموال من الكوريين الشماليين الموجودين في اليابان لكن حبل نجاتها الحقيقي يتمثل في المساعدات التي تتلقاها من الصين. وبدون هذا الدعم فإن كوريا الشمالية سوف تضيع، وبغَضِّ النظر عن وضع العلاقات بين بيونغ يانغ وطوكيو. وجديرٌ بالذكر أنّ العلاقات بين كوريا الشمالية والصين شَهِدَت فتوراً منذ شهر ديسمبر/كانون الأول عام ٢٠١٣، وذلك عندما أمر كيم جونغ أون وبشكل مُفاجئ بإعدام نائب سابق لرئيس هيئة الدفاع القومية، ”جانغ سونغ تيك“، والذي كان يَحظى بتقدير بكين نظراً لأنه كان وسيلة اتصال ووسيطاً بين الحكومتين. وهكذا فإنّ ترميم هذه العلاقة المتضررة بين كوريا الشمالية والصين يحتل قمة أولويات كيم جونغ أون الاستراتيجية. ويجب النظر إلى أي شيء آخر على أنه وسيلة ترمي إلى تحقيق ذلك الهدف. وسوف يتحدد موقف كيم جونغ أون تجاه اليابان في الأشهر القادمة بشكل كبير وذلك بناءً على سلوك الرئيس الصيني شي جين بينغ، ولعل هذا هو الغرَض الرئيسي الكامن وراء مناورات الزعيم الكوري الشمالي. حيث أنّه عندما تستحوذ على اهتمام محبوبك مجدداً فإنك لن تخسر كثيراً في مجافاة الشخص البديل. وإننّي بصراحة لا أرى سبباً يدعو للتفاؤل فيما يتعلق ”بالتحقيقات الشاملة الكاملة“ المزعومة التي تعهدت بيونغ يانغ القيام بها. فمن المرجح بشكل كبير أن يقوم الكوريون الشماليون باللعب مع اليابان حيث سيقدمون علامات فارغة على التعاون مثل بعض الرفاة التي لا يمكن تحديد هوياتها أو إعادة بعض المواطنين اليابانيين الذين دخلوا إلى كوريا الشمالية بإرادتهم. ومع رفع العقوبات التي تفرضها اليابان فإنه لن يتبقى لها أوراق قوة لتلعب بها ولن يكون أمامها أيّ خيار آخر سوى الاعتماد على النية الحسنة للحكومة الكورية الشمالية. ويدرك اليابانيون تماماً مثل الآخرين كم يساوي مثل هذا الأمر.

(المقالة الأصلية باللغة اليابانية بتاريخ ٣٠ مايو/أيار ٢٠١٤، صورة اللافتة: رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي يتحدث إلى صحفيين حول اتفاقية حكومته مع كوريا الشمالية في ٢٩ من شهر مايو/أيار في المقر الرسمي لرئيس الوزراء جيجي برس)

الصين كوريا الشمالية شينزو آبي