في قرية الأشباح اليابانية: العرائس بدلاً من البشر !

مجتمع

للوهلة الأولى تبدو حقا مثل البشر وتبدو القرية وكأنها محتشدة بالسكان وهم يمارسون أعمالهم اليومية. مع ذلك، هؤلاء السكان المحليون المعينون ليسوا أناس حقيقيين، وإنما عرائس. حيث تفوق في عددها سكان القرية الذين يقدرون بحوالي ٤٠ شخصاً فقط أو نحو ذلك بنسبة أكثر من اثنين إلى واحد، ومع شخصياتهم المميزة الخاصة، تخلق هذه العرائس جو من البهجة إلى حد ما. ولكن في سياق معاناة اليابان من انخفاض عدد السكان الذي يضع تلك المجتمعات الريفية في مواجهة خطر الزوال التام ، يأخذ المشهد جانباً أكثر غرابة.

مجتمع كامل من العرائس

قرية ناغورو، محافظة توكوشيما.

منزل هذه العرائس هو قرية جبلية صغيرة تدعى ناغورو بالقرب من بلدة ميوشي في محافظة توكوشيما. بسبب قربها من السماء والتي تنبع من ارتفاع ناغورو على ٨٠٠ متر، يشار للقرية أحياناً باسم تينكو نو ساتو، حرفياً ”بلدة السماء“. يستغرق ثلاث ساعات للوصول إلى القرية بالسيارة من مدينة توكوشيما نفسها، حيث تقع في حزام من البلدات الجبلية الريفية في قلب جزيرة شيكوكو الرئيسية. في الواقع، ناغورو تقع في عمق الجبال، حيث يقال إن عشيرة تايرا لجأوا إليها بعد حرب غينباي (١١٨٠-١١٨٥).

ولكن هذه البلدة المعزولة أصبحت مؤخراً محط اهتمام دولي بعدما ظهرت في فيلم وثائقي قصير نشر على الإنترنت في ربيع عام ٢٠١٤. وبالفعل، حصد الفيديو الذي صنعه فريتز شومان، المصور الصحفي الألماني الشاب الذين يدرس في هيروشيما، ما يقرب من نصف مليون مشاهدة.

مبتكر عرائس ناغورو، أيانو تسوكيمي من سكان المنطقة.

هذه العرائس التي اشتهرت فجأة في العالم هي من عمل أحد سكان ناغورو وتدعى أيانو تسوكيمي (٦٤)، التي تقيم في القرية مع والدها المسن، بعد أن عادت إلى بلدتها قبل ١٢ عاما بعد فترة قضتها بالعيش في أوساكا. تتذكر كيف بدأ كل شيء: ”بعد عودتي، حاولت زرع بعض البذور في الحقول المحيطة هنا، ولكن لم ينمو شيء. لذلك قررت محاولة صنع فزاعة (خيال المآتة)“. وبعد أكثر من عقد من الزمان، ما بدأت كمجرد إبعاد الحيوانات البرية بعيدا عن الحقول قد ازداد لتمتلئ القرية بأكملها بالعرائس.

أيانو تبدأ كل قطعة عن طريق تشكيل وجه تعبيري. وبعد ذلك، تلف إطار خشبي بأكثر من ٨٠ ورقة مأخوذة من الصحف لصنع الجذع. تجهز عملها الإبداعي، بوضع الملابس القديمة، والأحذية، والأحذية الرياضية.

تستغرق عملية صناعة العروسة الواحدة حوالي يومين في المتوسط ولكن حالما يتم وضعها في الخارج أو في الحقول، تقول أيانو إن إبداعاتها لا تدوم أكثر من بضع سنوات. من بين أكثر من ٣٥٠ عروسة أنتجتها حتى الآن، هناك حالياً ١٠٠ أو نحو ذلك منتشرة في أنحاء القرية.

ثروة من الشخصيات المعروضة

”السجل العام“ للعرائس، والذي يتضمن معلومات عن السيرة الذاتية لجميع إبداعات أيانو، بما في ذلك ”العمدة“ تسوزوكي يوجيرو (في الصورة).

”السجل العام“ للعرائس هي واحدة من الميزات الغريبة والمسلية في ناغورو، حيث يتم الاحتفاظ بها في منطقة الاستراحة بالقرب من منزل أيانو ليتمكن للزوار قراءتها. هناك لوحة في مكان قريب: ”نحن لسنا كالعرائس العادية. كل منا له أسماء خاصة وشخصيات خاصة وقصص حياة وكلها مكتوبة في هذا الكتاب“.

والشخصية الأكثر نجاحاَ في ناغورو هو عمدة قرية العرائس، تسوزوكي يوجيرو البالغ من العمر ٦٨ عاماً، الذي يصفه السجل أن حاله اليوم ثابت، ويتصرف بجدية، على الرغم من كونه أصعب طفل في صفه أيام مدرسته. بعد تخرجه من ”جامعة شهيرة“ بدأ العمل في ”شركة كبيرة، ليعود إلى مسقط رأسه في سن ٣٠ للزواج من صديقته في اللعب منذ الطفولة، كيو. حاليا في ولايته الثالثة كرئيس للقرية، تسوزوكي أيضا على ما يبدو يساعد على حماية الجبل كعضو في لجنة الغابات المحلية. ويمكن رؤية عروسة تسوزوكي وهو يرتدي رداء السلطة الأزرق الداكن من ماركة أرماني مع كتافيات كبيرة. تصف صفحته كيف أنه دائما تبدو عليه هذه الهيئة، سواء كان يرتدي ملابس العمل أو بدلة غالية.

المزيد من العمل

في الوقت الحاضر، تقوم أيانو برحلة طويلة لتوكوشيما مرة واحدة في الشهر لإدارة ورشة عمل لصنع العرائس. وفي كل شهر، يشاركها الرحلة ذهابا وإيابا عروسة لشاب يجلس بانتباه في مقعد الراكب لسيارتها القديمة الموثوق بها.

وعلى الرغم من أنها تقوم بالدردشة بحماس في حوارنا عن كيفية مساعدة العرائس لها للقاء جميع أنواع الناس وإصرارها على أنها تعتزم الاستمرار في صنعها طالما تمتع بالقدرة على ذلك، فإن أيانو لا تقدم أي تفسير آخر للأسباب والحيثيات الأعمق من ”أنا فقط أقوم بذلك لمجرد أنها هواية“. ولكن بفضل إبداعاتها، استقبل القرويون المحليون العديد من الزوار إلى المنطقة.

وفقا إلى أيانو، أصغر سكان ناغورو هما طالبان في المرحلة الثانوية، في حين أن الغالبية العظمى من سكان القرية تتقدم باطراد في السنوات.

الحقيقة الصارخة

يطلق على تلك المجتمعات اسم ”بلدات هامشية“ حيث يصبح أكثر من نصف السكان فوق سن ٦٥ وهاجر معظم الشباب منها و أصبحت حقا مهددة بالزوال. ووفقاً لتقرير صدر مؤخرا من قبل وزارة الشؤون الداخلية والاتصالات، اعتبارا من أبريل/ نيسان ٢٠١٣ كان هناك أكثر من ١٠ آلاف من تلك البلدات المنتشرة في جميع أنحاء اليابان.

في يوم الزيارة لإجراء المقابلة كانت السماء تمطر بشدة. وطوال الوقت هناك لم نرى في الواقع سوى شخص واحد من السكان. وفي ساعة ونصف على الطرق المحيطة بها لم نشاهد سيارات أخرى باستثناء ثلاث شاحنات صغيرة. في مثل هذا الوضع الموحش كان هناك شيء غامض يحوم حول كل العرائس المضحكة الجالسة في الخارج، والتي تمرغت في المطر جنباً إلى جنب مع شعور الشفقة التي جعلنا نرغب أن نعيرهم مظلة.

ولكن ماذا سيحدث لنا أمام هذه الشخصيات في منتصف ليلة حالكة السواد؟ قلبك بالتأكيد سيدق بسرعة، حتى لو كنت قد توقعت وجود العرائس هناك. رعب المكان الصامت بعيدا عن الآخرين يغرس في اليابان شدة الوضع الذي يواجه تلك المجتمعات التي تقف على حافة الفناء في انتظار المصير المحتوم الذي يحوم حولها كالوحش الذي ينتظر فريسته.

وقد وصفت هافينغتون بوست مؤخراً ناغورو بأنها ”قرية يابانية مهجورة“. في مجتمع حيث معدلات المواليد منخفضة وشيخوخة الكبار تساهم في الانخفاض السريع للسكان المحليين، قد لا يكون اليوم بعيدا عندما يصبح مجتمع مثالي كهذا مدينة أشباح، موطن للعرائس فقط.

(المقالة الأصلية باللغة اليابانية بتاريخ ٢٨ يوليو ٢٠١٤. الترجمة من الإنكليزية)

الفن المجتمع المسن انخفاض عدد السكان شيكوكو توكوشيما الدمى