الدروس المستفادة من الحرب العالمية الأولى والعلاقات الدولية في القرن الحادي والعشرين

مجتمع

شهدت كل من الأوساط الأكاديمية ووسائل الإعلام مؤخراً نقاشاً واسعاً حول اليابان والحرب العالمية الأولى حيث كان التركيز ينصب بالخصوص على الأسباب والخلفيات وراء اندلاع الحرب العالمية وأوجه التشابه مع العلاقات الحالية في شرق آسيا. ولكن لم يكن هناك اهتمام كافي بالدروس التي تعلمها الساسة اليابانيون وضباط الجيش والمحللون في ذلك الوقت من الحرب العالمية الأولى ككل مثل كيف قيموا الحرب؟، وما هو شكل اليابان في المستقبل ؟، كما رأوه بناءً على النتيجة التي انتهى إليها الصراع لذا وانطلاقاً من ذلك، أود فيما يلي أن أقدم بعضاً من آرائهم.

لقد وقفت اليابان عند مفترق طرق رئيسي بعد الحرب العالمية الأولى من منظور علاقاتها الدولية وموقعها في العالم. سيما وأن النقاش تركز بالأساس عمّا إذا كان ينبغي أن تظل اليابان في علاقة تعاونية مع حليفتها بريطانيا أو تَبحث عن مسار جديد ولعل الغريب كان أن بعض المعلقين قدموا حججاً معارضة لبريطانيا والولايات المتحدة في نفس الوقت الذي مجدوا فيه عدو الحُلفاء في زمن الحرب آنذاك والتي كانت ألمانيا باعتبارها نموذجا للنجاح.

امتداح العسكرية الألمانية

وعلى سبيل المثال، أتطرق إلى ما نشر في مجلة Ajia Jiron (المراجعة الآسيوية) في عددها الصادر في أكتوبر/تشرين الأول من عام ١٩٢٠ حيث قلل الصحفي - تشيكوشي جيرو - من أهمية الهزيمة التي لحقت بألمانيا، متخذا من نظام التعبئة الخاص بها نموذجا ومدافعا عن نظام التعبئة الشعبية القائم على مبدأ ”العسكرية الفاضلة“. حيث كان ينظر إلى العسكرية الألمانية على أنها السبب الرئيسي وراء اندلاع الحرب والتي لاقت انتقاداً عنيفاً على المستوى الدولي أثناء الصراع وبَعدَهُ. إلا أن تشيكوشي كان يؤمن بـ ”أسطورة الطعن في الظهر“(*١) التي كانت منتشرة في ألمانيا في ذلك الوقت، وكان يدعم النموذج الألماني مُصِّراً على أن البلاد قد أرغمت على الاستسلام بواسطة بعض السياسيين والعناصر الثورية بالرغم من أنها لم تُهزم عسكريا.

وبالمثل، كتب أوجاكي كازوشيجي (١٨٧٨-١٩٥٦) الذي عمل لاحقا كوزير للدفاع وبعدها كوزير الخارجية في مذكراته ”إن ألمانيا لم تخسر الحرب“ وأكد على فعالية النموذج الألماني. حتى ميزونو هيرونوري (١٨٧٥-١٩٤٥) وهو ضابط في الجيش تحول فيما بعد إلى رافض للحرب والعنف، والذي كان قد دافع عن العسكرية الألمانية بعد الحرب مباشرةً في مجلة تشوو كوورون (المراجعة الأساسية).

”بعد استسلام ألمانيا، ظهر في المقدمة الكثير ممن نسبوا إلى أنفسهم التنبؤ بالهزيمة الحتمية لألمانيا. وفي نفس الوقت اجتاحت الأمة موجة من الأصوات المعارضة لسيطرة العسكر علماً بانّ صوت العسكريين في ذلك الوقت
كان خافتاً.....
عند الحديث عن هزيمة ألمانيا، إلا أني على أتم استعداد لتقبل أهمية العسكرية.....
إذا كنا نريد لليابان أن تصبح دولة أكثر قوة في المستقبل، فلا بد أن يكون لدينا من الحكمة ما يكفي للتعلم من نقاط القوة عند ألمانيا.“
(مجلة تشوو كوورون، في عددها الصادر بتاريخ 1 أغسطس/آب عام ١٩١٩).

رفض ديمقراطية تايشو للنزعة العسكرية

لكن كان هناك العديد من المحللين الذين اعتقدوا بأن اليابان لا بد وأن تنأى بنفسها عن ألمانيا التي كانت تعتبرها نموذجاً منذ عصر ميجي (١٨٨٦-١٩١٢)، وأن الدرس المستفاد من الحرب هو ضرورة التخلي عن النزعة العسكرية. ويجدر القول إن يوشينو ساكوزوو (١٨٧٨-١٩٣٣) وهو شخصية محورية في الازدهار الليبرالي المعروف بـ”ديمقراطية تايشو“ قد حذر من أن اليابان كانت على جانب الحلفاء في الحرب، جنباً إلى جنب مع بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا، ومُشيراً إلى أنه إذا لم تشترك مع هذه الديمقراطيات في توقعاتها الأيدولوجية فسوف يتّم عزلها دولياً. كما انتقد الفيلسوف والعالم الديني أنيساكي ماساهارو (١٨٧٣-١٩٤٩) حماس اليابان لتقليد ألمانيا قبل الحرب في مجلة تشوو كوورون في عددها الصادر في الأول من أبريل/نيسان عام ١٩٠٢ ووصف العسكرية الألمانية بالسم أثناء وبعد الحرب كما جاء في كتابه Sekai bunmei no shin kigen (عهد جديد لحضارة العالم).

وكذلك عالم اللغويات هونما هيساو (١٨٨٦-١٩٨١) الذي استنكر في مقاله ” Gunkoku shugi o hihan su“ (انتقاد النزعة العسكرية)، لعلاقة الوثيقة بين العسكرية والوطنية في اليابان في ذلك الوقت. مشيرا إلى عدم ملاءمة استخدام الوطنية بمفهومها الضيق في التعليم بِقَوله:

”لا بد لي من النظر في الوطنية في الكتب المدرسية التي حددتها الحكومة، أو على الأقل في الوطنية على أساس النزعة العسكرية، وللأسف أريد أن أقول أن العسكرية هي ... إقطاعية. وإنني أنا وبكل تأكيد لا يمكنني الإيمان والاعتقاد في الوطنية ۵بمفهومها الحالي، فَهِيَ تعددية إقطاعية تأسست على النزعة القومية الأنانية الضيقة والمغرورة التي ترى أنه ما دام بلد المرء على ما يرام، فلا يهم على الإطلاق ما يحدث في البلدان الأخرى.“
(مجلة تشوو كوورون عدد الأول من يوليو/تموز عام ١٩٢٢).

وأصبحت بعد الحرب العالمية الأولى اليد الطوُلى ليوشينو ساكوزو وآخرين ممن كان يسَانَد ديمقراطية تايشوو وينادي بالانفصال عن الإقطاعية، الوطنية، والعدوانية العسكرية على الطريقة الألمانية وصارت اليابان أمةً مسالمةً خلال فترة العشرينيات إلا أن هذه الديمقراطية والنزعة السلمية واجهتا معارضة من هنا وهناك.

وخلال تلك الفترة عاد المجتمع الياباني لتمجيد العسكرية مرة أخرى، وفي النهاية اختارت الحكومة اليابانية الطريق الذي يؤدي إلى حرب جديدة. وكأنّ ذلك كان يبدوا أنها لم تستوعب الدروس المستفادة من الحرب العالمية بالقدر الكافي مثلها في ذلك مثل ألمانيا والدول الأوروبية الأخرى. وفي رأيي أنه عند التفكير والتَمَعّن فيما يمكننا أن نتعلمه من الحرب العالمية الأولى في العصر الحالي، يجب علينا الأخذ في الاعتبار ليس فقط اندلاع الحرب الذي حظي مؤخراً باهتمام كبير، بل أيضاً بالدروس المستخلصة والمستفادة بشكل عام من تلك الحرب بعد نهايتها.

(النص الأصلي باللغة اليابانية بتاريخ ٢٢ أغسطس/آب عام ٢٠١٤. الترجمة من اللغة الإنكليزية. صورة العنوان: ضباط يابانيون في الاحتفال بالنصر الكبير الذي أقيم بلندن في ١٩ يوليو/تموز عام ١٩١٩. الصورة من TopFoto/Aflo)

(*١) ^ عند سؤال لجنة التحقيق عام ١٩١٩ للجنرال باول فون هيندنبورغ (١٨٤٧-١٩٣٤) رئيس أركان الجيش الألماني خلال النصف الثاني من الحرب عن سبب الهزيمة التي لحقت ببلاده في الحرب العالمية الأولى، صرح بأن السبب كان ”طعنة في الظهر“.

ألمانيا الحرب شرق آسيا الحرب العالمية الأولى