كينجي الياباني وشيماء المصرية شهيدا الحرية

سياسة

شاءت الأقدار أن يستشهد الصحفي الياباني كينجي غوتو والناشطة السياسية المصرية شيماء الصباغ في الأسبوع الأخير من شهر يناير/ كانون الثاني المنصرم. ويلقى الاثنان مصيرهما المحتوم دفاعاً عن الحرية بطريقة وصفتها وزارة الخارجية المصرية -في حالة كينجي- بأنها بشعة ووحشية وبربرية، وتتنافى مع تعاليم الدين الإسلام الحنيف.

أكتب هذا المقال، بعد أن أديت واجب العزاء في السرادق الشعبي الكبير الذي أقيم في أحد ضواحي العاصمة المصرية القاهرة تأبينا للناشطة شيماء، وسط حالة عارمة من الصدمة والحزن والذهول ألمت بكل المعزين الذين توافدوا على سرادق العزاء بمسجد الشاذلية الحامدية.

صدمة الذبح والقنص بطريقة وحشية

الملفت للنظر أن تلك الحالة من الصدمة والحزن على الطريقة الوحشية والبربرية والبشعة التي قتلت بها شيماء برصاصات مجهولة، وهي في طريقها لتضع وردة على نصب الشهداء في ميدان التحرير بقلب القاهرة احتفالاً بحلول الذكرى الرابعة للثورة المصرية في ٢٥ يناير/ كانون الثاني، استدعت إلى الذاكرة -على الفور- ما وقع تجاه الصحفي كينجي والذي جرى نحر رقبته بطريقة إجرامية ووحشية وغير آدمية. وكل ذنبه أنه كان يسعى -بشجاعة يحسد عليها- لنقل مأساة الشعب السوري للعالم الخارجي على حد وصف الرئيس الأمريكي باراك أوباما وهو يرثيه.

لماذا ذهب كينجي إلى الموت بإرادته؟!

وبالتالي يتساءل البعض بمرارة:
ما الذي جعل شيماء تذهب برجليها في مسيرة، حتى ولو سلمية، إلى ميدان التحرير بقلب القاهرة وسط أجواء مشبعة بالعنف والتهديدات الإرهابية؟!

السؤال نفسه ردده البعض تجاه الصحفي الياباني الراحل:
ما الذي دفع كينجي إلى الذهاب برجليه إلى الجحيم في سوريا؟!

من المؤكد أن من يردد هذا السؤال إلى شيماء وإلى كينجي لا يدرى ولا يستوعب طبيعة العمل الصحفي المسمى في كل الأدبيات بمهنة البحث عن المتاعب. وقد سجل كينجي غوتو -بنفسه- رسالة منذ عدة أشهر، قبل توجهه إلى محافظة الرقة المعقل الرئيسي لتنظيم داعش الإرهابي فى سوريا، وقبل أن يعتقله التنظيم ويقوم بإعدامه، وجاء في الرسالة ”أعتزم التوجه إلى الرقة وفي حال حصل لي أي مكروه فإن كامل المسئولية أتحملها بنفسي، وأدعو إلى عدم توجيه اللوم إلى الشعب السوري، أو اتخاذ موقف سلبي منه، لأن الشعب السوري عانى على مدار ثلاثة أعوام ونصف العام، وذلك يكفيه“.

وجدير بالذكر أن كينجي غوتو من مواليد عام ١٩٦٧ وهو صحفي ياباني مستقل، أسس في عام ١٩٩٦ في طوكيو شركة إنتاج تزود قنوات التلفزيون اليابانية بتحقيقات عن الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط.

اللهم خلصنا منهم .. يا رب

قبل أن أذهب إلى سرادق العزاء لتأبين شيماء، كنت قد قرأت بعض الكلمات الرثائية الحزينة عن كينجي غوتو على موقع التواصل الإجتماعي ”فيس بوك“، كتبتها مواطنة مصرية مسلمة تعيش في اليابان تقول فيها ”ذبحوا الرهينة الياباني الثاني ويهددون رئيس وزرائها بأن الكابوس الياباني قد بدأ وأنهم سيقتلون قومه حيثما وجدوهم. اللهم خلصنا منهم يا رب .. اللهم طهر الأمة من سفهائها“.

في الوقت نفسه وتعبيرا عن صدمتها فور سماع خبر ذبح ابنها قالت السيدة جونكو إشيدا ”هذا مؤسف.. لكن كينجي رحل .. لا يمكنني أن أجد الكلمات حيال هذا الموت المؤلم .. اعتقدت أنه ربما سيعود ولكن وصل هذا الخبر.. كنت أتمنى أن يعود حياً لكن هذا لا يمكن أن يحدث أبدأ“.

أعمال إجرامية لا تمت للإسلام بصلة

في أحدث تقرير له حول عقيدة الذبح عند تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي داعش، أصدر مرصد التكفير، التابع لدار الإفتاء المصرية تقريره الحادى عشر، بعنوان: ”الذبح.. الفريضة الغائبة عند التنظيمات الإرهابية“.

وذكر التقرير أن الكارثة الكبرى تكمن في محاولات هذا التنظيم الإرهابي إيجاد مبررات من الدين الإسلامي الشريف لشرعنة الأعمال الإجرامية البشعة التي يرتكبها في حق رهائنه العرب والأجانب والمسلمين.

وأكد التقرير أن المرجعيات الفكرية للذبح التي يستند إليها تنظيم داعش ترجع إلى فكر الخوارج، الذين كانوا أول من فعل هذه الفعلة الشنيعة في الإسلام، حين أوقفوا الصحابى عبد الله بن خباب بن الإرث وسألوه عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، رضوان الله عليهم أجمعين، فأثنى عليهم خيراً، فذبحوه فسال دمه في الماء وبقروا بطن إمرأته وهي حامل.

وتطرق التقرير إلى تاريخ قطع الرؤوس عند العرب والأمم الأخرى، مؤكداً أن قطع الرؤوس ممارسة قديمة عرفتها البشرية بمختلف أجناسها وثقافاتها، وأن هذه العملية اللاإنسانية كانت معروفة لدى بعض العرب في الجاهلية، وبعد أن جاء الإسلام لم يثبت عن النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، أنه حمل إليه رأس كافر بعد قطعه، ولا أنه أمر بجز الرؤوس، بل أن النصوص الشرعية لم تؤسس لمثل تلك العقيدة التي ينتهجها تنظيم داعش الإرهابي في القتل والذبح والتمثيل.

هذه الفتوى الشرعية الإسلامية عن تجريم وتحريم نحر الرقاب كما جرى للصحفي الياباني كينجي غوتو وزميله هارونا يوكاوا، تتطابق مع إجماع العرب والمسلمين في كل ارجاء المعمورة وإدانتهم لمثل هذه الأفعال البربرية والوحشية البشعة.

إدانة عربية وإسلامية مؤكدة

وقد لخص الموقف السياسي العربي والإسلامي عموماً بكل دقة وصدق مجلس السفراء العرب في اليابان في بيانه الذي أصدره عقب نحر رقبة الرهينة الياباني الأول هارونا يوكاوا بقوله:

”يعرب مجلس السفراء العرب لدى اليابان عن إدانته واستهجانه الكامل لما تردد حول جريمة القتل الوحشية التي ارتكبها ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية في بلاد الرافدين بقتل أحد الرهينتين اليابانيين المحتجزين لديه.
ويستغرب المجلس أن مثل هذا الفعل البربري يرتكب تنطعاً باسم الدين الإسلامي ومبادئه السامية التي تحرم قتل النفس والفساد في الأرض وتنادي بحماية الأسير والمستجير والمستأمن. فضلاً عن أن هذا الفعل المشين يتنافى مع أبسط القواعد الإنسانية والأخلاقية.
كما يستغرب المجلس أن هذا الجرم الفظ قد ارتكب ضد أحد أفراد الشعب الياباني الصديق الذي طالما تبادل المواقف الإنسانية النبيلة والكريمة مع العديد من الشعوب العربية والإسلامية“.

كما أصدر المجلس بياناً آخر بعد قتل الرهينة الثاني ”كينجي غوتو“ جاء فيه:
”يعرب مجلس السفراء العرب المعتمدين لدى اليابان عن إدانته بأشد العبارات الممكنة جريمة القتل الخسيسة والمشينة المرتكبة ضد الصحفي الياباني ”كينجي غوتو“ من قبل ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية المزعومة. وتقدم المجلس بصادق تعازيه وتضامنه مع عائلة غوتو وأحبائه ومعارفه وأعرب عن تضامن أعضائه الصادق مع اليابان في هذا الظرف المأساوي. وثمن المجلس بكثير من التقدير رد الفعل الياباني الذي وصفه ”بالرصين والمتزن“ تجاه هذه المسألة. كما شارك المجلس دول منطقة الشرق الأوسط في تقديرها وتثمينها للدعم الذي قدمته اليابان خلال العقود الأخيرة لقضايا ومشروعات التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة من خلال دعمها الإنساني السخي. كما يوجد المجلس أ يجدد التأكيد على تصميم جميع الدول الأعضاء بالجامعة العربية على العمل جنبا إلى جنب مع اليابان لتعزيز قيم التسامح والسلام والتعايش التي تدعو لها مبادئ الإسلام السمحاء“ .

سجل إجرامي أسود للتنظيم الإرهابي

بقي أن أشير إلى أن واقعة ذبح الرهينتين اليابانيين فيما يبدو لن تكون الحادثة الأخيرة في السجل الإجرامي الأسود للتنظيم الإرهابي. وتوضح قائمة إغتيالاته البشعة للرهائن إنه قام منذ منتصف شهر أغسطس/ آب الماضي بإعدام خمسة رهائن غربيين هم: الصحفيان الأمريكيان جيمس فولي وستيفن سوتلوف وعامل الإغاثة الأمريكي بيتر كاسيغ، وعاملا الإغاثة البريطانيان ديفيد هينز وآلن هينينغ، وجميع هؤلاء جرى خطفهم في سوريا.

(صورة العنوان: الأردنيون يشعلون الشموع خلال تجمع للتعبير عن مشاعر التضامن مع اليابان ضد داعش التي قتلت الرهينتين اليابانيين أمام السفارة اليابانية بعمان بتاريخ ٢ فبراير/ شباط ٢٠١٥. الصورة من أفلو/ رويترز.)

الشرق الأوسط داعش رئيس الوزراء الياباني شينزو آبى كينجي غوتو هارونا يوكاوا فدية رهينتان يابانيان