«الكوسبلاي»... ثقافة فريدة في اليابان

مجتمع ثقافة

ثقافة الكوسبلاي (Cosplay) في اليابان هي ظاهرة اجتماعية وفنية تتمثل في ارتداء الأفراد لأزياء وتنكر كشخصيات من الكرتون اليابانية (الأنمي)، والمانغا (القصص المصورة)، والألعاب الفيديو، والأفلام والمسلسلات التلفزيونية. تعتبر الثقافة هذه جزءًا مهمًا من المشهد الترفيهي والثقافي في اليابان، وقد تجاوزت حدود اليابان لتصبح ظاهرة عالمية.

الكلمة ”كوسبلاي“ هي اختصار للجملة الإنجليزية ”Costume Play“، وتعبر عن مزيج من اللباس (الزي) واللعب دور (التنكر). يتفاعل المشاركون في ثقافة الكوسبلاي مع شخصياتهم المفضلة بشكل مباشر، حيث يقومون بتقليد مظهرها الخارجي، وأحيانا حتى تقليد تصرفاتها وملامح وجهها.

تشهد الفعاليات والمؤتمرات الخاصة بالكوسبلاي، مثل ”كوميك كون“ (Comic Con)، إقبالاً كبيرًا من قبل عشاق هذه الثقافة. يمكن أن يكون للكوسبلاي تأثير إيجابي على المجتمع، حيث يسهم في تشجيع التعبير الإبداعي وبناء مجتمع من الأشخاص المهتمين بثقافة الأنمي والألعاب.

قد تختلف تفاصيل وأساليب الكوسبلاي من شخص لآخر، ويمكن أن يشمل الهواة في هذا المجال إنتاج الأزياء بأنفسهم أو شراؤها جاهزة، ويكمن التحدي في إعادة إنتاج مظهر شخصياتهم المفضلة بأقصى تفاصيله.

الهالووين يحتل شيبويا

في السنوات الأخيرة أحدث الـ”كوسبلاي“ (وهو اسم مختصر عن الإنكليزية costume play بمعنى التنكُّر) ضجة كبيرة في احتفالات الهالووين. ففي ليلة الهالووين 31 من أكتوبر/تشرين الأول العام الماضي، ملأ الشباب المتنكرون التقاطُع الشهير في شيبويا shibuya scramble crossing وتناولت الكثير من وسائل الإعلام هذا الحدث وقامت بتغطيته بشكل موسع. والكوسبلاي خرج من عباءة ثقافة الأوتاكو لينتشر بشكل سريع ويصبح نوعاً من أنواع الترفيه الذي يستمتع به الجميع الآن حول العالم. وبما أني كوسبلاي مخضرم أريد أن أفكر مجدداً في ماهية ثقافة الكوسبلاي في اليابان.

أكتوبر/تشرين الأول عام ٢٠١٤ مساء ليلة الهالووين، في تقاطع سوكورانبورو في شيبويا بطوكيو، وقد اكتظت بالشباب المتنكر. وقد استعانت دائرة شرطة العاصمة بقوات مكافحة الشغب للحفاظ على الأمن والنظام. (الصورة مقدمة من جيجي برس)

أعمل منذ عام 2004 كمدير لـ”Cure“، أكبر موقع تواصل خاص بالكوسبلاي داخل اليابان. وقد أُنشئ ”Cure“ في عام 2001 في عصر لم تكن به شبكات التواصل الاجتماعي بعد. وقد جاء الموقع لكي يُلبي نداء الكوسبلاي الذين أرادوا موقعاً يستطيعون من خلاله نشر ومشاركة الصور التي يلتقطونها بأنفسهم على الإنترنت، وتطور ليكون موقعاً خاصاً يجمع الكوسبلاي. في الوقت الحالي يوجد حوالي 102 مليون عضو، 90٪ منهم من البنات.

صورة لتنكر الكاتب في شخصية ”أسوما ساروتوبي“ من أنيمي ”ناروتو“ (مقدمة من الكاتب إينوي تاتسومي)

بالنسبة لي، فقد بدأت في التنكر منذ 25 عاماً تقريباً وكان من خلال معارض تسويق أعمال النشر الذاتي ”دوجينشي“ للمانغا والأنيمي. كانت الشخصيات الأكثر شعبية حينها هي كابتن ماجد وساينت سيا. وكانت أيضا الكثير من أعمال المانغا التي تنشر ذاتيا أي الـ”دوجينشي“ من الباروديا أو المحاكاة الساخرة لمثل هذه المانغا ذات الشعبية. ومن أجل أن تُباع أعمالنا التي تعتمد على النشر الذاتي، تواصلنا مع القراء من خلال التنكر بكوسبلاي الشخصيات المشهورة.

إن مشاركة نفس الاهتمامات في جماعة ومع الأصدقاء هو سر جاذبية الكوسبلاي. فلا يوجد شئ تتذكره إذا قمتَ بالتنكر ولعب الكوسبلاي بمفردك، ومن هنا ولدت علاقة الأخذ والعطاء أي المشاركة من خلال التقاط الصور لكوسبلاي بعضهم البعض. ومع انتشار شبكات التواصل الاجتماعي لم يعد الأمر يقتصر فقط على العاصمة وإنما اتسع بشكل عريض ومطرد ليشمل الضواحي والأقاليم. فيتعارف الكوسبلاي لأول مرة على شبكات التواصل الاجتماعي، وعند زيارتهم للعاصمة لحضور معرض ”كوميك ماركيت (كوميكي)“ وغيره ورغم أنها تكون المقابلة الأولى لهم غير أنهم يستطعون الإندماج والاستمتاع بالحدث مع بعضهم بكل ألفة وود.

لقد كانت أول ضجة للكوسبلاي في اليابان في أواخر الثمانينات وبدايات التسعينيات، ولكن في أواخر التسعينات أحدث الأنيمي ”شين سيّكي إيفانجليون“ (المعروف بـ ”نيون جينسس إيفانجليون“ أو ”إيفا“) ضجة عالمية، وتزايد بشكل مفاجئ عدد الأشخاص الذين تنكروا في كوسبلاي ”إيفا“ داخل اليابان وخارجها. بعد ذلك جاء ”ناروتو“ و”ون بيس“ و”بليتش“ وغيرهم من الأنيمي التي تدور أحداثهم حول النينجا أو القراصنة أو الساموراي، حيث حققت تلك المواضيع الثلاثة نجاحاً كبيراً ليزداد عشاق الأنيمي والمانغا الياباني خارج اليابان، وبالتالي يزداد الشغف بالكوسبلاي.

بالمناسبة فقد أنشأ موقع ”Cure“ موقعا أخا له هو ”WorldCosplay“ في عام 2012 والذي يتواصل بـ 12 لغة. الغالبية العظمى من الأعضاء وعددهم حوالي 230 ألف عضو، هم من ممارسي الكوسبلاي غير اليابانيين.

أفكار وآمال مختلفة وراء ”كوسبلاي للبالغيين“

بالنسبة للكوسبلاي المثالي فإن الأساس هو الرغبة في التقمص والتحول التام إلى الشخصية المحبوبة له. فحوالي 80٪ من الكوسبلاي البنات لهن تجارب في التنكر بشخصيات الرجال. كذلك للكوسبلاي تأثير إيجابي في تغيير المشاعر وإنعاش النفس. فهناك بعض الأشخاص الذين لا يجيدون مواجهة الناس والتحدث معهم، ولكنهم يستطيعون القيام ذلك بأريحية تامة عندما يتنتكروا في هيئة شخصية مختلفة عن شخصيتهم الحقيقية.

إن الكوسبلاي من الأعضاء في Cure والأشخاص الذين يمارسون الكوسبلاي لأول مرة في الهالووين يختلفون في القيم والمنظور. فالأول يريد تقمص شخصية المانغا أو الأنيمي تماماً، على عكس الأخير الذي يريد إضافة قيمة جديدة ”كاواي“ لنفسه بتلقي المدح على مظهرة الغير تقليدي والاستمتاع بجو الاحتفال. وأصبح اندماج واستمتاع كلاهما مع بعض هو طفرة الهالووين الحالية.

ومما لا شك فيه أن هذه الطفرة تتعلق بطموحات الشركات ووكالات الإعلانات. فبين رأس السنة في يناير/كانون الثاني، عيد الحب في فبراير/شباط، الهانامي (الاحتفال بالربيع ومشاهدة تفتح زهور الكرز) في مارس/آذار وأبريل/نيسان، الأسبوع الذهبي في مايو/أيار، العطلة الصيفية في يوليو/تموز وأغسطس/آب، هكذا في كل فصل هناك موسم للتسوق والتنافس التجاري ولكن من الخريف وحتى الكريسماس ليس هناك موسم كبير للتسوق. فربما هذا وراء اتجاه الأنظار إلى الهالووين. ويقال إن موكب الهالووين في ديزني لاند هو رائد الهالووين في اليابان. حيث كان يستهدف جذب الأباء مع أبنائهم، ولكن مع مرور الوقت أصبح هناك مكان للبالغين للاستمتاع بالكوسبلاي كذلك.

وللكوسبلاي دور كبير وفعال أيضاً في إحياء وإنعاش المدن. ففي موكب هالووين مدينة كاواساكي حيث أقيمت الدورة الـ١٨العام الماضي، يشارك الكثير من ”كوسبلاي في المناسبات فقط“. لا سيما أنه بالنسبة لهؤلاء الذين يسعون لأن يشاهد تنكرهم أكبر عدد ممكن من الناس حضور الموكب هو أسرع وأسهل الطرق. ولأنه من السهل حشد الأشخاص سواء كانوا من جانب المتفرجين أوجانب المشتركين، فيكون موكب الهالووين فرصة ذهبية بالنسبة للمدينة لحشد الزبائن بكفاءة.

ويبدأ موسم الهالووين من أواخر شهر سبتمبر/أيلول، لتسعى الشركات على مستوى البلاد وراء هذه الفرصة التجارية. ويبدو أنه سيرسخ كحدث طويل الأمد مثله مثل الكريسماس وعيد الحب.

”الكوسبلاي الحركي“...نقدمه الآن في معرض طوكيو للألعاب

لكن باستثناء الهالووين كمثال خاص، فإن مناسبات الكوسبلاي داخل البلاد تصل من 10 إلى 20 حدث في الشهر. بجانب ”الكوميكي“ الذي يقام في الصيف والشتاء في أودايبا بطوكيو، يقام ”كوسبلاي هاكو“ في نفس التوقيت وهو على أكبر مستوى داخل اليابان. كذلك ”كوسبلاي فيستيفال“ الذي يقام منذ ١٩٩٧ في طوكيو دومو سيتي TDC يقال إنه ”الأرض المقدسة“ لممارسي الكوسبلاي.

من ناحية أخرى، الحفلات الحية أو مسابقات الكوسبلاي نادراً ما تقام في اليابان. فالعالم الحقيقي للكوسبلاي في اليابان يشبه المجتمع الريفي المغلق، التقييم أو التنصيف فيه يعتبر من المحرمات. على عكس أمريكا، الصين، سنغافورة، ماليزيا وغيرها من الدول حيث يوجد هناك العديد من المناسبات التي يقام بها الأداء على المسرح وتقييم وتصنيف الأفضل.

بالنسبة لنا في Cure نريد أن ننشر ثقافة أداء وعروض الكوسبلاي على المسرح في اليابان أيضاً، فنقوم بتشجيع ”الكوسبلاي الحركي“. فقمنا خلال السنوات الأخيرة بالإشراف على ليلة مجموعة الكوسبلاي ”Cosplay Collection Night“ في معرض طوكيو للألعاب. وهو حدث ترفيهي للكوسبلاي يقوم فيه أكثر من 200 من ممارسي الكوسبلاي بالتناوب في الصعود على المسرح، وهناك أيضاً عرض للأزياء، وعروض أداء بها إثارة وحركة.

على الشمال: تظهر الفتيات في كوسبلاي لشخصيات لعبة ”أيدول ماستر“ في ”مجموعة كوسبلاي نيكونيكو“، على اليمين: كوسبلاير لعبة ”مونستر هانتر ٤“ في معرض طوكيو للألعاب. (الصور مقدمة من Cure)

هناك الحدث الرئيسي لربيع العام الحالي، سيقام ”كوميكيت إسبيشيال السادس - مؤتمر الأوتاكو ٢٠١٥“ يوم 28-29 من مارس/آذار، ونقدم فيه عرض) Cure Cosplay Collection يوم 28). كما سيقام حفل اختيار الفريق المنتخب الياباني للقمة العالمية للكوسبلاي يوم 29 من مارس/آذار حيث سيقوم ممارسو الكوسبلاي الطامحين بتمثيل اليابان بالأداء على المسرح والتنافس علي تقنيات صنع أزياء الكوسبلاي.

تأصيل الكوسبلاي

لقد أصبح الكوسبلاي معروفاً في جميع أنحاء العالم، وازداد عدد التجار الصينيين الذين يتاجرون في أزياء الكوسبلاي الرخيصة، كذلك المشترون على مزادات ياهو وغيره من المواقع في ازدياد سريع. حيث أن الأسعار تكون في متناول مصروف الجيب لطلاب المدارس. في الماضي كان الكثير من الأشخاص الذين يبدأون الكوسبلاي من سن الـ16 تقريباً، يتوقفون في سن الـ20. ولكن في الآونة الأخيرة اتسعت الفئة العمرية لتشمل طلاب الإعدادي وحتي سن 30 سنة تقريباً.

أليس من المتوقع أن متعة الكوسبلاي ستزيد بين الأباء والأبناء في المستقبل؟ فستصبح المراهقة التي استمتعت بالكوسبلاي أماً وتجعل أبنائها يمارسون الكوسبلاي للاستمتاع معاً. ويقوم الأب بكل سرور بالتقاط الصور ليكوّن التشكيل الجديد. وهكذا يأخذ الكوسبلاي في التأصيل وصولاً لكبار السن وسيكون أمراً مثيراً في المستقبل إذا ما استمتع الجدود مع أحفادهم بالكوسبلاي!

أعتقد أنه سيكون رائعاً إذا أمكن الاستمتاع بالكوسبلاي في كل الفصول واتسعت الفئة العمرية أيضاً. فإذا كان الخريف هو الهالووين، ففي الربيع يكون الهانامي بالكوسبلاي والصيف مهرجاناً للكوسبلاي، فليس هناك أفضل من أن نستمتع بالكوسبلاي بأقصى ما نستطيع!

(النص الأصلي باليابانية في تاريخ 6 فبراير/شباط. صورة العنوان: تنكر الكاتب في شخصية ”سيلفر رايلي ملك الظلام“ من أنيمي ”ون بيس“. مقدمة من الكاتب إينوي تاتسومي)

ناروتو كوسبلاي