بيان آبي: تصريح متوازن لإرضاء جميع الأطراف

سياسة مجتمع

إن البيان الذي ألقاه رئيس الوزراء شينزو آبي في الذكرى السبعين لانتهاء الحرب العالمية الثانية بآسيا كان أطول بكثير من البيانَيْن الذَيْن ألقاهما كل من رئيسي الوزراء الأسبقين موراياما توميئيتشي في ١٩٩٥ وكويزومي جونئيتشيرو بعد ذلك بـ ١٠ سنوات. وبرغم من رغبة آبي الواضحة للتركيز على المستقبل، فقد جاء البيان التي ألقاها في تلك المناسبة ممتزج بكثير من الماضي. تعكس هاتان الحقيقتان كم التحدي الذي تمثله ما يسمى ”قضية التاريخ“ على رئيس الوزراء آبي نفسه وبالتالي صعوبة الأمر على اليابان.

محاولة لإرضاء الجانبين

إن ما يمثل تحديا بالنسبة لرئيس الوزراء آبي هو رغبته في التوفيق بين منظورين متناقضين. فمن ناحية نجد نظرته الخاصة غير مشوبة بالندم، التي عبر عنها في الماضي وتشاركه فيها قاعدته السياسية في نيبون كايغي، التي تعد منظمة سياسية محافظة وقومية. ومن الناحية الأخرى الموقف الاعتذاري الصريح المتعلق ببيانيْن الذكرى الخمسين والستين، وهو الموقف الذي تتوقع الدول الأجنبية الأخرى أن يتم التأكيد عليه. إن محاولة إرضاء الطرفين تتطلب مجهوداً. كما أنها تشكل الطريق الملتوية للكلمات الأربع الرئيسية الواردة في البيانيْن الماضيين، العدوان، الحكم الاستعماري، الندم العميق والاعتذار - كلمات تكررت حقاً ولكن بشكل غير مباشر ولم ترد على لسان رئيس الوزراء نفسه.

كان هناك سبب وجيه للشك في أن البيان قد يذهب إلى هذا الحد. وهو أن رئيس الوزراء شديد الإعجاب بجده كيشي نوبوسوكي، عضو مجلس الوزراء في زمن الحرب ورئيس الوزراء بعد الحرب في الفترة (٦٠-١٩٥٧) الذي نفى وبشكل صريح أن تكون اليابان قد شاركت في حرب العدوان. وقد عبر آبي نفسه في مقال نشر في عدد فبراير ٢٠٠٩ من مجلة سيرون عن رغبته في التحرر من بيان موراياما. كما رفض في عام ٢٠١٣ توصيف ما قامت به اليابان في زمن الحرب بالعدوان. وفي عام ٢٠١٤ بادر إلى إعادة النظر بشكل رسمي في بيان عام ١٩٩٣ الصادر عن الأمين العام لمجلس الوزراء كونو يوهاي، الذي اعتذر عن نظام ”نساء المتعة“.

وبالرغم من هذة الخلفية، فقد اعترف آبي في بيان ١٤ من أغسطس بأن اليابان قد تسببت في أضرار ومآس للأبرياء من البشر في الصين، جنوب شرق آسيا، جزر المحيط الهادي وأماكن أخرى. ويعد هذا اعترافاً ضمنياً بأن اليابان قد مارست أعمالاً عدائية (شنرياكو) وحكماً استعمارياً من خلال وعدها بأنها ”لن تنخرط“ في مثل هذه الأفعال مرة أخرى. كما أكدت كلمته على ”الندم العميق والاعتذار الصادق“ عمّا تسبب فيه أسلافه وأيضاً على ”توبة“ اليابان ككل. سوف تكون تلك العبارات موضع ترحيب من الكثيرين حول العالم.

قلق بشأن ما لم يذكر

إن الاعتراف غير المباشر بالعدوان والاستعانة بمصادر خارجية للاعتذار لهو أمر محبط، لكن وعلى الأقل فقد تم ذكر الكلمات الأساسية. أما ما يثير قلقاً حقيقياً فهو ما تم إغفال ذكره في البيان.

هناك قضيتان ترتكزان في قلب كل من تاريخ اليابان خلال القرن الماضي وجهودها المستمرة في المصالحة: المسئولية عن الحرب والمسئولية عن الحكم الاستعماري. يقدم بيان الحكومة وجهة نظر معقولة حول مسئولية اليابان عن الحرب، وهو يتشابه في ذلك مع التقرير الصادر عن الهيئة الاستشارية المتخصصة في تاريخ القرن العشرين. تماشياً مع الرؤية المشتركة لكل من الصين واليابان عندما قاما بتطبيع العلاقات فيما بينهما خلال السبعينيات، يلقي بيان الهيئة الاستشارية باللوم على أصحاب النزعة العسكرية اليابانية الذين كانوا السبب في سقوط الضحايا من الجانبين الصيني والياباني، ويتفق البيان ضمنيا مع ذلك.

لكن البيان يتشابه مع التقرير في التناول الضعيف لموضوع المسئولية الاستعمارية، الذي يمثل تحدياً صعباً لم تستطع أوروبا أيضاً التعامل معه كما ينبغي. فالتقرير وبكل دقة يعيد الفضل في انتصار اليابان في الحرب الروسية اليابانية خلال الفترة ٥-١٩٠٤ إلى عنصر ”مشجع“ للكثير من الأفراد الذين عانوا في ظل الحكم الاستعماري. ولكن المثير للعجب أنه يغفل الحقيقة الأكثر أهمية ألا وهي أن هذه الحرب مثلت بداية الاحتلال العسكري الياباني وما تلاه من حكم استعماري لكوريا، كما يغفل أيضاً الإشارة إلى معاناة الكوريين الذين تم حشدهم لخدمة القضية الإمبريالية إما كجنود أو كعمال. ثم يذكر وبشكل غير مباشر معاناة ما يسمى بـنساء المتعة بينما يغفل أي اعتراف بأن العسكرية اليابانية هي من أنشا هذا النظام القهري. من خلال الثناء على الصفح المقدم إلى اليابان من قبل بلدان الغرب وحتى من الصين، وتلقي باللوم ضمنياً لكن بشكل مؤكد على الكوريين لإخفاقهم في قبول مساعي اليابان للمصالحة. هذا الإغفال للمسئولية المتعلقة بالاستعمار له جذور عميقة في اليابان تمتد وصولاً إلى بدايات القرن العشرين، عندما انتقد زعماء اليابان الإمبريالية الغربية دون الاعتراف بأي مشكلة في وضع اليابان كقوة مع مستعمراتها الخاصة. مع الأسف جاء بيان آبي كأصداء لتلك الآراء.

وبالنظر إلى المستقبل، فسنجد أن أروع فقرات هذا البيان هي ما اشتملت على التعهد بعدم فرض مزيد من الاعتذار اللانهائي على ”أطفالنا أو أحفادنا أو حتى الأجيال التي ستأتي بعدهم - الذين ليس لديهم ذنب في تلك الحرب“ ويتعهد بقوة قائلاً ”يتوجب علينا كيابانيين - عبر الأجيال - أن نواجه الماضي بإنصاف وبكل تواضع - وتمريره للأجيال“. وفي المطلق، فإن هذا موقف معقول بل ومثير للإعجاب أيضاً. ولكني أخشى أن الجيل الحالي من القادة اليابانيين لا يميل إلى أن ينقل للأجيال القادمة الوعي المتواضع للتاريخ اللازم من أجل إزالة عبء الاعتذار في المستقبل. سوف يستلزم الأمر الحكمة والشجاعة من جانب المربين اليابانيين، العلماء، والمواطنين العاديين، وكذلك الناس في جميع أنحاء العالم لإضفاء معنى على هذه التعهدات.

(النص الأصلي بالإنكليزية في ١٧ أغسطس/ آب ٢٠١٥. صورة العنوان: مواطنون كوريون يشاهدون خطاب رئيس الوزراء آبي في محطة سيوؤل. يونهاب/أفلو.)

اليابان قوات الدفاع الذاتي شينزو آبي العدوان السلام نساء المتعة رئيس الوزراء الحكم الاستعماري الندم العميق الاعتذار الذكرى السبعين لانتهاء الحرب العالمية الثانية