رحلة البحث عن عمل في اليابان: الفرص والتحديات

مجتمع التعليم الياباني اللغة اليابانية

تعج أحياء طوكيو مؤخرا بالسياح الأجانب حيث لا يمر يوم إلا وتصطدم بأحدهم هنا وهناك. ترى كيف يرى الأجانب الطلبة حديثي التخرج من الجنسين الذين يرتدون زيا أقرب إلى الموحد في بدل سوداء داكنة تختفي ورائها الصفات الشخصية أقل فردية من الصورة التقليدية للموظفون في اليابان؟ هؤلاء الشباب في الواقع يقومون بعملية البحث عن وظيفة، والتي تتسم بوحدة الزمان مثل المواسم السنوية، لتزدحم بهم الطرقات والشوارع والمواصلات العامة مما يثير علامات استفهام وتعجب السياح الأجانب.

عند البحث عن وظيفة في اليابان يقوم الطلبة في أغلب الحالات بما يطلق عليه باليابانية

”شوشوكو كاتسودو 就職活動“ أو اختصارا ”شوكاتسو 就活(*١)، حيث يبدأ الطلبة بالتفكير في وظيفة المستقبل في الصف الثالث من الدراسة الجامعية، ويقوموا بالاشتراك في العديد من الندوات سواء كان لها علاقة بالتخصص الذي يدرسونه أو تختلف اختلافا جزئيا أو كليا عما يدرسوه، ثم يقدموا طلبات التوظيف للشركات المختلفة التي يودون العمل بها في الصف الرابع، وبعد عملية الفرز والاختيار من قبل الشركات يفوز المتقدم بموافقة رسمية من الشركة 内定(*٢)، وكذلك في معظم الحالات يقوم الطالب بالتخرج والحصول على الوظيفة في نفس الوقت. وبخصوص الجدول الزمني الخاص بالتوظيف يقوم كل من القطاعين العام والخاص بتلك العملية جنبا إلى جنب دون تمييز وهو أمر معتاد عليه في اليابان منذ وقت طويل وربما تختص به اليابان عن غيرها من الدول.

يوجد بالجامعات اليابانية قسم للتوظيف ومركز للتطوير الوظيفي بمساعدة الطلاب الباحثين على وظيفة، يقوم بتقديم العديد من الخدمات مثل توفير المعلومات الخاصة بفرص التوظيف التي يتم الحصول عليها من الشركات المختلفة، كما يعمل على توفير الدعم المعنوي والتوجيه لندوات العمل، والمقابلات الفردية وغير ذلك بسعة صدر وترحاب. بمعنى أن الجامعة تقوم بالإضافة إلى التعليم والأبحاث، أصبحت تلعب دورا بالغ الأهمية في تربية وتعليم وإرشاد ”الشباب الصغار“ الذين يفتقدون للحس المجتمعي حتى يصبحوا ”بالغين“ في فترة زمنية قصيرة. ويقود مستشارون متخصصون عملية تقديم الدعم اللازم والضروري للطلبة بخصوص البحث عن وظيفة، حيث أن أعضاء هيئة التدريس في الجامعة بما في ذلك أنا شخصيا وعلى الرغم من شغلي منصب مدير التوظيف في الجامعة، من المستحيل أن نقوم بتقديم الدعم اللازم للطلبة في غياب الخبرة في عالم الأعمال التجارية والشركات. وفي ظل ظروف الوقت الحاضر من انخفاض في عدد المواليد أصبح أمر ضمان وتأمين الطلبة في الجامعات على المحك. وتقوم وسائل الإعلام المختلفة بتغطية وضعية التوظيف للطلبة في الجامعات اليابانية المختلفة حيث تصبح نقطة تسويق هامة للجامعات، مما يخلق جوا من التنافسية ويجعلها تقوم بتقديم الدعم اللازم للطلبة بكل قوة وترحاب شديدين من أجل حصول على وظيفة ـ (بالطبع، الدعم المبالغ فيه والإفراط في تشجيع الطلبة يعود برد فعل عكسي ويفقد الطالب استقلاليته).

وأثناء عملية البحث عن وظيفة، تصيبني الدهشة كل عام لتحول الطلبة الذين كانوا مستهترين ويتعاملون مع الأمور بمنطق المفعول به فجأة ليتحدثوا بلغة مهذبة وجادة، كما يبدأون في إظهار قدراتهم على القيادة. وربما يفقد الطلبة شيئا ما أثناء عملية تحولهم وتغيير جلودهم الشابة من مفعول بهم ليصبحوا أفرادا فاعلين في المجتمع، لكن على كل حال يولد ”رجل أعمال ياباني مبتديء“.

حالة من الغموض حول عملية البحث عن وظيفة

أصابت حالة عارمة من الفوضى عملية ”البحث عن وظيفة عام ٢٠١٦“ والتي انكشفت للعيان في صيف العام الماضي ٢٠١٥. حيث تم تأخير مواعيد التوظيف وفقا لـ”المباديء التوجيهية للتوظيف“ التي تقدم بها اتحاد الأعمال الياباني. تقليديا، تبدأ عملية الإعلان عن الوظائف المتوفرة لدى الشركات (الاجتماعات التوضيحية وتقديم الطلبات وما إلى ذلك) في الأول من شهر ديسمبر/ كانون الأول بالنسبة لطلبة الصف الثالث الجامعي. ومع بداية الفصل الدراسي الجديد في شهر أبريل/ نيسان تبدأ عملية فرز المرشحين للوظائف بشكل عملي (المقابلة الشخصية) والتي تم رفع الحظر عنها. لذلك تتداخل عملية البحث عن وظيفة خلال فترة دراسة الطلاب في الصف الرابع مما يتسبب في خلل في العملية التعليمية. لذلك فقد قامت الحكومة بالتدخل استجابة لنصيحة الجامعات واقترحت قيام الشركات والمؤسسات المختلفة بالبدء في الإعلان عن الوظائف المتوفرة في الأول من مارس/ آذار، وتأخير المقابلات الشخصية لتبدأ خلال الإجازة الصيفية في الأول من شهر أغسطس/ آب، وبناء على ذلك قامت الشركات والمؤسسات من الأعضاء باتحاد الشركات اليابانية والتي تأتي في المقدمة بتعديل الجدول الزمني الخاص بترتيبات عملية البحث عن وظيفة.

ومع ذلك سرعان ما وقع هذا النظام في حالة من الفوضى. فبطبيعة الحال تريد الشركات والمؤسسات المختلفة من جانبها ضمان الفوز بالطلبة المتفوقين مبكرا، لكن في نفس الوقت يجب عليها والامتثال الإجباري للمبادئ التوجيهية التي تم إقرارها. من ناحية أخرى، فقد قامت الشركات الأجنبية التي لا تقع تحت مظلة اتحاد الأعمال الياباني والغير ملزمة بالمباديء التوجيهية في نفس الوقت بتوظيف الطلبة الموهوبين والأكفاء مبكرا. كما قامت الشركات الصغيرة والمتوسطة الغير أعضاء باتحاد الأعمال الياباني ببدء عمليات التوظيف في وقت مبكر، ولكن خلافا للشركات الأجنبية والتي يتوقع أن تقوم بدفع أجور مرتفعة وفقا لقدرات كل موظف، فقد عكست رغبة الطلبة في العمل بالشركات المعروفة والشركات الكبرى تطلعهم للاستقرار، لذلك وجدت الشركات الصغيرة والمتوسطة صعوبة في الحصول على الطلبة رغم المغريات والميزات التي توجد بها.

وبالتالي يتم إنهاك واستفاذ الطلبة بسبب إطالة أمد البحث عن وظيفة، كما أن الشركات لا تستطيع تحقيق العدد المستهدف من الموظفين، ولم يتبقى سوى الإحباط لجميع الأطراف. ونتيجة لذلك، في ”البحث عن وظيفة عام ٢٠١٧“، تم تقديم مواعيد التوظيف شهرين لتبدأ في الأول من يونيو/ حزيران. ومع ذلك، فحتى لو اختار أي توقيت ستظهر المشاكل. ويمكننا القول إن نموذج التوظيف في وقت واحد له حدود في التعامل معه.

نقص القوى العاملة والضغط على الباحثين عن عمل

في خلفية هذا الارتباك هناك حالة من ”توافر فرص العمل“ جنبا إلى جنب مع انتعاش الاقتصاد الياباني. لقد تغير سوق العمل في اليابان في السنوات الأخيرة بشكل كبير بكل تأكيد. حيث بلغت نسبة العمالة الغير المنتظمة إلى ٤٠٪، في حين تشهد اليابان تراجع في متوسط الدخل، ونقص في العمالة بسبب مشكلة نقص المواليد الحاد وشيخوخة المجتمع والأخذتان في التصاعد والتفاقم. حتى أن حكومة آبي المعروف عنها الاتجاه المحافظ قامت بوضع سياسات ”مجتمع يستطيع كل أعضائه ١٠٠ مليون أن يكونوا فاعلين“ وتعيين وزير مسؤول عن تلك السياسات من أجل مكافحة النقص الحاد في عدد المواليد، كما قامت أيضا بتخفيف العديد من الإجراءات البيروقراطية من أجل استيعاب وقبول المهاجرين. إنها مشكلة وشيكة ستتعرض لها الشركات اليابانية.

وفي خلفية توافر فرص العمل نجد أن العديد من الطلبة المميزين يحصلون على موافقات رسمية للتوظيف من قبل الشركات والمؤسسات. ومع ذلك، فإن إدارة الموارد البشرية في الشركات لديها من المشاكل ما يزعجها ويجعلها في حالة قلق. فبينما تسعى الشركات لتوظيف الطلبة المميزين، يقوم الطلبة برفض الالتحاق بالشركة دون أدنى اكتراث حتى بعد وقوع الاخيتار عليهم، مما يؤدي لعدم الحصول على الموارد البشرية التي تحتاجها الشركات. وفي نفس الوقت هناك أصوات قوية تقول ”إذا كان من حق الشركة أن تختار الطالب، فمن الطبيعي أن يختار الطالب الشركة“.

في ظل تلك الظروف المحيطة انتشرت كلمة ”Owahara“ وأصبحت كلمة طنانة والتي تعني إجبار الطالب على إنهاء بحثه عن وظيفة بمجرد قبوله في إحدى الشركات. حيث تجبر إدارة الموارد البشرية في الشركات الطلبة الذين تم قبولهم بالتوقف عن البحث في شركات أو مؤسسات أخرى وهو ما يعد نوعا جديدا من التحرش والمضايقات على مستوى العمل. ويعد هذا التصرف مضايقة وتحرش بالنسبة للطلبة، لكنه أمر بالغ الأهمية والضرورة بالنسبة للشركات أو الطرف الذي سيقوم بالتوظيف. في نهاية ثمانينات القرن الماضي وقت أن كانت اليابان في أوج ازدهارها الاقتصادي أن الشركات اليابانية تقوم باصطحاب الطلبة الذين تم توظيفهم أو وقع الاختيار عليهم إلى منتجع بعيدا عن أي احتكاكات خارجية تحت مسمى التدريب حتى لا يهرب أحد منهم لشركة أخرى وهو شيء خيالي بالنسبة للأوضاع الآن، حيث أن الشركات اليابانية ليس لديها القدرات المتاحة لتقوم بذلك حاليا. كذلك كان عندما يذهب أحد الطلبة للاعتذار عن وظيفة بعد قبوله بها يقوم المسؤول عن الموارد البشرية بسكب الشاي على وجه الطالب. لكن في العصر الحالي زاد لدى الشركات الوعي بأن المتقدمين للحصول على وظيفة في الشركة هم في نفس الوقت عملاء محتملين للشركة وأصبحت الشركات لا تستطيع أن تتعامل بخشونة مع الطلبة. حيث يمكن للطالب أن يغرد على تويتر أو أن يكتب ما حدث له في أحد المنتديات على الشبكة العنكبوتية على الفور، مما يعرض الشركة لمخاطر كبيرة تتعلق بسمعة الشركة أمام الرأي العام واسمها في السوق.

(*٢) ^ هي ورقة رسمية تصدرها الشركات بعد الموافقة على توظيف المتقدم للوظيفة ويكتب فيها الاسم، تاريخ إصدار الورقة، عنوان الشركة. وتعامل هذه الورقة معاملة العقود الرسمية من الناحية القانونية ما لم يحدث تغير في موقف الطرفين. وفي حالة تراجع أحد الأطراف عن محتوى هذا العقد يجب أن يخبر الطرف الآخر بذلك قبل مدة كافية محددة سلفا.

(*١) ^ عملية البحث عن وظيفة بالنسبة للطلبة الجامعيين بشكل أساسي، يقوم الطلبة بحضور ندوات العمل الخاصة بالشركات التي يودون الالتحاق بإحداها، ثم يدخلون امتحانات القبول للشركات وهي تختلف بطبيعة الحال من شركة لأخرى، ثم المقابلة الشخصية التي تصل في بعض الحالات إلى ٥ مقابلات، بعد ذلك تصل ورقة رسمية بالموافقة على التوظيف من الشركات التي تم التقدم لها ليختار الطالب المكان الذي يريده.

صفات الموارد البشرية التي تسعى إليها الشركة

ما هو العامل الحاسم في الحصول على وظيفة ما في اليابان؟ الخلفية التعليمية، وهي هامة للغاية حيث يتم فرزها وتصنيفها على أقل تقدير في مرحلة التسجيل على موقع الشركة الإلكتروني. لكن تقييم الشركات اليابانية للشخص لا يتوقف بالكامل على الخلفية التعليمية ونتائج الجامعة، فهذا ليس كل شيء.

في عملية الاختيار، بالإضافة إلى الاختبار هناك مقابلة شخصية تتكرر عدة مرات. في المقابلة الجماعية يتم التأكد من قدارات المتقدم على التسيق مع المجموعة والقدرة على القيادة، وفي المقابلات الشخصية الفردية المتعددة على عدة مستويات يتم التركيز على الناحية الشخصية، ومهارات التواصل والإمكانيات المحتملة للمتقدم. وأهم شيء يوضع في عين الإعتبار هو المرور بتجربة الفشل من قبل. أي نوع من الحياة الطلابية عاشها المتقدم، وكيفية تغلبه على الفشل وما إلى ذلك، حيث يقال إن قدرات ومهارات المتقدم الضرورية في كيفية التغلب وحل المشاكل التي سيتعرض لها أثناء الوظيفة في المستقبل يتم تقيمها ووضعها في الإعتبار. كما يوجد اختبار لمعرفة قدرات المتقدم في التصرف تحت ضغط يطلق عليها ”مقابلة الضغط“.

إذا تحدثت بعفوية أمام ممثل الموارد البشرية الذي هو متخصص في رؤية وفحص الأشخاص ”لقد كنت نائب رئيس في النادي أثناء الدراسة، لذلك لدي روح القيادة“ فإن الكلام وحده فقط لا يمكن أن يقنعه. لكن في نفس الوقت تبقى هناك مشكلة في كيفية تقييم صفات الفرد في مقابلة تمتد لفترة قصيرة من الوقت، وبالنسبة للطالب الذي لديه إمكانيات وقدرات لكنه ليس بمتكلم أو فصيح يستطيع التعبير عن نفسه ماذا عليه أن يفعل.

ما هي الشركات التي يسعى إليها الطلبة ؟

يتم الإعلان عن ترتيب الشركات التي تحظى بشعبية لدى الطلبة في كل عام، ولكن بدلا من إجراء تقييم موضوعي للشركات، فهناك احتمال أن يكون مجرد ترتيب للشركات التي ”يعرفها“ الطالب ليس أكثر. وربما يكون هذا هو السبب الذي يقف وراء ظهور العديد من الإعلانات التي تروج لصورة الشركة أكثر من منتجاتها عندما يأتي موسم البحث عن وظيفة. ويقوم الطلبة بالاندفاع والاستعجال والتقدم للالتحاق بمثل تلك الشركات حتى أن عدد المتقدمين يفوق الوظائف المتاحة بمئات أو آلاف المرات.

ومع ظهور شبكة الإنترنت على الساحة يزداد عدد الشركات التي يتقدم إليها الطلبة. يمكنك أن تسمع عن طالب تقدم للالتحاق بـ ٥٠ شركة، أو ١٠٠ شركة. وبطبيعة الحال، فإن معظم الطلاب يتم التخلص منهم ورفضهم. وهناك الكثير من الشباب الذي كرر تجربة التقدم للالتحاق بوظيفة والفشل في عدة شركات مرارا. ويذوق الطالب طعم الفشل ومرارة الإحباط لأول مرة في حياته، وهناك عدد ليس بالقليل منهم لا يستطيع الوقوف على قدميه مرة أخرى بعد ذلك. فعملية البحث عن وظيفة هي معركة للقوة الذهنية في نفس الوقت.

ويتجنب الطلبة ما يطلق عليه في اليابان ”الشركات السوداء“. حيث تتعدى ساعات العمل الإضافي في تلك الشركات الـ١٠٠ ساعة في الشهر في انتهاك صريح لمعايير قانون العمل بجعل الموظفين يعملون لساعات عمل طويلة وقاسية. وكذلك يتم إساءة معاملة الموظفين، ويصبح مكان العمل أشبه بمكان يقوم بالسيطرة على العقل. تركز تلك الشركات على هدف صعب تحقيقه بالإضافة إلى النظر للنتائج فقط. بالطبع يشعر الشخص بالامتنان لوجود العمل في حد ذاته، لكن بيئات العمل القاسية ليست بالقليلة. ومن بين أمور أخرى، مثل صناعة تكنولوجيا المعلومات، الشركات التي تحقق أرباح بسبب فائض من العمل، أو شركات الاستثمار في مرحلة التأسيس هي بدرجة أقل أو أكبر لديها ممارسات مثل الشركات السوداء وهو أمر غير مستغرب. فحتى لو التحقت بالعمل في شركة ”بيضاء“ مريحة يمكنها أن تفلس وتنتهي من الوجود..

البحث عن وظيفة تعكس تغيرات العصر

إن تدخل الوالدان في عملية البحث عن وظيفة التي يقوم بها أبنائهم، وعدم الاتصال بين الوالدين والأبناء حول ما يتعلق بالوظيفة هي إحدى المشاكل المؤرقة التي تعاني منها الشركات والجامعات على حد سواء. حيث أن جيل الوالدين الذي نشأ وترعرع في ظل بالازدهار الاقتصادي الذي نعمت به اليابان لديهم ميل في فرض وجهة نظرهم الخاصة على أبنائهم، لكن أصبح هذا الأمر الآن بعيدا ومغايرا لروح العصر الحالي الذي نعيش فيه. فجيل الوالدين يميل بقوة نحو الشركات الكبرى والمعروفة بداعي الاستقرار الذي تتمتع به، ويستهين بالشركات الصغيرة والمتوسطة أو شركات الاستثمار التي ليس لها اسم في سوق الشركات والأعمال. فبمجرد أن يسأل الوالدان الابن ”إنها شركة غير معروفة، أليست هذه مشكلة ؟“ أو ”أليس من الأفضل أن تعمل بشركة كبرى تتمتع بالاستقرار؟“ فيقوم الابن بسبب هذا الرأي برفض التعيين في الشركة التي كان قد قبل بها في بعض الحالات.

بالتأكيد تتمتع الشركات الكبرى بمزايا وجاذبية تتمثل في الأجور المرتفعة والرعايا الاجتماعية. لكن حتى لو كانت الشركة معروفة ومشهورة فهذا لا يمنعها من الوقوع في أزمات مالية لا تنتهي. وفي كثير من الحالات يسعى الطلبة الذين لديهم طموح وتطلعات للمستقبل بكل جرأة للعمل بالشركات المجهولة من الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تسعى نحو التوسع عالميا، شركات الاستثمار مثل شركات تكنولوجيا المعلومات وصناعة الألعاب. كما أم هناك عدد ليس بالقليل من الطلبة يقوم باختيار الشركة التي تحترم القيم المختلفة وتنوع وجهات النظر المتعددة مثل الاهتمام بالبيئة والمحافظة عليها أكثر من مجرد التركيز على الفائدة المادية التي ستعود على المتقدم للعمل.

وفي السنوات الأخير تعاني الشركات من مشكلة مؤرقة تتمثل في الزيادة في عدد الموظفين الجدد الذين يتقدمون باستقالتهم بعد تعيينهم مباشرة. فعلى الرغم من تعيينهم، يقال إن ٣٠٪ من الموظفين الجدد يغادرون الشركات خلال ثلاثة أعوام. لكن الشركات لا تقوم استخدام الموظفين بكل فوري حيث تقوم باعتماد مبالغ مالية من أجل تعليم وتدريب الموظفين الجدد حديثي التخرج ووليهم مستقبل في الشركة. وبالتالي عندما يغادر أو يستقيل أحد الموظفون الجدد خلال عامين أو ثلاثة يتسبب في خسارة كبيرة للشركة. وليس بالأمر الغير المألوف أن يمتنع أحد الموظفون الجدد عن الذهاب للعمل في اليوم التالي إذا قام أحد بالتنبيه عليه أو تحذيره عند قيامه بخطأ ما على مستوى العمل. فعلى النقيض الماضي تعتمد طريقة تربية الطلبةعلى الإشادة والمدح فإن الطلبة الآن عرضة للانتكاسات وضعاف من الناحية النفسية عندما يتعرضون للفشل أو التوبيخ. حيث يقول من هم في منتصف العمر وكبار السن إن هؤلاء الطلبة قد نشأوا وتربوا في أجواء مدللة مما تسبب في عدم وجود قوة أو قدرة كافية من الصبر لديهم. لكن من ناحية الطلبة لديهم ما يقولون عن ذلك، فعلى سبيل مثال، التعرّض للمظايقات والتحرشات، ليس فقط العمل فحسب بل تعزيز حياته وتحصينها، أو الرغبة في امتلاك الخبرة والتخصص الذي يؤهله للاستمرار في الحياة بمتطلباتها حتى ولو أفلست الشركة وأغلقت أبوابها يستطيع بذلك البدء في مكان جديد.

إن روح التفاني والولاء للشركة من سمات ميزت اليابان في عصر شووا أصبحت شيئا من مخلفات الماضي العتيق، ولم يعد من غير المألوف تغيير الوظيفة وأصبح أمرا عاديا ومعتادا عليه. وكما يشا إليه في كثير من الأحيان فالشركات التي تقود عملية النمو في الوقت الحالي لم تكن موجودة وقت ولادة الطلبة خروجهم للحياة. لقد تغير العصر إلى حد كبير. لعل مَن يكون من الناجحين في المستقبل هو الطالب الذي اكتشف ”سوني في المستقبل“ حتى ولو كانت مجهولة أو صغيرة الآن، أو الموارد البشرية التي تستطيع أن تقف في وجه التحديات حتى لو أوشكت الشركة على الإفلاس، أو قام بتغيير الوظيفية مرات عديدة. إن قيمة العمل والاختيارات المتاحة مختلفة ومتنوعة.

إن عملية البحث عن وظيفة تجمع وتبيّن التغييرات التي تحدث في المجتمع الياباني. والشركات ذات الشعبية تتقلب صعودا وهبوطا. كما طرأت تغيرات على طريقة عمل اليابانيون، وفجوة التواصل بين الأجيال. وأصبح هناك عدد كبير من الشباب يدرك جيدا أنه لم يعد بالإمكان التنعم بالحياة الرغدة التي تمتع بها الآباء. وهناك العديد من المشاكل الخطيرة التي تواجه المجتمع الياباني من زيادة في عمليات توظيف العمالة الغير منتظمة، أعداد المنطوين على أنفسهم بالإضافة إلى تقدمهم في السن، كما من الصعب إعادة الأمور مرة أخرى إلى نصابها عندما تحيد عن الطريق. فعلى الرغم من أن المجتمع الياباني يفتقر للأيدي العاملة إلا أن طريقة العمل تفتقد للمرونة مما يشعر الطلبة بحالة من القلق وعدم الارتياح وهو أمر لا عجب فيه في ظل تلك المعطيات. إن الطلبة الباحثين عن وظيفة يواجهون تغيرات الاقتصاد الياباني، وتنوع وجهات النظر والقيم المختلفة حول طريقة العمل.

(صورة العنوان: تجمع للطلبة الذين يبحثون عن وظيفة في ندوة مشتركة بين الشركات. مارس/ آذار ٢٠١٦، طوكيو بيغ سايت الواقع بحي كوتو، طوكيو. جيجي برس)

التعليم وظيفة توظيف