مبدأ الجودو في استغلال قوة الخصم
ثقافة- English
- 日本語
- 简体字
- 繁體字
- Français
- Español
- العربية
- Русский
المرونة تتفوق على القوة
تكمن الإجابة على السؤال بشأن سر شعبية الجودو في دول العالم المختلفة في حقيقة أن تقنياتها مختلفة جوهريا عن تلك المستخدمة في الرياضات القتالية الغربية. ففي تلك الرياضات يكون الفوز عادة حليف المنافس الأقوى. أما في رياضة الجودو فحتى المتسابق الأضعف يمكن أن يفوز. ويمكن تحقيق ذلك من خلال الاستفادة القصوى من قوة الخصم. أحد الأشخاص الذين نقلوا هذه الفكرة إلى الناس في الغرب كان الكاتب لافكاديو هيرن الذي عاش فترة طويلة من حياته في اليابان وحصل على الجنسية اليابانية باسم كويزومي ياكومو.
ولد هيرن الذي اُشتهر بأعمال مثل كوايدان عام 1850 في جزيرة ليفكادا اليونانية. وبعد أن عاش في بريطانيا والولايات المتحدة، جاء هيرن إلى اليابان في عام 1890. وقد أصبح شغوفا بشدة بالثقافة اليابانية وتزوج من اليابانية كويزومي سيتسو وعمل أستاذا جامعيا. وخلال حياته في اليابان، سافر هيرن بكثرة في أرجاء اليابان وتعلم أكثر عن الجوانب الفريدة للثقافة اليابانية، ليقوم بعد ذلك بعرض ما اكتشفه في مقالات موجهة للقراء الغربيين.
عُين هيرن في عام 1891 كمدرس لغة إنكليزية في كوماموتو في المدرسة العليا الخامسة لتأهيل خريجي الثانوية (حاليا تعرف بجامعة كوماموتو) بفضل توصية من عميدها كانو جيغورو مؤسس فن الجودو القتالي في معهد كودوكان. وانطلاقا من شغفه الكبير بالثقافة اليابانية، عكف هيرن على زيارة صالة الجودو التي كان كانو يدرب فيها. ويصف هيرن في المقطع التالي من كتابه ’’من الشرق‘‘ لعام 1895 الأمر المفاجئ الذي تعلمه من خلال خبرته تلك حيث يقول:
’’لا يعتمد مدرب جوجيتسو إطلاقا على قوته الخاصة. وهو يستخدمها نادرا في حالات الضرورة القصوى. فماذا يستخدم إذن؟ ببساطة هو يستخدم قوة خصمه. فقوة العدو هي الوسيلة الوحيدة التي يُهزم بها ذلك العدو. يعلمك فن جوجيتسو الاعتماد على قوة خصمك، وكلما كانت قوته أكبر كلما كان الأمر أسوأ له وأفضل لك.‘‘
وكان هيرن يشير في هذا المقطع بحديثه عن ’’جوجيتسو‘‘ (أو كما تكتب بشكل شائع حاليا ’’جوجوتسو‘‘) عمليا إلى الفن القتالي للجودو الذي طوره كانو على أساس جوجوتسو. وافتتن هيرن بهذه الطريقة التي تلخص سر الجودو، فالمتنافس (لا يمكنه الفوز إلا باستخدام قوة الخصم) يمكنه الفوز باستخدام قوة الخصم. وبعبارة أخرى، يمكن تحقيق فوز بدون الاصطدام بقوة الآخر بشكل مباشر.
ولكن اهتمام هيرن بهذا الأسلوب لم يقتصر على الجودو، حيث كان ينظر إليه باعتباره توصيفا لقاطرة اليابان نحو الحداثة، كما يوضح في نفس الكتاب السابق:
’’لعل الأجانب قد تكهنوا – بما لا يدع مجالا للشك – أن اليابان لن تعتمد لباس الغرب فحسب وإنما حتى عاداته، وليس أساليبنا في النقل السريع والاتصالات فحسب وإنما مبادئنا في الهندسة المعمارية، وليس صناعاتنا وعلومنا التطبيقية فحسب وإنما علومنا الخاصة بما وراء الطبيعة وعقائدنا. اعتقد البعض حقا أن البلاد ستفتح أبوابها قريباً للاستيطان الأجنبي، وأن الامتيازات الاستثنائية ستغري رأس المال الغربي للمساعدة في تنمية الموارد المختلفة، حتى أن البلاد ستعلن في نهاية المطاف – بموجب مرسوم إمبراطوري – اعتناقها المفاجئ لما نسميه المسيحية. ولكن مثل هذه المعتقدات كانت بسبب جهل لا يمكن تجنبه ولكنه حتمي بطبيعة السباق، بقدراتها الأعمق، ببصيرتها، بروح الاستقلال الذي تمتلكه منذ قديم الزمان. ربما تكون اليابان تمارس جوجيتسو فقط، ولكن لم يفترض أحد للحظة بأنه في ذلك الوقت قد سمع أحد حقا في الغرب بعد عن جوجيتسو. على الرغم من أن كل شيء في الحقيقة يتمحور حول جوجيتسو.‘‘
قدرة اليابان على التأقلم
لم يقصد هيرن القول إن الشعب الياباني كان حرفيا يستخدم تقنيات جوجيتسو في حياتهم اليومية ولكن أسلوب جوجيتسو الرئيسي المتمثل في الفوز بدون التصادم مع الخصم كانت إحدى سمات اليابانيين وثقافتهم. وقد شدد هيرن على أنه سيكون من الخطأ أن يقلل الغربيون من شأن اليابان.
’’وفي الختام يكفي القول إن اليابان اختارت وتبنت الأفضل من كل شيء في صناعاتنا وعلومنا التطبيقية وخبراتنا الاقتصادية والمالية والقانونية، مستغلة لصالحها من كل حالة أفضل النتائج فقط وقامت بثبات بتشكيل مكتسباتها لتلبية حاجاتها هنا....‘‘
’’وقد استطاعت البقاء كما هي، والاستفادة من قوى العدو لأقصى درجة ممكنة. وطالما كانت ولا تزال تدافع عن نفسها بأكثر نظام فكري مثير للإعجاب للدفاع عن النفس – يمكن للمرء أن يسمع عنه – من خلال أسلوب جوجيتسو القومي الرائع.‘‘
كُتبت تلك السطور عشية الحرب الصينية اليابانية في عامي 1894-1895 ومن ثم نشرت بعد انتهاء الحرب في مجموعة مقالات هيرن التي حملت عنوان ’’من الشرق‘‘. لقد شهدت تلك الفترة بداية إيلاء الغربيين اهتمام أكبر لليابان. وقد قرأ كتاب هيرن الذي نُشر في نيويورك ولندن الكثير من الغربيين في ذلك الوقت.
وفي أعقاب نشر الكتاب، زار عدد متزايد من السياح الأجانب معهد كودوكان. وكان هناك أيضا الكثير من السياسيين والدبلوماسيين والأساتذة من الخارج الذين ذهبوا هناك لمشاهدة الجودو. ومن بين هؤلاء الزوار بروفيسور من جامعة ييل، والدكتور هيوز من كلية التربية بجامعة كامبريدج ومجموعة من نحو 40 ضابطا وقائدا في البحرية البريطانية والبروفيسور جون ديوي من جامعة كولومبيا. وقد جاؤوا ليتأكدوا بأنفسهم ما إذا كان سر نجاح عملية التحديث اليابانية يمكن العثور عليه حقا في معهد كودوكان.
لقد كان المبدأ الأساسي المتمثل في إمكانية تحقيق المرء للفوز بدون مواجهة القوة بالقوة، مفهوما جديدا بالنسبة للغربيين في ذلك الوقت. ومن أجل تصوير الحداثة اليابانية بعدسات رياضة الجودو، عكف هيرن على الترويج لهذا الفن القتالي بينما كان يلفت أيضا انتباه الغرب لكانو جيغورو مؤسس هذا الفن.
كما يشدد هيرن على أن إحدى نقاط قوة الشعب الياباني التي لا يجب التغافل عنها تكمن في المرونة في استيعاب الثقافات الأجنبية وليس فقط وجهة النظر التي يعتبر هيرن من خلالها أن الثقافة اليابانية مثيرة للاهتمام. وهذا هو مفهوم التأقلم مع قوة الآخرين واستيعاب تلك القوة من خلال إجراء التعديلات اللازمة. طور الشعب الياباني بالفعل تلك المهارة على مدى تاريخه العريق في استيعاب حضارات مختلفة من القارة الآسيوية، ويمكن القول إن الجودو ذاتها نشأت من تلك التربة الثقافية.
(المقالة الأصلية منشورة باللغة اليابانية بتاريخ 14 ديسمبر/كانون الأول 2016. الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: تمثال لكانو جيغورو يسلم حزاما أسود لفاسيلي أوشيبكوف والذي يسمى "أب الجودو الروسية". الصورة بإذن من إيغور نوفيكوف من إدارة إقليم بريمورسكي كراي الروسي.)