كاستيلا ناغاساكي: حلوى يابانية جذورها أوروبية

ثقافة المطبخ الياباني

قطعة من الكعكة

قبل سنوات قليلة بدأت في الانتقال بشكل ثابت من مقر إقامتي الرئيسي في يوكوهاما للمعيشة بشكل جزئي في ناغاساكي. وقد أدى قضائي فترات طويلة في مدينة كيوشو التاريخية، التي كانت يوم ما مركز للتجارة الخارجية لليابان، إعادة إحياء إعجابي بكعكتها الإسفنجية الشهيرة. وظلت الحلوى المستوحاة من البرتغال، والمعروفة بكاستيلا باللغة الإنكليزية، عامل جذب ثابت للسياح ومصدر دخل حيوي للاقتصاد المحلي لكونها معترف بها على نطاق واسع كرمز لدور ناغاساكي كبوابة للثقافة الغربية.

ويمكن الحكم من خلال حماس وشغف زائري ناغاساكي من الدول الآسيوية المجاورة، أن الكاستيلا تحظى بشعبية ضخمة في المحيط الصيني. حيث عادة ما يقوم أعضاء المجموعات السياحية الصينية بالعودة لسفن الركاب الراسية بميناء المدينة محملين بالأكياس الورقية من متاجر الكاستيلا الشهيرة. كما يمكن العثور على محبي الطعام من تايوان وهونغ كونغ يمطرون موظفي إيوانغا بايجوكين، وهو متجر كاستيلا شهير  تأسس في عام 1830، بأسئلة حول الطلبات من خارج اليابان وإذا ما كان البيض المستخدم في الحلويات يباع بالمتجر أم لا.

وقد بلغ الأمر أن وصلت الكاستيلا إلى الدول المجاورة. ففي تايوان يعرض عدد متزايد من متاجر السلاسل التجارية والمتاجر المتخصصة إصدارات على الطراز الياباني، وفي هونغ كونغ أيضا تحظى بطابع محلي. وتعد الكعكة جزء من الثقافة الغذائية المحلية بحيث سألتني صديقة تايوانية عندما تلقت كاستيلا على طريقة ناغاساكي قبل عدة أشهر كهدية، أن أشرح لها كيف كان طعمها مختلفاً عن النوع الذي اعتادت على تناوله منذ صغرها.

وكان علي أن أعترف أني لم أكن أعرف على وجه اليقين، ولكن إضافة الحليب الخام هو ما يميزها بعد أن بحثت عن قائمة مكونات الكاستيلا التايوانية التي قامت بإرسالها لي عبر البريد الإلكتروني.

ولا تحتوي الكاستيلا عادة على أي من منتجات الألبان أو البيكينغ باودر على الإطلاق. ولازالت المتاجر الأقدم في ناغاساكي تصنع الحلوى يدويا بالطريقة التقليدية بالبيض، الدقيق، شراب النشا والسكر فقط. وللحصول على القوام الإسفنجي، يتم الطهي بخفق البيض، الدقيق والسكر الناعم في خليط رغوي، ثم إضافة شراب النشا لإعطاء الكعكة لزوجتها اللذيذة. ويتم رش طبقة من السكر الخشن في قاع صينية الخبز المستطيلة قبل صب الخليط مما يكسب الطبق النهائي مذاقا مقرمشا.

ولم تكن الكاستيلا حلوى يابانية في الأصل، ولكنها تطورت على مر العصور وفقاً للذوق المحلي، ويمكن الآن اعتبارها بكل ثقة حلوى يابانية. وتظل النسخ التقليدية منها ذات شعبية، ولكن تستمر الكاستيلا في التطور مثلها مثل حلوى كعكة "مانجو" واسعة الانتشار التي أخذت أشكال لا تعدّ منذ قدومها من الصين قبل مئات السنين. ويعكف صانعو الحلوى باستمرار على ابتكار أصنافا وأشكالا جديدة تضم نكهات غير مألوفة مثل الشكولاتة، العسل، الشاي الياباني الأخضر والفراولة. حتى أني مؤخرا وجدت حتى متجر في ناغاساكي يقدم كاستيلا مصنوعة من مسحوق الكولاجين مستهدفة الزبائن المهتمين بالجمال. ولكن الأصوليين في ناغاساكي على الرغم من ذلك يصرون على أن الكعكة يجب أن تصنع وفقاً للطريقة المجرّبة والحقيقية حتى يمكن أن يطلق عليها كاستيلا.

الطريق إلى الحلوى اليابانية

تم جلب سلف الكاستيلا، الطبق المسمى باوو دي لو إلى اليابان بواسطة المبشرين البرتغاليين في القرن السادس عشر. وكان الكهنة يقومون أثناء جولاتهم بتقديم الكعكة الإسفنجية الفخمة كهدية للأشخاص المحتمل تحولهم إلى الديانة المسيحية أو للمتوعكين صحياً من أعضاء الكنيسة. وأثبتت الحلوى شعبية كبيرة حتى أن اليابانيين المسافرين إلى البرتغال للدراسة نشروا وصفة الطهي الخاصة بها بعد عودتهم إلى اليابان.

وتوجد عدة نظريات حول التسمية كاستيلا. وفقاً لأحدها، يعد الاسم مشتقاً من منطقة كاستيل الإسبانية، بينما يقترح آخرون أن أصله يرجع إلى ميل الطهاة البرتغاليين إلى الصياح كاستيلو (قلعة) حين يخفقون البيض بقوة لعمل باوو دي لو، فيصير البيض صلباً ويشكل قمم مثل القلاع.

تمتلك حلوى باوو دي لو شكلاً وقواماً مختلفين عن وريثتها، الكاستيلا اليابانية.

وكان تحضير الكاستيلا بالنسبة للخبازين اليابانيين الأوائل عملية مجهدة، تتطلب عمل مكثف. فكان يجب في البداية وزن المكونات وخلطها باليد في مزيج رغوي، ثم يتم صبها بعناية في قوالب مصممة خصيصاً. ليقوم الطهاة بخبز الكعكة بعدها في أفران مصممة لهذا الغرض، عبارة عن كيانات مثل فرن يتم تسخينه بالحطب من أعلى ومن أسفل، بينما يتم وخز الحطب بعيدان من البامبو لتفادي تشكل جيوب من الهواء وللتأكد من خبز الكعكة بشكل متساو.

وقام الطهاة لاحقاً بإدخال شراب النشا لإضافة التصاق رطب في تأثر بالنكهات المحلية ودهنوا قاع إناء الطهي بالسكر الخشن للحصول على بعض من المذاق المقرمش لخلق تناقض مع القوام الإسفنجي للكعكة. وحول التطوير المبتكر مثل ذلك بالتدريج، الكاستيلا من أكلة أوروبية إلى حلوى يابانية.

واستمرت متاجر مثل فوكوسايا، أحد صناع الحلوى في ناغاساكي المؤسس في عام 1624، في عمل الكاستيلا بالطريقة التقليدية. بحيث يتم تحضير كل دفعة من الإنتاج بواسطة نفس الخباز الذي يلاحظ كل خطوة في العمل بداية من خلط المكونات وحتى الطهي.

الصلة الهولندية التايوانية

وحين وصلت الكاستيلا إلى الشواطئ اليابانية في البداية، كان السكر عنصر رفاهية مستورد على الأغلب من الصين. وفي بدايات فترة إيدو (1603-1868)، جلبت الشركة الهولندية لشرق الهند على الرغم من ذلك كميات مهولة من السكر مع ارتفاع الطلب عليه لتقوم بمبادلته بكل من النحاس والفضة اليابانيتين. وفي البداية تم جلبه على متن سفن بضائع هولندية ليمثل السكر على الأرجح 30% من استيراد اليابان من هولندا. ونمى حب اليابانيين للمذاق السكري حتى أنه في عام 1759 بلغ حجم التجارة الواردة لجزيرة ديجيما في خليج ناغاساكي 1375 طن من السكر وهي كمية توازي مبلغ ضخم قيمته 2.4 بليون ين بحساب قيمة المال في زمننا الآن. وعلى الرغم من قيام إقطاع فترة إيدو بزيادة الإنتاج المحلي وفرض ضرائب باهظة للتحكم في الاعتماد على السكر المستورد، إلى أنه ظل منتج مربح للتجار الهولنديين.

وكان أغلب السكر المستورد في اليابان يأتي من باتافيا، عاصمة جزر الهند الشرقية الهولندية أو ما يعرف بإندونيسيا اليوم، وكان يصل إلى ناغاساكي عبر تاينان في تايوان والتي كانت وقتها مستعمرة هولندية. ثم يتم نقل السكر عبر البلاد للأسواق في أوساكا. وكان استهلاك السكر في كل من منطقة كانساي وبالعاصمة إيدو هو الأعلى بين كل أنحاء اليابان. وتظل الكمية التي كانت تبقى للاستهلاك في ناغاساكي هامة، ليتم استخدامها في تحضير الكاستيلا ولتستخدم كذلك كأحد وسائل دفع التجار اليابانيين والأجانب للمحظيات ببيوت الدعارة في منطقة ماروياما، واللاتي بدورهن كن يقمن لاحقاً بمبادلته بالفضة.

زوار الميناء التجاري الهولندي القديم في ديجيما بمعرض حول تاريخ السكر في اليابان.

وألهم السكر الطهاة بتنويعات جديدة من الحلويات وأصبح مكوناً أساسياً في المطبخ الياباني. وأدت الضرائب الباهظة المتعلقة بشدة بميناء المنشأ إلى المقولة الشهيرة "ناغاساكي يجب أن تظل بعيدة"، فيما مثل شك في تقتير الطهاة في استخدام السكر.

ختم الموافقة البرتغالي

وخلال رحلتي للبرتغال قبل عدة سنوات، قمت بزيارة للمخبز التاريخي فابريكا دي باوو دي لو دي مارغاريدي، الذي كان في السابق مموناً للبلاط الملكي البرتغالي، في منطقة بورتو في شمال شرق البلاد. وأسس في عام 1730 محل للكعك يدار الآن من قبل الجيل السابع من الملاك ليستمر في عمل باوو دي لو حسب الطريقة التقليدية.

العمال في فابريكا دي باوو دي لو دي مارغاريدي يقومون بتحضير صنف الحلوى الأشهر بالمتجر.

وكما قد يتوقع المرء أن يكون سلف الكاسيتلا، يحتوي الطبق على بيض، السكر، والدقيق فقط، ويتم خبزه في فرن على الطراز القديم. وعندما تناولت قضمه من باوو دي لو من المتجر أمتلئ فمي برائحة البيض الرائعة. ولم يكن قوام الطبق على الرغم من ذلك رطباً كما في الكاستيلا ولكن مفتتة وهو ما أرجعته للفرق في المزيج.

وكنت قد أحضرت معي كاستيلا من ناغاساكي كهدية. وشعرت بالقلق حول مدى الحفاوة التي قد تلقاها في بلد منشأ أسلافها، وقمت متوترة بمنح كل من طاقم المطبخ قطعة واحدة. وبالحكم من خلال ابتسامتهم وردود

أفعالهم الفرحة، أستطيع القول بأن ما قامت به اليابان في تحسين طبقهم الأصلي قد حظي بالقبول

وساعدتني تلك التجربة على الاستمتاع بالتطور الطويل الذي مرت به لتتحول من طبق أوروبي لتصير حلوى يابانية.

ولم يتوقف الإبداع الياباني عند الكاستيلا على الرغم من ذلك. فمع تغير الأذواق المعاصرة، ظهرت تنويعات أخف وأكثر هشاشة تحتوي على سكر أقل لتتحدى السلف الثري لتلك الحلوى. وأي كان الطبق سواء كاسوتيلا ناغاساكي على الطراز القديم أم الأشكال الجديدة منها، أتمنى أن يقوم كل زائري اليابان من الأجانب بتجربة الحلوى ولو لمرة واحدة على الأقل.

وغالباً ما يحتشد السائحون بمنافذ بيع مصنعي الكاستيلا الشهيرة، كتلك الكائنة داخل المراكز التجارية، ولكني أنصح أن يختار زائري ناغاساكي كذلك بعض من منتجات الكاستيلا الرخيصة الموجودة بمحلات البقالة وأسواق المدينة. فتعد تلك الحلوى شهية ومغلفة في علب جميلة مما يجعلها ممتازة كوجبة خفيفة.

قد تكون الكاستيلا هدية مكلفة، ولكن بعض المنتجات متاحة كذلك للوجبات الخفيفة العارضة. وتباع تلك الكعكات في تلك المتاجر ذات الأسعار المعقولة بـ 500 ين فقط.

يقول سكان ناغاساكي الأكبر سناً أن أفضل طريقة للاستمتاع بالكاسوتيلا هو فنجان شاي قوي أو كوب من الحليب. وأي كان ما تفضل، فمن المؤكد أن كاستيلا تمنح نكهة بمذاق تاريخ مدينة ناغاساكي.

 (النص الأصلي باللغة اليابانية في 10 فبراير/ شباط عام 2018. الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: كاستيلا ناغاساكي. جميع الصور من تصوير الكاتبة)

المطبخ الياباني