قصة الأزياء المدرسية اليابانية!

مجتمع التعليم الياباني اللغة اليابانية

الزي المدرسي الذي كثيراً ما مثل الانضباط في المدرسة أصبح قمة الموضة لدي عدد كبير من اليابانيات، خاصة في ظلّ تأثير ثقافة المانغا. فقد باتت الألبسة البحرية التي طغت على الأنيمي والمانغا صورة للزي المدرسي والمتمثل في السترة والياقة البيضاء والتنورة القصيرة، إنها الصيحة لدى المراهقات في اليابان وخارجها. فكيف تقبل اليابانيون الزي المدرسي الذي تغير مع مرور الوقت إلى زي البحارة والسترة؟

في هذا العام أصبح ”الزي المدرسي“ من تصميم شركة أرماني لمدرسة تايمي الابتدائية التي تقع في حي جينزا في طوكيو حديث الناس. فحتى في اليابان التي يتغلغل فيها الزي المدرسي، هناك القليل من المدارس التي تعتمد زيا موحدا في المدارس الابتدائية العامة، ويقال إن نسبتها تتراوح بين 10 و15%. ولكن عند الحديث عن المدارس الإعدادية والثانوية، فبغض النظر عن القطاع العام أو الخاص، فإن المدارس التي تعتمد زيا موحدا عددها كبير إلى درجة كبيرة. فالزي المدرسي هو رمز لتلك المدرسة، وهو عنصر هام يزين فترة الشباب بالنسبة للطلاب الذين يرتدونه. وهناك إيجابيات وسلبيات للزي الموحد حيث يرتدي الجميع ملابسا بنفس الشكل، ولكن لماذا استمر اليابانيون بارتداء الزي المدرسي على نطاق واسع ولأكثر من مئة عام يا ترى؟

أصل الزي المدرسي يعود إلى مدرسة غاكوشوئين

الزي المدرسي هو رمز اجتماعي يشير إلى أن الطالب الذي يرتديه هو ”طالب مدرسة...“. وفي اليابان، فإن الشكل العام للزي المدرسي الذي يتكون من السترة والبنطال والتنورة مشترك بين جميع المدارس، إلا أنه يختلف من مدرسة إلى أخرى في الجزئيات، كلون الزي وخطوطه، والشارات والشعارات وغيرها. فمع أنه يتشابه، إلا أن اليابانيين يستطيعون تحديد إلى أين يتبع ذلك الشخص من خلال تصميم الزي الذي يختلف قليلا. وهذه اللغة التي تُسمى بالزي الموحد، نشأت على مر أكثر من 100 عام، وانتشرت على نطاق واسع في اليابان.

لا بد من وضع قواعد إجبارية لارتداء الزي المدرسي الموحد من أجل أن يقوم جميع الطلاب في مدرسة ما بارتدائه. وعلاوة على ذلك، فإن أسرة الطالب هي من تتحمل تكاليف ذلك الزي. وأول من أقر مثل تلك القواعد للزي المدرسي في اليابان هي مدرسة غاكوشوئين الخاصة.

تم إقرار الزي المدرسي للطلاب والمكون من سترة مدرسية بياقة منتصبة وبنطال وقبعة مدرسية في مدرسة غاكوشوئين التي تم تأسيسها كمدرسة ”للطبقة الأرستقراطية“ في اليابان في عام 1879 (العام الثاني عشر من عصر ميجي). وهذه السترة بياقة منتصبة هي تقليد للزي العسكري الذي يشبه الملابس الغربية التي تم إدخالها في بداية عصر ميجي. وفي مدرسة غاكوشوئين في ذلك الوقت، كان إعداد الضباط هو أحد أهداف التعليم، وكان هناك مواد تعليمية مثل الفروسية واستخدام السيف. وبناء على ذلك، فمن الممكن القول إن الزي المدرسي كان يجب أن يلبي وظائف الزي العسكري. ولكن، كانت الملابس الغربية في ذلك الوقت مرتفعة الثمن، وكانت أسر طبقة النبلاء هي فقط من تستطيع تحمل تلك التكاليف.

طالب جامعة إمبراطورية بالزي الموحد (عام 1906) (صورة من تقديم: الكاتب)

في عام 1879 كان الزي المدرسي لمدرسة غاكوشوئين زيا موحدا يرتديه طلاب إحدى المدارس المميزة، ولكن بعد ذلك، تم إقراره كزي موحد للطلاب. وفي تلك المرحلة كان هناك تأثير لإقرار الزي الموحد في الجامعات الإمبراطورية. حيث تم إقرار الزي الموحد للطلاب والمكون من سترة بياقة منتصبة وبنطال وقبعة مثلثة في عام 1886 (العام التاسع عشر من عصر ميجي). وكان طلاب الجامعات في ذلك الوقت متميزين كثيرا إلى درجة لا يمكن مقارنتهم مع طلاب الجامعات في وقتنا الحالي، وربما كانوا يُحسدون على الزي الذي كانوا يرتدونه. وأصبح الزي الموحد الذي تم اعتماده من قبل الجامعات الإمبراطورية والتي تعتبر أعلى المؤسسات التعليمية، أصبح نموذجا للمدارس الإعدادية والثانوية في كل البلاد وانتشر فيها في نهاية المطاف.

وهكذا، بدأ الطلاب المميزون بارتداء الزي الموحد للطلاب والذي يشبه الملابس الغربية الحديثة. ولا يقتصر الأمر على الزي المدرسي، فارتداء ملابس غربية حديثة في اليابان في ذلك الوقت كان يعبر عن المكانة الخاصة التي يحتلها ذلك الشخص في المجتمع. لذلك كان الزي المدرسي بالنسبة للطلاب تعبيرا عن الهوية الشخصية والجهة التي يتبعون لها، وزيا يشير إلى التفوق ويدعو إلى التفاخر بالمستقبل الواعد الذي ينتظر من يرتديها.

تغير زي الطالبات من لباس الهاكاما الياباني التقليدي إلى زي البحارة

بالمقابل، كان الزي الذي انتشر في بداية الأمر كزي موحد للطالبات هو زي لباس الهاكاما الياباني التقليدي. ففي النظام التعليمي لليابان قبل الحرب العالمية الثانية، كان هناك فصل بين مدارس البنين ومدارس البنات بعد المرحلة الابتدائية وما فوق، وعند تخرج الطالبات من المدرسة الابتدائية، كان بعضهن يلتحق بمدرسة البنات العليا. وانتشرت هاكاما البنات في عام 1900 تقريبا (النصف الثاني من عصر ميجي) كزي مدرسي للطالبات اللواتي يذهبن إلى هذه المدارس.

طالبة ترتدي لباس الهاكاما (حوالي عام 1900) (أرشيف جامعة أوتشانوميزو للبنات)

تأخذ الهاكاما شكل التنورة، والتي تم اقتراحها كلباس جديد بعد بدء عصر ميجي. فالهاكاما التي كانت في الأصل لباسا لمقاتلي الساموراي كانت تأخذ شكل البنطال، ولم تكن لباسا ترتديه النساء. وفي بداية عصر ميجي كانت تقوم الطالبات بارتداء هاكاما الرجال كما هي، ولكن تم انتقاد ذلك بشدة لأنه لباس خاص بالرجال، الأمر الذي أدى إلى اقتراح تصميم هاكاما خاصة بالنساء في نهاية المطاف.

وفي المدارس العليا للبنات في ذلك الوقت كان يتم القيام بدروس التربية البدنية بشكل منتظم من أجل بناء جسم سليم، وكانت الهاكاما تقوم بإخفاء الأطراف البارزة من الكيمونو (باستثناء الأطراف السفلية)، لذلك نُصح بارتدائها من قبل المدرسة كلباس من الممكن القيام بالتمارين الرياضية به بشكل نشط. بالمقابل كان لدى الطالبات إعجاب ورغبة لارتدائها. وذلك لأن الهاكاما توحي بوجتود مكانة نبيلة تذكر بالأسرة الإمبراطورية والقصر الإمبراطوري. حيث ارتدت النساء الهاكاما في داخل القصر الإمبراطوري منذ القدم، وكانت النساء غير المتزوجات يرتدين الهاكاما البنفسجية، بينما كانت النساء المتزوجات يرتدين الهاكاما الحمراء. ويقال إن الهاكاما المستخدمة في المدارس العليا للبنات تم ابتكارها من خلال الجمع بين الهاكاما الخاصة بالرجال والهاكاما الخاصة بالنساء التي يتم ارتدائها في داخل القصر الإمبراطوري. وبالمناسبة، فإن أكثر هاكاما كان يتم ارتداؤها من قبل الطالبات في عصر ميجي كان لونها كستنائيا.

قامت الطالبات اللواتي كن معجبات بالهاكاما ولديهن رغبة لارتدائها بارتداء الهاكاما بشكل ذاتي والذهاب بها إلى المدرسة، والطلب من مديرة المدرسة السماح بارتدائها أيضا.ومن الممكن القول إن سبب انتشار الهاكاما كزي للطالبات إلى الرغبة القوية لدى الطالبات بتقبل الهاكاما بشكل إيجابي. حيث كانت الطالبات في عصر ميجي يستمتعن بالأناقة الهجينة بين ”الطراز الياباني“ و”الطراز الغربي“ التي كانت تسير على قدم وساق، من خلال تزيين الهاكاما المصنوعة من الكشمير المستورد بأدوات الزينة الغربية كالشرائط ومظلات الشمس.

وفي العشرينيات من القرن الماضي (النصف الثاني من عصر تايشو)، بدأ زي الطالبات يتغير إلى اللباس الغربي، وكان لباس البحارة هو اللباس الذي تقبلته الطالبات بحماس شديد من بين كل تلك الأزياء. وبالعودة إلى ذكريات الماضي، يُقال إنه كان يوجد طالبات قمن بتغيير شكل الزي ليصبح مثاليا من خلال تقصير طول السترة، وزيادة عدد طيات التنورة، حتى لو كان ذلك مخالفا للوائح المدرسية. ومن خلال تصرف هؤلاء الطالبات من الممكن الشعور بالرغبة في تفسير معنى الزي المدرسي وتصميمه بشكل ذاتي من دون الالتزام باللوائح التي تحددها المدرسة. ومخالفة اللوائح المدرسية هو سلوك غير غريب مازلنا نشاهده حتى وقتنا الحالي. ويبدو أن المواجهة بين الطلاب الذين يكسرون اللوائح المدرسية محاولين تحقيق رغباتهم وبين المدرسين الذين يقومون بالمعاقبة على ذلك لم تتغير لا في الماضي ولا في الحاضر.

انتشار الزي المدرسي، وانتقاده، وتنوع تصاميمه

من خلال الرجوع إلى تاريخ الزي المدرسي للطلاب والطالبات، سنعرف أنه تراكمت مشاعر مختلفة تجاهه. ومن الممكن القول إن تاريخ الزي المدرسي الذي أُجبر الطلاب على ارتدائه من خلال الالتزام بتعليمات المدرسة، وتاريخ الزي المدرسي الذي كسر القواعد المدرسية وعكس الرغبات والمثالية الذاتية، هما وجهان لعملة واحدة.

ازداد عدد الطلاب الذين يلتحقون بالمدارس الإعدادية التي تعمل وفق النظام القديم (مدارس البنين) ومدارس البنات العليا منذ عصر تايشو وحتى عصر شوا، وبالإضافة إلى ذلك، بعد بدء انتشار الملابس الغربية بين عامة الشعب بفضل تطور صناعتها، انتشر الزي المدرسي الذي كان شيئا خاصا بالطلاب المتميزين والطالبات الأنيقات بين عامة الشعب تدريجيا. حيث أصبح ارتداء نفس الزي المدرسي من قبل الجميع يرتبط بـ ”المساواة“، ويُتوقع منه أن يقوم بإخفاء الفجوة بين الفقراء والأغنياء.

بعد الحرب العالمية الثانية، كان بقاء الزي المدرسي معرضا للخطر في الفترة الممتدة بين نهاية الستينيات وبداية السبعينيات من القرن الماضي بسبب الحركة الاحتجاجية الطلابية. ففي ذلك الوقت تم انتقاد الزي المدرسي كرمز للتعليم الاستبدادي، وظهرت مدارس قامت بإلغاء ذلك الزي أو جعله زيا اختياريا. ولكن، اقتصر التوجه إلى إلغاء الزي المدرسي على بعض المدارس في مراكز المدن، ولم يتم التخلص منه بشكل نهائي. وفي النصف الثاني من الثمانينيات، ظهرت مدارس قامت بتغيير تصميم الزي المدرسي من اللباس بياقة منتصبة ولباس البحارة إلى السترة. وتدريجيا تنوعت تصاميم الزي المدرسي أيضا، وإلى جانب ذلك تحسن الانطباع تجاهه إلى أن وصل إلى وقتنا الحالي.

الذكريات الجميلة التي يحملها الزي المدرسي

إذن، لماذا لم يختف الزي المدرسي على الرغم من تعرضه للانتقاد يا ترى؟ فالزي المدرسي مقيد بقواعد دقيقة، وهناك أوقات ربما يتم الشعور فيها بعدم الارتياح بسببه، وثمنه مرتفع مقارنة بأزياء الموضة السريعة، فلماذا مازال الطلاب يرتدونه حتى الآن يا ترى؟

عند سماع آراء الناس حول الزي المدرسي، تطفو على السطح النقاط المثيرة للاهتمام. ومن تلك النقاط هي أن العلاقة مع الزي المدرسي لا تقتصر على فترة الدراسة في المدرسة فقط. فهناك أشخاص يحاولون التحدث إلى الطالب الذي يرتدي الزي المدرسي للمدرسة التي كانوا يدرسون فيها عند مشاهدته، وهناك أشخاص يعارضون بشدة تغيير تصميم الزي المدرسة للمدرسة التي كانوا يدرسون فيها. وذلك لأن الزي المدرسي يحمل حتى ذكريات الكثير من الأشخاص الذين كانوا طلابا في الماضي. وأعتقد أن وجود مثل هذه الطبقة المؤيدة العريضة، وذكريات الزي المدرسي الجميلة، والحنين المستمر إليه هي عوامل كبيرة أدت إلى عدم اختفاء الزي المدرسي بسهولة. وقد يكون الزي المدرسي دافعا هاما إلى الحنين إلى أيام الدراسة ومراجعة الذات.

وبالطبع، هذا لا يعني أن كل الناس يؤيدون الزي المدرسي. فهناك أشخاص أُجبروا على ارتداء نفس الزي الذي يرتديه الآخرون، وشعروا بعدم الارتياح، أو مازالوا يشعرون به. أيضا، هناك العديد من المشاكل التي يتم طرحها حول الزي المدرسي، مثل عدم وجود تميز، ومشكلة تحمل التكاليف، والتعامل مع المثليين، وغيرها من المشاكل الأخرى. ولكن بالمقابل، عند مشاهدة الطلاب الذين يرتدون زيا جديدا في موسم احتفالات الالتحاق بالمدرسة، فإنهم يجعلوننا نشعر بحلول الربيع. وهذا النوع من الشعور المتناقض هو دليل على أن ثقافة الزي المدرسي نشأت بشكل غامض ومتعدد الأوجه. فهناك جوانب جيدة وجوانب سيئة. وهناك حب وكره في نفس الوقت. فلماذا نرتدي الزي المدرسي يا ترى؟ إن الجواب على هذا السؤال لا يمكن تلخيصه بكلمة واحدة.

(النص الأصلي باللغة اليابانية، صورة العنوان: طلاب ثانوية يقفون أمام السبورة، أفلو)

التعليم المدرسة الأزياء أطفال