مذكرات ولي العهد الياباني ناروهيتو خلال دراسته في أكسفورد

مجتمع

أي نوع من الرجال هو ولي العهد ناروهيتو، الإمبراطور القادم لليابان؟ هناك كتاب شامل لأولئك الذين يرغبون في معرفة المزيد عنه. سافر ناروهيتو في عام 1983عندما كان يبلغ من العمر 23 عاما بمفرده إلى بريطانيا حيث قضى عامين في كلية ميرتون بجامعة أكسفورد. وبعد عقد من الزمن نشر مذكرات إقامته في عام 1993.

ظهرت النسخة الإنجليزية من الكتاب في عام 2006 تحت عنوان ’’التايمز وأنا: مذكرات عامين في أكسفورد‘‘ وهي من ترجمة السفير البريطاني السابق في اليابان السير هيو كورتازي – الذي توفي مؤخرا – وقد منحت القراء الذين لا يعرفون اللغة اليابانية فرصة لفهم شخصية ولي العهد. تجدر الإشارة إلى أن السير هيو – كما أخبرني شخصيا – قد واجه معارضة كبيرة من وكالة القصر الإمبراطوري التي سعت إلى منع ظهور هذه الطبعة الإنجليزية.

الكتاب بنسخته اليابانية الأصلية نفسه لا يبدو عاديا. وبصرف النظر عن صغر حجمه فإن الكتاب ذي الغلاف الورقي ’’شينشو‘‘ والذي يبلغ عرضه 10.3 سنتيمتر فقط وبارتفاع 18.2 سنتيمتر قد تمت طباعته من قبل جامعة غاكوشوئن التي ارتادها ولي العهد.

ولعل السبب في كون هذه المذكرات بدت وكأنها لم تحدث صخبا لدى القراء باستثناء حفنة من متاجر الكتب في طوكيو يكمن في أن المؤسسة التي تولت طباعتها لم تكن دار نشر وبالتالي لم تكن قادرة على الوصول إلى قنوات التوزيع الحالية للمبيعات على الصعيد الوطني. وهذا ما يجعل المرء يشك في أن احتمال تحول المذكرات إلى أكثر الكتب مبيعا وهو ما يستحوذ على اهتمام يصل إلى مستوى الإحراج، قد دفع إلى اتخاذ القرار بتجنب اللجوء إلى دار نشر مشهورة.

ناروهيتو، ولي العهد في اليابان. ’’تيموزو تو تومو ني: إئيكوكو نو نين ينكان‘‘. طوكيو: جامعة غاكوشوئن، 1993. ترجم إلى الإنجليزية من قبل السير هيو كورتازي تحت عنوان ’’التايمز وأنا: مذكرات عامين في أكسفورد‘‘ (فولكستون، كينت: غلوبال أورينتال، 2006).

إن عرض ذكريات ولي العهد في السوق الشامل ربما يجعله هدفا للاستهلاك الشامل، وسيكون سلعة متاحة للجميع وهو أمر غير مرغوب فيه بالتأكيد. ربما كان هناك حذر كبير من هذا الاحتمال المدمر داخل وكالة البلاط الإمبراطوري وأولئك الذين يحيطون بسموه الإمبراطوري. إن ظهور ترجمة إلى اللغة الإنجليزية سوف يجعل العمل متاحا للقراء بدون أي مودة خاصة لمؤلفه، مما يجعله عرضة لخطر السخرية القاسية من النقاد. يتمثل جل مهمة وكالة البلاط الإمبراطوري في توقع مثل هذه المخاطر المحتملة، لذلك أعتقد أن معظم الناس يمكن أن يتخيلوا لماذا لم تكن متعاونة مع السير هيو.

فالمؤسسات مثل العائلات الإمبراطورية أو الملكية والتي تستمد سلطتها من التقاليد فقط ولا علاقة لها بالديمقراطية التمثيلية غير مناسبة لأنظمة الكشف عن المعلومات الحديثة. وبدلا من ذلك، من الأفضل أن تظل متخفية إلى درجة معينة من عدم الوضوح كما اقترح السفير الأمريكي السابق في بريطانيا رايموند سيتز، الذي كان مراقبا بارعا للثقافة البريطانية. إن ملاحظة سيتز بشأن العائلة المالكة البريطانية هي أيضا مناسبة للأسرة الإمبراطورية اليابانية.

عاصر ولي العهد منذ البداية والده الإمبراطور أكيهيتو وجده الإمبراطور السابق شوا وهما يحاولان الإبقاء على مسافة مناسبة من الشعب خلال الأزمنة المتغيرة. ولا بد وأنه دأب على التفكير في الطريقة التي سيتصرف بها عندما يصبح إمبراطورا. ولكنه في مذكراته ترك حرص والده وجده في اليابان ليكسب لنفسه فترة للمرة الأولى في حياته، فالحياة المريحة للشاب ناروهيتو الذي يستنشق الهواء النقيّ في أكسفورد قد تم وصفها بوضوح عبر ذكر التفاصيل بلا حدود. وهذا يعطي القراء لمحة عن شخصيته ويوضح قيمة جهود السير هيو.

سُئل ولي العهد من قبل أصدقائه ماذا تعني كلمة ’’جلالتك‘‘ باللغة اليابانية وهو ما أدى إلى موقف طريف. ’’أوضحت أن الكلمة هي ’’دينكا‘‘ وقلت إنه لا ينبغي الخلط بين هذا وبين الضوء الكهربائي الذي أشرت إليه وقلت إن اسمه ’دينكي‘ باللغة اليابانية. بعد ذلك ندمت على قول هذا لكن الوقت كان قد تأخر، حيث بعد ذلك كان اثنان منهم يغيظاني من خلال الإشارة إليّ على أني ’’دينكي‘‘ بينما يشيران إلى الضوء ويقولان إنه ’’دينكا‘‘.

ولي العهد الأمير ناروهيتو يتحدث مع أصدقائه الطلاب خلال جولة حول جامعة أكسفورد في ديسمبر/كانون الأول عام 1983، جيجي برس.

أحد أصدقاء ولي العهد الذين وردوا في الكتاب هو طالب أمريكي مشار إليه بـK أول حرف من اسمه. عندما كان الأمير ناروهيتو في بريطانيا، ترك R الأخ الأكبر لـK منصبه التدريسي في كلية نيو كوليج في جامعة أكسفورد للعمل في الولايات المتحدة في جامعة برينستون. عندما اقتربت فترة دراسة ولي العهد من نهايتها زار برينستون قبل أن يعود إلى اليابان. وقد التقى الممثلة بروك شيلدز التي كانت تدرس هناك. هذه كلها حلقات من صداقته مع الشقيقين لكني علمت مؤخرا أن R هو حاليا روبرت بي جورج والذي ما زال بروفسورا في برينستون وهو مرجع في الفكر المحافظ، الأمر الذي أثار دهشتي.

يصادف هذا العام مرور 150 عاما منذ بداية عهد ميجي (1868–1912). خلال تلك الفترة التي بلغت قرنا ونصف، سافر عدد لا يحصى من اليابانيين إلى أوروبا والولايات المتحدة طلبا للمعرفة. لقد أسسوا نمطا فريدا لا يستند إلى الأدب الخيالي يعرف باسم ’’ريوغاكوكي أو (سجل الدراسة في الخارج)‘‘ وهو غير موجود في الغرب. يقوم الكُتّاب الذين أنهكهم وعيهم الذاتي والصراع مع لغة لا يألفونها، بتطوير إحساس قوي بالمسؤولية لأنهم يخبرون أنفسهم بأنه يجب أن يتقنوا موضوع دراستهم قبل عودتهم إلى اليابان. وينتقل الكثيرون أيضا من مرحلة الشباب إلى البلوغ مما يمنح سجلاتهم مجالا روحيا قويا.

إن مذكرات ولي العهد تشارك هذه السمة الظاهرة. حيث تصور بدون أي تكلف نمو شاب وهو يفتح عينيه وأذنيه بينما يستمتع بالمناقشات الطويلة والضحك مع أصدقائه. في كل صفحة من هذا الكتاب النحيل هناك حلقات تبهج القارئ ليشعر وكأنه أحد المتفرجين يراقب كل واحد منهم على حدة. إن قراءة كتاب ’’التايمز وأنا‘‘ تجعل من السهل علينا تخيل كيف كان هذان العامان بالنسبة لولي العهد في أكسفورد.

(المقالة الأصلية منشورة باللغة اليابانية في أكتوبر/تشرين الأول عام 2018. الترجمة من الإنجليزية. صورة العنوان: ولي العهد ناروهيتو يستريح في غرفته في كلية ميرتون بجامعة أكسفورد في سبتمبر/ أيلول عام 1985. الصورة من جيجي برس)

العائلة الإمبراطورية الإمبراطور