كيف هي الحياة في بيوت القمامة؟

مجتمع هو وهي

خلال السنوات الثلاثين لفترة هيسي، اكتسبت الأشياء الرخيصة شعبية واعتدنا على التخلص من الأشياء المنخفضة السعر بعد الانتهاء من استخدامها. ويوجد الكثير من الأشخاص ذوي الدخل المرتفع نسبيًا، ممن يستخدمون أشياء كلها منخفضة القيمة. ويعتقد أن هذا النمط المعيشي سبب من الأسباب في ظهور "بيوت القمامة". لذا قمنا بإجراء هذه المقابلة مع السيد ساساكي هيساشي رئيس شركة "ماغونوتي" التي تقوم بحوالي 850 عملية ترتيب لبيوت القمامة هذه في قلب طوكيو.

ساساكي هيساشي Sasaki Hisashi

ولد في عام 1969 في أوساكا. الرئيس التنفيذي ورئيس Magonote المحدودة وهي شركة متخصصة في تنظيف "بيوت النفايات". ينظر ساساكي إلى بيوت القمامة باعتبارها مشكلة اجتماعية حرجة يجب معالجتها. ويقدم ساساكي المشورة للعملاء حول طرق تحسين أساليب حياتهم وغالبًا ما يتم استدعاؤه للتحدث إلى مجموعات مهنية متخصصة في الرعاية الطبية المنزلية ورعاية المسنين.

بعد صيحة ”كونماري“، وصيحة ”الزهد“، ظهر الأشخاص ممن يسمون مينيماليست (متبعي نهج الحد الأدنى من الأشياء) والذين يشعرون بالسعادة في عدم الإفراط في امتلاك الأشياء. ففي المقابل من وجود الأشخاص محبي النظام والترتيب، أصبح من واقع اليابان اليوم، وجود من يعيشون داخل القمامة ذاتها أكثر من مجرد العيش ”محاطين بالأشياء“ دون التخلص منها.

ويترك هؤلاء الأشخاص بقايا الأكل وعلب الرامين لسنوات عدة دون غسيل، ويراكمون جبال من الزجاجات البلاستيكية وعلب المشروبات التي لازال متبقيًا بها بعض السوائل. وهناك من يعيشون حياة تجعلهم مضطرين للتبول في الزجاجات البلاستيكية حيث لا تسمح لهم القمامة المتراكمة بفتح باب المرحاض. وتتخصص الشركة التي أديرها ”ماغونوتي“ في ترتيب بيوت القمامة، وتتولى ترتيب حوالي 850 حالة سنويًا.

قرار التحول إلى شركة متخصصة بسبب كلمة

كان السبب في بدء النشاط كشركة متخصصة في تنظيف بيوت القمامة، لقاء أحد العملاء.

تعرضت شركة الشحن التي كنت أديرها في أوساكا للإفلاس، وذهبت إلى طوكيو هربًا عام 2008. وقمت بالعمل كعامل متعدد الحرف لمجرد كسب قوت يومي. وقمت بتقبل أي عمل يوكل إلى دون تبني فلسفة نبيلة على سبيل ”الرغبة في إفادة المجتمع“ أو ”مساعدة الأشخاص المحتاجين“.

وفي أحدى المرات، حصلت على طلب القيام بتنظيف غرفة إحدى الطالبات تنتمي لجامعة عريقة في طوكيو. وعندما ذهبت لرؤية الغرفة لتقدير الأتعاب، تراجعت لا إراديًا للخلف. فعندما قمت بفتح باب الشقة الصغيرة للطالبة، وجدت أكوام القمامة التي يصل ارتفاعها إلى أكثر من متر قد ردمت الشقة من المدخل حتى أعمق نقطة بالمكان. ووجدت المكان مقطوعا عنه الكهرباء والغاز، ويهيم به الذباب الصغير، تلفه رائحة سيئة، حيث كانت تعيش الطالبة في ضوء المصباح اليدوي. وعلى الرغم من قيامي بأعمال كثيرة للتخلص من الأشياء الغير مرغوب بها وترتيب الغرف، إلا أن هذه كانت المرة الأولى التي أجد نفسي مباشرة أمام بيت من بيوت القمامة.

ولم يكن لدى الطالبة سوى القليل من النقود، حوالي عشرات الآلاف من الين، حيث كانت تعتمد على الأموال التي يرسلها والدها. وبالنسبة لي أيضًا لم يكن عندي متسع لمساعدة الآخرين، حيث لم يكن مضى وقتها على بدء نشاطي أكثر من عام واحد. ولكن حين وجدت الفتاة في العشرينات تعيش تحت أكوام القمامة، لم أستطع رفض طلبها. وطلبت منها سداد المبلغ المتبقي على أقساط لاحقًا. وقمت جاهدًا بترتيب المنزل قدر استطاعتي مع زوجتي وابني حيث لم يكن لدي وقتها الخبرة بتنظيف بيوت القمامة أو فريق العمل اللازم لذلك.

وعندما طالعت كلماتها في رسالة إليكترونية أرسلتها لي بعد انتهائي من العمل ”لقد رفض العديد من الشركات القيام بالعمل، وظننت أنه لن يتبقى أمامي أي خيار آخر سوى الموت إذا رفض طلبي مرة ثانية “، وشعرت بالسرور لقبولي القيام بهذا العمل في نهاية الأمر. وعندها اتخذت قراري ”سوف أصقل مهارة القيام بهذا العمل إلى أقصى حد، فيجب أن أقوم به بشكل متخصص تاركًا أي أعمال أخرى“.

كبار السن الذين لا يستطيعون التخلص من الأشياء القديمة

أي شخص مهما كان، لديه رغبة في تجميل نفسه أمام الآخرين كحد أدنى ، بالنسبة لمن لديه الأصدقاء أو حبيب الذين يزور منزله، لا تصل حالة منزله إلى درجة حرجة. ولكن يوجد من يصعب عليهم التواصل مع الآخرين ويتركون بيوتهم دون العناية بها بسبب عدم وجود من يزورهم في بيوتهم.

وبالمقابل لا يزال هناك طلبات ترتيب بيوت من الأشخاص ذوي مكانة اجتماعية عالية لديهم خلفية علمية مرموقة وراتب كبير. وتكثر الطلبات من قبل الممرضين. أيضًا أغلبهم ممن يعملون في مواقع عمل تفصل بين الحياة والموت بما فيها أقسام استقبال الطوارئ وغرف العناية المركزة بالمستشفيات الكبيرة. ويوجد الأشخاص الذين يجتهدون في العمل بالخارج، ويمتلكون ملكات التواصل ولكن يعيشون تحت أكوام القمامة حين يبتعدون عن مكان عملهم. ويصعب الجزم بكون الأمر راجع فقط لمجرد الكسل. بل يمكن أن يكون ذلك سعي العقل الباطن لتحقيق توازن مع حالة التوتر القصوى.

أحيانًا ينتبه الشخص فجأة لهذا الواقع، ويقوم من تلقاء نفسه بالاتصال هاتفيًا طالبًا خدماتنا. والكثير من الأشخاص عند حديثنا معه، ينفي تذكره في الأغلب لتراكم القمامة بهذا الشكل المبالغ به، حتى وإن كان يتذكر الحدث الذي تسبب في ذلك. من الجنون للغاية أن يكون شخص بالبيت فوق جبال القمامة التي تتراكم حتى بالقرب من السقف وينام عليها.

وبالنسبة للأشخاص في الفئة العمرية أكبر من السبعينات، الذين اختبروا العيش الفقير في الماضي، يعد التخلص من الأشياء القديمة أمرًا مؤلمًا لا يضاهيه ألم آخر. في كثير من الحالات، يتمسكون بالأشياء القديمة بما فيها الأغطية والملابس التي استخدموها في عصر شوا، وأدوات المائدة المتأخرة بحجة "احتمال استخدامها يوما ما"، وانتهى بهم المطاف إلى مواجهة تراكم الأشياء بصورة عشوائية.

وبحسب الخبرة، أدرك أن هؤلاء الأشخاص لن يستخدموها مرة أخرى، ولكن لا ضرر من ضعف كبار السن أمام التخلص من الأشياء القديمة إن تم الاحتفاظ بها بشكل صحي لا يعوق حركة الحياة داخل البيت. ربما قد تكون طريقة القول هذه غير مناسبة، ولكن من الممكن ترتيب هذه الأشياء بعد موتهم. ولكن في الواقع هذا أمر آخر تعلمته من العملاء.

بيوت القمامة: قبل وبعد (الصورة مقدمة من شركة ماغونوتي)

عميلة أخرى في الأربعينات من العمر، تعمل أستاذة مساعدة وتعيش وحدها، وقررت الانتقال للسكن في شقة أكبر للعيش مع والديها المسنين. وكان والدها يديران متجرا للكتب القديمة ويعشق كلاهما الكتب. وحتى بعد أن أغلقا المتجر واستأجرا شقة سكنية لحفظ كتبهم.

وقررت العميلة أخذ والديها مع كتبهما الكثيرة وتخصيص غرفتين لحفظها بالشقة الجديدة الواسعة التي قامت باستئجارها. وقالت ”لقد أصبحا يودعان أصدقاءهما الواحد تلو الآخر، لم يعودا يستطيعان تحريك أجسادهما كما يريدان، وأصبحا يفقدان الذاكرة والذكريات. ولم يكن من الممكن إجبار من يفقد بالفعل أشياء كثيرة كل يوم، على فقد أشياء عزيزة أخرى“.

وهنا أدركت أن عمل التنظيف لا يقتصر على مجرد التخلص من الأشياء باستخدام تقنيات الترتيب.

عزلة حياة المدينة

ونظرًا لكثرة المباني السكنية بمنطقة العاصمة، معظم الطلبات التي نتلقاها هو تنظيف بيوت القمامة في الشقق السكنية.. وعلى الرغم من أن ما يفصل بين البيتين مجرد جدار واحد وسقف واحد، إلا أن الجيران لا يشعروا بهذا الأمر. وليس من النادر أن نجد شخصا لا يعرف اسم جاره وأيضا لا يلتفت إلى خروجه ودخوله إلى البيت.

وحتى إذا  قام الجار بالإتصال بالشركة القائمة على إدارة العقار بسبب خروج رائحة حادة لا يمكن تحملها من الشقة، لا يمكن دخول هذه الشقة مباشرة لوجود العائق القانوني. وبينما تجري دراسة الأمر، يخرج عن السيطرة مع مرور الوقت. وعندما تلقينا الطلب، وقمنا حتى بحمل كميات كبيرة من الأشياء لخارج الشقة، يقوم الجيران باصطناع عدم المعرفة. وعلى الرغم من مرور الكثير من الأشخاص، إلا أن الأمر يبدو كما لو كان العميل يسكن في جزيرة منعزلة وحده بسبب عدم وجود تواصل بينه وبين جيرانه.

وفي الماضي، كان من العادي أن تقوم إحدى الجارات بفتح الباب من تلقاء نفسها والتحدث مع الشخص، ”عليك إخراج القمامة بشكل منتظم“، أو ”تخرج رائحة غريبة من هذا البيت، هل أنت بخير؟“. ولكن مؤخرًا ولتفادي المتاعب، أصبح عدم الاختلاط بالجيران، هو الاختيار المفضل. وربما يكون غياب هذا النوع من العلاقات بين الأشخاص هو أحد الأسباب التي نتج عنها ظاهرة بيوت القمامة.

ضرورة شراء مظلة لا يقل سعرها عن 15 ألف ين

وأحد الأسباب الأخرى هو أنه طوال 30 سنة في فترة عصر هيسي، ظلت اليابان تحت الانكماش، واكتسبت الأشياء الرخيصة شعبية. وانتشرت متاجر المئة ين والموضة السريعة، وتنافس المتاجر الأونلاين حول السعر، واعتدنا على شراء الأشياء الرخيصة واستخدمها ثم التخلص منها. وحتى الأشخاص ذوي الدخل المرتفع، إلا أن أغلب ما يملكون هو من الأشياء الرخيصة.

وقبل عدة سنوات، وجدت كومة كبيرة من المظلات البلاستيكية التي تباع بثلاثمائة ين في شقة أحد العملاء. ووجدت مئات من ربطات العنق رخيصة الثمن وساعات اليد من العلامات التجارية المقلدة. وهنا قلت للعميل ”يجب أن تمتلك الشجاعة لشراء أشياء أخرى، ولتكن المظلة بسعر 15 ألف ين على الأقل، والحلة أكثر من 50 ألف ين، وساعة اليد من أفخم الأنواع“.

ولأن المظلة سعرها 300 ين فقط، فمن السهل نسيانها في الحانة، أو عدم الاهتمام بشراء واحدة أخرى. ولكن في حالة امتلاك مظلة بسعر 15 ألف ين، لن يمكن الرضا باستخدام مظلة بلاستيكية، ولن تنسى المظلة بمكان الخروج. وفي حالة امتلاك ساعة اليد الفخمة بسعر مليون ين ياباني، لن تفقدها بسبب وضعها دون قصد في مكان ما عند العودة إلى البيت، بل ستقوم بالعناية بها لاستخدامها طوال العمر.

وقام هذا العميل طوال عام كامل بتبديل الأشياء التي يمتلكها شيئًا فشيئًا، ونتيجة لذلك تغيرت من طريقة معيشته وتفكيره. وقام بالالتحاق بعمل جيد، مما زاد من راتبه.

وأحيانًا، أفكر في أنه إن لم يكن هناك متاجر كومبيني، ولا متاجر المئة ين، ولا التسوق أونلاين، لم يكن عمل تنظيف بيوت القمامة ليوجد من الأساس. فإن شراء الأشياء الرخيصة والتخلص منها بعد استخدامها، يؤدي بالشخص نفسه إلى استهانة نفسه ذاتها.

ترتيب للحياة!

ومن بين العملاء، يوجد ”من تقرر تغيير مكان عمله بشكل مفاجئ“ و”من ينتظر زيارة فحص الغاز“، مما جعلهم يطلبون ترتيب بيوتهم. ولكن للتخلص من مشكلة بيوت القمامة هذه، لا يكفي أن يكون العميل مفعولا به، بل إن لم يكن الشخص هو الفاعل ومدفوعًا باعتقاده ”بوجوب فعل شيء ما“، لن نصل إلى الحل النهائي.

بل ولا يجب أن تقوم شركة التنظيف بالتصريح ”سنقوم بالترتيب والتنظيف خلال نصف يوم أثناء خروجك من المنزل“. فلدينا مبدأ بمشاركة العميل في العمل معنا. فرؤية خطوات العمل حتى تصبح الشقة التي كانت غارقة في القمامة نظيفة، تجعل الشخص يرجع بتفكيره إلى الوراء متذكرًا الوقت الذي أمضاه حتى وصلت الشقة إلى هذا الوضع الصعب. ويجعل هذا الشخص يتفادى عودة هذا الوضع إلى ما كان عليه من العيش في بيت للقمامة بعد عدة أشهر.

ولا يعد هذا بالعمل السهل على الإطلاق، حيث في بعض الأحيان، تحتاج إلى العمل ليوم كامل داخل الفضلات وبين الديدان التي خرجت منها والرائحة العفنة. ويحدث كثيرًا أن يهرب الموظفون الذين تم تعيينهم بعد ثلاثة أيام فقط بسبب عدم تحملهم لطبيعة العمل. ولكن حين أفكر في نجاحي في إقناع الطالبة الجامعية التي رغبت في الانتحار بعد أن فقدت الأمل، بالعدول عن الموت، أجد أني قد ساهمت في خلق دافع لتغيير حياة شخص ما إلى شكل أفضل. وأعتقد أن المشاركة في الدراما الإنسانية لهو بالشيء الشيق في هذا العمل. وبدون هذا الجانب من العمل، لكان الأمر شاقًا وكريهًا. وأؤمن بأن ترتيب البيت بمثابة الحياة. وسيظل اعتقادي بذلك مستمرًا من أعماق قلبي.

(النص الأصلي باللغة اليابانية. صورة العنوان بيوت القمامة: قبل وبعد (مقدمة من شركة ماغونوتي). إعداد وكتابة: فريق تحريرNippon.com )

طوكيو كبار السن القمامة