تعرف على الأمريكي الذي درب أول بطل عالم ياباني في الملاكمة!

مجتمع رياضة

في بداية الخمسينات من القرن الماضي، فاز شيراي يوشيو ببطولة العالم للملاكمة ليكون أول ياباني يفوز بهذا اللقب، مانحًا بريقا من الأمل للبلد التي كانت قدر خرجت للتو منهكة من الحرب العالمية الثانية.

لقاء من ترتيب الأقدار

تركت نهاية الحرب العظيمة في عام 1945 الشعب الياباني يائسًا. وعلى الرغم من الهزيمة، فقد عملوا على التعافي، حتى وإن كانت بخطوات بطيئة الواحدة تلو الأخرى. وفي صيف عام 1948، كان هناك شباب ياباني يبذل الكثير من المجهود والعرق في التدريبات المضنية بأحد صالات الألعاب الرياضية في حي جينزا بطوكيو، على أمل أن يصبحوا أبطال الملاكمة في يوم من الأيام. إلا أن واحدًا من بينهم لم يكن متفائلاً وكان يفكر في اعتزال هذه الرياضة. فقد كان الشاب، شيراي يوشيو، في الرابعة والعشرين من عمره بعد، ولكنه أصيب كجندي في الحرب وعانى من ألم العصب الوركي المؤلم. وبدت حياة شيراي كملاكم واعدة في البداية، إلا أنه حافظ على مستواه بالتدريب بتأن وحده. ومع ذلك، حتى وقعت عينا رجل أجنبي عليه وتابعه باهتمام. وقال لشيراي إنه أظهر موهبة طبيعية في ضبطه لتوقيت حركاته وأن بإمكانه أن يصبح بطلاً للعالم. وقال له ”اسمح لي بتدريبك “. كان هذا الرجل هو ألفين روبرت كان، العالم الأمريكي الذي كان يعمل وقتها بـ GHQ، وهو المصطلح الشائع الاستخدام ويشير إلى المقر العام للقائد الأعلى لقوات الحلفاء باليابان أو (SCAP). وكان لهذا اللقاء القدري الذي جمع الرجلين أثر في تغيير تاريخ لعبة الملاكمة.

أسلوب جديد للملاكمة

ولد المدرب كان في شيكاغو في 29 أغسطس/ آب 1892. وبعد دراسة علم الأحياء بالجامعة، واصل مسيرته المهنية كمدرس لعلوم التغذية. ثم بعد فترة وجيزة من انتهاء الحرب العالمية، ذهب إلى اليابان، حيث تم تكليفه بالعمل في قسم الموارد الطبيعية فيSCAP. وعلى الرغم من عدم وجود سابق خبرة سابقة لديه حول لعبة الملاكمة، إلا أنه كان يدرس أهمية التوقيت في الرياضة وكان مفتونًا بمهارة شيراي الواضحة.

ووقتها سيطرت التقنيات العدوانية على لعبة الملاكمة، وفي اليابان، كان الملاكم هوريغوتشي تسونيئو، ”المكبس“ ذائع الصيت لكونه لاعبًا يوجه لخصومه لكمات قوية بلا هوادة. ولكن المدرب كان فضل أسلوب دفاعي أكثر دقة يحرم الخصم من حتى توجيه اللكمات. وأعتقد أن شيراي يمكنه إتقان هذا الأسلوب، وكان مصممًا على اختبار أفكاره حتى لو كانت تمثل مخالفة للتيار السائد وقتها باللعبة.

قام المدرب كان بزيارات عديدة إلى صالة الألعاب مع مترجم فوري حتى استطاع اقناع شيراي في النهاية ليوافق على العمل معه. وكانت أول خطوات العمل، هي علاج شيراي من آلامه المزمنة. وكان الطعام لا يزال شحيحًا في اليابان، لكن كان المدرب كان يحضر الأغذية لشيراي من المطعم العسكري الأمريكي، مثل الهوت دوغ، والهامبرغر، وأحيانًا حتى شريحة لحم. ولم يستغرق شيراي وقتًا طويلاً حتى استعاد قوته وتخلص من آلامه.

وكان التدريب صارمًا. وأخبر المدرب كان شيراي بأن اللكز هو أبسط تقنيات الملاكمة وجعله يتدرب عليها بشكل متواصل لمدة ساعتين كل يوم. وتطور أداء شيراي تحت طريقة تدريب المدرب كان المتفردة وفي عام 1949 انتزع لقب وزن الذبابة الياباني من هانادا يونئيتشيرو، الملقب بأوشيواكامارو الجديد، وهو اسم طفولة الخاص بالمحارب العظيم في التاريخ الياباني، ميناموتو يوشيتسوني. ومن حينها، واصل شيراي انتصاراته ليفوز بلقب الوزن الثقيل أمام هوريغوتشي هيروشي، الشقيق الأصغر للملاكم المذهل هوريغوتشي ”المكبس“. ومع وجود هذين اللقبين في حوزته، ارتفعت ثقة شيراي بنفسه.

المدرب كان يعطي يشير لشيراي في صالة رياضية خاصة في تاكينوغاوا، كيتا، طوكيو. لقد كان مدربًا مخلصًا يسعى إلى الكمال.

ضمان التواجد على الساحة العالمية

في هذه الأثناء، أراد المدرب كان، الذي كان يتطلع إلى أبعد من ذلك بكثير، أن يلتقي شيراي مع بطل العالم في وزن الذبابة، سلفادور ”دادو“ مارينو. كان هذا حلمًا مستحيلًا على ما يبدو في اليابان التي لم تقم باستضافة أي مباراة في بطولة العالم من قبل. ولكن رفض المدرب كان الاستسلام، خاصة عندما علم أن مدير أعمال الملاكم مارينو، أمريكيًا يابانيًا يدعى سام إيتشينوسي. وأخيرًا، في مايو/ أيار 1951، نجح في إقامة المباراة التي خسرها شيراي بناء على قرار لم يوافق عليه جميع الحكام. ولكن في إعادة للمباراة أقيمت في هونولولو، موطن مارينو، في ديسمبر/ كانون الأول من نفس العام، تمكن شيراي من الفوز في الجولة السابعة عليه في بلده، بالضربة القاضية.

حرصًا من اليابان على الحصول على اعتراف دولي، أنشأت لجنة اليابان للملاكمة، وفي 19 مايو/ أيار 1952، أقيمت أول بطولة عالم للملاكمة في البلاد على ملعب كوراكوئين. ويقال إن المدرب كن أخبر شيراي، ”لا تقاتل من أجل نفسك. أنت تقاتل من أجل اليابان التي فقدت كل الثقة والأمل بعد الحرب. في الوقت الحالي، الطريقة الوحيدة التي تستطيع بها اليابان المنافسة على المستوى العالمي، هي الرياضة. فوز، وسوف تمنح بلدك الشجاعة“. وشعر شيراي بالذهول من النصيحة. لماذا يشجع أمريكي يابانيًا بهذه الطريقة؟ وعاهد شيراي نفسه بالفوز باللقب، تأثرًا من إصرار المدرب كان.

المدرب كان يتحدث مع شيراي خلال استراحة في التدريب في صالة الألعاب الرياضية تاكينوغاوا. وتعكس ابتساماتهما الثقة العميقة بينهما.

تعلقت جميع الآمال بشيراي، حيث نظر إلى فوزه على مارينو في هونولولو بوصوله إلى القمة. وجذبت المباراة التي أقيمت في ملعب كوراكوئين أكثر من 40 ألف متفرج شاهدوا خطوات شيراي السريعة فور بداية المباراة. ولكن في الجولة السابعة، فاجئ مارينو شيراي بضربة خطافيه قوية أصابته بارتجاج في المخ. وأنقذ الجرس شيراي الذي ظل واقفًا في ترنح. وألقى المدرب كان توجيهاته للاعبة محاولًا استفاقته، ليستعيد شيراي قوته من الجولة الثامنة، ويربح المباراة بعد إنهاك مارينو. فيما بدا أن كلمات المدرب كان قد أنقذت المباراة من الإفلات من يد شيراي.

وأنطلق الملعب في موجة من الفرحة العارمة بقرار الحكام. وشاهد المدرب كان الفوز بفخر، وهو يفكر في كيفية تحول الشاب الذي قابله بالصدفة إلى نجم ساطع. وفاز شيراي باللقب من خلال السرعة والبراعة بدلاً من القوة الغاشمة. وأثبت المدرب كان بأن الملاكمة العلمية هي الطريق الصحيح.

كان المدرب كان أسطوريًا في قوة قناعاته. ففي معركة أولية قبل المباراة الثالثة للدفاع عن لقبه، عانى شيراي من قطع أعلى عينه اليسرى وقلق من أن الجرح سينزف أثناء مباراة اللقب. ولكن المدرب كان لديه صديق في الولايات المتحدة أرسل كريم أوقف النزيف. وعندما أعرب شيراي عن شكه في نجاح الأمر، قطع المدرب كان ذراعه بشفرة الحلاقة ووضع الكريم على الجرح، قائلًا له: ” انظر ماذا يفعل؟ لا تقلق “. تمكن شيراي من الدفاع عن لقبه دون إراقة قطرة دم من جرحه. وكان الفوز، كما أوضح المدرب كان، يتوقف كلية على اتخاذ الخيارات الصحيحة.

الأمريكي الذي جلب الأمل إلى اليابان

استمر شيراي في الدفاع عن لقبه العالمي أربع مرات قبل أن يخسر بالنقاط في مباراة في نوفمبر/ تشرين الثاني 1954، أمام باسكوال نيكولاس بيريز، الملاكم من وزن الذبابة من الأرجنتين. وقرر شيراي أن الوقت قد حان للاعتزال بعد مباراة العودة في مايو/ أيار 1955، التي خرج فيها من الدور الخامس. وشكر المدرب كان، الذي رد بعيون دامعة، أنه هو الذي ينبغي أن يشكر شيراي. وقال إن شيراي ساعده في العثور على الهدف وعيش حياة رائعة.

وحتى بعد اعتزال شيراي اللعب، بقي المدرب كان في اليابان، يعيش معه. فلم يتزوج المدرب مطلقًا ولم يكن له أقرباء في الولايات المتحدة، وبدا من الطبيعي أن يبقى في البلاد. وبقي الاثنان صديقين حميمين وتعاملا مع بعضهما كأفراد الأسرة الواحدة. وكان المدرب كان رائعًا ولكن أيضًا عنيدًا. ولم يحاول أبدًا تعلم اللغة اليابانية. فكانت الكلمة اليابانية الوحيدة التي عرفها واستخدمها بشكل متكرر هي، دامي! (مرادف ”لا“)، فيما يعد انعكاسًا لمثابرته وتصميمه العنيف على تصحيح الأمور.

المدرب كان يلعب مع ديك في منزل شيراي وهو يدخن سيجارة، في تاكينوغاوا، كيتا، طوكيو.

مع تقدمه في العمر، أصيب كان بالخرف وتم إدخاله المستشفى بشكل متكرر. وفي 23 يناير/ كانون الثاني عام 1971، زار شيراي المدرب كان، الذي كان قد تم نقله إلى المستشفى لإصابته جلطة دماغية. وكان المدرب كان في غيبوبة لعدة أيام. وفجأة حرك يديه في الهواء وأمسك بيد شيراي وهو ينادي باسمه ”يوشيو، يوشيو“. وفي اللحظة التالية خرجت القوة عن قبضته وفقد وعيه مرة أخرى. توفي كان في وقت مبكر من صباح يوم 24 يناير/ كانون الثاني وكان عمره 78 عامًا. في أيام تألقهما، كان كثيرًا ما يقول لشيراي، ”الآن، أنا صديقك. ولكن عندما أموت فلن يتبقى شيء. إنساني. “

ما الذي دفع كان لترك بلده المنتصر والقدوم إلى اليابان؟ ولماذا كان يعمل لإنقاذ شيراي؟ لن نعرف أبدًا حقيقة ذلك، ولكن ما نعرفه هو أن فلسفة حياة أحد الأمريكيين ساعدت في إثارة قوة جديدة في أمة تعرضت للهزيمة.

(نشر النص الأصلي باللغة اليابانية. الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: أجواء الترحيب بعودة المدرب كان واللاعب شيراي إلى اليابان في موكب احتفالي بالنصر بعد إلحاق شيراي الهزيمة ببطل السلفادور ”دادو“ مارينو، في مباراة غير مؤهلة في جرت في هونولولو. فتح ذلك النصر الطريق أمام شيراي للتتويج ببطولة العالم. الصورة من إهداء مجلة بوكسينغ)

الرياضة الجودو الألعاب الأولمبية الكاراتيه