فن الإيجاز: نظرة عابرة على الهايكو

ثقافة

العد إلى الرقم ١٧

ربما يسمع الكثيرون من الناطقين باللغة الإنكليزية عن الهايكو haiku لأول مرة في المدرسة، حيث يتعلمون أن الهايكو هو شعر مؤلف من ١٧ مقطعا، ينقسم إلى سطور يتألف أولها من ٥ مقاطع والسطر الثاني من ٧ مقاطع والأخير من ٥ مقاطع. ومن المرجح أن تقسيم ٥-٧-٥ هو أول ما يخطر على بال اليابانيين عند سماع كلمة ”الهايكو“.

لكن الفرق المرئي المباشر يكمن في حين أن كتابته التقليدية تتم في ثلاثة أسطر باللغة الإنكليزية، فإنها تبدو وكأنها سطر واحد فقط باللغة اليابانية. هذا لأن الهايكو كتب في الأصل بطريقة عمودية (من الأعلى إلى الأسفل)، ولكن الكتابة الأفقية (من اليسار إلى اليمين) أصبحت شائعة اليوم أيضا.

وكمثال على ذلك، يُمكن للمرء الاطلاع على ما ورد أدناه عما كتبته شاعرة عن هايكو تدعى دن سوتيجو (١٦٣٤-١٦٩٨) عندما كان عمرها ست سنوات فقط. وتصف كيف أن الأثر الذي يتركه قبقاب الغيتا الخشبي مستطيل الشكل في الثلج يشبه الكانجي الخاص برقم اثنين ().

雪の朝 二の字二の字の 下駄の跡yuki no asa / ni no ji ni no ji no / geta no ato

صباح ثلجي
أثر القبقاب يبدو وكأنه
رمز لرقم اثنين

وهنالك ثمة فرق آخر يأتي في الطريقة التي تتم بها عملية عَدِّ ٥-٧-٥ في الهايكو الياباني، فبدلا من المقاطع، يقوم الكاتب بتعداد الـon (الأصوات)، التي عادة ما تكون هي نفس طريقة تعداد الكانا(*١). على سبيل المثال، كلمة ”ها-ي-كو“ تتكون من ثلاثة كانا (は・い・く) أو on، على الرغم من أنها تُلفظ مَنطُوقةً وفقا لمقطعين.

سياق موسمي

كما أن هناك ميزة أساسية أخرى وهي كيغو (كلمة موسم أو فصل). ففي شعر دن سوتيجو، كلمة ”الثلج“ هي دلالة على فصل الشتاء. وكذلك في الهايكو التالي لماساؤكا شيكي (١٨٦٧-١٩٠٢)، حيث فاكهة الكاكي كلمة تدل على موسم الخريف. وبالمناسبة، فإنَّ هوريوجي هو اسم معبد شهير في نارا.

柿食えば 鐘が鳴るなり 法隆寺kaki kueba / kane ga narunari / Hōryūji

أتناول فاكهة الكاكي
ويرن جرس المعبد
هوريوجي

وهكذا تكون إضافة الكلمات الموسمية في الشعر عادة بناء على تطور الشعر من الأشكال المبكرة، مع العلم أن العمق الإضافي الذي يولده ترابط كلماتها يساعد على ضمان حفظ الكلمات أمكنتها في أشعار الهايكو القياسية.

أما سايجيكي أو قاموس كيغو فيقسمها إلى خمس قوائم تغطي الفصول الأربعة ورأس السنة الجديدة. ثم تنقسم هذه إلى عدة قوائم تشمل مجالات من حيوانات ونباتات وأنشطة بشرية ذات صلة في كل فترة

أمثال الكلمات الموسمية

الربيع hinamatsuri (مهرجان الدمى)، uguisu (طيور هازجة)، hibari (طائر القبرة)، ume (زهر البرقوق)، sakura/hana (أزهار الكرز)
الصيف niji (قوس قزح)، fūrin (الجرس الرياحي)، yukata (ملابس يابانية تقليدية)، kingyo (سمكة ذهبية)، himawari (زهر عباد الشمس)
الخريف meigetsu (حصاد القمر)، inekari (حصاد الأرز)، sanma (سمك الصورى)، shika (الغزلان)، momiji (أوراق أشجار القيقب اليابانية)
الشتاء shimo (الصقيع)، tsurara (رقاقات الثلج)، tsuru (طائر الكركي)، kaki (المحار)، mikan (اليوسفي)
السنة الجديدة kadomatsu (صنوبر البوابة، هي قطعة ديكور تقليدية توضع عند الاحتفال بالسنة الجديدة على شكل أزواج أمام المنازل)، otoshidama (هدايا من المال للأطفال)، hatsuyume (الحلم الذي يشاهده في ليلة ٢ يناير/كانون الثاني)، hatsumōde (أول زيارة للمعبد في رأس السنة)، mochi (كعك الأرز)

شعر من نصفين

وتوجد ميزة أخرى رئيسية أيضا وهي تجاور عنصرين. يتم استخدام كيريجي أو ”كلمة قاطعة“ تقليديا للتعبير عن التعجب، حيث يحقق تقسيم كلمات مثل ya، kana تسليط الضوء على التجاور، ولكن نظرا لخفة ظلال معانيها، يتعامل المترجمون معها بطرق مختلفة. والأكثر شهرة من جميعها هو هايكو يتضمن كلمة ya، لماتسو باشو (١٦٤٤-١٦٩٤).

古池や 蛙飛びこむ 水の音furu ike ya / kawazu tobikomu / mizu no oto

البركة القديمة -
يقفز فيها ضفدع
صوت الماء

في بعض الحالات، كلمة ya هي للترقيم اللفظي فقط ولا تترجم إلى أي كلمة باللغة الإنكليزية وهُنا يتم تمثيلها على شكل شرطة طويلة (للترقيم)، ولكن بعض المترجمين استخدم القطع، أو فاصلة منقوطة، أو لا شيء على الإطلاق.

وإذا نحينا جانبا مسألة أفضل طريقة لترجمة كيريجي، حيث لا يوجد هنالك جواب مُرضٍ، تقسم أشعار باشو إلى صورتين أو مشهدين واضحين. تتباين البركة الراكدة الهادئة مع صوتٍ إيقاعي وحركة الضفدع وهو يقفز. ولعل هذا النوع من التجاور ضروري لأشعار الهايكو الكلاسيكية. فمثلا دعونا نأخذ الشعر التالي ليوسا بوسون (١٧١٦-١٧٨٤) حيث يتم تعيين الزهور الصفراء مقابل السماء خلال المساء.

菜の花や 月は東に 日は西にna no hana ya / tsuki wa higashi ni / hi wa nishi ni

أزهار اللفت -
القمر في الشرق و
الشمس في الغرب

التحرر من ٥-٧-٥

وهناك بعضٌ الفنانين ممن يحرص على اتباع القواعد والاتفاقيات، والبعض الآخر يرغب في الخروج منها. وهذا موجود في عالم الهايكو أيضا. بينما توجد ميزات تم تحديها بشكل مختلف مثل طريقة تقطيع ٥-٧-٥ والكلمات الموسمية، والتجاور من خلال كلمات قاطعة، والتي هي عناصر هايكو قياسية، كما تم تجاهل مزايا أُخرى من قبل المبدعين على مر السنين.

ولم يُنشئ مصطلح ”الهايكو“ بحد ذاته نفسه إلا عام ١٨٩٢ وذلك من قبل شيكي، علما بأنّ قصائد ”هوككو hokku“ لباشو فيما مضى وما كان على غرارها آنذاك بلغت مستويات بما يكفي حتى يصار إلى وصفها اليوم بهايكو. كما أن الهوككو نشأت أيضا بوصفها الجزء الافتتاحي من قصيدة طويلة تُدعى ”رينغا“ وذلك قبل أن تتخذ تدريجيا منحى حياة مستقلة خاصة بها.

ومنذ بدء استخدام التعبير الجديد، دفع عدد من المجربين في حدود الهايكو عن طريق كتابة الأشعار دون الكلمات القاطعة أو الكلمات الموسمية. فكرة واحدة مشتركة تقول إن الهايكو دون كلمة واحدة موسمية هو في الواقع senryū، أي الشعر الدعابي على شكل ٥-٧-٥ الذي ظهر على نطاق واسع في القرن الثامن عشر. ولكن هذا يتجاهل هايوكو ”موكي muki“ (بلا فصل) والذي يهدف إلى الحفاظ على لهجة الهايكو دون الحاجة للإشارة إلى أي من فصول السنة الأربعة.

حتى طريقة ٥-٧-٥ غير محصنة. فإن العد يسمح تقليديا بالمناورة على مساخة واسعة ولكن في نطاق ضيق، مع أسلوب جيأماري (إضافة مقطع/مقاطع) وجيتارازو (مقطع/مقاطع ناقص)، ولعل الكثير من أشعار الهايكو الشهيرة ابتعد قليلا عن هذا النظام. لكن قصيدة الشعر التالي لأوزاكي هوساي (١٨٨٥-١٩٢٦)، التي تُعرف بأشعار الهايكو التي يكسر فيها القاعدة، تصل إلى تقسيم ٣-٣-٣ فقط. ولذا فإنه من المهم عدم نسيان هذه الأنواع من القيم المتطرفة عند النظر والتمعن في الهايكو.

咳を しても 一人seki o / shite mo / hitori

حتى السعال،
أنا
وحيد

(النص الأصلي بتاريخ ٨ يوليو/تموز ٢٠١٥ إعداد فريق من قسم التحرير في Nippon.com، الترجمة من الإنكليزية. الصورة مقدمة من 73jasonkao.)

التركيبات، مثل しゅ (شو) وぎょ (غيو) تتألف من اثنين من الكانا لكن يتم عدها فقط باعتبارها مقطع واحد للضرورة الشعرية الخاصة بالهايكو. っ (التي تستخدم للإشارة إلى وقفة قصيرة) يتم عدها كمقطع واحد.

(*١) ^

الأدب الهايكو