لماذا يصف اليابانيون إشارات المرور الخضراء بأنها ”زرقاء“؟
ثقافة اللغة اليابانية- English
- 日本語
- 简体字
- 繁體字
- Français
- Español
- العربية
- Русский
تغير معاني الألوان
يُعد استخدام كلمة ”الأزرق“ (青・あお - أؤ) لوصف إشارات المرور في اليابان أمرًا يثير الدهشة والحيرة لدى الكثير من دارسي اللغة اليابانية. فبعد أن يتعلموا أن ”ميدوري“ (緑) تعني ”أخضر“، و”أؤ“ (青) تعني ”أزرق“، يصعب عليهم تقبّل حقيقة أن إشارات المرور ذات اللون الأخضر الواضح عند التقاطعات اليابانية تُطلق عليها تسمية ”أؤشينغو“ (青信号)، أي ”الإشارة الزرقاء“. وهذا يوضح كيف أن الكلمات—even الشائعة منها—قد لا تُترجم بشكل مباشر بين اللغات، بل تحمل في طياتها خلفيات ثقافية وتاريخية معقدة.
في الواقع، إشارات المرور اليابانية ليست زرقاء فعليًا. فهي تُضيء بلون أخضر واضح، كما هو الحال في معظم أنحاء العالم، إلا أن المجتمع الياباني يواصل استخدام كلمة ”أؤ“ لوصفها. ويرجع ذلك إلى جذور لغوية قديمة، حيث كانت كلمة ”أؤ“ تُستخدم تاريخيًا للإشارة إلى مجموعة واسعة من الألوان تشمل الأخضر، الأزرق، الرمادي، وأحيانًا حتى الأسود. كانت اليابانية القديمة تمتلك نظامًا محدودًا لأسماء الألوان، وقد استخدمت كلمات قليلة للدلالة على طيف لوني واسع.
كلمة ”أؤ“ من أقدم كلمات الألوان في اللغة اليابانية، ويعود استخدامها إلى الأدب الكلاسيكي مثل المانيوشو (万葉集)، أقدم مجموعة شعرية في اليابان، حيث كانت تُستخدم للإشارة إلى ألوان الطبيعة النضرة. حتى اليوم، تُستخدم الكلمة في عبارات تصف النباتات والخضراوات، مثل:
-
أؤبا (青葉): أوراق الشجر الطازجة.
-
أؤنا (青菜): الخضراوات الورقية الخضراء.
-
أؤمامي (青豆): الفاصوليا أو البازلاء الخضراء.
-
أؤموري (青森): اسم محافظة يقال إنه يعود إلى غابة من أشجار العرعر الأخضر كانت تغطي تلة صغيرة.
هذه الاستخدامات تُظهر أن مفهوم اللون ”الأخضر“ كان ضمنيًا ضمن الكلمة ”أؤ“، ولم تُستخدم كلمة ”ميدوري“ بشكل مستقل إلا في فترة لاحقة. في الواقع، لم تدخل ”ميدوري“ الاستخدام الواسع كلون مستقل إلا مع تطور اللغة اليابانية الحديثة في العصور الوسطى المتأخرة وفترة إيدو (1603-1868).
ومن المثير للاهتمام أن الكلمات اليابانية القديمة للألوان لم تكن تُعبّر فقط عن اللون بل عن الانطباع البصري أو الإشراق أيضًا. فمثلًا:
-
أؤ (青) وأكا (赤): كانت ترتبط بالإشراق، حيث كانت ”أكا“ ترمز للسطوع الشديد و”أؤ“ للسطوع الخافت.
-
كورو (黒) وشيرو (白): دلّتا على الظلمة والضوء. كلمة ”كوراي“ (مظلم) مشتقة من ”كورو“، و”أكاروي“ (مشرق) مشتقة من ”أكا“.
وهذا يُظهر أن اليابانيين في فترات سابقة كانوا ينظرون إلى الألوان بوصفها ظواهر متصلة بالضوء والظل، وليس فقط بوصفها أطيافًا مرئية محددة.
بالرغم من تطور الفهم اللوني وتوسع مفردات الألوان في اليابان، ظل استخدام ”أؤ“ بمعنى ”أخضر“ مستمرًا في بعض السياقات، خاصة في إشارات المرور. ففي عام 1930، تم تركيب أول إشارة مرور في اليابان في حي هيبيا بطوكيو، وكانت مستوردة من الولايات المتحدة، وبألوانها الثلاثة المعروفة: الأحمر، الأصفر، والأخضر. وعلى الرغم من أن التشريع الأصلي وصف الضوء الأخضر بكلمة ”ميدوري“، إلا أن العامة اعتادوا على تسميته ”أؤ“، إلى أن أصبحت هذه التسمية هي السائدة رسميًا.
وفي عام 1947، تم اعتماد كلمة ”أؤشينغو“ (青信号) في القانون الياباني باعتبارها الاسم الرسمي للضوء الأخضر في إشارات المرور. ومنذ ذلك الحين، أصبح اللون الأخضر المائل قليلًا إلى الأزرق في إشارات المرور اليابانية يُعرف بهذا الاسم، مع أن البعض يلاحظ أن هذا اللون يميل قليلًا إلى الزرقة فعلًا، في محاولة لتبرير التسمية التقليدية.
في السياق المعاصر، يُعد هذا المثال من أبرز شواهد المرونة اللغوية والثقافية في اللغة اليابانية، وكيف يتداخل التاريخ، والعادة، واللغة في تشكيل معاني الكلمات. وهو أيضًا يوضح كيف تختلف نظرة الشعوب إلى الألوان، ليس فقط من حيث الأسماء، بل أيضًا من حيث الشعور والانطباع البصري المصاحب لها.
تقاليد الألوان
تؤثر اللغة الإنكليزية على توصيف الألوان في اليابانية الحديثة، في حين تحتفظ اللغة اليابانية الأصلية بجذورها الثقافية واللغوية الخاصة. قد يبدو من غير الممكن أن تحل كلمتا بوروو (blue - أزرق) وغوريين (green - أخضر) محل كلمتي أؤ وميدوري تمامًا، ومع ذلك، بات من الشائع سماع مصطلحات الكاتاكانا المستعارة عند الإشارة إلى اللونين، لا سيما في سياقات الموضة، والإعلانات، والمنتجات الحديثة.
ومع مرور الوقت، يمكن القول إن بعض الألوان المقتبسة أصبحت أكثر رسوخًا في الاستخدام اليومي. على سبيل المثال، تُستخدم كلمة أورينجي (orange - برتقالي) الآن على نطاق أوسع من الكلمة التقليدية دايداي، المأخوذة من اسم نوع من الحمضيات. وكذلك الحال مع بينكو (pink - وردي)، التي أصبحت أكثر شيوعًا من نظيرتها الأصلية مومو (خوخي)، التي كانت تُستخدم سابقًا للإشارة إلى اللون الوردي بشكل عام.
في بعض الأحيان، يُشار إلى اللون الياباني التقليدي شو (اللون القرمزي أو الفيرميليون) ببساطة على أنه ”أحمر“ أو حتى ”برتقالي“، وهو اختزال يعكس تراجع الدقة في توصيف الألوان ضمن التأثير المتزايد للثقافة الغربية. غير أن هذا اللون يحمل دلالات ثقافية عميقة في اليابان، كما في مناطق أخرى من شرق آسيا؛ فهو لون بوابات توري الشهيرة في المعابد الشنتوية، ولون الحبر المعروف باسم شونيكو الذي يُستخدم في الأختام الشخصية، وأيضًا اللون الذي يستخدمه معلمو فن الخط عند كتابة الملاحظات على أعمال الطلبة. كما يُعد من الألوان التقليدية المستخدمة في طلاء اللَّك الفاخر.
بوابات توري بلون فيرميليون تزين ممراً في ضريح نيزو بطوكيو
يُعد اللون شو (القرمزي) من الألوان التي تشدّ انتباه الزوار الغربيين لما يحمله من سطوع وخصوصية ثقافية. لكنه ليس اللون التقليدي الوحيد في اليابان؛ فبلاد الشمس المشرقة تزخر بطيف غني من الألوان المرتبطة بالتقاليد، والمناسبات، والطبقات الاجتماعية. فعلى سبيل المثال، كان اللون موراساكي (الأرجواني) لفترة طويلة حكرًا على الطبقة الحاكمة، ويُعد رمزًا للسمو والنُبل. وخلال فترة هييآن (794–1185)، اكتسب اللون الأرجواني الشاحب المستوحى من أزهار فوجي (الوستارية) شهرة لافتة، جزئيًا بسبب ارتباطه بعشيرة فوجيوارا القوية، التي سيطرت على البلاط الإمبراطوري لقرون.
الكاتبة الأرستقراطية سيي شووناغون، المعروفة بذكائها الحاد وتقديرها للتفاصيل الجمالية، أبدت إعجابها العميق بهذه الزهور في كتابها الكلاسيكي ”ماكورا نو سوشي“ (كتاب الوسادة). من بين ملاحظاتها، كتبت: ”عناقيد طويلة من براعم أزهار الوستارية، ذات ألوان زاهية تتدلى من شجرة الصنوبر“، في قائمتها التي حملت عنوان ”أشياء رائعة“ — مما يعكس الحساسية المرهفة تجاه اللون والطبيعة في الثقافة الأرستقراطية آنذاك.
هذا الوعي الجمالي كان يتجلى أيضًا في الأزياء، لاسيما في طقم جووني هيتوئي، الذي كانت ترتديه السيدات من البلاط الإمبراطوري. وعلى الرغم من أن اسمه يعني حرفيًا ”اثنا عشر طبقة“، إلا أن عدد الطبقات كان مرنًا، وقد يصل إلى عشرين. كان تنسيق الألوان بين الطبقات فناً راقياً، تظهر جماليته في الحواف والأكمام، حيث تتداخل الطبقات تدريجيًا. وقد وُضعت قواعد صارمة تُحدد الألوان المناسبة وفقًا للفصول، والمناسبات، وحتى مكانة السيدة التي ترتديها.
أما اليوم، فقد أصبح هذا الحس الدقيق بالألوان جزءًا من عملية توحيد معايير التصميم، وتمثله مؤسسة تدير اختبارًا شهيرًا يُعرف باسم شيكيساي كينتيي (اختبار إتقان الألوان). وهو اختبار متعدد الخيارات يُقدم للمصممين، والفنانين، وحتى طلاب المدارس، يقيس فهمهم لطيف واسع من الألوان، بما في ذلك الظلال الدقيقة للألوان التقليدية، كما تحددها لجنة المعايير الصناعية اليابانية (JIS). وقد بات هذا الاختبار بمثابة معيار وطني يوحّد الذوق العام ويوفر أرضية مشتركة للمصممين في شتى المجالات.
ورغم أهمية التوحيد القياسي، إلا أن متعة اللغة اليابانية تكمن في خصوصياتها المتجذّرة. فرُبّما يبدو من الغريب للدارسين الناطقين بالعربية، أو بأي لغة أخرى، أن تُستخدم كلمة ”أزرق“ للإشارة إلى الإشارة الضوئية الخضراء، لكن مثل هذه الظواهر تكشف كيف أن اللغة ليست مجرد وسيلة للتواصل، بل مرآة لثقافة تمتد في الزمن.
إن تقبُّل هذه الفروق اللغوية والثقافية يشجّع على إعادة النظر في المسلّمات، ويُعزز من قدرتنا على رؤية العالم بعدسات متعددة. فكل معلومة نكتسبها عن ثقافة أخرى، مهما بدت صغيرة أو غريبة، تمثل خطوة نحو أفق أوسع، وفهم أعمق لتنوع التجربة الإنسانية.
لوحة الألوان اليابانية التقليدية
| بيني (قرمزي) | مويغي (أخضر مائل للاصفرار) |
| مومو (الخوخي) | هانادا (أزرق فاتح) |
| شو (فيرميليون) | أي (النيلي) |
| دايداي (برتقالي) | روري (اللازوردية) |
| يامابوكي (لون زهرة الكيريا) | فوجي (الوستارية) |
| أوغويسو (لون طائر الغابة الشادي) | نيزومي (فيراني) |
ملاحظة: يعرض هذا الجدول ظلالاً محددة من قبل لجنة المعايير الصناعية اليابانية. تاريخياً ربما تكون الألوان قد تنوعت على نطاق واسع، خاصة عندما تتم تسميتها على اسم الأصباغ، حيث يمكن لسير العملية أن يؤثر بشكل كبير على اللون النهائي. وقد تتباين أيضا على الشاشات المختلفة. وليست لجميعها أسماء شائعة باللغة الإنكليزية.
(نشر النص الأصلي باللغة الإنكليزية 27 يونيو/ حزيران 2017. صورة العنوان: أؤشينغو تلمع على خلفية أؤبا، الأوراق الخضراء في بدايات الصيف. مقتبسة من ”كتاب الوسادة“ للمؤلفة سيي شووناغون ترجمه ميريديث ماكيني.)