لماذا اختفى الأرز من الموائد اليابانية؟

ثقافة لايف ستايل المطبخ الياباني

أظهرت دراسة قامت بها وزارة الاتصالات والشؤون الداخلية مؤخراً أنه ولأول مرة يتفوق الخبز على الأرز من ناحية الإنفاق المنزلي للأسر اليابانية. تطرقت إيوا مورا نوبوكو لهذه الدراسة وبحثت فى الأسباب التى أدت لهذا التحول فى العادات الغذائية خلال الـ ١٥عاماً الماضية.

وفقاً للدراسات والإحصائيات التى قامت بها وزارة الإتصالات والشؤون الداخلية فقد تفوق إنفاق الأسر اليابانية في عام ٢٠١١ على الخبز أكثر من الأرز، وفي ٢٠١١ بلغ متوسط ​​نفقات الأرز ٢٧٤٢٨ ين في الأسر من غير الفلاحين ذات عضوين أو أكثر، بالمقارنة مع  ٢٨٣١٨ ين بالنسبة للخبز. وقد كانت هذه أول مرة أخذ فيها الخبز أكبر جزء من الأرز في الميزانيات اليابانية منذ أن بدأت الإحصائيات عام ١٩٤٦. فكيف حدث هذا التحول في العادات الغذائية ؟

ومن المنظور الديموغرافي، يُعزى سبب تحول النظام الغذائي الياباني بشكل ملحوظ نحو استهلاك الخبز في السنوات الأخيرة الى أن أولئك الذين نشأوا مع الخبز كجزء من نظامهم الغذائي اليومي يشكلون الآن غالبية السكان. ولكن كيف ولماذا أصبح الأطفال اليابانيون معتادين على تناول الخبز بعد الحرب العالمية الثانية؟

بداية الإبتعاد عن الأرز

لقد تم تناول موضوع بعد اليابانيين عن الأرز الذى كان يمثل الغذاء الرئيسى منذ عدة سنوات، ولكن بعد ظهور نتائج تلك الإحصائيات اصبح من الممكن تفسير هذا التحول في ضوء المعطيات الجديدة.

اولا إذا نظرنا للناحية التاريخية سنجد أنه عندما كانت اليابان تحت الاحتلال الأمريكي حيث كانت تواجه نقصا حادا في الغذاء بعد الحرب العالمية الثانية، قدمت الولايات المتحدة المساعدات الغذائية في شكل طحين مصنوع من فائض القمح الأمريكي، وجعلت منه العنصر الرئيسي عند تقديم وجبات الغداء المدعومة في المدارس الابتدائية في المناطق الحضرية. بعد الاحتلال، واصلت اليابان استيراد فائض القمح الأمريكي واستخدامه في برنامج الغداء المدرسي للحكومة، الذي امتد ليشمل جميع المدارس الابتدائية وبعد ذلك ومع صدور قانون الغداء المدرسي لسنة ١٩٥٤ وسريان مفعوله على جميع المدارس الثانوية. وخلال الستينيات، انتشرت الوجبات المدرسية القائمة على الخبز في كل جزء من انحاء البلاد.

اليوم، عمليا، كل شخص ياباني يصل سنه الـ ٦٠ أو نحو ذلك ترعرع مع الخبز كمكون واحد على الأقل من وجباته اليومية. وحسب النتائج، كانت الأسر الوحيدة التي أنفقت في الخبز أكثر من الأرز خلال عام ٢٠١١، تلك التي يترأسها شيوخ تتراوح أعمارهم بين ٦٠ فما أكثر، مما يؤكد الدور الحاسم الذي لعبته الوجبات الغداء المدرسية في التحول من الأرز إلى الخبز.

 قامت الحكومة اليابانية، من أواخر الخمسينات إلى الستينات، بتعجيل استبدال الأرز عن طريق إشهار عمومي هادف إلى إقناع الجمهور بأن إتباع نظام غذائي غربي مبني على اللحوم والخبز ومنتجات الألبان ضروري لبناء أجسام قوية. كما لعبت سياسات التغيير الجذري لتشجيع التحول من الزراعة (بما في ذلك زراعة الأرز) إلى غيرها من الصناعات دورا في هذا التغيير.

وتجدر الإشارة انه وسط الحماس العام لأنماط الحياة الغربية، بدأ الناس منذ مطلع الستينات الاقدام على تناول الفطور بخبز محمص (التوست) وعصير على مائدة الطعام معا على النمط الغربي كونه أكثر أناقة على نحو ما، وقد كانت هذه العوامل بمثابة حوافز ادّت لتحول كبير في النظام الغذائي الياباني.

الأكل ببساطة وبشكل منفصل

بعد نشر ما سبق فإن هذه العوامل التاريخية لا يمكن أن تفسر وحدها كليا التحول في العادات الغذائية اليابانية. فلا بد من بحث وشرح أكثر تعمقا  للأساليب المعاصرة التي تلجأ اليها الأسر اليابانية في إعداد وجبات الطعام وتناوله. نتائج من الفحص السنوي لعادات تناول الطعام في العائلة الذي تطرقت إليه منذ عام ١٩٩٨، تشير إلى أن تراجع دور الأرز في النظام الغذائي الياباني عند تناول الطعام يعود بشكل كبير لوجود اتجاهين مترابطين: تفضيل الوجبات بسيطة التحضير وسهلة للتنظيف بعد الأكل، وميول أفراد الأسرة لتناول وجباتهم على نحوٍ منفصل.

إن الأسر اليابانية في الوقت المعاصر أكثر ميلاً إلى إرضاء اختيارات أفرادها والسهر على راحة كل عضو، ونتيجة لذلك، والى حدٍ كبير، صار تناول أفرادِ الأسرةِ للطعام بشكل منفصل أمرا اعتياديا أكثر فأكثر، كما أصبحوا يستهلكون الأكل الذي يفضلوه وفي الوقت الأكثر ملائمة لهم. الأغلبية الساحقة من الأسر انتهجت الإفطار بهذه الطريقة، والعديد يتناولون وجبة العشاء وحدهم خلال أيام الأسبوع حين يدخل أطفالهم المدرسة الثانوية.

المنتجات الجاهزة للاستهلاك موجودة على مائدة الإفطار اليابانية، مما يسمح لأفراد الأسرة تناول الطعام متى وكيف يشاؤون. هذه العائلة الخاصة تتكون من الأب البالغ من العمر ٤٣ سنة؛ الأم ٣٩ سنة؛ وطفلين في ٧ و ١٣ من العمر. مصدر الصورة: إوامورى نوبوكو.

الوجبة التقليدية اليابانية عادة وجبة حساء الميسو، مع ثلاثة أطباق جانبية، بالإضافة إلى الأرز والمخللات هي غير ملائمة لمثل هذه العادات الفردية لتناول الطعام. فعند كل وجبة، يجب أن يُعَدَّ الأرز أو يلزم إبقاءه ساخنا، ويجب أن يطبخ حساء الميسو أو يعاد تسخينه. وزيادة على ذلك، فإنه ليس هنالك من وجبة كاملة أساسها الأرز من دون وجود مجموعة متنوعة من البروتينات والخضروات كأطباق جانبية على نقس المائدة، و يستغرق هذا وقتا طويلا للتحضير، وقد لا تروق هذه الوجبات لأذواق كل أفراد الأسرة. على النقيض من ذلك، الخبز والمعكرونة تصلح، لطبق واحد من الوجبات السريعة البسيطة، على شكل سندويشات وعجائن مملوءة باللحوم، البيتزا،  أطباق الرامين الفورية، المعكرونة، طبق الأودون، أو المعكرونة مع الصلصة المحضرة، ناهيك عن العشاء المجمد القابل للتحضير بواسطة المايكروويف المتواجدة بأنواع مختلفة.

لقد بدأ قبل  نحو ١٠ سنوات المشاركون في استطلاعات الرأي السنوية الاعراب عن موافقتهم التصريح: ”الوجبات المعتمدة على الأرز [اليابانية] مُجهده لأنها تحتاج إلى إعداد أطباق جانبية“. ومنذ ذلك الحين فإن الابتعاد عن الوجبات اليابانية التقليدية آخذُ بالتطورعاما بعد عام. وبوضوح، تمثل الراحة عاملاً هاماً في انخفاض استهلاك الأرز.

لازلنا نحب الأرز

ليس هنالك أي دليل على أن هذه الأنماط الاستهلاكية المتغيرة تعكس تغييرا جوهريا في الذوق الياباني بما يخص الأرز. على العكس من ذلك، فإن الشعبية الدائمة للأرز الياباني  واضحة من خلال تضاؤل مبيعات الأونيجيري في المتاجر (”كرات الأرز“ الملفوفة بالأعشاب البحرية) ومن نجاح محلات ”السوشي“ والمطاعم المتخصصة في الغيودون (لحم البقر (جيو) يوضع فوق صحن واسع (دونبوري) بداخله الأرز). أضف إلى ذلك أن الأرز لا يزال يعد كمصدر الكربوهيدرات المفضل في وجبات طعام الأسرة التي تضم مجموعة متنوعة من الأطباق، حسب ما تظهره نتائج إحصائيات أجريت طوال ١٥ عاما. لكن، بما أن عدد الأطباق في كل وجبة يتناقص فهنالك ميول لاستبدال الأرز بالخبز، العجائن الشعرية أو المعكرونة.

ينبغي أن نلاحظ أيضا أن الأونيجيري وأطباق الدونبوري هما طريقتان يمكن من خلالهما تحويل الأرز الياباني إلى وجبة بسيطة تحتاج إلى الحد الأدنى من الأطباق. إن صنع الأونيجيري يتطلب الكثير بعد ضبط الأرز في شكل مضغوط. يمكن إعداد الدونبوري بواسطة صحن من الأرز و بوضع شيء بسيط في اعلاه مثل البيض المقلي، الناتو (فول الصويا المخمرة) أو الكيمتشي، إن بمجرد إضافة لاحقة ”دن“، لهذه الأطعمة سهلة التحضير، يمكن للمرء أن يرفع طبق مُخترَع ومحضر بسرعة الى مرتبة وجبة طعام. وبهذا التفكير، يمكن اعتبار الأونيجيري والدونبوري على أنها أطباق الأرز الموافقة للمعجنات المحشية والبيتزا. إذن، فليس من المستغرب أن الأونيجيري والدونبوري يحتلان مكانة بارزة ومتزايدة بين الوجبات المعتمدة على الأرز في المنازل اليابانية.

وكما أشرنا سابقاً، فإن عددا من العوامل المعقدة، بما في ذلك الظروف التاريخية في اليابان بعد الحرب العالمية الثانية والتفضيل المتزايد للوجبات البسيطة التي تؤكل بصفة فردية قد خلقت ظروف التحول الغذائي التي تسبب تجاوز مصاريف الخبز لمصاريف الأرز في النفقات العائلية – و يعتبر هذا توضيحا للحقيقة البديهية التي تكمن في أن الغذاء هو جزء من الثقافة.

(المقالة الأصلية باللغة اليابانية، الترجمة من اللغة الإنكليزية،  ١٣ يوليو / تموز ٢٠١٢)

الأرز الخبز النظام الغذائي التغريب الأسرة السوشي الغداء المدرسي الطعام