كيف تنظر واشنطن إلى ”اليابان القوية“ تحت إدارة آبي؟

سياسة

رئيس الوزراء شينزو آبي، الذي يعقد قريباً أول قمة له مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما، حريص على توطيد العلاقات اليابانية الأمريكية وتدعيمها على أسس أكثر صلابة من الماضي. ولكن يبدي البعض في واشنطن مخاوفاً من أن تجلب الحكومة اليابانية تحت قيادة آبي نوعاً من عدم الاستقرار الغير المرحب به في شرق آسيا.

عقدت هيلاري كلينتون مؤتمراً صحفياً في قاعة بنجامين فرانكلين بوزارة الخارجية في واشنطن خلال زيارة وزير الخارجية الياباني كيشيدا فوميو في ١٨ يناير/ كانون الثاني من هذا العام، قبل وقت قصير من تنحيها عن منصب وزيرة الخارجية الأميركية، وقد صرحت كلينتون بابتسامة عريضة تملأ وجهها: ”يسرني أن أعلن أننا قد وجهنا الدعوة لرئيس الوزراء آبي لزيارة واشنطن للقاء الرئيس أوباما في الأسبوع الثالث من فبراير/شباط“. ولكن لم تنشر الواشنطن بوست في اليوم التالي أي تقرير عن هذه الزيارة المخطط لها من قبل رئيس وزراء اليابان الحليفة الرئيسية للولايات المتحدة، كما أنها لم تذكر ايضاً أن وزيرة الخارجية قد عقدت اجتماعاً مع وزير الخارجية اليابانية.

 جدول الأعمال الحقيقي للولايات المتحدة

اجتماع كلينتون وكيشيدا مهد بذلك الطريق لعقد قمة بين اليابان والولايات المتحدة. وستكون هذه أول زيارة إلى الولايات المتحدة من قبل رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي منذ توليه منصبه في ٢٦ ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي. (يترأس آبي الحزب الليبرالي ذي الميول اليمينية، والذي استعاد السيطرة على مجلس النواب من الحزب الديمقراطي في الانتخابات العامة التي جرت في ١٦ ديسمبر/ كانون الأول). بالنسبة للجانب الياباني، كانت هناك تحصيلات إيجابية تمثلت في بيان كلينتون في المؤتمر الصحفي الذي عُقد في ١٨ يناير/ كانون الثاني والمتعلق بجزر سينكاكو. فيما اعتبر تحذيراً للصين، التي تطالب بإلحاح شديد بحقها في امتلاك هذه الجزر في بحر الصين الشرقي، حيث صرحت كلينتون: ”نحن نعارض أي نوع من الإجراءات الأحادية التي من شأنها أن تسعى إلى تقويض الإدارة اليابانية على جزرسينكاكو“.

وكان قد تم إعداد بيان وزيرة الخارجية كلينتون بدقة متناهية. وخلال الفترة التي تلت الانتخابات الرئاسية في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي في الولايات المتحدة، كما عمل دبلوماسيون أمريكيون ويابانيون بعناية لتنسيق مواقف البلدين بشأن تعزيز الردع ضد الصين فيما يتعلق بجزر سينكاكو. ووفقاً لمصادر دبلوماسية، كانت كلينتون ترغب في زيارة اليابان في وقت مبكر من يناير/ كانون الثاني لتقديم بيان واضح لموقف الولايات المتحدة بشأن هذه المسألة، ولكن المرض منعها من القيام بالرحلة، ولذا قامت بالإدلاء بهذا التصريح عندما زار وزير الخارجية الياباني كيشيدا واشنطن.

وحتماً كانت كلمات وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون مشجعة بالنسبة للجانب الياباني. لكنها قالت أيضا: ”لقد كررت القول لوزير الخارجية كيشيدا، كما قلت لأصدقائنا الصينيين، أننا نريد أن نرى حلاً سلمياً لهذه القضية العالقة بين الصين واليابان عن طريق الحوار، ونحن نثني على الخطوات الأولى التي اتخذتها حكومة آبي للتواصل والبدء في المباحثات“. ومن هنا، أعتقد أن هذا هو جدول أعمال واشنطن الحقيقي. حيث أن المخاوف الأكثر جدية لحكومة الولايات المتحدة تكمن في زعزعة الاستقرار في شرق آسيا الذي من شأنه أن يضر بمصالح أميركا الوطنية. ولذلك يتخذ صناع السياسة الأمريكية موقفاً واقعياً، كما عبر مساعد وزيرة الخارجية كورت كامبل في تصريحات لحلقة دراسية في واشنطن في ٢ نوفمبر/ تشرين الثاني. ففي إشارة إلى النزاع على الجزر في بحر الصين الشرقي، قال كامبل: ”نحن نعترف بأن هناك قضايا محددة تشكل تحدياً كبيراً لا يمكن في الوقت الحاضر إلا العمل على إدارتها، ومن الممكن أن لا نصل إلى حلول لها“.

 شكوك حول موقف إدارة آبي حيال الأمن

يعتقد معظم اليابانيين أن الصينيين هم من يحاولون تغيير الوضع القائم في بحر الصين الشرقي. ولكن في الولايات المتحدة يوجد عددٌ كبيرٌ من الأشخاص سواء داخل إدارة أوباما أو بين خبراء اليابان خارج الحكومة ممن يخشون أنه بمجرد تواجد الحزب الليبرالي بقيادة آبي على رأس الدولة (غالباً ما يتم وصف آبي بالصقر في وسائل الإعلام الأجنبية) جنباً إلى بعض التصريحات التي أدلى بها رئيس الوزراء الجديد قبل توليه منصبه فانّ ذلك كله سيؤدي حتماً إلى استفزاز الصين وزعزعة الاستقرار في المنطقة بشكل عام.

وفي الاستطلاع الذي شمل أكثر من ٢٠٠ خبير أجري في أواخر يناير/ كانون الثاني من قبل مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، وهو خلية تفكير مركزها واشنطن، رأى ما يقرب من نصف المستطلعة آراءهم أن برنامج إدارة آبي الأمني من شأنه أن يعقد الأمن القومي الأمريكي. وعندما زار كامبل مساعد وزيرة الخارجية اليابان في منتصف شهر يناير/ كانون الثاني، حذر بشكل غير رسمي ضد فكرة تعديل ما يسمى ببيان كونو. (في عام ١٩٩٣ أصدر وزير الدولة المعني بشؤون رئاسة الوزراء  يوهي كونو بياناً رسمياً يعتذر فيه عن مسألة اشكاليات ”نساء المتعة“ في شبه الجزيرة الكورية وأماكن أخرى حيث تم توظيف نساء شابات لخدمة رغبات الجيش الياباني خلال سنوات الحرب. وقبل أن يصبح رئيسا للوزراء، عارض آبي مضمون هذا البيان).

كما انّ آبي يدعو لاستعادة الـ ”اليابان القوية“ ولكن ما تأمل الولايات المتحدة رؤيته هو اليابان كبلد يمكنه السيطرة على تدهور العلاقات الثنائية مع الصين من خلال العمل بتأَنّي وبحيث يكون بمثابة مساهمة في استقرار آسيا والمحيط الهادئ دون التأثر بالأمور القومية. وهذا بالنسبة لواشنطن شرط مسبق من أجل تحسين سير عمل التحالف الياباني الأمريكي بوصفه حجر الزاوية الدبلوماسي والأمني لمحور الولايات المتحدة في آسيا. وكما يرى الأمريكيون لا يمكن حصر جهود اليابان لتعزيز التحالف من خلال زيادة ميزانية الدفاع وممارسة الدفاع الجماعي الذاتي في هذه الامور وحدها فحسب. حيث تجلى بوضوح حسبما بدت دلالاته من أن المسؤولين في وزارة الخارجية الأمريكية وغيرهم في الإدارة الامريكية أبدوا اهتماماً كبيراً لزيارة أبي لجنوب شرق آسيا في يناير/ كانون الثاني في وقت سبق زيارته لواشنطن.

هذا وترغب كل من واشنطن وطوكيو في استخدام الزيارة المرتقبة لآبي للعمل على إصلاح العلاقات بين البلدين، والتي أصبحت هشة بعد وصول الحزب الديمقراطي للسلطة عام ٢٠٠٩. وفي الوقت نفسه، يحتاج الجانب الياباني إلى مراعاة الانتباه إلى الفترة الانتقالية القائمة حالياً داخل إدارة أوباما الذي بدأ فترته الرئاسية الثانية. لقد ترك كلّ من وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون ونائبها كامبل منصبهما الرسمي، وكلاهما كانا مطلعين على الشئون اليابانية ولهما مواقفا وديةّ تجاه اليابان، ولذا يغيب الوضوح التام عن آفاق مستقبل العلاقات الثنائية في هذا الخصوص.

وفي جلسة استماع مجلس الشيوخ، ظهَرَ جون كيري، الذي أصبح وزيراً للخارجية في ١ فبراير/ شباط من هذا العام وأشار إلى أهمية تعزيز علاقات الولايات المتحدة مع الصين كقوة اقتصادية عالمية، قائلا أنه لا يمكن اعتبارها أيّ الصين عدوّاً. ولم يقل كلمة واحدة عن التحالف بين اليابان والولايات المتحدة.

الواقعيون في فريق أوباما

ما هي الأهمية التي يضعها الرئيس أوباما على لقائه المرتقب مع رئيس الوزراء آبي؟ مصادر تكشف على أن الجانبين لا زالا يعملان على الجدول الزمني، ساعين للوصول إلى اتفاق حول مقدار الوقت الذي من الممكن للرئيس تخصيصه لرئيس الوزراء. يأمل اليابانيون كما ذكرت التقارير أن يتناول الزعيمان الغداء معا بعد اجتماع القمة صباح ٢٢ فبراير/ شباط، ولكن كانت هناك مؤشرات على عزوف الجانب الأمريكي، وقد اقترح المطلعين داخل وزارة الخارجية في البداية أن يكون نائب الرئيس جو بايدن المضيف على الغداء بدلاً من الرئيس أوباما. السبب وراء موقف الولايات المتحدة واضح إن الأمريكيين لا يتوقعون أن يقدم آبي أي قرارات هامة لأوباما خلال الزيارة.

ماذا تريد إدارة أوباما من اليابان بصريح العبارة ؟ كررت كلينتون أولويات واشنطن في مؤتمرها الصحفي الذي عقد في ١٨ يناير/ كانون الثاني. وخلاصة القول، الأولويات هي:

(١) تقدم في القضية المتوقفة منذ فترة طويلة والمتعلقة بنقل قاعدة فوتينما العسكرية لمشاة البحرية الأمريكية في أوكيناوا.
(٢) المشاركة اليابانية في اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ TPP.
(٣) انضمام اليابان الفوري لاتفاقية لاهاي لمنع اختطاف الأطفال. وباستثناء اتفاقية لاهاي.

هذه هي القضايا التي يتوجب على إدارة آبي المضي بها قدماً وبحذر، حيث سيكون من الصعب على رئيس الوزراء أن يقول للرئيس الأمريكي ما يريد أن يسمعه. ووفقاً لمعلومات من السفارة اليابانية في واشنطن، يأمل الجانب الياباني بأنّ القمة ستكون مناسبة لبناء الثقة بين الزعيمين ومناقشة استراتيجية كبرى للسنوات القادمة، ولكن ما يأمل الأمريكيون سماعه قبل كل شيء هو سياسة اليابان لتحسين العلاقات مع جيرانها. وقد استعرضت إدارة أوباما الثانية جدول أعمال من السياسات الليبرالية، ولكن الإجماع في واشنطن هو أن فريق الرئيس الحالي هو في الواقع مجموعة من السياسيين الواقعيين خلافاً لما كان عليه الأمر في ولايته الأولى. وبالمناسبة، حصل سلف آبي في منصب رئيس الوزراء، يوشيهيكو نودا من الحزب الديمقراطي على تقدير عالي جداً من الفاعلين الرئيسيين في واشنطن.

محور من آسيا للشرق الأوسط ؟

كشف الرئيس أوباما مؤخراً عن أن أول رحلة له خارج الولايات المتحدة خلال فترة ولايته الثانية ستكون لإسرائيل في مارس/ آذار. كما انّ وزير الخارجية كيري أيضا حريص على معالجة عملية السلام في الشرق الأوسط، ويبدو من الممكن أن تركيز السياسة الخارجية للولايات المتحدة سيتحول مرة أخرى من آسيا إلى الشرق الأوسط، حيث قضايا مثل الحرب الأهلية في سوريا والبرنامج النووي الإيراني تتطلب اهتماماً عاجلاً. فعندما أصبحت هيلاري كلينتون وزيرة للخارجية في يناير/ كانون الثاني عام ٢٠٠٩، لم تضيع أي فرصة لزيارة اليابان، ولكن الظروف الخارجية التي تواجهها الولايات المتحدة الآن هي مختلفة تماما عّما كانت عليه آنذاك.

في خطاب تنصيبه الثاني، أعلن الرئيس أوباما: ”انّ الولايات المتحدة ستبقى المرساة و الضامن للتحالفات القوية في كل ركن من أركان العالم“. وهذا تعبير عن عزمه على الاستفادة القصوى من شبكة الولايات المتحدة العالمية للتحالفات كمورد لاستكمال قوتها الخاصة، والتي تتراجع من الناحية النسبية، للتعامل مع القضايا التي تواجهها- وهذا هو موقف واحد من العناصر الأساسية للواقعية في إدارته. وبأنّ التحالف بين اليابان والولايات المتحدة ليس أكثر من احد تلك الروابط في هذه الشبكة العالمية.

وعندما تحدثت مع أحد المسؤولين في واشنطن حول غياب الإثارة من جانب الولايات المتحدة حول القمة المرتقبة مع آبي، ظهرت عليه علامات من الغضب. لإعادة صياغة ما قال: ”لماذا يتحدث الجانب الياباني دائما عن التحالف بين البلدين فقط؟ ما هي المشاكل الداخلية التي تواجه الحكومة اليابانية، وكيف تخطط للتعامل معها؟ سواء كان ذلك الطاقة أو الرعاية الاجتماعية أو غيرها من القضايا، إذا كانت مواضيع ذات صلة بالولايات المتحدة، فإن الرئيس الأمريكي سيكون سعيدا بالتأكيد لمناقشتها مع رئيس الوزراء“.

(المقالة الأصلية باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية، ٩ فبراير/ شباط ٢٠١٣)

 

شينزو آبي الأمن أوباما