جزيرة أوكيناوا...يابانية أم صينية ؟

سياسة

بعد مطالبتها بجزر سينكاكو، شككت الصين مؤخراً في سيادة اليابان على جزيرة أوكيناوا، مملكة ريوكيو سابقاً. كيف يشعر سكان تلك الجزيرة حيال هذا الأمر؟ صحفي محلي مخضرم يقدم وجهة نظره من ناها.

لعل المواجهة بين اليابان والصين حول ملكية جزر سينكاكو (يطلق الصينيون اسم دياويو على هذه الجزر) لا تظهر أي علامة  تُشجع على التراجع. حيث أنه في الخطابات الساخنة بين البلدين والتي تعتبر غير بناءة بالمرة ولا تعزز التفكير السليم وليست سوى إسهاب عاطفي يأجج نيران النزاع المشتعلة بالأساس. وقد لعبت أجهزة الإعلام بدورها ايضاً كالعادة بهذه التعليقات، مما أدى إلى زيادةٍ في سخونة التعليقات من قبل المتتبعين على شبكات التواصل الاجتماعي ومدونات الانترنت. سيما وانّ هذا الصراع الدائر الذي يتغذى على نفسه ليس بالخيار الإيجابي لكلا البلدين على حدٍ سواء.

الصين والسيادة على جزيرة أوكيناوا

ولربما يكمن المثال الرئيسي على اتساع هذه الفجوة بين اليابان والصين ظهور تلك الحجج مؤخراً في الصين والتي تنوَّه عن عدم انتماء أوكيناوا إلى اليابان. ففي الثامن من مايو/أيار نشرت صحيفة الشعب اليومية التابعة للحزب الشيوعي الصيني، مقالاً أعلنت فيه أن "الوقت قد حان لإعادة النظر في مسألة تاريخية لم تحل فيما يخص جزر ريوكيو". (ملاحظة: تعد أوكيناوا الجزيرة الأكبر بين جزر ريوكيو والتي تشكل محافظة أوكيناوا اليابانية)وأضافت جلوبال تايمز، إحدى الجرائد التابعة لصحيفة الشعب اليومية، يوم ١١ مايو/أيار في افتتاحيتها معلنة: "إذا كانت اليابان تسعى لتكون رائدة في تخريب صعود الصين، يمكن للصين تنفيذ عملية إدخال وتعزيز القوات في أوكيناوا التي تسعى لاستعادة استقلال جزر ريوكيو".

كما أكدت ون وي بو، صحيفة هونغاوا كونغ اليومية الموالية لبكين أيضا في افتتاحيتها  في ١٠ مايو/أيار، أن "جزر ريوكيو كانت أراضٍ صينية منذ زمن طويل وقد استولت عليها اليابان الى جانب جزر دياويو "جزر سينكاكو" بالقوة العسكرية وتحت حماية الولايات المتحدة الأمريكية."ثم  نُشر مقال في العدد الصادر بتاريخ ١٦ مارس/ آذار لمَجّلة شى جيه زيشي، التابعة لوزارة الشؤون الخارجية الصينية، يؤكد أن اليابان لا تملك السيادة القانونية على أوكيناوا. ويقال أن هذا النوع من المواد الإعلامية التي تشكك في ملكية أوكيناوا قد ازدادت في الآونة الاخيرة  وذلك منذ  أن "أممت" الحكومة اليابانية جزر سينكاكو في سبتمبر/أيلول ٢٠١٢. وعلى شكل مناقشات سيادة وملكية أوكيناوا  كانت تجري دون علم سكان أوكيناوا أنفسهم، ومنذ ذلك الحين والدعوات الاستفزازية "لاسترجاع أوكيناوا" بدأت تظهر بقوة على الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي.

ماذا يريد سكان أوكيناوا

بتاريخ ١٥ مايو/أيار من العام الماضي، وفي الذكرى الحادية والأربعين لعودة محافظة اوكيناوا من سيادة الإدارة الأمريكية إلى الحكم الياباني، أنشأ مجموعة من أدباء أوكيناوا جمعية لدراسة قضية استقلال "ريوكيو". ولربما تعكس هذه الخطوة الإحباط الذي يشعر به الناس في أوكيناوا تجاه فشل الحكومة المركزية في النظر الى رغباتهم بشأن القواعد الأمريكية في المحافظة. ولكن إذا كانت الصين، تبحث في تطورات من هذا النوع في أوكيناوا، وتعتقد حقاً أنه ينبغي تشجيع القوة لاستعادة استقلال ريوكيو، فهي تنتهج منحىً خطيراً من التفكير عفا عليه الزمن منذ وقت طويل.

وفي كتابه ريوكيو/ أوكيناوا شي نو سيكاي (عالم تاريخ ريوكيو/أوكيناوا)، أشار البروفيسور تومي ياما كازويوكي من جامعة جزر ريوكيو إلى أنه في مطلع العصر الحديث كان لدى مملكة ريوكيو ولاءات مزدوجة: علاقة تابعة غير تقليدية نسبياً مع الصين (تحت حكم مينغ وتشينغ)، وعلاقة تابعة بقوة مع مقاطعة ساتسوما اليابانية فمنذ أوائل العصر الحديث شهدت ريوكيو/أوكيناوا عددا من التغيّرات في السلطة. وصحيح ايضاُ أنه في كل مناسبة من هذه المناسبات كان هناك بعض الخلافات الداخلية حول انتماء الجزر حيث سعى بعض أعضاء الطبقة المحاربة المحلية المعارضة للتحرك عندما ألغيت مملكة ريوكيو وأنشئت محافظة اوكيناوا مكانها عام ١٨٧٩ بدعم من تشينغ الصيني.

ولفترة من الوقت بعد نهاية معركة أوكيناوا في عام ١٩٤٥، تعالت الأصوات التي تدعو إلى استقلال الجزر أو أن تُصبح إقليم الثقة تابع للولايات المتحدة بدلاً من العودة إلى اليابان. كما كان هناك معارضة أيضا إلى العودة ثانية عندما تم تنفيذ الاتفاق عام ١٩٧٢. ولكن موضوعاً ثابتاً شغل تفكير شعب اوكيناوا خلال مسار كامل من تاريخهم الحديث حيث اعتبر سكان أوكيناوا الاولوية في  كيفية تأمين استقلاليتهم حين وقوع صراعات بين القوى الكبرى. اضافة لكونهم  شعباً تواقاً للحكم الذاتي ولتحقيق استقلال اقتصادي والعيش في سلام مع الاعتزاز بثقافته المميزة. وهذه المشاعر تظل دون تغيير حتى يومنا هذا.

التدهور المفاجئ للشعور العام تجاه الصين

وخلال شهري نوفمبر/تشرين الثاني وديسمبر/ كانون الأول من عام ٢٠١٢، أجرى المكتب التنفيذي لمحافظة أوكيناوا مسحاً استطلاعياً  بين سكان المحافظة حول مشاعرهم تجاه الصين، وأخذت عينات من آراء نحو ٣٠٠٠ شخص، من الذكور والإناث ممن تتراوح أعمارهم بين ١٥-٧٤ سنة. وقد أُدرجت بعض النتائج كمقتطفات بملحق في نهاية هذا المقال.

(وأود الإشارة إلى أن الاستطلاع أجري بعد المظاهرات واسعة النطاق المناهضة لليابان التي اندلعت في أنحاء شتى من الصين رداً على قرار الحكومة اليابانية بتأميم جزر سينكاكو المتنازع عليها الأن). بين الذين شملهم الاستطلاع، قال ٥٧،٩٪ أن انطباعهم تجاه الصين كان "سلبي نوعاً  ما" ، وقال ٣١٫١٪ انه "سلبي"، أي ما مجموعه ٨٩٪.

في سؤال متعدد الإجابات بشأن العوائق الرئيسية أمام تحسين العلاقات بين اليابان والصين، كانت البنود الأكثر ذكراً: "القضايا الإقليمية" و"التعليم المناهض لليابان في الصين" و"قومية الشعب الصيني والمشاعر المناهضة لليابان."

لأوكيناوا علاقات عميقة تاريخيا مع الصين، ويقال أن معظم شعبها لديهم مشاعر ودية تجاه ذلك البلد. ولكن نتائج هذه الدراسة توضح تدهور هذه المشاعر تجاه الصين بشكل حاد. والحملة التي ظهرت هذا العام في وسائل الإعلام الصينية لجعل قضية ملكية أوكيناوا بالتأكيد عززت من تصاعد مشاعر القلق وعدم الثقة.

الواقعية السلمية للسكان على الشريط الحدودي

على الرغم من الاعتماد الاقتصادي العميق والمتبادل الذي نشأ بين اليابان والصين، تعاني الدولتان من وجود فجوات عميقة بينهما حول ايجاد تصور واضح تجاه العديد من القضايا. حيث تبدو وجهة النظر الأخيرة  للصين حيال أوكيناوا جلية واضحة كما أشرت اليه أعلاه. وبلا شك  فان الانطباع نحو اليابان من الجانب الصيني هو أشد قسوة.

وبالتالي كيف يمكننا اذاً تحقيق فهم أفضل لمواقف بعضنا البعض؟ حيث ان القومية المعادية والتطرف اللتان تؤججان لهيب الفتنة لن تفيد أي طرف بأي حال من الأحوال بل ستزيد الطين بلة وسوف يُصَعُّبُ فقط من حل المشكلة. سيما وان معظم شعب أوكيناوا معارض لفكرة تحويل الجزر إلى نطاق عسكري حول الصين (على الرغم من أن البعض يشعرون خلاف ذلك).

وهذه هي "الواقعية الساعية للسلام"والتي يتخذها المواطنون الذين يعيشون على الشريط الحدودي نهجاً لهم ففي الأشهر الأخيرة من الحرب العالمية الثانية، أصبحت أوكيناوا موقع معركة شرسة بين القوات الامريكية واليابانية، وبعد الحرب تم وضعها تحت حكم الولايات المتحدة و تحولت إلى "حصن المحيط الهادئ" ضد الاتحاد السوفياتي والصين. ونظراً للتجارب التاريخية القاسية، ينبغي لأوكيناوا الآن ان تكون بمثابة منتدى للحوار بين اليابان والصين وكذلك نقطة انطلاق لموجة من الانفراج في العلاقات الثنائية المضطربة.

 (المقالة الأصلية باللغة اليابانية  بتاريخ ٧ يونيو / حزيران ٢٠١٣)

ملحق: مسح آراء أوكيناوا نحو الصين

وفيما يلي مقتطفات من نتائج المسح الأول من آراء سكان محافظة أوكيناوا تجاه الصين، والتي أجرتها شعبة الأمن الإقليمي التابعة للمكتب التنفيذي للمحافظ في محافظة اوكيناوا في الفترة من ٢١ نوفمبر/تشرين الثاني وحتى ١٢ ديسمبر/كانون الأول عام ٢٠١٢. وقد استهدفت الدراسة عينة تشمل  ٣٠٠٠ من سكان محافظة اوكيناوا من الذكور و الإناث من الذين تتراوح أعمارهم بين ١٥-٧٤، مع ردود صالحة جاءت من ١١٨٧ شخصا (٣٩٫٦٪ من العينة). اما الأرقام الوطنية فهي من مسح أجرته منظمة Genron غير الحكومية  خلال الفترة من ٢٦ أبريل/نيسان حتى ١٤ مايو/أيار ٢٠١٢ وقد اجري المسح على عينة من الذكور والإناث ممن تتراوح أعمارهم ١٨ عاما أو أكثر (باستثناء طلاب المدارس الثانوية)، مع ردود صالحة وردت من ١٠٠٠ شخص.

(١) الانطباعات تجاه الصينأي من الانطباعات توجد لديك نحو الصين؟ (إجابة  واحدة)

 أوكيناوا ( ٪ )على الصعيد الوطني ( ٪ )
إيجابي ١٫٤ ٢٫٣
إيجابيٌ - نوعا ما ٧٫٧ ١٣٫٣
سلبيٌ - نوعا ما ٥٧٫٩ ٦٦٫٧
سلبي ٣١٫١ ١٧٫٦
لا توجد إجابة ١٫٩ ٠٫١

 

لأولئك الذين أجابوا "جيد" أو " جيد نوعا ما " على السؤال أعلاه:ما هي أسباب الانطباع الايجابي الخاص بك ؟

 أوكيناوا ( ٪ )على الصعيد الوطني ( ٪ )
التنمية الاقتصادية فى الصين أمر لا غنى عنه بالنسبة لليابان ٤٧٫٤ ٥٢٫٦
تبادل الطلاب وزيادة التبادل في القطاع الخاص ٤٣٫٧ ٣٥٫٣
لقاءات على مستوى القمة بانتظام واستقرار العلاقات السياسية ٢٫٤ ٥٫٨
تطلع للتنمية الاجتماعية في الصين في المستقبل ٢٢٫٩ ٣٣٫٣
قدمت الصين مساعدات بعد زلزال شرق اليابان العظيم ٢١٫٤ ٢٠٫٥
أصبحت تعليقات الصين حول القضايا التاريخية أقل تواترا ١٫٢ ٥٫١
تحولت السياسة الصينية لدورة تقييم العلاقات بين اليابان والصين ٦٫٤ ١٠٫٩
اهتمام بجوانب الثقافة الصينية مثل المطبخ - التاريخ ٤٦٫٨ ٣١٫٤
الشعب الصيني مجد ومجتهد ويعمل بنشاط ١٨ ١٥٫٤
أشعر بالعظمة من عبارات الشعب الصينية ومن أفعاله ٢٫٤ ٥٫٨
المنتجات الصينية رخيصة وجذابة ايضا ٢٣٫٢ ٢٣٫٧
بدأت الصين تقييم القواعد السياسية الدولية ٦٫١ ٥٫١
أخرى ١٩٫٦ ٧٫٧
لا يوجد شيء بالتحديد ٣٫١ ٩
لا توجد إجابة ١٫٥ ٠

 

لأولئك الذين أجابوا "سلبي" أو "سلبي نوعا ما " على السؤال أعلاه :ما هي أسباب الانطباع السلبي الخاص لديك؟  (اجوبة متعددة)

 أوكيناوا ( ٪ )على الصعيد الوطني ( ٪ )
لدى الصين نظام سياسي مختلف ٢٠ ٢٦٫٥
تحاربنا في الماضي ٣ ٤٫٩
الصين تنتقد اليابان بشأن قضايا مثل التاريخ ٤٣٫٦ ٤٤
لا يمكنني فهم وطنية الشعب الصيني ٥٠٫٥ ٢٨٫٤
على ما يبدو الصين تتخذ نهجاً أنانياً لتأمين الموارد والطاقة ٦٠٫١ ٥٤٫٤
تجهيز حشود عسكرية وانعدام الشفافية ٣٨ ٣٤٫٨
أنا شخصيا لا أحب سلوك بلد كبير ٢١٫٥ ١٧٫٢
يبدو سلوكها مائلاً للهيمنة ٣٦٫٤ ٢٣
النزاع حول جزر سينكاكو مستمر ٥٦ ٤٨٫٤
تتصرف بأساليب وطرق لا تتفق مع القواعد الدولية ٥٨٫٤ ٤٨٫٣
أخرى ١٤٫٣ ٩٫٦
لا يوجد شيء على وجه الخصوص ٠٫١ ٤٫٩
لا توجد إجابة ٢٫٩ ٠٫٤

 

(٢) معوقات تحسين العلاقات بين اليابان و الصينما هي العوائق الرئيسية لتحسين العلاقات بين اليابان و الصين؟ (اختر ثلاث أجوبة على الأكثر)

 أوكيناوا ( ٪ )على الصعيد الوطني ( ٪ )
انعدام الثقة بين الشعب الياباني والصيني ٢٤ ٢٧٫٦
النزاعات حول الموارد البحرية وغيرها من القضايا ٣٤٫٩ ٣٤٫١
قضايا إقليمية  مازالت مُعَّلقة ٥٨ ٦٩٫٦
 وجود احتكاكات اقتصادية ٤٫٢ ١٦٫٥
القلق بشأن السياسات الأمنية لليابان ٤٫٧ ٣٫٢
حشود الصين العسكرية ١٢٫٣ ١٢٫٦
قومية الشعب الياباني والمشاعر المناهضة للصين ٤٫٢ ٢٫٧
قومية الشعب الصيني والمشاعر المناهضة لليابان ٤٠٫٢ ١٩٫٦
مسألة تصورات اليابان للتاريخ ١١٫٤ ٧٫٧
القضايا المعلقة من الحرب في اليابان ١١ ١٢
التعليم المناهض لليابان في الصين ٥٤٫٣ ٢٨٫٢
وجود تحالف اليابان والولايات المتحدة ٢٫٥ ١٫٤
قضية تايوان ١٫١ ١٫٦
جرائم الصينيين الذين يعيشون في اليابان ٥٫٤ ٥٫٥
الفرق بين الانظمة السياسية في البلدين ١٠ ٨٫١
المشاكل الناجمة عن السباق الصيني ٦٫٩ ٣٫٩
قضايا سلامة بعض المنتجات الصينية ٢٠ ١٥٫٧
قضية الكتب المدرسية ودعاية المتطرفين اليمينيين ونَحوِهم ٥٫٥ ٣٫٧
أخرى ٢ ١٫٦
لا توجد إجابة ٠٫٣ ١٫١

الصين أوكيناوا سينكاكو