مكافحة ادمان...الإنترنت

مجتمع ثقافة لايف ستايل

وفقا لوزارة الصحة والعمل والرفاهية، يتوقع بأنّ أعداد تلاميذ المدارس من المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية المصابين بإدمان الإنترنت على مستوى اليابان قد بلغ نحو ٥١٨ ألف شخص. لذا قام السيد هاشيموتو يوشي أكي من جامعة طوكيو قسم الدراسات العليا بكلية المعلومات بدراسات مستفيضة لموضوع إدمان الإنترنت من خلال مراجعة العديد من الأبحاث التي تناولت إستخدام اليابانيين لمواقع التواصل الإجتماعي.

إدمان الإنترنت بين الشباب

كما هو الحال في الولايات المتحدة الأمريكية وكوريا الجنوبية، فإن إدمان الإنترنت يعد مشكلة اجتماعية كبيرة في اليابان خاصة مع إنتشار الهواتف الذكية في الآونة الأخيرة، حيث زادت نسبة إدمان الإنترنت بشكل كبير بين الشباب والمراهقين.

سيما في شهر فبراير/شباط من عام ٢٠١٣، أيّ عندما تم إجراء بحث مشترك عبر الإنترنت بين مركز الأبحاث الذي يعمل به السيد هاشيموتو ومركز خطط الإتصالات والمعلومات التابع لوزارة الشؤون العامة وذلك على عينة من ٢٦٠٥ شخص من تلاميذ المدارس الابتدائية والبالغين العاملين. حيث أظهرت نتائج الدراسات التحليلية التي أجريت بما يُعرف بالمعايير العشرين لـ كيه يانج بأن نسب الأشخاص ذوي الميول العالية لإدمان الإنترنت كانت بين ٢٫٣٪ تلاميذ المدارس الابتدائية، و٧٫٦٪ بين تلاميذ المدارس الإعدادية و ٩٫٢٪ بين تلاميذ المدارس الثانوية و٦٫١٪ بين طلاب الجامعة و٦٫٢٪ بين العاملين.

كما كانت نسبة المدمنين من بين مستخدمي الهواتف الذكية ٦٫٩٪ مقابل ٥٫٨٪ بين غير مستخدميها. وكان من اللافت من خلال نتيجة الإحصائيات وجود ارتفاع في نسبة مدمني الإنترنت بين مستخدمي الهواتف الذكية. ويجدر الإشارة إلى أن درجة الإدمان تختلف وفقا لطريقة إختيار المعايير المناسبة وعينة السكان الخاضعة للتحليل المشار اليه لذلك فإن هذه البيانات لا تحمل دلالات قطعية، ولكنها تشير إلى إرتفاع نسبة الإدمان بين مستخدمي الهواتف الذكية مقارنة بغير مستخدميها.

أنماط إدمان الإنترنت بين الشباب

تتنوع أنماط إدمان الإنترنت مثل ”إدمان ألعاب الإنترنت“ و ”إدمان التواصل“ المتمثل باستخدام مواقع التواصل الاجتماعي mixi Facebook، Twitter لوقت طويل و”ادمان التطبيقات الترفيهية“ المتمثل في قضاء وقت طويل في مشاهدة الأفلام إلخ و”إدمان تطبيقات القمار التشاركية“ المتمثل بتمضية وقت طويل في المزادات والألعاب الاجتماعية.

ووفقاً للإحصاءات المتكررة في اليابان، نجد أن إدمان مواقع التواصل الاجتماعي هو الأكثر انتشاراً بين الشباب. وبموجب نتيجة البحث السابق، وُجِدَ أن المدمن يمضي يومياً زمناً بمعدل وسطي قدره ٣٦٦ دقيقة في مشاهدة الوسائط الاجتماعية ونحو ٢٨٫٤ دقيقة في كتابة التعليقات. وبتحليل العلاقة التي تربط بين درجة الإدمان ونوع الخدمة المستخدمة نجد أن هناك علاقة وثيقة بين خطر التعرض للإدمان والميديا الاجتماعية.

وفي أكتوبر/تشرين الأول عام ٢٠١٢ توصل الكاتب من خلال الإحصاء الذي أجراه على عينة مؤلفة من ١٥٠٠ شخصاً وبالاشتراك مع مركز أبحاث سياسات الإتصالات والمعلومات التابع لوزارة الشئون العامة، لنتائج تُفيد بأن نسبة استخدام الميديا الإجتماعية بين اليابانيين بلغت ٤١٫٤٪ وبأنّها ارتفعت الى ٨١٫٨٪ بين الفئة التي هي في العشرينات.

وهكذا تتنوع دوافع الانغماس في مواقع التواصل الإجتماعي، ولكن يبدو أن السبب الرئيسي لاستخدام الانترنت يكمن في تبديد الإحساس بالوحدة والشعور بالرضا نتيجة مشاركة الآراء والمشاعر مع الأخرين. ومن ناحية أخرى فانّ، عدم استخدام مواقع التواصل الاجتماعي قد يؤدي إلى التهميش من قبل المجموعة ويقع الكثير من الأشخاص في هواجس من أن الآخرين قد يغتابوه ولعل هذا هو ما يدفعهم لاستخدام الانترنت .ووفقاً للإحصاء الذي أجراه مركز هاشيموتو للأبحاث بالإشتراك مع شركة كبرى لإدارة مواقع التواصل الإجتماعي عام ٢٠١٠ على ٥٦٢٧٢ شخص وجد أن ٥٢٫١٪ من الأشخاص المعرضين للإدمان ”يشعرون بعبء العلاقات الإنسانية من خلال مواقع التواصل الاجتماعي“. أى أن الكثير من الأشخاص يظلون متصلين بمواقع التواصل الإجتماعي ليس لأنهم يستمتعون بذلك ولكن لا يستطيعون الخروج من تلك الدائرة.

انتشار الهواتف الذكية وتأثيرها

على الرغم من عدم وجود بيانات للمقارنة مع الدول الأخرى، فإنه يعتقد بأنّ اليابانيين أكثر عرضة من غيرهم لإدمان التواصل. وذلك لأن شخصية الياباني تميل إلى التآلف مع الأفراد الذين لديهم نفس الميول، أو بمعنى أخر تميل إلى تشكيل مايسمى ”مجتمع القرية“. وكمثال نذكر طالبات المدارس الثانوية والأمهات اللاتي يصبحن ”صديقات حضانة“ بسبب ذهاب أبنائهن إلى نفس دار الحضانة أو المدارس التمهيدية. وعلى هذا النمط من الإرتباط، يكون الفرد مطالباً بإتخاذ نفس تحركات باقي أفراد المجموعة، وإذا قام الفرد بالتحرك عكس المجموعة فسوف يتعرض للتجاهل والتهميش من باقي الأعضاء كنوع من العقاب.

وفي حالة طلاب المدارس قد يتعرض الطالب لمضايقة الأخرين إذا أهمل إرتباطه بهم حتى في مواقع التواصل الإجتماعي. فيتحتم على الأعضاء الأساسيين بالمجموعة أبداء الإعجاب بضغط على زر ”لايك“ والتعليق على أي موقف أو تعبير مهما كان تافهاً بغض النظر عن موافقته أو إعجابه بهذا الرأى. وكذلك الرد الفوري على الأسئلة المطروحة.

وهكذا أصبحت مواقع التواصل الإجتماعي التي صممت لكى لا تكون آنية التفاعل في البداية إلى مواقع آنية. لكنه ومع ظهور الهواتف الذكية أصبح الإتصال أكثر سلاسة مما كان عليه وقت الهواتف التقليدية. وأضحى أغلب الشباب الياباني يستخدم الهواتف الذكية للإتصال بمواقع التواصل الإجتماعي. ونتيجة لذلك، أصبح الشخص معرضا لضغوط أكثر للرد الفوري على أية رسالة أينما كان. وأصبح الشخص المصاب المدمن ممسكا بهاتفه الذكي في الحمام وحتى عند الإستحمام، وعند الإستيقاظ ويظل بذلك ملاحقا بهاجس الإستمرار بالإتصال بإصدقاءه على مواقع التواصل الاجتماعي.

آثار التسونامي وتبديد التوتر النفسي باستخدام الإنترنت

كذلك يوجد ميل لدى اليابانيين في حياتهم للإهتمام بـ ”الروابط (العلاقات) مع الأخرين“. ففي ”دراسة قيم اليابانيين“ التي تجريها كبرى محطات التلفزيون الياباني إن إتش كيه كل ٥ سنوات، حول طريقة تمضية الوقت، كانت نسبة من أجاب ”تعميق الروابط مع الأصدقاء والأسرة" مرتفعة وجاءت بعد ”الاستمتاع بالهوايات“ مباشرة.

وفي عام ٢٠١١، وبعد وقوع كارثة زلزال وتسونامي شرق اليابان، أصبحت كلمة ”الروابط“ بمثابة كلمة سحرية لدى اليابانيين أكثر من ذي قبل. فبعكس المواقع الإخبارية التقليدية كانت مواقع التواصل الإجتماعي فعّالة في إيصال المعلومات وقت التسونامي، ولذلك فقد إرتفع عدد مستخدمي الإنترنت في السنتين الماضيتين بشكل حاد، وخاصة بين فئات الشباب التي دخلت هذا العالم.

وهذا ما دفع الكاتب للاعتقاد بأن بعضاً من أسباب انتشار ادمان الإنترنت بين اليابانيين يعود لأسباب دينية. ففي أمريكا وأوروبا يقوم المسيحيون بطقوس الإعتراف في الكنيسة مما يساعدهم على تقليل ضغوط الحياة. ففي الوقت الحالي انخفض عدد رواد الكنيسة مما أدى إلى استبدالها بالطب النفسي والمعالجين النفسيين كمنصت لهموم الناس. ولكن في المقابل، فانّ عدد معتنقي الديانة المسيحية في اليابان قليل، وكذلك عدد الذين يذهبون للطبيب النفسي. وبدلاً من ذلك، يبرز تبديد الضغوط النفسية على مواقع التواصل الإجتماعي.

إدمان النساء اليابانيات للإنترنت

تبين لنا من دراستنا ان هناك كثرة في ”إدمان التواصل“ بين النساء مقارنة بالرجال. وهذا يرجع لأحد خصائص المجتمع الياباني حيث أنه في بدايات القرن الحادي عشر وفي رواية ”جينجي مونو جاتاري“ كتبت وصيفة القصر الملكي موراساكي شيكيبو أقدم مذكرة طويلة في العالم. وانتشر أدب المذكرات لدى النساء في اليابان بعد عصر هييان واشتهرت العديد منها مثل : ”مذكرات ساراشينا“ و”مذكرات كاجيرو“.

وعندما قام الكاتب بتحليل محتوى مدونات الإنترنت لثلاث دول وهي الولايات المتحدة، والصين، واليابان وجد أن نسبة المدونات التي تحوي آراءً سياسية في اليابان قليلة، مقارنة بالمدونات التي تتحدث عن المشاعر والحياة اليومية. ويرجع ذلك إلى ميل اليابانيين وخاصة النساء منهم إلى تسجيل ما يحدث حولهم بأدق التفاصيل. وربما يرتبط ذلك بالإستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي.

ومثلما انتشرت سابقاً عادة تبادل المذكرات والخطابات والتعليقات بين طالبات المدارس الثانوية بكثرة. فقد حلت وسائل التواصل الإجتماعي محل تلك الوسيلة للتواصل.

كما تميل النساء اليابانيات خاصة لتكوين مجموعة علاقات إنسانية وثيقة. سيما وانه كان في الماضي عادة سارية وهي ما تُسمى ”بصديقة الحمام“ التي كانت دائما ما ترافق زميلتها كلما ذهبت للحمام في وقت الراحة. وذكرت لِتّويّ، ان هناك أيضا مثال، ”الأمهات الصديقات“ اللاتي يرتاد أبناؤهن نفس دار الحضانة أو المدرسة التحضيرية.

وهذا ما يوطد بين أعضاء تلك المجموعات روابط وثيقة وغالبا ماتتجاوز حد الصداقة ويتطلب منهن اهتماما بالأخرين واعتناء مبالغ فيه. ومع تحول وسائل الإتصال الإجتماعية إلى الإنترنت أصبحت السيدات مدمنات على التواصل، وهو ما أدى إلى تمضيتهن وقتا طويلا وهن يتبادلن الرسائل والوقوع بالتالي تحت ضغوط نفسية نتيجة ذلك.

أهمية التوسع في أنشطة التوعية ومؤسسات العلاج

تتواصل زيادة ساعات استخدام اليابانيين للإنترنت مع إنتشار الهواتف الذكية. وفي المستقبل ومع انتشار الهواتف الذكية التي تأخذ أشكال ساعات اليد فسوف يزداد تعلقنا بها، وهذا ما يزيد عدد الأشخاص الذين سيبقون متصلين بالإنترنت طوال فترات بقائهم مستيقظين.

وكنتيجةً لذلك، فربما سيزداد عدد الأشخاص الذين سيعانون من مشاكل في حياتهم الاجتماعية بسبب إدمانهم الإنترنت وبالإضافة للشذوذ الذي سيحدث على المستوى الفردي، فإنه من المتوقع حدوث إنخفاض في إجمالي الناتج الفردي على مستوى المجتمع ككل.

فحتى الآن لم يتم التوصل بعد لوسيلة ناجحة لعلاج إدمان الإنترنت أو تفادي الوقوع في مثل هذا النوع من الإدمان. لذلك يجب التوعية في المدارس بمدى خطورة إدمان الإنترنت وشرح الأمثلة التي تبيّن خطورة هذه المشكلة. كما يجب على الأسر ألا تهمل أعراض ذلك المرض وأن تعمل على سرعة التواصل مع مؤسسات العلاج المناسبة. وفي الوقت الحالي لا يوجد إلا مؤسستين من هذا النوع وهما: (مركز علاج كوريهاما بالمستشفى القومي وعيادة سيجوسومي أوكا). وهذا تحدٍ كبير يواجه أجهزة الدولة التي يجب عليها التوسع في إنشاء مثل تلك المؤسسات المختصة بهذه المعالجة.

(المقالة الأصلية باللغة اليابانية، ٢٥ أكتوبر/تشرين الأول ٢٠١٣)

تشكلت معايير تشخيص الأعراض الخاصة بإدمان الإنترنت وذلك بالاعتماد على العشرين نقطة التي حددها العالم النفسي الدكتور كينباري يانج من جامعة بيتسبرج بولاية بنسلفانيا الامريكية في كتابه ”إدمان الإنترنت“ الصادر عام ١٩٩٨.
  1. هل تلاحظ أحيانا أنك أمضيت وقتا في إستخدام الإنترنت أطول مما كنت تتوقع؟
  2. هل أهملت في دورك بالمنزل أو في الواجبات المنزلية (الطهي، التنظيف أو الغسيل) بسبب إستخدامك الطويل للإنترنت؟
  3. هل تشعر بالرغبة في تمضية الوقت مستخدما الإنترنت أكثر من رغبتك في تمضيته مع الأسرة أو الأصدقاء؟
  4. هل تجد أصدقاءً جددا عبر الإنترنت؟
  5. هل يشتكي المحيطون بك من طول الوقت المستخدم للإنترنت وكثرة تكراره؟
  6. هل تسبب طول إستخدامك للإنترنت في التأثير على درجاتك المدرسية أو سبب لك مشاكل في الدراسة؟
  7. هل تترك الإنترنت آثاراً سيئة خلال أدائك العمل أو على نتيجة عملك؟
  8. هل يسبق تفحصك بريدك الإلكتروني أو مواقع التواصل الإجتماعي، أعمالا أخرى كان يجب إتمامها قبل ذلك؟
  9. هل إختلقت حججا أو أخفيت حقيقة ما تفعله عندما تستخدم الإنترنت حين سئلت عن ذلك؟
  10. هل تستخدم الإنترنت للإبتعاد عن الإنشغال بمشاكل الحياة اليومية؟
  11. هل تنتظر بفارغ الصبر الفرصة القادمة التي تستخدم فيها الإنترنت؟
  12. هل تشعر أن الحياة من دون الإنترنت سوف تكون مملة، فارغة وكئيبة؟
  13. هل تتوتر، تغضب أو ترد بشكل سيئ حين يقاطع أحدهم تركيزك في إستخدام الإنترنت؟
  14. هل تصبح فترات نومك قصيرة بسبب إسرافك في إستخدامك الإنترنت لوقت متأخر في المساء؟
  15. هل تشرد مفكرا في الإنترنت أو تتخيل نفسك مستخدما الإنترنت حتى عندما لا تكون مستخدما له؟
  16. هل تختلق الأعذار لنفسك حين تكون مستخدما الإنترنت معتقدا أنك ستواصل استخدامه لعدة دقائق أخرى فقط على غير الحقيقة؟
  17. هل لا تستطيع تقليل فترات ومرات إستخدامك للإنترنت رغم رغبتك في ذلك؟
  18. هل تخفي فترات ومرات إستخدامك للإنترنت عن الأخرين؟
  19. هل تفضل إستخدام الإنترنت على الخروج للفسحة مع الأصدقاء؟
  20. هل تكتئب حين لا تستخدم الإنترنت، وهل يختفي توترك بمجرد استئنافك لاستخدام الإنترنت؟

وقد تم إعطاء درجات على الإجابات لبحث ”الميل لإدمان الإنترنت“ من أجل رؤية الأثار المترتبة على إستخدام الإنترنت في الإستفتاء المشترك الذي تم في عام ٢٠١٣. كما جرى عمل مقياس من خلال الإجابة على العشرين سؤال آنفة الذكر، وكان يتم اختيار الأجوبة مما يلي: يحدث دائما، يحدث كثيرا، يحدث أحيانا، يحدث نادرا، لا يحدث أبدا. وتم إعطاء درجات لكل منها من ٥ إلى ١ درجة وجمع إجمالي الدرجات.

وفقا لتصنيف الدكتور يانج فإن من يحصل على مجموع
أكثر من ٧٠ درجة فلدى الشخص (ميل كبير للإدمان على الإنترنت)
من ٤٠-٦٩ درجة فلدى الشخص (ميل للإدمان على الإنترنت)
من ٢٠-٣٩ درجة فلدى الشخص (ميل صغير للإدمان على الإنترنت) كثلاث فئات لإدمان الإنترنت

المصدر: يانج ك س (١٩٩٨) ”سجن الإنترنت: كيفية التعرف على علامات إدمان الإنترنت واستراتيجيات ناجحة للعلاج“، (ترجمة: جامعة طوكيو قسم الدراسات العليا كلية المعلومات، مركز دراسات هاشيموتو)

الإنترنت هاتف ذكي