هل تتغير السياسة اليابانية مع تخفيض سن الاقتراع؟

سياسة مجتمع

أقر البرلمان في يونيو/حزيران ٢٠١٥ تعديلاً قانونياً من شأنه أن يخفض سن الاقتراع من ٢٠ إلى ١٨ سنة واعتبارا من انتخابات مجلس المستشارين المقررة في العام المقبل، فسوف يتمكن من الاقتراع أكثر من ٢ مليون ناخب جديد. وفي هذا المقال يدرس المعلق السياسي ”سوغاوارا تاكو“ التأثير المحتمل لسن الاقتراع الجديد على المشهد السياسي الياباني.

الناخبون الشباب

سيتم عام ٢٠١٦ خفض سن الاقتراع القانوني في اليابان من ٢٠ إلى ١٨، وفي وقت يتزامن مع انتخابات مجلس المستشارين في الصيف المقبل وقد أثارت هذه الخطوة الكثير من النقاش في وسائل الإعلام وكذلك بين المعلقين السياسيين.

أما عن كيف يمكن أن يتغير المشهد السياسي الياباني، فقد أثار التعديل اثنين من الأسئلة الرئيسية يتمثل الأول فيما إذا كان التعديل هو بمثابة اتجاهات جديدة في السياسة لتخفيف تأثير ”الديمقراطية الفضية“ في البلاد، وأما السؤال الثاني فهو حول كيفية تأثير التعديل على نتائج الانتخابات.

”الديمقراطية الفضية“

تمت صياغة مصطلح ”الديمقراطية الفضية“ لوصف التأثير السياسي القائمة على أصوات كبار السن على أساس نسبة كبار السن المرتفعة بين السكان، والنسبة العالية لمشاركتهم في الانتخابات، التي كان يعتقد أنها تعرقل إصلاحات السياسيات التي تعطي الأولوية لاحتياجاتهم. وقد جادل البعض بأن الناخبين الأصغر سنا من شأنهم أن يدفعوا بالمشرعين تجاه السياسات التي لها المزيد من الفوائد للشباب، في حين أعرب آخرون عن الشك في ضوء صغر حجم السكان في سن المراهقة والمشاركة الضعيفة للناخبين الشباب عموما.

وعلى الرغم من أن فكرة الديمقراطية الفضية نفسها ليست أكثر من فرضية، فإنّها لم تشجع كثرة الناخبين الأكبر سنا بالضرورة الأخذ بنظام الرعاية الاجتماعية الذي يفضل كبار السن وذلك كما تُوضِّح الحقائق التالية.

أولا، تم إنشاء نظام الضمان الاجتماعي الحالي في اليابان منذ عدة عقود خلال فترة النمو المرتفع، أي عندما كانت أكبر الفئات العمرية الناس في العشرينات والثلاثينات وعندما كانت هناك اختلافات طفيفة في إقبال الناخبين حسب العمر ومع ذلك، فإنَّ لدى البلدان المتقدمة الأخرى التي تعاني من انخفاض في معدلات المواليد وشيخوخة السكان أنظمة ضمان اجتماعي أكثر ملاءمة للشباب، وهذا هو ما يناقض وجود أي ارتباط ولو بسيط بين الأفواج السكانية والفوائد الأكبر. سيما وأن تلك المواقف متشابهة إلى حد ما عبر الأجيال وعلى نحو يُحدد من يجب عليه أن يدفع للرعاية الاجتماعية، وعلاوة على ذلك، فإن من بين كبار السن ممن لا يرغب في وضع العبء الزائد على السكان في سن العمل.

ويوضح الشكل التالي نتائج استطلاع عام للرأي حول هذه النقطة الأخيرة حيث يتبيّن بشكل ملحوظ، أن الشباب كانوا أكثر ميلاً للقول بأن زيادة العبء على السكان في سن العمل أمرٌ لا مفر منه من المستطلعين الذين تتراوح أعمارهم بين ٦٠ عاما أو أكثر ولم يكن هناك خلافات واضحة بالرأي بين الأجيال سوى الحقيقة القائلة بأن هناك فئة أكبر من المستطلعين كبار السن تميل إلى اختيار ”لا أعرف“. وتشير هذه البيانات إلى أن انخفاض سن الاقتراع لن يؤدي إلى انتخاب السياسيين مع أولويات سياسية اجتماعية مختلفة.

كما يتحدث الخبراء في هذه الأيام عادةً عن ”الديمقراطية الفضية“ كما لو كانت حقيقة ثابتة إلا أنّ الحقيقة هي أن نسبة عالية من الناخبين كبار السن ليست عاملا هاما وراء سياسات الضمان الاجتماعي التي تساعد كبار السن وربما توجد عوامل أخرى هناك، مثل العدد القليل جدا من أعضاء البرلمان الإناث، والسنوات العديدة التي حافظ الحزب الليبرالي الديمقراطي على الحكم، وهو كونه يتبنى قيم العائلة المحافظة، والتسلسل الهرمي القائم على الأقدمية في الأحزاب السياسية والبيروقراطية ومهما كانت الأسباب، فإنّ خفض سن الاقتراع إلى ١٨ سنة لن يكون له أي تأثير على جدال ”الديمقراطية الفضية“.

مشاركة سياسية مبكرة

إذا كيف ستؤثر حقوق التصويت للذين تتراوح أعمارهم بين ١٨-١٩ عاما على الانتخابات اليابانية؟ والإجابة هي أنه ربما ليس كثيرا جدا وذلك انطلاقا من حقيقة أن هذه الفئة العمرية تمثل ٢٪ فقط من الناخبين ونسبة المشاركة عادة ما تكون منخفضة بين الناخبين الأصغر سِّناً لكن مع ذلك قد تصبح الانتخابات أكثر تقلبا في المدى القصير حيث كان التصويت المتردد بين الشباب عاملا في دعم متقلب تمتعت به الأحزاب السياسية في الانتخابات الأخيرة. ولكن أود أن أركز هنا على أهمية المدى الطويل وإمكانات حق الاقتراع للناخبين الأصغر سنا.

ويجدر القول إن هناك مشاركة شعبية أقل في الأنشطة السياسية في اليابان مما عليه في غيرها من البلدان المتقدمة. حيث يوجد عدد قليل من الناخبين ممن يكلفون أنفسهم العناء والتحدث مع ممثليهم أو النزول إلى الشوارع للاحتجاج. سيما وأن النشاط السياسي بالنسبة لمعظم الناس يقتصر على الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات. وبالتالي فأن تكون قادرا على التصويت عامين أصغر سنا يعني البدء في المشاركة السياسية في وقت مبكر وإذا ما جلب هذا مزيدا من المعرفة السياسية والاهتمام، فإن نسبة الاقتراع قد ترتفع عندما يصل هؤلاء الناخبين إلى سن العشرينات والثلاثينات.

وهكذا يمكن اعتبار الأعمار بين ١٨ و١٩ السنوات التكوينية في خبرة التصويت الشخصي. وهذا مما دفع لتحركات داخل الحزب الديمقراطي الليبرالي للطلب من معلمي المدارس الثانوية الحفاظ على الحياد السياسي في الفصول الدراسية وذلك من خلال سَنِّ تشريع قانون عقوبات شديدة تجاه أي انتهاكات. لكن تأثير مثل هذا القانون سيكون محدودا، حيث أن الطلاب سيكونون بالفعل في السنة النهائية من المرحلة الثانوية في الوقت الذي يصلون إلى سن الـ ١٨. وعلى النقيض من ذلك، فسيكون لدى كل طلاب الجامعات تقريبا الحق في التصويت، وبالنظر إلى أن حوالي ٥٠٪ من خريجي المدارس الثانوية في اليابان يلتحقون بالجامعة لمدة أربع سنوات، فإن تداعيات انخفاض سن الاقتراع ستكون أكبر بكثير في حرم الجامعة.

دور أكبر للسياسة في الجامعات

ويبين الشكل أعلاه عدد الانتخابات الوطنية التي شهدها الناس من مختلف الأعمار (اعتبارا من ١ أبريل/نيسان ٢٠١٥) وذلك منذ اكتساب الحق في الاقتراع حيث أن الخَطّ ذي اللون الأزرق هو العدد الفعلي، في حين الخط الأحمر يَدلُّ ما قد سيشهدونه لو كان حق الاقتراع يبدأ من سن ١٨. والأعمار على المحور الأفقي هي لـ ١ أبريل/نيسان ٢٠١٥، مع كل تدرج بما في ذلك أولئك الناس في نفس العام الدراسي (السنة الدراسية اليابانية تبدأ في أبريل/نيسان). الأعمار ١٨-٢٢ تتوافق مع السنوات الجامعية للناخب (على افتراض الالتحاق بالتعليم العالي بعد المدرسة الثانوية على الفور).

وعموما، فإن الخط الأحمر يمتد لدرجة أو درجتين فوق الخط الأزرق وهكذا، إذا كان سن الاقتراع دائما ١٨ عاما، يكون الشباب قد شهدوا واحدا أو اثنين أكثر من الانتخابات كما أنه إذا استمرت الانتخابات الوطنية لتجري كل ١٨ شهرا أو نحو ذلك في المتوسط، فإن انخفاض سن الاقتراع يعني أساسا توفر فرصة واحدة أو فرصتين للتصويت في انتخابات وطنية للناخبين الأصغر سنا.

ولعل مقاطع رأسية للمنحنى البياني تحدد بدورها أولئك الذين كانوا في مرحلة من العمر تسمح لهم بالتصويت في انتخابات معينة، وأولئك الذين لم تكن أعمارهم كافية. فَعلى سبيل المثال، فإنّ الأشخاص الذين ولدوا قبل ١٤ ديسمبر/كانون الأول ١٩٩٤، كانوا قادرين على التصويت في انتخابات مجلس النواب في ١٤ ديسمبر/كانون الأول ٢٠١٤ ويمثل هذا التقسيم خطاً عمودياً للمنحنى الأزرق إلى يمين ”مجلس النواب ٢٠١٤“ كما هو مبين في الرسم البياني.

ونظراً لأن سن الاقتراع كان في ذلك الوقت لا يزال ٢٠ فإنّ الخط يأتي خلال السنة الثالثة من الجامعة لو تم تخفيض سن الاقتراع بالفعل إلى ١٨، لكان بإمكان العديد من طلاب السنة الأولى وطلاب السنة الثانية ممارسة حق الاقتراع كما يتبين من الخط العمودي للمنحنى الأحمر على يسار ”مجلس النواب ٢٠١٤“. وكان طلاب السنة الثالثة قد شاركوا بالفعل في اثنين أو ثلاثة انتخابات وطنية بحلول ذلك الوقت.

وباختصار، وفي ظل النظام الجديد، فسوف يكون كل طلاب الجامعات أساسا مؤهلين للتصويت بدلا من طلاب السنة الثالثة والرابعة جنبا إلى جنب مع طلاب السنة الثانية ممن يكون تاريخ ميلادهم يقع في وقت مبكر من العام وهذا يعني أنه إذا كانت الانتخابات تجري في النصف الثاني من العام الدراسي، فإن عدد الناخبين المحتملين من الطلاب سيزيد بنسبة أكثر من ٥٠٪.

ولذلك فقد تكتسب الجامعات أهمية أكبر في استراتيجيات الحملة الانتخابية لكثير من السياسيين وكأماكن للمشاركة السياسية بين الشباب. ومع قدرة جميع الطلاب على التصويت، فإنه مما لا شك فيه بأنّ تولي الأحزاب السياسية اهتماما أكبر لكسب تأييدهم حيث أن تأمين الولاءات بين الناخبين الشباب يمكن أن يؤدي إلى دعمهم المستمر لعدة عقود، وهو شيء لا يمكن دائما أن يقال تجاه الناخبين كبار السن. ولذلك فإن تخفيض سن الاقتراع يُمثل فرصة لدفع السياسيين للمزيد من التفكير بشأن احتياجات جيل الشباب.

جلب الشباب إلى عالم السياسة

وحتى الآن كان ينظر للطلاب كعمال موظفين أو متطوعين أثناء الحملات الانتخابية، ومع استثناءات قليلة، لم يتم بذل الجهود للوصول إليهم بوصفهم مكونات أو كأعضاء في الحزب.

ذلك لأن معظم الأحزاب الرئيسية تركت لمرشحيها حرية النشاط الانتخابي مما يعني أنه تُرك للسياسي كفرد تنظيم فريق الحملة الانتخابية الخاص به وإيجاد الدعم اللازم له. وبما أنه ليس لدى طلاب الجامعة سوى القليل من الاهتمام في السياسة أو الاقتراع، سيما وأن غالبيتهم وفي كثير من الأحيان لم تُغيّر عناوينها في السجل المدني، مما يعني أنه لا يحق لهم التصويت في الدوائر الانتخابية حيث يدرسون من ناحية، كما أنه من المرجح أن ينتقلوا مَرَّةً ثانية إلى مكان آخر بعد التخرج من ناحية أٌخرى، فإنه لم يكن لدى الساسة أي حافزا لجلبهم أو لدعوتهم إلى منظمات حزبهم. وبموجب ذلك الوضع فقد كان يتعين على الأحزاب بذل قسط وافر وجزءً أكبر من جهود التوعية. لكن مع ذلك، كان نشاط معظم المنظمات الحزبية ضعيفاً على الرغم من بذل محاولات منظمة صغيرة لتوسيع الدعم بين الطلاب وغيرهم من الشباب.

وقد بدأ أن الضعف الأكبر في تقريب التأييد الشعبي يتمثل بعدم القدرة على جذب الناخبين بغض النظر عن العمر مع مجموعة مترابطة من السياسات حيث تقوم أنماط التصويت على مصالح مهنية أو مكان العمل والعلاقات المجتمعية. ولعل هذه الاستراتيجيات لا تكون فعالة إلا عندما يكون لدى الناخبين وظائف ثابتة ومساكن فهي شؤون قد لا تحظى بالأولوية لدى مفهوم طلبة الجامعات. ومن ناحية أخرى، فإنَّ بناء شبكة من الشباب متشابهي التفكير هي مهمة يمكن أن تكون أكثر تقدما على وجه التحديد من خلال توضيح أهداف السياسة.

ولا شك في أنّ مجموعاتٍ من السياسيين ووسائل الإعلام ستبدأ بالتفكير بعمق في هذا النوع من السياسات التي تروق للناخبين الأصغر سنا. وهذه مهمة من شأنها أن تتطلب التحدث مباشرة إلى الشباب، وإخراطهم في الأنشطة الشعبية، والعمل معهم من أجل التوصل إلى حلول سياسية. حيث أن الأحزاب السياسية لا تفعل اليوم ما يكفي لبناء سياسات متكاملة من الألف إلى الياء بل تعتمد بدلا من ذلك على البيروقراطيين والخبراء والنخب الأخرى مع المعرفة المتخصصة إلى تقديم إجابات من بروجٍ عالية. ولعل هذا هو أحد أسباب الخلاف بين السياسة والناس في الشارع.

وسواءً اغتنم السياسيون والأحزاب الفرصة التي يوفرها خفض سن الاقتراع في نهاية المطاف، فإنّ هذا يعتمد على القدرة على تقليل هذه الفجوة واستعادة اهتمام وتطلعات الناخبين. فالاقتراع في سن ١٨ في حد ذاته لا يمكن أن يكون الحل، ولكنه يمكن أن يدفع بتغييرات هامة في العديد من أنشطة وتنظيم ووعي الأحزاب السياسية في اليابان.

(المقالة الأصلية باللغة اليابانية بتاريخ ٢٤ أغسطس/آب ٢٠١٥. الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: طلاب المدارس الثانوية في السنة الثانية يشاركون في استفتاء تجريبي على التشريعات الأمنية في مدرسة ”ريتسوميئكان أوجي“ الثانوية بمدينة أوجي في محافظة كيوتو، يوم ٨ يوليو/تموز ٢٠١٥. الصورة من جيجي برس.)

السياسة الضمان الاجتماعي انتخابات