حتى في اليابان...وسائل الإعلام تحت سيطرة الحكومة

سياسة

أثار تصريح وزيرة الشؤون الداخلية والاتصالات تاكايتشي سانائي ضجة كبيرة في فبراير/شباط هذا العام حيث قالت أنه قد يتم تعليق بث المحطات التي تستمر في إذاعة برامج منحازة سياسياً. وعلى الرغم من ذلك فقد غابت أصوات المعارضة القوية من قبل وسائل الإعلام للوقوف في وجه الضغوط المتزايدة من حكومة آبى.

الأسئلة من أعضاء نادي الصحافة فقط

عُقد مؤتمر صحفي في مقر الحزب الليبرالي بعد إعادة انتخاب شينزو آبى بالتزكية رئيساً للحزب في سبتمبر/أيلول عام ٢٠١٥ بمقر الحزب. وصرح بعده نائب الأمين العام للحزب هاغيودا كويتشي والذي كان يترأس المؤتمر، أن رئيس الحزب سيلقي كلمة افتتاحية وسيتلقى الأسئلة من الأعضاء المشرفين في نادي هيراكاوا، نادي الصحافة التابع للحزب وبعد ذلك، إذا أتاح الوقت، من أعضاء النوادي الأخرى .وقد استغرقت كلمة آبي بين ١٥ و٣٠ دقيقة المخصصة للمؤتمر كما تحدث بشكل تفصيلي عن إنجازاته وأهدافه المستقبلية. ثم قامت بعد ذلك المنظمتان المشرفتان الدوريتان بطرح الأسئلة ثم فتح هاغيودا الباب للأسئلة ولكن فقط من أعضاء نادي هيراكاوا.

كان الترتيب إلى حد بعيد غير طبيعي. ولم يَكن هناك سوى عدد قليل من الفرص لطرح الأسئلة على رئيس آبى بشكل مباشر، ولكن لم يحتجّ أحد على حقيقة أن مثل هذه الفرصة قد ضاع نصفها بسبب الكلمة الافتتاحية التي استغرقت ١٥ دقيقة. ولم يُشر أيا من المذيعين ممن قاموا بتغطية أخبار انتخابات الحزب إلى هذه النقطة.

تدهور حرية الصحافة

وكان تصريح هاغيودا الثاني الذي حد من أسئلة أعضاء نادي هيراكاوا فقط هو الأكثر إثارة للانزعاج والقلق. خلال السنوات الثلاث حتى ديسمبر/كانون الأول ٢٠١٢ وعندما تبوأ الحزب الديمقراطي الياباني السلطة، أصبحت المؤتمرات الصحفية أقل صرامة، مع ترك الباب مفتوحاً أمام الصحفيين على شبكة الإنترنت، ووسائل الإعلام الأجنبية، والصحفيين المستقلين كما حذت حكومة آبى هي الإخرى حذو الحزب الديمقراطي على الأقل على مستوى الشكل من أجل ظهور الحكومة بمظهر متزن وتجنب اتهامها بأنها تحد من حرية الصحافة والإعلام. لكن تبيّن في الآونة الأخيرة بغض النظر عن عدد المرات التي يرفع الصحفيون على شبكة الإنترنت أياديهم أنه نادرا ما يتم الاستجابة لهم. ويبدو أن الحزب الليبرالي قد تبنى نهجا ”تشغيليا“ دقيقا، لتضييق الخناق على الصحفيين على شبكة الإنترنت على بشكل خاص.
ورغم ذلك كان رفض هاغيودا القاطع لمشاركة غير الأعضاء بمثابة إعلان مفتوح للسياسة القائمة على التمييز. فقد علق جينبو تيتسوؤ، رئيس التحرير لشبكة أخبار الفيديو (www.videonews.com)، وهي شبكة إذاعية بدون إعلانات نادرة النوع في اليابان، بأن ”هذه الأعراض قد تطورت إلى مرحلة أسوأ من قبل“.

ومعلوم أيضا أن ترتيب اليابان في مؤشر حرية الصحافة العالمي السنوي الذي تنشره منظمة مراسلون بلا حدود غير الربحية، كان يتأرجح بين الـ ٢٦ والـ ٥١ في الفترة من ٢٠٠٢ إلى ٢٠٠٨ - ولعل هذا التصنيف العالمي المنخفض نوعا ما ينسب إلى الطابع المغلق لنظام نادي الصحافة اليابانية. فبعد وصول الحزب الديمقراطي الياباني إلى السلطة عام ٢٠٠٩، ارتفع مؤشر اليابان ليصل إلى المرتبة ١١ عام ٢٠١٠ ولكنه انخفض بعد ذلك إلى ال ٥٣ عام ٢٠١٢ والـ ٦١ عام ٢٠١٥. (مؤشر ٢٠١٦ صدر يوم ٢٠ أبريل/نيسان حيث انخفضت اليابان ١١ مرتبة إلى الـ ٧٢).

وكان هذا بشكل جزئي رداً على الإفصاح غير الكافي من المعلومات الذي تلا حادث فوكوشيما النووي في مارس/آذار ٢٠١١ وسن قانون حماية أسرار الدولة ذي التصنيف الخاص عام ٢٠١٣. ويبدو أن مجلس وزراء آبى غير قلق إزاء الرأي العام العالمي بشأن جهود السلطة لتشديد الرقابة على وسائل الإعلام.

نداء للالتزام بالحيادية

حتى قبل المؤتمر الصحفي للحزب الليبرالي كان هاغيودا مصدراً للتشديد على وسائل الإعلام. في نوفمبر/تشرين الثاني عام ٢٠١٤ قبل شهر من الانتخابات العامة لأعضاء مجلس النواب، سلم هاغيودا رسالة إلى كبار المحررين في برامج الأخبار التلفزيونية من الشبكات التلفزيونية في طوكيو يطلب فيها منهم تغطية عادلة ونزيهة للحملة الانتخابية.

وربما يبدو الطلب عند التمعن فيه معقولاً بما فيه الكفاية، ولكن التأثير في الواقع ترهيبي إلى حد بعيد. وعلى كل حال فإن مثل هذه الرسالة كانت غير ضرورية لو كان المرسل يعتقد أن التغطية على الانتخابات نزيهة بالفعل وكمثال على التغطية المتحيزة، أشارت الرسالة إلى الضجة الناجمة عن اعتراف مذيع الأخبار بأنه قد ”ساعد“ محطته للانحياز عمدا في صياغة تقاريرها من أجل تشجيع تغيير الحكومة. حيث تسربت عام ١٩٩٣، تعليقات خاصة مشجعة من قبل رئيس قسم الأخبار في تلفزيون أساهي تسوباكي سادايوشي (ولكن لم تكن موجهة في الحقيقة) لتغطية أخبار أحزاب أخرى غير الحزب الليبرالي مما دفعه للظهور في البرلمان. وتدعو الرسالة أيضا إلى الإنصاف في اختيار الضيوف من المعلقين وكذلك في عدد المرات والمدة التي يسمح لهم بالتحدث.

تقع أنشطة البث تحت اختصاص وزارة الشؤون الداخلية والاتصالات، و ليس لدى الحزب الليبرالي صلاحية في توجيه هذه الأنشطة وما يجب القيام به إلا أنه مع هذا كلّه لم تظهر أي احتجاجات عامة ولم تعترف معظم شبكات البث طوعا أنها تلقت مثل هذه الرسالة.

الانتقادات غائبة

استمر الضغط السياسي على وسائل الإعلام مع استجواب المسؤولين التنفيذيين في هيئة الإذاعة والتلفزيون اليابانية NHK وتلفزيون أساهي يوم ١٧ أبريل/نيسان عام ٢٠١٥ من قبل لجنة بحوث استراتيجية المعلومات والاتصالات في الحزب الليبرالي الديمقراطي حول انتهاكات مزعومة لقانون البث فقد سُئلت هيئة الإذاعة والتلفزيون اليابانية عن تقرير Close-up Gendai في ١٤ مايو/أيار ٢٠١٤ حول عملية احتيال مالي ساعد فيها سماسرة أشخاصاً ممن لديه ديون لدخول الكهنوتية وكان يُشتبه بأن إحدى المقابلات في البرنامج قد تم تلفيقها من صحفي من تلفزيون أساهي، وفي الوقت نفسه، تم التحقيق معه حول ملاحظة أبداها معلق للأنباء على الهواء حيث قال إنه قد تعرض لضغوط من وزير شؤون مجلس الوزراء سوغا يوشيهيدي.

ولم يكن لدى لجنة بحوث الحزب الليبرالي أي سلطة لاستدعاء المديرين التنفيذيين ولكن لم تعترض أيٌة شبكة إذاعية على الاستجواب كما لم تحتج أيّاً من المحطات الأخرى.

وقد نُشرت نتائج تحقيق داخلي من هيئة الإذاعة والتلفزيون اليابانية أنُكِرَ فيها تهمة التلفيق بعد مرور ١٠ أيام. وفي اليوم نفسه، أصدرت تاكاإتشي سانائي، وزيرة الشؤون الداخلية والاتصالات، ”تحذيرا شديد اللهجة“ لهيئة الإذاعة والتلفزيون اليابانية دون أخذ الوقت الكافي للتدقيق في التقرير. ونادرا ما تصدر مثل هذه التحذيرات عن محتوى البرامج كون المثال السابق عام ٢٠٠٩، والمثال الآخر الذي جاء من الوزير عام ٢٠٠٧. لكن رد فعل وسائل الإعلام اتسم رغم ذلك بالهدوء، مع بث معظم محطات التلفزيون الحقائق فقط.

ولعل الغريب في الأمر، أنّ الانتقاد لم يأت من جهات البث أنفسها ولكن من هيئة إعلامية مستقلة أنشئت من جانب الصناعة تحت مسمى منظمة تحسين البرنامج وأخلاق البث (BPO). لم تشمل أيّاً من اللجان الثلاث المكلفة برصد مختلف جوانب هذه الصناعة من مديرين تنفيذيين أو موظفين في محطات التلفزيون. ففي نوفمبر/تشرين الثاني ٢٠١٥، أصدرت لجنة المنظمة للتحقيق في أخلاقيات البث رأيا مشيرا إلى أن تقرير Close-up Gendai، خلافا لاستنتاجات التقرير الداخلي لـ NHK، تضمن مقابلاتٍ غير مُتقنة تقع دُونَ معايير الجودة المطلوبة من البرامج الإخبارية وقد تُشَكّل انتهاكاً خطيراُ لآداب المهنة. وفي الوقت نفسه، أشارت إلى أن تحذير الوزير تاكاإتشي فشل في احترام سوابق تاريخية كما انتقدت اللجنة استدعاء مسؤولين تنفيذيين إذاعيين مشيرة أنه ”ضغط على حرية الصحافة“.

تفسير قانوني جديد؟

في اجتماع لجنة الموازنة في مجلس النواب في فبراير/شياط ٢٠١٦، أشارت تاكاإتشي أن المادة ٤ من قانون البث تنص على أن جهات البث يجب أن تكون ”عادلة سياسيا“، وأن وزير الشؤون الداخلية يقرر فيما إذا يجب أن يتم تطبيق هذا الشرط. وأشارت أن الوزير مخول قانونيا، لتعليق العمليات الإذاعية للمحطات والشبكات التي تُخالف تكرارا أحكام القانون.

وربما ينحرف هذا الرأي الذي يعتبر أنه يمكن استخدام انتهاكات المادة ٤ كذريعة لتعليق البث الإذاعي عن التفسير التقليدي لخبراء القانون الدستوري، الذين يرون أن الحكم يمثل ميثاق أخلاقي طوعي تلتزم به جهات البث في تحرير برامجها. ولكن عند الضغط على هذه النقطة في البرلمان، وصف الوزير سوغا تعليقات تاكاإتشي بانه أمرٌ مفروغٌ منه، ووافق رئيس الوزراء الياباني آبى على ذلك مشيرا إلى أن تاكاإتشي عبرت عن وجهة نظر شائعة.

فَهل هم يا تُرى جادون فيما يقولونه أم أنهم لا يدركون ذلك؟ وفي كلتا الحالتين اختارت وسائل الإعلام عدم التظاهر، ولم يعرب عن السخط سوى ستة أشخاص من مذيعي الأخبار عندما عقدوا مؤتمراً صحفياً في أواخر فبراير/شباط الماضي.

الخوف من فقدان الامتيازات المخفية

ما السبب وراء انقياد المؤسسات الإعلامية اليابانية؟ والجواب بسيطُ فَمَا دام الأمر يتعلق بالبث التلفزيوني: فإن المعنيين لا يرغبون في معاداة وزارة الشؤون الداخلية والاتصالات التي تشرف على هذه الصناعة، ولا الحزب الليبرالي الذي بسط نفوذه على أعضاء الوزارة. حيث لدى نظام البث الياباني عيب صارخ. عندما صدر الإطار القانوني لهذه الصناعة عام ١٩٥٠، وكانت اليابان آنذاك لا تزال تحت احتلال قوات التحالف والتي أوكلت الإشراف على المحطات الإذاعية إلى لجنة كانت مستقلة عن الحكومة. ومع ذلك ألغيت اللجنة بعد عامين من فترة رئاسة رئيس الوزراء حينئذٍ يوشيدا شيغيرو مما سمح للحكومة بممارسة رقابة بشكل مباشر.

ومعلوم كذلك أن إحدى المهام الأساسية للصحافة هي مراقبة استخدام السلطة، ولكن في اليابان الأمر مقلوب مع مراقبة الحكومة للمحطات الإذاعية ومع وجود الحزب الليبرالي في السلطة على مدى سنوات عديدة حيث اكتسب بعض أعضاءه تأثيراً كبيراً على شؤون سياسة البث. ولا يزال لديهم اليوم صوت قوي على الرغم من تضاؤل تأثير هذه الأروقة في الأعوام الأخيرة. وعلى عكس المجموعات الإعلامية الغربية الكبرى، التي تدرج اكتتاباتها سرا، تدرج اكتتابات شبكات البث في اليابان علنا. لذا يخشى العديد من المدراء التنفيذيين الإذاعيين اتخاذ القرارات باسم الصحافة النظيفة خوفا من تدخل الحكومة وبالتالي استمرار الخسائر نتيجة لذلك .

وفي الوقت نفسه، فإنّ الصحف الوطنية الخمسة في اليابان منخرطة مع محطات تلفزيونية مشتركة في الملكية مع مجموعة من رجال الأعمال، وكان العديد من صحفييها قد تقربوا في الماضي من الحكومة والحزب الحاكم للإسراع في إصدار تراخيص البث لمحطات التلفزيون الخاصة بهم والإقليمية.

كما أن صناعة الصحف أيضا مَديّنةٌ بِدَورِها لإدارة آبي لقرار الأخيرة إعفاء الصحف من النسبة الجديدة لضريبة الاستهلاك التي سوف ترتفع إلى ١٠٪ في أبريل/نيسان ٢٠١٧. وهذا ما صعّب من انتقاد هذه الصحف علناً لسياسات الحكومة.

وهكذا يكون حصول وسائل الإعلام التقليدية على المعلومات على نحوٍ تفضيلي وفي إطار نظام نادي الصحافة امتيازاً مكتسباً علما بأن مجموعات وسائل الإعلام تتردد حول التخلي عنه وهو ما يشكل عاملا إضافيا يقف وراء استجابة وسائل الإعلام الضعيفة لمطالب السياسيين. ففي حين نجح الحزب الديمقراطي الياباني في الانفتاح على المؤتمرات الصحفية لم يكن قادراً على حذو نفس النهج مع نوادي الصحافة فالمنافع الحقيقية من عضوية نادي الصحافة لا تأتي من حضور المؤتمرات الصحفية فحسب ولكن في الحصول على التقارير الغير مدونة في السجلات من قبل مصادر الأخبار البارزة.

وهذه الجلسات الإعلامية، التي كثيرا ما تُقدم من ساسةٍ مخضرمين تتيح تبادل وجهات نظر شخصية وردود أفعال حقيقية للأجندات السياسية والتطورات. ويمكن لهذه المعلومات السرية أن تترك تأثيرات مباشرة على لهجة المواد اللاحقة وعلى تنظيم التغطية الإخبارية. كما يتم عقد جلسات إعلامية مقتضبة ومقتصرة على أعضاء نوادي الصحافة تنظمها الوزارات المعنية في الحكومة وذلك قبيل انعقاد المؤتمرات الدولية الهامة. ولعل انتقاد صريح لسياسة الحكومة في هذا الصدد يُعَّرض الناقد للاستبعاد - ولو مؤقتاً - عن دائرة الإطلاع على تلك المعلومات عن كثب.

وما ورد آنفاً هي بعض الأسباب وراء امتثال وسائل الإعلام مع رغبات الحكومة. وفي الواقع تناول آبى الطعام مع المديرين التنفيذيين لوسائل الإعلام الرئيسية بشكل متواتر أكثر من أي رئيس وزراء آخر في التاريخ.

ومن مذيعي الأخبار الستة الذين عقدوا مؤتمراً صحفياً احتجاجاً على تصريحات تاكاإتشي، تحدث خمسة منهم في نادي المراسلين الأجانب في اليابان يوم ٢٤ مارس/آذار أيضا، حيث انهالت عليهم أسئلة حول وسائل الإعلام اليابانية والاستجابة الجبانة لبيان مبتذل مثل الذي تم التصريح به من وزيرة الشؤون الداخلية وظَلَّ الصحفيون الأجانب في النهاية غير مقتنعين بالتفسيرات التي صدرت من جانبهم.

لكنّ يبدو أن وسائل الإعلام في اليابان غير قادرة على القيام بدورها كجهاز رقابة مستقل لأنها تمتلك امتيازات خفية لا تريد خسارتها.

(المقالة الأصلية باللغة اليابانية، ونشرت في ٧ أبريل/نيسان ٢٠١٦. الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: مذيعو الأخبار التلفزيونية التجارية يحملون لافتة يوم ٢٩ فبراير/شباط ٢٠١٦، احتجاجا على تصريحات تاكايتشي ساناي بأن الحكومة مخولة بإيقاف عمليات البث التي تتجاهل الدعوات للحياد السياسي. جيجي برس).

آبي شينزو