برنامج المتطوعين اليابانيين للتعاون الخارجي: خبرة حياة

سياسة

على مدى العقود الخمسة الماضية، عمل المشاركون في برنامج المتطوعين اليابانيين للتعاون الخارجي (JOCV) لتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في بلدان نامية من خلال تقديم مساعدة تقنية في مجالات مثل التعليم والزراعة والهندسة المدنية. وقد حصل برنامج ”JOCV“ في عام ٢٠١٦ على جائزة رامون ماغسايساي وهي إحدى أرفع الجوائز في آسيا بسبب الخدمات العامة والنهج العملي في تسهيل التنمية في مجتمعات حول العالم. ويقدم الصحفي والمتطوع السابق في البرنامج يوشيؤكا إيتسوؤ نظرة على هذا البرنامج.

منذ تأسيسيه قبل أكثر من نصف قرن من الزمن، أوفد برنامج المتطوعين اليابانيين للتعاون الخارجي ”JOCV“ ما يزيد عن ٤٠ ألف شاب وشابة تتراوح أعمارهم بين ٢٠-٣٩ عاماً إلى ٨٨ بلدا من البلدن النامية في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية وأوقيانوسيا ومناطق أخرى من العالم. ويعود الكثير من الفضل في استمرار هذا البرنامج لفترة طويلة إلى الثقة التي حاز عليها المتطوعون اليابانيون عبر انخراطهم العميق على المستوى الشعبي. وقد عززت جهود متطوعي ”JOCV“ التفاهم المتبادل بين اليابان وشركائها من الدول الأخرى ما جعل من البرنامج دعامة هامة وأساسية في برنامج المساعدات الإنمائية الرسمية اليابانية.

نقطة البداية لمهنة صحفي

أصبحت أحد متطوعي برنامج ”JOCV“ في عام ١٩٧٢ وكنت بعمر ٢٠ عاما. وكانت مهمتي العمل كمشغل كاميرا لمحطة بث تلفزيوني وطني في إثيوبيا. ومثل الكثير من زملائي المتطوعين - انضم للبرنامج في الفترة ذاتها ٢٤ متطوعا - لم أكن قد خطيت خطوة خارج اليابان وقد شعرت بالكثير من الإثارة لدى وصولي لموقعي.

وبالرغم من أنني تلقيت على مدار ٣ أشهر دورات تعليم لغة وتدريبات أخرى قبل مغادرتي اليابان، كنت عاجزاً كلياً عن التحدث بثقة. وفي أول يوم لي في المحطة التلفزيونية، اكتشفت أنني لم أكن قادراً على فهم ما كان يقوله مديري، ما تحتم علي الاتصال بصديق يتحدث الإنكليزية ليكون مترجماً. ولكن في نهاية المطاف أوجدت أرضية ثابتة وبحلول نهاية فترتي كمتطوع تمكنت من ترأس ندوة استمرت أسبوعاً لمصورين آخرين بناء على طلب من وزير الاتصالات والإعلام الإثيوبي.

وبعد عودتي إلى اليابان انضممت لجريدة غطيت فيها على مدى سنوات قصصا في ٦٨ بلداً، من بينها حرب الخليج، وعملية حفظ السلام للأمم المتحدة في كمبوديا، والصراع في رواندا، والحروب في أفغانستان والعراق. وبناء على ذلك، فقد أصبحت معروفاً كمراسل حربي. وقد كانت نقطة البداية لهذه المهنة هي خبرتي في إثيوبيا ضمن برنامج ”JOCV“.

تم إيفاد الكاتب في عام ١٩٧٢ للعمل في محطة تلفزيون وطنية في إثيوبيا كأحد متطوعي برنامج ”JOCV“. تظهر هذه الصورة الكاتب وهو يسبح في أحد الأنهار برفقة حمالين محليين.

جذور البرنامج

يتم تنفيذ برنامج ”JOCV“ من قبل الوكالة اليابانية للتعاون الدولي ”JICA“ والتي هي دعامة برنامج المساعدة الإنمائية الرسمية اليابانية. وتم إطلاق البرنامج في عام ١٩٦٥ وتم إيفاد ٤٠ متطوعاً في أول سنة له إلى ٥ دول نامية هي كمبوديا وكينيا ولاوس وماليزيا والفلبين.

ويُنظر لهذه المبادرة بشكل واسع على أنها مستلهمة من تشكيل الرئيس الأمريكي جون كينيدي لبرنامج فرق السلام في عام ١٩٦١. ولكن في حقيقة الأمر، فإن جذور برنامج ”JOCV“ هي أكثر قدماً من ذلك.

في أعقاب الحرب العالمية الثانية، باشرت روابط شبابية ومنظمات قطاع خاص أخرى جهوداً تطوعية محلية هدفت إلى ترميم الدمار الناجم عن الحرب وتعزيز التنمية الفردية والاجتماعية والقومية ضمن اليابان. وبعد أن انضمت اليابان إلى خطة كولمبو - وهي شراكة تعاونية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في آسيا والمحيط الهادئ - في عام ١٩٥٤ وأطلقت برنامج تعاون دولي على نطاق صغير، دعت الحكومة أعضاء روابط الشباب إلى المشاركة في جهود التبادل والتعاون كجزء من هذا البرنامج الوليد لمساعدات التنمية.

ولكن الأعباء المالية والإدارية جراء هذه المشاركة كانت كبيرة على منظمات القطاع الخاص تلك، وبرزت دعوات لتولي الحكومة مسؤولية هذه الأنشطة. وبينما كانت السلطات في خضم عملية التخطيط لمبادرة للاستجابة لتلك الدعوات، أطلق الرئيس الأمريكي كينيدي برنامج فرق السلام. وقد يكون هذا التحرك الأمريكي هو السبب في التحفيز لتحقيق مبادرة اليابان المخطط لها بتأسيس برنامج ”JOCV“.

لم تكن فرق السلام الأمريكية هي المنظمة الوحيدة التي توفد متطوعين إلى الدول النامية. ففي ذلك الوقت، كانت كل الدول الأوروبية المتقدمة تقريباً تقدم مثل هذا النوع من الدعم من خلال منظمات دينية ومنظمات المجتمع المدني. كما ساهمت الحرب الباردة جزئياً في تحفيز موجة من المساعدات التنموية. فقد استخدم كل من معسكر العالم الحر بقيادة الولايات المتحدة والكتلة الشيوعية بقيادة الاتحاد السوفيتي المساعدات الخارجية كوسيلة استراتيجية للترويج لأديولوجياتها وأفكارها السياسية والاجتماعية في الخارج. ولكن برنامج ”JOCV“ مختلف عن مبادرات الدول الأخرى من حيث إن معظم متطوعيه كانوا يتمتعون بالمعرفة والمهارات العملية في واحد أو أكثر من ١٠٠ مجال. وقد كان هذا منهجاً ملموساً: فالمتطوعون اليابانيون قد لا يكونون يتقنون اللغات الأجنبية بشكل جيد، ولكنهم كانوا في موضع يمكنهم من مشاركة خبرات اليابان بوصفها بلداً يستند للعلوم والتنكولوجيا.

العوائق التي تواجه المتطوعين

حصل برنامج ”JOCV“ على تقييمات جيدة. ففي مسح أجرته مؤسسة الجايكا قبل ١٠ سنوات، حصلت هذه المبادرة على تقييم إيجابي بنسبة ٩٨٪ بين الدول المشاركة مقارنة مع ما معدله ٦٤٪ لجميع البرامج التطوعية الدولية. أعتقد أن هذا الأداء القوي يعكس تنظيم المتطوعين اليابانيين الذين يركزون على وجهات نظر المواطنيين المحليين من حولهم. بالإضافة إلى ذلك، تملك اليابان سجلاً قياسياً في تحولها من دولة نامية إلى دولة متقدمة في مراحل مبكرة. وبهذا الخصوص، يمكن النظر إليها على أنها نموذجاً يحتذى به من قبل شعوب الدول النامية في وقتنا الحالي.

ولكن من الهام الاعتراف بأن المتطوعين يواجهون حزمة من التحديات والمخاوف. أحدها هو مشكلة العثور على عمل بعد العودة إلى اليابان. ففي ظل نظام التوظيف مدى الحياة الذي يسود حتى الآن معظم الشركات اليابانية الكبرى، يتم تعيين الموظفين الجدد مباشرة بعد التخرج وهناك نزعة للنظر بسلبية للأشخاص الذين يتركون أعمالهم. ولكن فقط ٢٠٪ تقريباً من المتطوعين يمكنهم الاحتفاظ بعملهم بينما يشاركون في برنامج ”JOCV“. وعلى النقيض تماماً من اكتساب خبرة ضمن فرق السلام في الولايات المتحدة الأمر الذي يؤدي إلى تعزيز السيرة الذاتية، فإن قضاء وقت ضمن البرنامج قد يكون له تداعيات خطيرة على الحياة المهنية للمتطوعين السابقين. وحتى ولو تم توظيفهم مجدداً، فمن الصعوبة بالنسبة لهم الوصول لمناصب مركزية في شركاتهم. وبأخذ مخاوف المتطوعين المحتملة بعين الاعتبار بشأن إعادة توظيفهم، فإن حالة الاقتصاد الياباني لها تأثير على عدد المعينين في البرنامج والذي تراجع عقب الأزمة المالية العالمية عام ٢٠٠٨.

كما يشكل الإرهاب قضية أخرى. فقد قتل ٧ يابانيين من بين ٢٩ شخصاً في هجوم إرهابي في العاصمة البنغالية دكا في شهر يوليو/تموز ٢٠١٦. لم يكن من بين الضحايا أي متطوع من ”JOCV“، ولكن الشعور بالخطر الناجم عن الحادثة يؤثر على جهود التعيين في البرنامج.

التغيرات التي طرأت على برنامج ”JOCV“

تغير برنامج ”JOCV“ من جوانب كثيرة على مدى عقوده الخمسة. أحد الجوانب الذي لاحظته هو التأكيد المتزايد على ضمان سلامة المتطوعين. عندما انضممت للبرنامج كانت هناك لا تزال روح ”مواجهة“، وكان من الشائع إيفاد متطوعي برنامج ”JOCV“ لوحدهم إلى مناطق نائية للغاية. ولكن البرنامج حاليا يبتعد عن إسناد مثل تلك المهام، يبدو أن المبادرات في المناطق النائية قد تُركت للمنظمات غير الحكومية. ولكن هناك تطور إيجابي وهو أن عدد المشاركات النساء قد ازداد إلى نحو نصف عدد متطوعي البرنامج، مقارنة بـ١٠٪ في أيامي.

كما شهد البرنامج تحولا عن متطوعين يتمتعون بخبرات في مجالات الزراعة والأسماك وصناعات أولية أخرى إلى متطوعين من قطاعات مثل التعليم والخدمات وتقنية المعلومات. كما تغير دور موظفي ”JICA“ الموجودين في الدول الإقليمية. فخلال مهمتي التي استمرت سنتين في إثيوبيا لم يزر أي من هؤلاء الموظفين مكان عملي. ولكنهم الآن يأتون لتفقد المتطوعين في العمل مرة في الشهر. حيث تمارس ”JICA“ إشرافا إداريا أكبر، بينما يتمتع المتطوعون بقدر أقل من الحرية.

ولكن هناك شيء واحد بقي ثابتا وهو الإثراء الشخصي الذي يكتسبه المتطوعون من خلال مشاركتهم. فقد ذكر الكثير من المتطوعين السابقين أنه على الرغم من أنهم ذهبوا لتقديم تدريب، إلا أنه انتهى الأمر بهم باكتساب أكثر مما قدموا. لا ريب أن هذا الأمر عائد إلى أنهم اكتسبوا خبرات ثمينة يصعب اكتسابها في اليابان حيث يوجد وفرة كبيرة في البضائع والحياة مريحة للغاية.

فرصة لتنمية الشخصية

لعبت خبرتي كمتطوع في ”JOCV“ دوراً رئيسياً في تشكيل نظرتي نحو العالم والتي يمكن إجمالها بهذه النقاط الأربع: (١) العالم الحالي هو متحف حيّ للتاريخ. (٢) البشر يتقدمون من مرحلة اللاوعي إلى مرحلة الوعي. (٣) إن قاعدة ”مجموعة ٤٠ شخصا“ تنطبق على كل جماعة عرقية. (٤) الناس متشابهون بنسبة ٩٠٪، أما درجة الاختلاف بـ١٠٪ فهي ما نطلق عليه ”ثقافة“. ودعوني أوضح بإيجاز هذه النقاط الأربع:

أولا: قابلت في إثيوبيا قبائل بدوية قدمت لي نظرة عن حياة اليابانيين ما قبل التاريخ في فترة جومون. لقد رأيت بأم عيني سبيلا للحياة كنت أعتقد أنه يمكن العثور عليه في كتب التاريخ فقط. وبينما كنت أنظر في أرجاء البلاد من منطقة إلى أخرى، اكتشفت أن الكثير من العصور الأخرى في تاريخ اليابان كانت معكوسة في حياة الإثيوبيين في الوقت الحالي.

ثانيا: عندما سافرت لاحقا في أرجاء العالم، خلصت لاعتقاد أن الوضع البشري يتميز بالتقدم من مرحلة اللاوعي إلى مرحلة الوعي. الثقافة هي من كونت هذا الوعي والذي بدوره أوجد الحضارة.

ثالثا: إن قاعدة ”مجموعة ٤٠ شخصا“ تشير إلى استنتاجي القائم على أنه بغض النظر عن العرقية، إذا جمعت ٤٠ شخصا معا فإنك ستجد من بينهم شخصا ذكيا وآخر غريب الأطوار وآخر وسيم أو جميل. وهذه النسبة سائدة في أرجاء العالم.

رابعا: على الرغم من أن البعض يقولون إن الناس متشابهون، فإن التشابهات تشكل ٩٠٪ بغض النظر عن هوية الناس، أما الـ١٠٪ فهي الفروقات. والفروقات هي التي تشكل الثقافة. تنشأ التشابهات من المحركات الأساسية التي يتقاسهما جميع البشر، بينما الاختلافات هي التي تؤدي لظهور الثقافات المحلية وهي ناجمة عن البيئة الطبيعية التي تختلف من بلد لآخر ما يؤدي لتنوعات في أنماط الحياة وسبل التفكير.

إن الخبرة في برنامج ”JOCV“ هي رحلة استكشاف عظيمة ومصدر للإثراء الشخصي. والبرنامج يعزز النمو والتنمية ليس لشعوب الدول النامية فحسب بل أيضا لليابانيين الشباب المشاركين فيه.

(المقالة الأصلية منشورة باللغة اليابانية في ١٦ نوفمبر/تشرين الثاني ٢٠١٦. الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: مشاركِة في برنامج المتطوعين اليابانيين للتعاون الخارجي (وسط) في سيريلانكا مع طلابها في حصة الكمبيوتر. جميع الصور من الوكالة اليابانية للتعاون الدولي.)

المساعدة الإنمائية الرسمية جايكا الوكالة اليابانية للتعاون الدولي برنامج المتطوعين اليابانيين للتعاون الخارجي