فشـل توشيبـا في مغامرتها النووية يضعهـا على حافة الهـاويـة

اقتصاد

تواجه شركة توشيبا صعوبات عميقة، تتمثل في خسائر فادحة من شركتها الفرعية التي تعمل في مجال الطاقة النووية. حيث اضطرت الشركة لبيع أعمالها التجارية المربحة في قطاع رقائق الذاكرة الإلكترونية. في هذا المقال، يتتبع الصحفي موري كازو مسار الشركة منذ مغامرة رئيس الشركة نيشيدا أتسوتوشي في عام ٢٠٠٥ لإنهاء حالة الركود وحتى مشاكل الشركة الحالية.

مغامرة خطرة

تواجه شركة توشيبا التي كانت بمثابة قوة الدفع في صناعة الإلكترونيات في اليابان اليوم أزمة وجودية، تعود أسبابها في المقام الأول إلى الاستثمار الفاشل في شركة الكهرباء الأمريكية وستنغهاوس. فقد ضلت الشركة اليابانية طريقها من خلال السعي وراء هدفها بأن تصبح أكبر شركة بناء مرافق مفاعلات نووية في العالم. ومن المتوقع أن تتجاوز الخسائر الناجمة عن الأعمال التجارية الأمريكية في قطاع الطاقة النووية للشركة ٧١٢.٥ مليار ين لفترة تسعة أشهر حتى شهر ديسمبر/ كانون الأول ٢٠١٦.

وتتوقع توشيبا مبيعات إجمالية تصل إلى ٥.٥ تريليون ين للسنة المالية، مقابل خسائر صافية بلغت ٣٩٠ مليار ين وانخفاض في صافي الأصول بمقدار ١١٠ مليار ين. كما تتوقع قيمة صافية سلبية في حدود ١٥٠ مليار ين (باستثناء حقوق الأقلية) في نهاية العام ونسبة أسهم سلبية للمساهمين تصل إلى ٣.٣ ٪.

يجب على الشركة الآن استرداد رأس مالها لتجنب الانهيار. لذلك فهي مضطرة للنظر في اتخاذ إجراءات جذرية مثل بيع حصة في الأعمال التجارية في قطاع رقائق الذاكرة الإلكترونية، التي كانت مصدر الدخل الرئيسي للشركة وحجر الزاوية في نموها.

لكن كيف وصلت توشيبا إلى تلك الحالة التي يرثى لها؟ يمكن القول إن عملية الاستحواذ على شركة وستنغهاوس عام ٢٠٠٦ كانت بمثابة بذرة الثمرة المرة اليوم. سئل الرئيس تسوناكاوا ساتوشي في مؤتمر صحفي في ١٤ فبراير/شباط ما إذا كان قرار شراء الشركة الأمريكية خطوة حكيمة. فأجاب، ”إذا نظرنا إلى الأرقام، فمن الصعب القول إنها كانت كذلك.“

أملت توشيبا في استخدام استحواذها على وستنغهاوس، وهي شركة عالمية رائدة، كوسيلة للضغط لفتح الأسواق الأجنبية، ولكن كان توقيتها غير مناسب. فقد أدت تنظيمات جديدة في الولايات المتحدة أكثر صرامة للتحكم في سلامة محطات الطاقة النووية، جنبا إلى جنب مع كارثة فوكوشيما دايئتشي إلى حالة ركود مؤسفة في بيئة العمل.

ومع ذلك، لا يمكن ببساطة إلقاء اللوم على سوء الحظ. كانت هناك مطبات في خوض مغامرة كبيرة فوق نطاق الشركة للتعامل معها. وبطبيعة الحال، الابتعاد عن المخاطر العالية والمشاريع ذات العوائد المرتفعة تعني خسارة فرص النمو. ولكن إذا كانت المهارات المالية والإدارية للحد من المخاطر غير متوفرة، فإن الأعمال التجارية تصبح تحت رحمة الحظ.

كبرياء الشركة

قد افتقرت توشيبا إلى مستوى كاف من الملاءة المالية التي كانت بحاجة إليها لاتخاذ قرارات في ظل ظروف من المخاطر الكبيرة. عندما تعتمد استراتيجية العمل على التجاوز، يصبح من المستحيل إيجاد وسائل للحفاظ على زخم العمل عندما يبدأ بالتعثر. في نهاية مارس/آذار ٢٠٠٥، كانت نسبة أسهم المساهمين في توشيبا ١٧.٨٪، وذلك أقل من مستوى ٢٠٪ وهو الشرط المطلوب كحد أدنى للشركات المصنعة.

على الرغم من هذا قفز الرئيس نيشيدا أتسوتوشي على فرصة للاستحواذ على وستنجهاوس عندما عرضت للبيع من قبل شركة الوقود النووي البريطانية (BNFL) بعد فترة وجيزة من تعيينه في يونيو/ حزيران ٢٠٠٥. حيث فاجىء الاتفاق الرسمي الذي تم التوصل إليه في فبراير/شباط ٢٠٠٦ ، عالم الصناعة حيث وصلت قيمة البيع إلى ٥.٤ مليار دولار.

غطت جريدة نيكّي الخبر يوم ٧ فبراير/شباط ٢٠٠٦ مع تعليق أن المشكلة كانت في النطاق الغير عادي لعرض التسعير. فقد بلغت الأرباح السنوية لوستنجهاوس قبل الضريبة ما يعادل أقل من مليار ٢٠ مليار ين، وكان BNFL قد دفعت ١.٢ مليار دولار فقط لاستحواذ الشركة في عام ١٩٩٩.

اعترف رئيس الشركة نيشيدا في وقت لاحق أن العروض المتنافسة دفعت السعر إلى أكثر مما كان من المتوقع دفعه. وقال نيشيوكا تاكاشي، رئيس شركة ميتسوبيشي للصناعات الثقيلة المنافسة لتوشيبا لاحقاً في جريدة نيكّي يوم ٢٢ فبراير/شباط ٢٠٠٦، أن شركته لم تر ما يضمن أن تجلب وستنغهاوس لها أرباحاً في مجال الطاقة النووية.

لماذا إذن قامت توشيبا بهذا الرهان؟ لأنها كانت تؤدي أسوأ بكثير مما كان متوقعاً منها كشركة ذات اسم كبير.

عندما بدأت الإعداد لعملية الاستحواذ على وستنغهاوس في عام ٢٠٠٥، كانت توشيبا تحتفل بمرور ١٣٠ عاما منذ تأسيسها. وقد نمت لتصبح شركة تصنيع إلكترونيات شاملة، تنتج كل شيء من الآلات الكهربائية الثقيلة والإلكترونيات الاستهلاكية. كما تضمنت تشكيلة المنتجات عربات السكك الحديدية، والأجهزة المنزلية، وأشباه الموصلات والحواسيب الشخصية والمعدات الطبية، والمفاعلات الحرارية والنووية. وكان اثنان من رؤساء اتحاد الأعمال الياباني كيدانرين، المعروف بنفوذه الواسع، سابقا من توشيبا، كما كان رئيس غرفة اليابان للتجارة والصناعة.

ومع ذلك، تعرضت توشيبا لعشر سنوات من الركود سبقت عام ٢٠٠٥ حيث انخفضت المبيعات إلى ٦ تريليون ين وفشل هامش الأرباح التشغيلي للوصول إلى ٥٪. وبلغت نسبة حقوق المساهمين أيضا أقل من ٢٠٪ من السنة المالية ١٩٩٨ إلى عام ٢٠٠٤ ونفذت الشركة العديد من الالتزامات.

في حين أنها لا تزال واحدة من أسماء الشركات الأكثر شهرة في اليابان، كافحت توشيبا انخفاض النمو والربحية. رأى نيشيدا النمو أمرا أساسيا، معتمدا على فخر الشركة كلاعب رئيسي في وضعه على مسار التوسع. اختار العمل في قطاع الطاقة النووية ورقائق الذاكرة الإلكترونية كمنصات للهروب من سنوات الركود في قفزة واحدة.

نجاح ظاهر

في حين أن هذين القطاعين مختلفين جداً فكلاهما يحمل مخاطر كبيرة. حيث توجد السوق الأولية للمنتجات النووية خارج اليابان، وعادة ما يتم قياس الوقت بين الطلبات والانتهاء منها في عقود. وهناك احتمال لزيادات غير متوقعة في التكاليف نتيجة التغيرات في بيئة الأعمال. على النقيض من ذلك، يمكن أن تجلب أعمال رقائق الذاكرة الإلكترونية نمواً سريعاً، ولكن هي أيضاً عرضة لتقلبات كبيرة في الطلب على المدى القصير.

كان نيشيدا كرئيس للشركةعلى ثقة لامتلاكه المهارات الإدارية للتعامل مع المشاريع التي تغطي الأطر الزمنية الطويلة والقصيرة على حد سواء في نفس الوقت. وبدا أنه على استعداد لقبول مخاطر لا بأس بها لتسريع النمو. ومع ذلك فقد أخطأ من البداية.

كانت الخطة الأصلية في اقتناء وستنغهاوس للحد من استثمار توشيبا إلى ٥١٪ من السعر الإجمالي الذي وصل إلى ٥.٤ مليار دولار، مع تغطية ما تبقى من قبل المستثمرين المشاركين.

ولكن انسحب بعض من هؤلاء المستثمرين عندما ارتفع سعر البيع المطلوب. وهذا يعني أن توشيبا انتهى بها المطاف في توفير ٧٧٪ من الأموال المطلوبة. على الرغم من هذا، بقي نيشيدا على ثقة، وقال للصحفيين إن الشركة ستتعافى وتسترد ما الـ ٤.٢ مليار دولار المستثمرة خلال ١٧ عاما أو ربما ١٥ عاما إذا زاد الطلب (جريدة نيكّي، ١٨ أكتوبر/تشرين الأول ٢٠٠٦).

تجاوزت الإيرادات المجمعة لتوشيبا حاجز ٦ تريليون ين في العام المالي ٢٠٠٧ لتصل إلى ٧.٢ تريليون ين وفقا للأرقام التي تم تصحيحها بعد اكتشاف التلاعب في الحسابات عام ٢٠١٥. وقد الرئيس نيشيدا نال شهرة وسائل الإعلام لفطنته الإدارية في إعادة الشركة إلى مسار النمو. عندما تلقى وستنجهاوس أوامر في ربيع عام ٢٠٠٨ لأربع محطات نووية أمريكية، بدت استراتيجية توشيبا تأتي ثمارها.

ولكن أدى التباطؤ في الصناعة النووية إلى منظور جديد، وأصبحت هذه المحطات الأربع سبب المشاكل الحالية للشركة. سرعان ما سقطت توشيبا في أزمة مع غياب أي وسيلة للقضاء على الضعف في هيكلها المالي وعدم وجود طاقة احتياطية. وتفاقم الوضع من خلال إدارة المخاطر المتراخية في  وستنغهاوس، وفي مجال الأعمال التجارية النووي للشركة الأم ككل، الناتجة عن إدارة ضعيفة من قبل توشيبا.

الانكماش النووي

عند النظر إلى الوراء، نجد أنه كانت هناك علامات تحذير. في أكتوبر/تشرين الأول ٢٠١٢، وبعد عام من زلزال شرق اليابان الكبير وكارثة فوكوشيما، أبلغت مجموعة شو الهندسية العملاقة الأمريكية، التي امتلكت حصة ٢٠٪ في وستنجهاوس، توشيبا أنها تريد بيع حصتها. وجود خيار البيع في العقد يعني أنه لم يوجد وسيلة لتوشيبا في الرفض. وكان سعر البيع ١٢٥ مليار ين وفقا لإعلان توشيبا. على الرغم من أنها قد خفضت استثماراتها الأولى من ٧٧٪ إلى ٦٧٪، تملك توشيبا الآن ٨٧٪ من شركة أمريكية محفوفة بالمخاطر.

عندما قلل حادث فوكوشيما الحماس العالمي للطاقة النووية، تقلصت طلبات وستنغهاوس وتوشيبا. ولكن في البيانات الصحفية، ذكرت توشيبا أن التلميحات الأولى من التأخير في البناء وغيرها من المسائل التي تؤثر على الأعمال التجارية في الولايات المتحدة ترجع إلى هجمات ١١ سبتمبر/أيلول عام ٢٠٠١.

وكانت المحطات النووية الأربعة في الولايات المتحدة الذي تعين على وستنغهاوس بنائها أول المنشآت النووية الأمريكية الجديدة منذ ٣٠ عاما. طلب من الشركة إدراج تغييرات في التصميم حتى تتمكن المحطات من الصمود في حال تحطم طائرة ركاب، جنبا إلى جنب مع ميزات إضافية للسلامة مكلفة. أخرت تشديد التنظيمات عملية البناء وزادت من التكاليف. ولكن من يغطي هذه التكاليف؟ تحولت الجهود التي تبذلها شركات الكهرباء التي وضعت الطلبات، ووستنجهاوس، وشركات البناء الفرعية إلى معركة قانونية.

للمساعدة في فك هذه الفوضى، اشترت وستنجهاوس في ديسمبر/كانون الأول ٢٠١٥ شركة CB&I Stone Webster من الشركة الهندسية CB&I في الولايات المتحدة، التي حصلت عليها كجزء من صفقة شراء مجموعة شو. مع هذه القدرة الجديدة، تحملت وستنجهاوس المسؤولية المباشرة للبناء، وبالتالي تجنب المزيد من الدعاوى القضائية والاحتكاك.

ومع ذلك، بعد هذا الاستحواذ لشركة CB&I Stone Webster، كان على الشركة تحمل تكاليف إضافية أخرى، وفقا لنسخة توشيبا للأحداث. لهذا السبب قررت شطب الشهرة التجارية-الفرق بين سعر الشراء من شركة البناء وصافي الأصول البالغة ٦٢٥.٣ مليار ين، مع الاعتراف بالمجموع بأسره كخسائر غير قابلة للاسترداد. وترافق ذلك مع الشهرة التجارية المتبقية من عملية استحواذ وستنغهاوس في عام ٢٠٠٦، مما أسفر عن خسائر انخفاض القيمة وصلت إلى ٧١٢.٥ تريليون ين.

تقصير في الإدارة

يبقى من غير الواضح لماذا أصبح من اللازم فجأة تسجيل هذه الخسائر الهائلة. هل كان بإمكان توشيبا تخفيض خسائرها في مرحلة مبكرة؟ سواء من خلال التفاؤل أو الجهل المتعمد، تشبثت الشركة في توقعاتها المليئة بالثقة بالرغم من الظروف المتدهورة في قطاع الأعمال النووي العالمي.

وأبلغ الرئيس تسوناكاوا عن خسائر كبيرة من شركة CB&I Stone Webster في منتصف ديسمبر/كانون الأول عام ٢٠١٦. وبعد ذلك، خلال عملية وضع اللمسات الأخيرة على الأرقام بالنسبة للموجودات والتزامات شركة البناء بعد الشراء، كانت هناك تقارير داخلية تحذر من الضوابط والمخاوف الداخلية الغير كافية حول ضغط غير مناسب من مدراء وستنجهاوس. هذا هو السبب في تأجيل الشركة الأم إعلانها بشأن الميزانية العمومية للربع الثالث من عام ٢٠١٦ من ١٤ فبراير/شباط إلى ١٤ مارس/آذار.

لا بد من القول إن أسلوب إدارة توشيبا لأعمالها النووية وWEC كان مبتذلا. أعلن رئيس توشيبا شيغا شيغينوري الذي لديه خبرة طويلة في المجال النووي، والذي تسلم في نفس الوقت منصب رئيس، رئيس مجلس الإدارة، والرئيس التنفيذي لشركة  وستنغهاوس استقالته. وقد استقال رئيس وستنجهاوس الحالي داني رودريك أيضا من منصبه كرئيس قسم الأنظمة والحلول المتعلقة بالطاقة في توشيبا.

في المستقبل القريب، يجب على توشيبا استعادة صافي قيمتها التي تضررت من بيع الأعمال رقائق الذاكرة الإلكترونية والتي تبلغ قيمتها أكثر من ١ تريليون ين، وتأمين دعم مصرفي متين. لقد انهارت استراتيجية النمو ذات الشقين التي راهنت عليها توشيبا لأكثر من عقد من الزمان. وتبقى المخاوف بشأن مخاطر الأعمال النووية.

تلاشت إلى حد كبير سمعة الشركة التي كانت يوما ما مشرقة. يجب إصلاح مصداقيتها التي تضررت بعد أن أصبحت إخفاقات حوكمة الشركات واضحة من اكتشاف التلاعب في الحسابات عام ٢٠١٥ والمزيد من المشاكل الأخيرة في الأعمال التجارية النووية من خلال ضمان اتباع نهج أكثر صرامة في الحوكمة للمضي قدما. من دون هذه الخطوات، سوف يكون من الصعب الحفاظ على توشيبا كوجود ديناميكي وحيوي للشركة التي توفر حوالى ١٩٠ ألف وظيفة في جميع أنحاء العالم.

(المقالة الأصلية باللغة اليابانية في ١٨ فبراير/شباط ٢٠١٧. الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: رئيس توشيبا تسوناكاوا ساتوشي ينحني خلال اعتذاره في مؤتمر صحفي يوم ١٤ فبراير/شباط. الصورة: أوسادا يوهي / Aflo.).

الطاقة النووية الأعمال الإلكترونيات توشيبا