هل وقع الرأي العام الياباني في قبضة الإنترنت؟

مجتمع

وجهة نظر يابانية عن وسائل الإعلام في عصر الإنترنت، مع دراسة كيفية تشكل الرأي العام في الوقت الحالي.

حلم باهت بنقاش حر

في النصف الثاني من تسعينيات القرن الماضي عندما كانت شبكة الإنترنت ترسخ نفسها باعتبارها منبر للتفاعل المجتمعي، تصاعدت الآمال في أن يصبح عالم الإنترنت فضاء عاما جديدا. فقد أتاحت للناس فرصة الدخول في نقاشات بحرية، متحررين من علاقاتهم الاجتماعية والوضع الاجتماعي والاقتصادي بدون قيود ترتبط بالزمان أو المكان. وقد أُنفق في اليابان مبالغ ضخمة من الأموال العامة لإنشاء مواقع على الإنترنت يتمكن فيها المواطنون من إثارة ومناقشة المشكلات والقضايا المختلفة وتبادل الآراء لتشكيل حالة من التوافق الاجتماعي والمساهمة في عملية صنع القرار.

ومع ذلك، فإن التواصل عبر الإنترنت بدون الكشف عن الهوية يحد بشكل كبير من الإشارات الاجتماعية العادية للمحادثة، مثل تعبيرات الوجه. ويلجأ البعض إلى إخفاء الهوية للإدلاء بتعليقات غير مسؤولة أو غير لائقة، كما أن النزاعات حامية الوطيس والتهجمات عبر شبكة الإنترنت شائعة. ولكن من ناحية أخرى، إذا قصر أحد المنتديات على شبكة الإنترنت النقاش بالأعضاء المسجلين فقط، فإن معظم مستخدمي هذا الموقع أو المنتدى سيغادرون إلى موقع آخر يتيح لهم فرص التعليق دون الكشف عن هوياتهم.

وبالإضافة إلى كون الإنترنت منبرا لإبداء الآراء، فهي تمكن مستخدميها من الاستماع إلى ما يرغبون. فمن السهولة العثور على أشخاص لهم نفس الأذواق ويحملون القيم ذاتها. وتقود التفاعلات والمشاعر المشتركة إلى تعاظم الآراء والأيديولوجيات وفق تأثير الصدى في الحجرة. وقد يزيح هذا الأمر الاعتقادات الشخصية إلى أقصى الحدود ويقود إلى حدوث استقطاب جماعي، ما يغري الناس باتخاذ قرارات جماعية أكثر راديكالية مما قد يفعلونه وهم أفراد.

هناك إدراك متنام بأن الرأي العام يتشكل بصورة مختلفة على شبكة الإنترنت من الطريقة التقليدية في العالم الواقعي. وهذا مترافق بمخاوف من أن الفضاء العام الجديد هو مرتع للـ’’إنجو (الهجمات الغوغائية على شبكة الإنترنت)‘‘ – كما هو الحال في الاتهامات بسرقة شعار ألعاب طوكيو الأولمبية – وانتشار الأنباء الوهمية، و ’’الحقائق البديلة‘‘ وغيرها من المعلومات غير الجديرة بالثقة.

أجريتُ مشاريع بحثية كثيرة عن شبكة الإنترنت والسلوكيات التي يتم التعبير عنها على شبكة الإنترنت منذ تسعينيات القرن العشرين. وأدناه سوف أعرف ببنية الرأي العام الإلكتروني في اليابان وأبين أنها ليست متطرفة أو استثنائية. بل تعكس حركات مجتمعية واسعة تتقاسمها إلى حد ما جميع الدول المتقدمة.

النظام البيئي الإعلامي الياباني

يتشكل الرأي العام الإلكتروني في ظل النظام البيئي الإعلامي، حيث تتولد الأنباء وتتشارك من قبل المصادر التقليدية والإنترنت. ويوضح الرسم البياني رقم 1 النظام البيئي كما هو موجود في اليابان.

لطالما تشكل الرأي العام في اليابان على نحو تقليدي في المقام الأول من قبل وسائل الإعلام الجماهيرية والمنظمات التي تشكل محور قصصها. أما المواطنين الأفراد الذين يشكلون جمهور وسائل الإعلام لم يكن لهم سوى تأثير غير مباشر.

ولكن في عصر الإنترنت لم يعد الأمر مجرد أن تقوم وسائل الإعلام الجماهيرية بمجرد إيصال الأخبار إلى القراء والمستمعين والمشاهدين. فبإمكان الجمهور الأعضاء المساهمة في العملية من خلال بث تفاعلاتهم على فيسبوك وتويتر وغيرهما من وسائل التواصل الاجتماعي أو المدونات ولوحات النقاش وأقسام الإدلاء بالتعليق في المواقع الإلكترونية للناشرين.

وتقف ’’وسائل الإعلام المتوسطة‘‘ بين وسائل الإعلام الجماهيرية ووسائل التواصل الاجتماعي، وهي تتضمن مواقع إخبارية على شبكة الإنترنت مثل بازفيد جابان وجيه كاست نيوز، وبوابات التجميع مثل نافر ماتومي. والتفاعل بين هذه الفضاءات الثلاثة يخلق منصة لتطوير الرأي العام الإلكتروني.

ياهو نيوز أحد عمالقة الإنترنت

يلعب موقع ياهو نيوز في اليابان دورا هائلا في تشكيل الرأي العام الإلكتروني. ويظهر الجدول رقم 1 نتائج مسح أجريته في الفترة ما بين يوليو/تموز وأغسطس/آب من عام 2016. وقد استجاب للمسح 1100 شخص تتراوح أعمارهم بين 16-69 عاما في مناطق كانتو وتوكاي وكانساي. وتظهر النتائج النسبة الكبيرة من مستخدمي شبكة الإنترنت الذين يقرؤون عناوين الأخبار اليومية من خلال موقع ياهو نيوز. وبالإضافة إلى ذلك، خلص مسح أجرته وزارة الشؤون الداخلية والاتصالات في شهر يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط من نفس العام أن نسبة استخدام الإنترنت من قبل المواطنين الذي هم في سن المراهقة وحتى الأربعينيات من العمر كانت أكبر من 96%، و91% لمن هم في الخمسينيات من العمر، و77% لمن هم في الستينيات من العمر. وطبقا لذلك، يعد موقع ياهو نيوز وسيلة إعلامية رئيسية في اليابان برمتها لأنه يحظى بأكبر حضور على شبكة الإنترنت في هذا البلد.

الجدول 1. انخراط مستخدمي الإنترنت في الأنشطة المتعلقة بالأنباء

الأشخاص الرقميون المهاجرون الرقميون إجمالي
24-16 35-25 50-36 69-51
مطالعات ياهو نيوز 60 76.5 78.2 72.4 72.5
مطالعات مواقع إخبارية أخرى (وسائل إعلام وسيطة) 32.5 37 39.9 33.8 35.8
استخدام التطبيقات الإخبارية 30 31 17.4 20.2 23.2
مشاهدات الأخبار على مواقع الفيديو 42.5 34.5 31.9 29.1 33.3
استخدام مجمعة مواقع إلكترونية 47 46.5 31.2 11.9 29.8
مطالعات موقع 2channel ماتومي (مجمعة) 39.5 31.5 23.8 11.9 23.7
مطالعات موقع 2channel  (موقع للنقاش) 33 32.5 25.2 13.9 23.8
مطالعات مواقع الصحف الإلكترونية 26 29.5 35.6 39.1 34
تقييمات أو مراجعات أو تعليقات على منتجات وخدمات 29 33 28.2 26.6 28.6
مشاركات المحتوى على شبكة الإنترنت 21.5 12 4 2.7 8.2
الاشتراكات والمساهمات في لوحات النقاش وأقسام التعليق 13 14 10.4 9.7 11.3
الكتابة على موقع 2channel 11.5 11.5 5.4 2 6.4
المساهمات في لوحات النقاش الإلكترونية التي لا تتطلب تعريف الهوية 10.5 8.5 4.7 2.2 5.5
المشاركات في هجمات الإنجو الغوغائية على شبكة الإنترنت 10 8 3 2.2 4.9
قراءة الأنباء على تويتر 43 27 16.1 7.9 20

مسح أجراه كيمورا تاداماسا في فترة شملت شهري يوليو/تموز وأغسطس/آب عام 2016. وقد تلقى 1100 استجابة مقبولة من ذكور وإناث تتراوح أعمارهم بين 16 و69 عاما في مناطق كانتو وتوكاي وكانساي.

يدخل حوالي ثلث مستخدمي الإنترنت من جميع الأعمار إلى مواقع إلكترونية وسيطة للأنباء، بينما تقريبا ثلث الأشخاص الرقميين (ما دون 35 عاما) يستخدمون تطبيقات للأنباء خاصة بالهواتف الذكية. وتقريبا نصف الأشخاص الرقميين يستخدمون مجموعة مواقع إلكترونية، وحوالي ثلث الأشخاص يشاهدون الأنباء على مواقع الفيديوهات ويستخدمون موقع ’’2channel‘‘ وهو أكبر موقع لإجراء المناقشات في اليابان. وبعبارة أخرى، فإن مستخدمي الإنترنت من المراهقين والأشخاص الذين هم في العشرينيات والثلاثينيات من العمر ملتحمون بإحكام بدورة الأنباء اليومية ضمن النظام البيئي الإعلامي.

لقد غدا كتابة مراجعات أو تعليقات أمراً مألوفاً بشكل أكبر ولا سيما بين الشباب. فنحو ثلث الناس يكتبون مراجعات عن منتجات وخدمات بغض النظر عن أعمارهم. ولكن تظهر الفروقات العمرية في نسبة مستخدمي الإنترنت الذين يكتبون على موقع ’’2channel‘‘ وغيرها من لوحات النقاش التي لا تعرف بهوية المستخدم، ومشاركة المحتويات، والانخراط في هجمات الإنجو الغوغائية على شبكة الإنترنت. وحوالي 10% من الأشخاص الرقميين ينخرطون في مثل هذه الأنشطة، وترتفع هذه النسبة إلى 20% لمشاركة المحتويات من قبل مستخدمين أعمارهم بين 16-24 عاما.

المقالة الأصلية منشورة باللغة اليابانية في 4 يوليو/تموز 2017. الترجمة من الإنكليزية. حقوق النشر لصورة العنوان لأفلو)

الإنترنت وسائل الإعلام