هل تفلت شركة توشيبا من الإفلاس؟

اقتصاد

تواصل توشيبا عملاقة الإلكترونيات والآلات تخبطها بعد تكبد شركة أمريكية للطاقة النووية تابعة لها خسائر ضخمة طفت على السطح في ديسمبر/كانون الأول ٢٠١٦، ما يجعل الالتزامات المالية للشركة أكبر من أصولها. وكانت الشركة التي دققت حسابات توشيبا قد أعطت فقط موافقة مع تحفظات على نتائج أعمال توشيبا للسنة المالية المنتهية في مارس/آذار ٢٠١٧. وهذا عائد إلى عدم موافقتها على الطريقة التي تعاملت فيها توشيبا مع الخسائر في حسابها الختامي، ما أدى إلى تأخر في الإعلان عن نتائج أرباحها السنوية وتقديم بيانها المالي السنوي. وحتى تتخلص توشيبا من حالة تجاوز التزاماتها المالية لقيمة أصولها، تجري محادثات لبيع شركة ’’توشيبا ميموري‘‘ وهي وحدة لرقائق الذاكرة الإلكترونية تابعة لها – ولكن لم يتم التوصل لاتفاق بعد بشأن عملية البيع.

تعد توشيبا واحدة من أكثر شركات الإلكترونيات والآلات اليابانية شهرة ولها عمليات في جميع أنحاء العالم. ولكن بالإضافة إلى المخالفات المحاسبية التي خرجت للنور  في السنتين الماضيتين، أدى إعلان الشركة المفاجئ في شهر ديسمبر/كانون الأول من عام ٢٠١٦ عن خسائر هائلة إلى تدهور سمعتها لتصل إلى حالة يرثى لها. وتتعرض الشركة حاليا لخطر شطب أسهمها من بورصة طوكيو، كما أن انخفاض صافي قيمتها إلى السالب (التزاماتها المالية تجاوزت أصولها) يجعلها عرضة للإفلاس. وسأستعرض أدناه سبب استمرار الوضع غير الطبيعي لتوشيبا وما ينتظر الشركة في المستقبل.

الإعلان عن الخسائر بشكل غير ملائم

قدمت توشيبا بيانها المالي السنوي للسنة المالية ٢٠١٦ (بدأت في أبريل/نيسان عام ٢٠١٦ وانتهت في مارس/آذار ٢٠١٧) إلى دائرة المالية المحلية لمنطقة كانتو في ١٠ أغسطس/آب، وعقدت مؤتمرا صحفيا في نفس اليوم للإعلان عن نتائج أرباحها السنوية. وكان يتوجب عليها الإعلان عن النتائج في مايو/أيار، ولكن بعد أن مُنحت الشركة تمديدا قدمت بيانها المالي السنوي للسلطات الضريبية متأخرة ستة أسابيع عن الموعد النهائي المعتاد في نهاية يونيو/حزيران. ومن النادر ألا تتمكن شركة مدرجة في بورصة طوكيو – وخاصة بالنسبة لشركة عملاقة تحظى باهتمام بالغ مثل توشيبا – من الإعلان عن نتائجها وتقديم تقريرها بحلول الموعد النهائي.

ويُعزى التأخير إلى امتناع شركة ’’برايس ووتر هاوس كوبرز أراتا‘‘ التي قامت بتدقيق حسابات توشيبا عن الموافقة على محتوى البيان المالي السنوي لتوشيبا. ولكن ما هي الأسباب التي أدت لذلك؟

في ٢٧ ديسمبر/كانون الأول من عام ٢٠١٧، أعلنت توشيبا أن الشركة الأمريكية للطاقة النووية التابعة لها ’’ويستينغهاوس‘‘ قد تكبدت خسائر ضخمة تتعلق بتشييد محطة طاقة نووية في الولايات المتحدة. وقالت توشيبا إنها ستدون في دفاتر حساباتها خسائر بـ ٦٥٢.٢ مليار ين للفترة ما بين أبريل/نيسان وديسمبر/كانون الأول ٢٠١٦، مرجعة الخسائر إلى تأخر عملية التشييد والتجاوزات الكبيرة في التكاليف. ولكن شركة ’’برايس ووتر هاوس كوبرز أراتا‘‘ اعترضت على ذلك، حيث اعتبرت أنه من الغريب ألا تطفو مثل هذه الخسائر الضخمة على السطح حتى شهر ديسمبر/كانون الأول ٢٠١٦ فقط، وادعت أن توشيبا وويستينغهاوس كانتا على الأرجح على علم بالخسائر في وقت أبكر بكثير. وتمسكت شركة التدقيق الحسابي بموقف مفاده أنه كان ينبغي إدراج الخسائر في السنة المالية ٢٠١٥.

لكنه ليس من غير المألوف بالنسبة للشركات تكبد خسائر بصورة مفاجئة. فعلى سبيل المثال، سجلت الكثير من الشركات اليابانية خسائر ضخمة بعد انخفاض المبيعات بشدة في أعقاب الأزمة الاقتصادية العالمية عام ٢٠٠٨ وثانيا بسبب تضرر منشآت إنتاجها في أعقاب زلزال وتسونامي منطقة توهوكو المدمرين في مارس/آذار٢٠١١. ولكن تسجيل شركة ما بصورة مفاجئة لخسائر تصل لعدة مئات من مليارات الينات في دفاتر حساباتها بدون أي مبرر، يُعَد سابقة.

عندما استحوذت ويستينغهاوس على شركة تشييد محطات الطاقة النووية ’’Stone & Webster‘‘ في ديسمبر/كانون الأول ٢٠١٥، طلبت توشيبا عرض أسعار لتكاليف التشييد من مقاول فرعي آخر. وقد علمت أنه نتيجة للزيادات في الأجور وتكاليف المواد، فإن تكاليف المشاريع في دفاتر حسابات شركة ويستينغهاوس التابعة لها ستكون أعلى بكثير. وبعد قضاء سنة في دراسة عرض الأسعار، أعلنت توشيبا أنها ستتكبد خسائر بـ ٦٥٢.٢ مليار ين عزتها إلى تكاليف عملية التشييد.

ولكن شركة ’’برايس ووتر هاوس كوبرز أراتا‘‘ تمسكت بموقفها المتمثل في أن توشيبا اكتشفت الخسائر في وقت أبكر لأنها حصلت على عرض أسعار أولي بناء على بيانات ’’Stone & Webster‘‘ ولذلك رفضت الموافقة على تدقيق حساباتها. ولكنها في نهاية المطاف أعطت موافقة مع تحفظات، وينطوي هذا الأمر في جوهره على أنها رفضت ادعاء توشيبا فيما يخص توقيت علمها بخسائر ويستينغهاوس، بالرغم من أنها وافقت على أجزاء أخرى من بيان توشيبا المالي.

من جهتها أرجعت توشيبا الموافقة مع تحفظات إلى اختلاف في وجهات النظر وأعلنت أن حسابها الختامي قد عاد إلى الوضع الطبيعي. ولكن حقيقة أن شركة ’’برايس ووتر هاوس كوبرز أراتا‘‘ أعلنت أن جزءا من حساب توشيبا غير مقبول لا تزال قائمة، ما يفاقم من تدهور سمعة توشيبا.

تأخر المفاوضات على بيع توشيبا ميموري

أشهرت شركة ويستينغهاوس إفلاسها في مارس/آذار ٢٠١٧، وتقدمت بطلب لإعادة التنظيم بموجب قانون الإفلاس الأمريكي. وبالإضافة إلى الخسائر المرافقة لتشييد محطات الطاقة النووية، اضطرت توشيبا لضمان قروض ويستينغهاوس ما يعرضها لخطر تكبد خسائر بـ ١.٢٤ترليون ين نتيجة لانهيار ويستينغهاوس. وهذا ما يجعل صافي قيمة توشيبا سالبة بـ٥٥٠ مليار ين بحلول نهاية مارس/آذار.

يذكر أن صافي قيمة شركة ما يصبح سالبا عندما تتجاوز التزاماتها المالية قيمة أصولها وحتى عندما تبيع أصولها فإن ذلك لن يولد مالا كافيا لتغطية ديونها. وأي شركة كبرى عليها التزامات مالية ضخمة تتجاوز نصف ترليون ين فإنها عادة ستعاني من الإفلاس، وستخضع للإشراف بموجب قانون إعادة تنظيم الشركات أو قانون إعادة التأهيل المدني.

ولكن في حالة توشيبا، هناك سببان يجعلان من غير المرجح حدوث ذلك. الأول هو أن توشيبا قررت بيع شركة ’’توشيبا ميموري‘‘ وهي وحدة لإنتاج رقائق الذاكرة الإلكترونية تابعة لتوشيبا وتحقق لها أرباحا كبيرة، ما يمكنها من تغطية خسائرها بعد بيعها بمبلغ ترليوني ين تقريبا. والثاني هو أنه بسبب العمل على فرضية أن توشيبا ستبيع ’’توشيبا ميموري‘‘ قامت البنوك المقرضة لها بتشكيل اتحاد لدعم الشركة. وتدرك تلك البنوك جيدا أن مطاردة توشيبا لسداد قروضها سيؤدي إلى تعثرها عن السداد، وبالتالي لن تنال تلك البنوك إلا ديونا متعثرة. ولعلمها بتلك المخاطر، فهي مستعدة للانتظار حتى يتم بيع وحدة رقائق الذاكرة وهو ما سيحقق لتوشيبا إيرادات ستكون أكثر من كافية لتغطية ديونها.

قامت توشيبا بفصل وحدتها لرقائق الذاكرة الإلكترونية وقررت بيع معظمها أو جميع أسهم الشركة فيها. وبعد جهود مضنية لجذب الدائنين، قررت توشيبا في ٢١ يونيو/حزيران إعطاء الأولوية للتفاوض على عملية شراء الوحدة لمجموعة ترأسها شركة ’’ Innovation Network Corporation of Japan‘‘ وذلك في تحول مدعوم من قبل الحكومة اليابانية، وتضم المجموعة أيضا بنك التنمية الياباني التابع للحكومة وصندوق الاستثمار الأمريكي ’’Bain Capital‘‘ والشركة الكورية ’’SK Hynix‘‘عملاقة تقنية المعلومات.

ولكن بعد انقضاء شهرين على إعطاء توشيبا أولوية التفاوض على شراء وحدتها لتلك المجموعة، لم يتم إبرام أي صفقة بعد. فقد توقفت المفاوضات لأن شركة ’’SK Hynix‘‘ لم تتمكن بعد من التوصل لقرار بشأن ما إذا ستكون مستثمرة أو دائنا في الصفقة، الأمر الذي يحتاج أيضا إلى استيفاء فحوصات الرقابة في البلدان المعنية بعد توقيع الاتفاقية. وإذا استغرقت توشيبا وقتا أطول لإتمام بيع الوحدة، فإنها قد لا تتمكن من إعداد دفاتر حساباتها بشكل مناسب قبل الموعد النهائي في مارس/آذار ٢٠١٨، لأنه من المتوقع أن تستغرق عملية الفحص من قبل سلطات كل دولة 6 أشهر أو أكثر.

وإذا لم تنتهي عملية البيع بحلول ذلك الوقت، فسيتم شطب أسهم توشيبا من بورصة طوكيو لأن التزاماتها ستكون أكبر من أصولها للعام الثاني على التوالي. وكان قد تم بالفعل تخفيض تصنيف توشيبا في شهر أغسطس/آب من القسم الأول إلى القسم الثاني في البورصة لأن التزاماتها تجاوزت أصولها لأول مرة في نهاية السنة المالية ٢٠١٦. وإذا تم شطب أسهم توشيبا من البورصة فإن ذلك سيعني أن أسهمها لن تُتداول في السوق، ما سيصعّب على المستثمرين عمليات البيع والشراء. وستكون الشركة أيضا غير قادرة على جمع الأموال من السوق، وهو ما سيشكل ضربة كبيرة ثانية لن تتحملها توشيبا.

سباق مع الزمن

ولكن ماذا ينتظر توشيبا الآن؟ في أفضل سيناريو، ستبيع توشيبا أعمالها من رقائق الذاكرة الإلكترونية، وستوافق سلطات مكافحة الاحتكار على الصفقة بحلول نهاية مارس/آذار ٢٠١٨ وستسوي توشيبا قضية صافي قيمتها السالب.

ولكن من غير المرجح أن تسير الأمور بتلك السلاسة. فحتى ولو تم العثور على مشترٍ لأعمالها من رقائق الذاكرة الإلكترونية بحلول نهاية أغسطس/آب، لن تكون هناك ضمانة بأن توافق سلطات الرقابة في كل بلد على الصفقة بحلول مارس/آذار من العام القادم. وإذا حدث هذا، فإن الوقت سيكون قد نفد من توشيبا وسيتم شطب أسهمها من بورصة طوكيو.

ولكن هل شطب أسهم توشيبا يعني إفلاسها؟ تملك البنوك الدائنة مفتاح الإجابة على هذا السؤال. ففي الوقت الراهن يواصل اتحاد البنوك دعم توشيبا. وإذا تمت عملية البيع وبدا أنه من المرجح أن تحصل الخطوة النهائية على موافقة الرقابة في اليابان ودول أخرى، فعلى الأرجح أن تواصل البنوك الرئيسية الدائنة لتوشيبا دعمها حتى ولو تم شطب أسهمها من البورصة في مارس/آذار القادم. ومن المرجح أن يحمي التزام اتحاد البنوك بشكل حازم نحو توشيبا، هذه الشركة من الإفلاس في الوقت الراهن.

ولكن إذا لم تتم عملية البيع ومضت أشهر بدون ظهور حل في الأفق، فإن البنوك قد تغير من نبرتها. وإذا ما تم شطب أسهم توشيبا في بورصة طوكيو بدون أن تبيع وحدتها من رقائق الذاكرة الإلكترونية فإن احتمال إفلاسها سيغدو حقيقة.

(المقالة الأصلية منشورة باللغة اليابانية في ٢٤ أغسطس/آب ٢٠١٧. الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: مصنع أومي التابع لتوشيبا في غرب طوكيو أثناء هدمه بعد أن كان قد أُغلق في مارس/آذار ٢٠١٧. وكانت توشيبا قد باعت الأرض إلى شركة تطوير عقاري ’’نومورا للتطوير العقاري‘‘ بمبلغ ١٠ مليارات ين. الصورة ملتقطة في ٢٨ يوليو/تموز ٢٠١٧. جيجي برس).

توشيبا إلكترونيات إدارة