آفاق صناعة السيارات اليابانية

اقتصاد

لطالما شكل محرك الاحتراق قلب صناعة السيارات منذ ابتكارها قبل أكثر من 130 سنة. ولكن في مواجهة المخاوف البيئية ظهرت السيارات الكهربائية لتتحدى هذه الهيمنة. وتناور شركات تصنيع يابانية مثل نيسان لقيادة التحول الجاري حاليا نحو تبني تقنية السيارات الكهربائية.

يزداد احتدام المنافسة في سباق سوق السيارات الكهربائية الناشئ وسط ظهور موجة من موديلات السيارات الجديدة من إنتاج شركات تصنيع سيارات أمريكية ويابانية وتحول نحو السيارات الكهربائية في أوروبا. فشركة تيسلا ومقرها الولايات المتحدة تسرع من إنتاج موديلها الثالث من السيارات الذي أطلقته مؤخرا. كما أطلقت شركة نيسان في وقت مبكر من شهر أكتوبر/تشرين الأول نسخة معدلة من سيارتها ’’ليف‘‘ في اليابان مع خطط للتوسع في أوروبا والولايات المتحدة في شهر يناير/كانون الثاني من عام 2018.

وبالنسبة لشركة نيسان فإن السيارة ليف الجديدة تمثل أول إعادة تصنيع لسيارتها الكهربائية الرئيسية خلال نحو 7 سنوات. وتتميز السيارة بامتلاكها حزمة من التحسينات مقارنة بموديل عام 2010، بما فيها زيادة المسافة التي تقطعها السيارة بشحنة واحدة بمقدار ضعفين لتبلغ 400 كيلومتر وبامتلاكها محرك 110 كيلوواط بزيادة في قوته بنسبة 38%.

ومع تعاظم الاهتمام بالسيارات الكهربائية في اليابان والخارج، قال الرئيس التنفيذي لشركة نيسان سايكاوا هيروتو إن تلك السيارات على وشك التنافس مع السيارات التقليدية للزبائن. والعقبة الرئيسية الوحيدة المتبقية هو سعر تلك السيارات. حيث يتراوح سعر سيارة ليف الجديدة بين 3.15 مليون ين و 3.99 مليون ين، ما يضعها على قدم المساواة مع سيارة موديل الجيل الأول. ولكن تحتوي على عدد كبير من التقنيات الجديدة، بما فيها نظام ’’ذكي‘‘ للمساعدة في ركن السيارة.

ونظرا لأن ليف أول سيارة كهربائية في العالم تنتج على نطاق كبير فقط فاقت جميع التوقعات، حتى توقعات رئيس نيسان كارلوس غصن وتم بيع نحو 280 ألف سيارة منذ إطلاقها قبل 7 سنوات. وتسعى نيسان من خلال طرحها لموديلها الجديد إلى قيادة الجهود لتلبية الطلب العالمي المتزايد على السيارات الكهربائية. وتتوقع الشركة بيع سيارتها المطورة ليف بأكثر بنحو 3 أضعاف مقارنة بالموديل القديم أي نحو ألفين إلى ثلاثة آلاف سيارة شهريا.

الثورة الكهربائية القادمة

إن الاهتمام بالسيارات الكهربائية ناجم جزئيا عن الكشف عن أن شركة فولكسفاغن الرائدة عالميا قامت بتزوير نتائج اختبارات انبعاثات الغازات من بعض موديلاتها التي تعمل على الديزل. وكانت أوروبا قد احتضنت سيارات الديزل لأنها رفيقة بالبيئة فهي على سبيل المثال تطلق كميات قليلة من غاز ثاني أكسيد الكربون. ولكن فضيحة فولكسفاغن وتنامي الوعي بشأن التأثيرات السلبية على الصحة جراء أكاسيد النيتروجين وغازات أخرى منبعثة منها حولت الزخم نحو السيارات التي لا تطلق أي غازات. وحتى أن دولا مثل بريطانيا وفرنسا قد أعلنت بالفعل أنها ستوقف بيع جميع سيارات البنزين والديزل بحلول عام 2040.

وفي الولايات المتحدة، تحاول شركة تيسلا موتورز بقيادة إلين مسك تكوين بيئة للسيارات التي تعمل بالكامل بالكهرباء للتنافس في سوق السيارات التقليدية. وكانت الشركة على الدوام قادرة على منافسة شركات صناعة سيارات عريقة مثل مرسيدس بينز وبورش بعلامتها التجارية الرائدة من السيارات الكهربائية التي تنافس في سوق البيع بالجملة، بما فيها الموديل الثالث الجديد الذي أطلقته في وقت مبكر من العام الجاري.

ووسط كل هذه الضجة، يقول الكثير من الخبراء حاليا إن الشركات الكهربائية قد تقلب صناعة السيارات رأسا على عقب. وكما أوضح مسك فإن نمط إنتاج السيارات الكهربائية يصبح أكثر قربا من إنتاج أجهزة تقنية المعلومات مثل الحواسيب الشخصية والأجهزة الذكية عوضا عن إنتاج السيارات التقليدية. حيث يمكن الحصول على محركات كهربائية وبطاريات ومكونات رئيسية أخرى بسهولة وتجميعها في أي مكان وهو ما يقلل بشكل كبير من العوائق التي تواجه شركات السيارات الناشئة حديثا. وطبقا لما ذكر البعض من داخل هذا المجال، فإن تسهيل عملية الإنتاج سينجح في نهاية المطاف في تحويل السيارات إلى سلع قابلة للتبادل.

ولكن شركات عريقة لصناعات السيارات في اليابان وأماكن أخرى تشعر بقلق من هذا المنحى. فقد قال تويودا أكيؤ رئيس تويوتا في مؤتمر صحفي عقد في شهر أغسطس/آب للإعلان عن تحالف شركته مع مازدا، إنه من غير المقبول السماح بأن تصبح السيارات سلعا. ومن السهولة تفهم دوافع قلقه. فقد بنت تويوتا سمعتها بناء على الأداء، ومن شأن تقنين السيارات الكهربائية أن يقوض الميزة التنافسية للشركة بجعلها أقل من عامل محدد للزبائن.

وقد أعرب سايكاوا من شركة نيسان عن هذا الشعور من خلال القول بوضوح إن تحويل السيارات إلى سلع أمر لن يحدث. بينما ذهب ساكاموتو هيدييوكي نائب رئيس الشركة لشؤون هندسة الإنتاج في نيسان بعيدا إلى تحذير الشركات الجديدة من المبالغة في تبسيط السوق، مشيرا إلى أن جودة وأداء السيارات الكهربائية لا تقل أهمية عن جودة وأداء السيارات العادية. حيث قال ساكاموتو: ’’تحتوي السيارات الكهربائية أنظمة أتمتة أكثر من السيارات التي تعمل بالبنزين. وإن قدرة شركات التصنيع على إدخال تقنيات جديدة وأفضل ستكون هي المعيار الفصل في هذا المجال‘‘.

مفتاح التنسيق

إن الاعتقاد السائد بأن السيارات الكهربائية أقل تعقيدا وبالتالي أسهل تصنيعا مضلل. مما لا شك فيه أن تلك السيارات تحتاج أجزاء أقل بـ40% من تلك التي تحتويها السيارات التقليدية والتي تبلغ نحو 30 ألف قطعة. ولكن حتى بنفس المحرك تحت غطاء محرك السيارة، فإن الفروقات في الهيكل والتعليق وعوامل أخرى تؤثر بشكل كبير على تجربة القيادة. فيجب تحسين كل مكون إلى أفضل وضع من أجل تحسين راحة القيادة أو زيادة السرعة وهو ما يتطلب تنسيقا كبيرا بين جميع أفراد الفريق من التصميم الأولي وحتى الإنتاج النهائي. والأمر الذي يجعل من الموديل ناجحا أو فاشلا هو قدرة الشركة المصنعة على اختبار وتطويع الأجزاء المختلفة وتجميعها في جسم واحد يعمل بسلاسة.

وبالنظر إلى السيارة ليف، فقد قامت نيسان بتوسيع مسافة القيادة لطرازها الجديد من خلال زيادة كفاءة محركها وبطارية الليثيوم أيون الخاصة بها في الوقت الذي حافظت فيه تقريبا على نفس حجم البطارية. وقد تم هذا من خلال تنسيق وثيق مع فرقها في مجال المراقبة والمواد والهندسة الميكانيكية لتحسين التصميم الديناميكي الهوائي وتقليل وزن قطع السيارة وتحسين نظام التعليق.

توفر السيارات التي تعمل بالشحن الكهربائي مساحات جديدة للابتكار، وقد واجهت نيسان تحديات جديدة مع دواستها الإلكترونية التي تجمع بين وظيفتي التسريع والفرملة ونظامها الخاص بشحن البطارية مع الفرملة. وهاتان الخاصتان تشهدان على البراعة التقنية التي اكتسبتها الشركة بجد، على الرغم من أن الشركة قامت بعمل توازن دقيق بين التقنيات والتكلفة الإجمالية لتجعل من سيارتها ليف قابلة للاستمرار على الصعيد التجاري. فالوزن والأداء والتصميم جميعها كانت عوامل مؤثرة في تحقيق توازن كفء من الناحية الاقتصادية، وهو أمر ليس من الممكن تحقيقه بموديل من السيارات قائم على التجميع ببساطة.

إعادة التموضع

على الرغم من التطوير السريع للسيارات الكهربائية إلا أنها لا تزال تواجه بعض العوائق الكبيرة، ليس أقلها مسافة القيادة التي يمكن أن تقطعها السيارة بشحنة واحدة. الموديل الجديد من ليف يقطع مسافة 400 كيلومتر بشحنة واحدة وهو مناسب للطرق اليابانية. ولكنه أقل جاذبية على الطرق السريعة الألمانية وغيرها من الطرق حيث السرعات الأعلى والمسافات الأطول ستؤدي إلى استنزاف البطارية وتقصير مسافة القيادة.

كما أن زمن شحن البطارية هو مجال آخر التقدم فيه بطيء. تسمح السيارة ليف الجديدة إجراء شحن سريع بزمن قدره 40 دقيقة، ولكن عملية إعادة الشحن العادية ستستغرق بين 8-10 ساعات. كما أن هناك مخاوف من أن تفرغ البطارية أثناء القيادة. ولمعالجة هذه المشكلة، تملك بعض السيارات الكهربائية محركات إضافية تدعى مطولات نطاق القيادة وهي مخصصة لتوليد الطاقة. وتلك المشاكل من بين قضايا أخرى توضح أنه على الرغم من أن السيارات تمضي قدما نحو تصميمات تعمل فقط بالكهرباء، إلا أن صناعة السيارات ستبقى تعتمد على تقنيات نموذجية في المستقبل المنظور.

تقف السيارات على عتبة تحول مهمة في تاريخها الذي يمتد إلى 130 عاما. فالتقدمات التقنية تغير بسرعة مجال المنافسة فيما يتعلق بالأداء وطرق التصنيع. ولكن حتى السيارات الكهربائية ذات التقنية العالية لا يمكن تجميعها بسهولة مثل الكمبيوترات والهواتف الذكية وغيرها من أدوات تقنية المعلومات ولا يزال هناك تبديد المخاوف المتعلقة بالسلامة والثقة ضمنيا بدورها الرئيسي كسيارة لنقل الركاب. ولهذا السبب ستحتفظ شركات التصنيع العريقة بميزة تنافسية على الشركات الجديدة مع مضي سوق السيارات الكهربائية قدما.

ويتوقع سايكاوا ارتفاع عدد الشركات الناشئة في مجال صناعة السيارات في السنوات القليلة القادمة ويقول إن نصف العقد الممتد بين عامي 2020 و2025 ستكون فترة النجاح أو الفشل. ولا يزال من المبكر القول ما إذا كانت نيسان وشركات رائدة أخرى ستبقى على القمة أم أن شركات جديدة مبدعة ستقود هذه الصناعة.

(المقالة الأصلية منشورة باللغة اليابانية في 20 سبتمبر/أيلول. الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: سيارة نيسان المحدثة ’’ليف‘‘ والتي تعمل بالكامل بالكهرباء عند إطلاقها في اليابان في مجمع المعارض ماكوهاري ميسّي بمحافظة تشيبا في 6 سبتمبر/أيلول 2017. الحقوق لجيجي برس)

نيسان سيارة