تقلبات الأحزاب اليابانية ما قبل الانتخابات العامة المبكرة

سياسة

تطفو السياسات اليابانية على السطح من جديد مع انقسام الأحزاب القديمة وانبثاق أحزاب جديدة بوتيرة سريعة للغاية قبيل الانتخابات العامة المبكرة عام 2017. ولكن من المشكوك فيه أن يقود هذا الاضطراب إلى حدوث أي اختلاف جوهري تجاه هيمنة المحافظين.

تطفو السياسات اليابانية على السطح مرة أخرى، حيث تشهد المرحلة انقسام أحزاب قديمة وانبثاق أحزاب جديدة بوتيرة سريعة للغاية.

بُعيد دعوة رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي من الحزب الليبرالي الديمقراطي إلى انتخابات مبكرة في 22 أكتوبر/تشرين الأول، أطلقت كويكي يوريكو محافِظة طوكيو حزبها ’’الأمل (كيبو نو تو)‘‘. وكانت كويكي قد ترأست قبل 3 أشهر حزبها المنشأ حديثا ’’تومين (سكان طوكيو) أولا‘‘ لهزيمة الحزب الليبرالي الديمقراطي في انتخابات مجلس العاصمة طوكيو. ونجم عن مناورتها – الغير متوقعة على الإطلاق – والتي هدفت للبروز على الساحة القومية، انحلالا كان أقل توقعا للحزب الديمقراطي أكبر الأحزاب المعارضة في اليابان.

فبعد تدشين حزب كويكي بفترة وجيزة، أعلن مايهارا سيئيجي زعيم الحزب الديمقراطي بشكل مفاجئ عن حل حزبه بحكم الأمر الواقع، فمرشحو الحزب الديمقراطي لانتخابات مجلس النواب (الممثلين) كانوا سيترشحون على قوائم حزب الأمل، بينما مايهارا نفسه سيترشح كمستقل. ولكن لم يكن جميع مرشحي الحزب الديمقراطي موضع ترحاب على قوائم حزب كويكي أو اختاروا الانضمام إليها. كما انتقلت مجموعة صغيرة من البرلمانيين اليساريين من الحزب الديمقراطي إلى حزب آخر تشكل حديثا هو ’’الحزب الديمقراطي الدستوري الياباني‘‘ بقيادة إيدانو يوكيو.

وقد اجتهدت وسائل الإعلام في توقع من سينضم إلى أي حزب أو ما إذا كانت كويكي نفسها ستستقيل من منصبها كمحافظة للمشاركة في الانتخابات القومية. وعلى النقيض، فقد كانت الانتخابات المبكرة السابقة في عام 2014 فاترة. وهبطت نسبة المشاركة في الانتخابات إلى مستوى تاريخي في الانخفاض بلغ 52%، بينما حافظ الحزب الليبرالي الديمقراطي وشريكه في الائتلاف الحاكم حزب ’’كوميه‘‘ على أغلبية الثلثين للمرة الثانية على التوالي.

تبدو انتخابات عام 2017 حتى الآن أنها سباق أكثر إثارة بكثير. ولكن من المشكوك فيه أن ينجم عن كل هذا الاضطراب أي اختلاف جوهري في كيفية حكم اليابان.

لم تستبعد كويكي التي رشح حزبها أكثر من 200 شخص للانتخابات، التعاون مع الحزب الليبرالي الديمقراطي. وهي تتقاسم الكثير من مواقف الحزب الحاكم بشأن قضايا حيوية، من بينها التعدلات الدستورية والأمن الجماعي. وقد وصف الكثيرون حزبها بأنه مجرد فصيل آخر عن الحزب الليبرالي الديمقراطي مع ركوب المعارضة الرئيسية لسفينتها باعتبارها تمثل انتصارا للمحافظين في نهاية المطاف.

الحزب الحاكم والبديل الموثوق

وإذا خسر الائتلاف الحاكم أغلبية الثلثين التي يمتلكها حاليا والتي هي ضرورية من أجل القيام بالتعديلات الدستورية، فمن المرجح أن يكون لديه فرصة التشارك مع أحزاب تؤيد التعديلات الدستورية بما فيها حزب الأمل وحزب قطب ثالث محافظ آخر هو حزب تجديد اليابان (نيبّون إيشين)، لتجاوز عقبة الأغلبية. في غضون ذلك، يقدم حزب يسار الوسط الديمقراطي الدستوري الياباني بدائل سياسية أكثر وضوحا نوعا ما، فهو يعارض إصلاح المادة 9 من الدستور وإنهاء استخدام الطاقة النووية ويؤكد على القيم الليبرالية وإعادة توزيع الثروة بشكل أكبر. ولكن حزب إيدانو طرح ما يربو على 60 مرشحا فقط للتنافس على 475 مقعدا في البرلمان. حتى ولو فاز جميع مرشحي الحزب الديمقراطي الدستوري الياباني ووضعوا أيديهم بأيدي أحزاب أخرى من اليسار، فإنهم سيكونون بعيدين عن امتلاك أغلبية برلمانية.

وبالتالي فجوهر هذا السباق الانتخابي يكمن في عدم وجود بديل موثوق – مرة أخرى – يحل مكان الحزب الليبرالي الديمقراطي وأجندته المحافظة. وهذا يقودنا إلى الموضوع الدائم بشأن الديمقراطية اليابانية في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية وهو كيفية خلق منافسة حزبية صحية في نظام سيطرة الحزب الواحد. وبسبب عدم وجود خيار واضح للحكومة والبدائل السياسية، ربما يواصل الناخبون المستاؤون عدم المشاركة. وفي المقابل، ستعاني الشرعية والمساءلة والاستجابة الديمقراطية بشكل أكبر.

ولذلك فإن هذه الانتخابات تتيح فرصة أخرى للتأمل بشأن عدم بروز معارضة يمكن الاعتماد عليها. وتكمن نقطة البداية للإجابة على ذلك في النظر للوراء حول الدوافع المحركة لسلوك أحزاب المعارضة اليابانية في السنوات الأخيرة.

أحزاب بدون جذور وسياسيون متقلبون

لقد كنا هنا من قبل.

قبل الانتخابات العامة التي جرت عام 1993، حدث انشقاق في الحزب الليبرالي الديمقراطي. وبرزت أحزاب جديدة تتكون من المنشقين عن الحزب الليبرالي الديمقراطي وتلك التي قادها محافظون سابقون، ما أدى إلى خروج الحزب الليبرالي الديمقراطي من السلطة لفترة وجيزة. ومن المثير للاهتمام معرفة أن اللاعبين الرئيسيين الثلاثة في المشهد السياسي الحالي هم مايهارا وكويكي وإيدانو قد فازوا أول مرة في البرلمان كمرشحين على قوائم أحزاب جديدة مناوئة للحزب الليبرالي الديمقراطي في انتخابات عام 1993.

وفي أعقاب تلك الانتخابات، تعرضت المعارضة لاندماجات وانشقاقات متلونة. فالحزب الديمقراطي الياباني (الذي شكل نواة الحزب الديمقراطي) اندمج في نهاية المطاف كمعارضة موحدة، وإن كان منقسماً داخلياً بشكل كبير بسبب الاختلافات الأيديولوجية والمنافسات الشخصية. وعلى الرغم من أن الحزب الديمقراطي الياباني وصل إلى السلطة في عام 2009، إلا أنه سرعان ما انفجر من الداخل. وشهدت انتخابات عام 2012 العامة فوضى انخرط فيها 9 أحزاب من بينهم حزبان محليان جديدان هما حزب تجديد اليابان الذي يتخذ من أوساكا مقرا له برئاسة محافظ أوساكا هاشيموتو تورو، ومن اليمين حزب الغد الذي اندثر بسرعة وكان بقيادة كادا يوكيكو محافظ شيغا.

ويعكس تفتت المعارضة إلى أحزاب أصغر – وهو ما يعود بالنفع على الحزب الليبرالي الديمقراطي – الضغوط المتضاربة للنظام الانتخابي المختلط في اليابان. أُدخل 300 مقعد من الدوائر ذات العضو الواحد في مجلس النواب عام 1994 ما دفع الأحزاب الأصغر للاتحاد ودعم مرشحين أفراد في تلك الدوائر. ومع ذلك، فالمقاعد الـ 180 من فئة التمثيل النسبي تسمح للأحزاب الأصغر مثل الحزب الشيوعي وحزب كوميه، بالإضافة إلى أحزاب القطب الثالث، بالبقاء بدلا من اختيار الاندماج مع أحد أكبر حزبين. ولذلك تكاثرت أحزاب صغيرة ليس لديها أمل في الاستحواذ على أغلبية برلمانية ضمن ما يفترض أن يصبح نظاما مكونا من حزبين.

أحزاب المعارضة وعدم الاستقرار

كما يعكس عدم الاستقرار السائد حاليا في المعارضة ضغوطا على المرشحين لإعادة تسويق أنفسهم. فمنذ أن غادر الحزب الديمقراطي الياباني السلطة في عام 2012، تراوحت نسبة التأييد الشعبي للحزب – حتى بعد إعادة تقديمه تحت اسم الحزب الديمقراطي – حوالي 10% أو أدنى، على خلاف الحزب الليبرالي الديمقراطي الذي تبلغ نسبة التأييد الشعبي له حوالي 40%. وبفعل ’’تأثير الدومينو‘‘ بين السياسيين المتعثرين، كان الكثيرون من المعارضة المحتضرة مستعدين للوثوب إلى حزب الأمل الجديد للحصول على بداية جديدة. ولذلك تنقل الكثير من السياسيين بين الأحزاب لإعادة تسويق أنفسهم (أو الترشح ببساطة كمستقلين إذا كان لديهم قاعدة شخصية قوية بما فيها الكفاية، ثم ليختاروا الانضمام إلى الحزب الفائز بعد الانتخابات). فعلى سبيل المثال، تشتهر كويكي بأنها إحدى سياسيي ’’الطيور المهاجرة‘‘ وقد انتقلت بين 7 أحزاب مختلفة على مدى الـ25 عاما الماضية. وعلى الرغم من اندثار هذه الأحزاب، إلا أن الانضمام إليها يمنح السياسيين إمكانية الوصول إلى إعانات حزبية – الأموال الضرورية لإجراء الحملات الانتخابية – بالإضافة إلى حق الترشح على قائمة العلاقات العامة (وهي ضمانة بعدم الخسارة ضمن دوائرهم الانتخابية ذات المقعد الواحد).

كما يرجع عدم استقرار هذه الأحزاب أيضا إلى فراغ منظماتها الحزبية، وهو ما أدى إلى تفاقم ذلك. فشل الحزب الديمقراطي الياباني الذي استمر لما يقرب من عقدين، في تأسيس قاعدة صلبة على مستوى البلاد من السياسيين المحليين وأعضاء الحزب المتجذرين في المجتمع. ومثل هذه المنظمة الضعيفة تعني أن الحزب كان عرضة لتقلب الأصوات من انتخابات إلى أخرى.

إن انفصال الأحزاب عن المجتمع هو أمر عام. فروابط الحزب الليبرالي الديمقراطي مع المجتمعات المحلية وجماعات المصالح قد تآكلت أيضا بسبب تراجع إعادة توزيع الثروة وعمليات الاندماج بين البلديات الأمر الذي خفض عدد السياسيين المحليين بشكل كبير. ولكن من وجهة نظر مقارنة، حافظ الحزب الحاكم على شبكة محلية أقوى ولا سيما في المناطق الريفية، بينما شريكه في الائتلاف الحاكم حزب كوميه أسس قاعدة تمنحه أفضلية في المناطق الحضرية. فعندما تنخفض نسبة المشاركة في التصويت – كما حصل في الانتخابات مؤخرا – يصبح من الصعب التغلب على الجانب التنظيمي للحزب الليبرالي الديمقراطي.

ومن المحتمل أن تشهد الانتخابات المبكرة المرتقبة ديناميكية مشابهة. فعندما أعلن مايهارا عن حل الحزب الديمقراطي، لم تتم استشارة فروع وأعضاء الحزب المحليين. ويشعر الكثيرون حاليا بالانزعاج وهم منقسمون بشأن المرشحين الذين سيدعمونهم. في غضون ذلك، انشق بالفعل اثنان من كبار المساعدين المحليين في حزب كويكي ’’تومين أولا‘‘، الأمر الذي يشير إلى ضعف الدعم التنظيمي لحزب الأمل من قاعدتها في طوكيو. وحتى اتحاد النقابات العمالية الياباني ’’رينغو‘‘ وهو الداعم التنظيمي والمالي للحزب الديمقراطي (وسابقا الحزب الديمقراطي الياباني) فقد تراجع إلى الخلف بشأن حل الحزب. وهو أيضا منقسم داخليا بشأن انشقاق يسار الوسط.

وكل هذه العوامل تشير إلى أن الأحزاب المعارضة التي هي بشكل أساسي مركبات بدون جذور، أسست وهجرت من قبل سياسيين لتحقيق مكاسب انتخابية. وهي غير مبنية أو يتم التحكم بها من القاعدة إلى القمة، ولذلك فهي ضعيفة في قدرتها على تمثيل وتجميع المصالح المتنوعة في المجتمع ككل. وقد انسحبت من المجتمع، ولم تعد مرتبطة به، وهي تفتقر إلى ما وصفه منظر الأحزاب السياسية بيتر ماير بـ’’النزاهة التمثيلية‘‘. وهي تنحدر من القمة، وتشعر باكتفاء ذاتي بشكل كبير إلى حين موعد الانتخابات.

ناخبون بدون ولاء حزبي واستراتيجيات شعبية

وفي الوقت ذاته كان الناخبون يبتعدون عن الأحزاب. فقد تضاعف تقريبا عدد الناخبين اليابانيين الذين ليس لديهم ولاء لأي من الأحزاب منذ ثمانينيات القرن العشرين. ووفقا لشركة تجري استطلاع آراء، فإن نسبة الناخبين الذين لا يدعمون أحزاب بعينها يتراوح بين 50-70% في السنوات الأخيرة. وبشكل متزامن، انخفضت العضوية في الأحزاب ومنظمات دعم المرشحين باطراد عن المستويات المنخفضة بالفعل عن نظيراتها الدولية.

تجلى ضعف الروابط بين الأحزاب اليابانية والمجتمع خلال الانتخابات الراهنة من خلال الأنباء عن تجاوز عدد متابعي حساب الحزب الديمقراطي الدستوري الياباني على موقع تويتر في غضون أسبوع من إنشاء الحساب عدد متابعي حساب الحزب الليبرالي الديمقراطي. وفي 10 أكتوبر/تشرين الأول، كان عدد متابعي الحزب الديمقراطي الدستوري الياباني 162 ألف متابع وهو فعليا أقل بكثير من عدد متابعي سياسيين أفراد مثل هاشيموتو (1.9 مليون متابع)، آبي (750 ألف متابع)، كويكي (480 ألف متابع). ومن الواضح أن متابع على حساب تويتر لا يشكل بديلاً عن دعم أعضاء الحزب المشاركين أو السياسيين المحليين أو مجموعات المصالح.

ولذلك لجأت الأحزاب إلى السعي لكسب هؤلاء الناخبين الذين ليس لديهم ولاء حزبي من خلال توليفة من المناشدات الإعلامية التي تركز على الكاريزما/ مواصفات قائد الحزب والترويج لقضايا مفردة تثير العواطف لإثارة الناخبين الغير مبالين بالاقتراعات. وقد استخدمت هذه الاستراتيجيات ولاقت نجاحا منقطع النظير في العقد المنصرم، لمع فيه كويزومي جونئيتشيرو وهاشيموتو تورو باعتبارهما قائدين بارزين. معظم المشرعين ولا سيما الذين لديهم قاعدة شخصية ضعيفة، كانوا سعداء لاتباع مثل قادة الأحزاب أولئك، طالما أن هؤلاء القادة يولدون ’’رياحاً‘‘ كافية للفوز بدوائرهم الانتخابية.

وقد انتهجت كويكي تكتيكاً شعبياً مماثلاً، بطرح نفسها ضد المصالح الخاصة للحزب الليبرالي الديمقراطي المحلي في حملتها للفوز بانتخابات المحافظة وفي قيادة حزبها المحلي في انتخابات مجلس إدارة طوكيو. ولكن محاولتها لإعادة خلق هذه ’’الرياح‘‘ على المستوى القومي لحزب الأمل من خلال تأطير نفسها بأنها ضد آبي والمحسوبية لم تفلح بعد. ومن أجل جذب الناس، تم تمييع البرنامج السياسي لحزبها بخليط من سياسات جذابة مثل مكافحة حمى الكلأ (الحمى القرمزية) والتخلص من أعمدة الكهرباء من خلال طمر أسلاك الكهرباء تحت الأرض.

كما سعى إيدانو رئيس الحزب الديمقراطي الدستوري الياباني إلى جذب الناخبين الذين ليس لديهم ولاء حزبي من طيف من الأيديولوجيات من خلال توصيف نفسه وحزبه الجديد بأنهما ’’ليبراليين‘‘ و’’محافظين‘‘. كما انتقد إيدانو الاستراتيجيات الشعبية العابرة للأحزاب الأخرى مؤكدا على الحاجة إلى إنشاء ديمقراطية من القاعدة إلى القمة وإلى وجود حزب له جذور في المجتمع. ولكن أمام حزب يسار الوسط الوليد طريق طويل لم يسر عليه بعد إذا كان يرغب في القيام بالأمور بطريقة مختلفة. فهو بحاجة لتشكيل هوية جماعية جديدة من كتلة من المستائين غير المتحزبين، وتنظيمهم في قاعدة راسخة للحزب، والوقوف بمفرده أو في ائتلاف باعتباره بديلا يمكن الاعتماد عليه للمحافظين. ولكن بالنسبة لحزب ولد قبل شهر فقط من الاقتراع، فإن هذا قد يكون أملا بعيدا.

مجلس النواب الانتخابات العامة