البث الإخباري للدول الديكتاتورية من وجهة نظر يابانية

سياسة

من العجيب أن دول ديكتاتورية مثل إيران وكوريا الشمالية تقوم ببث دائم باللغة اليابانية حالياً. وينظر للأمر على أنه استخدام ماهر لسلاح الإنترنت للترويج بلغات عدة عن أفكار البلد للمجتمع الدولي والتأثير على تلك الدول التي تخالفها. يقوم السيد ساتو ماسارو كبير محللي وزارة الخارجية سابقاً، بتحليل وضع البث الإخباري الفردي للدول الديكتاتورية وتسليط الضوء على أهداف تلك الدول من وجهة نظر استخباراتية.

إيران واللعب على وتر القضية الفلسطينية

لم يقتصر أثر ’’إعلان السادس من ديسمبر/ كانون الأول ’’للرئيس الأمريكي ترامب والخاص بـ ’’نقل عاصمة إسرائيل للقدس‘‘ على منطقة الشرق الأوسط فحسب، بل أدى إلى صدمة كبيرة في شرق آسيا. فيكفي النظر إلى ’’النشاط الدعائي‘‘ الذي تقوم به الحكومة الإيرانية، للتعرف على مدى فداحة أثر ’’إعلان ترامب‘‘، في واقع الأمر يوجد موقع بث حكومي تابع للحكومة الإيرانية يسمى ’’بارس توداي‘‘ يثير بمحتواه الإخباري اهتماما شديدا لدي. في البداية أود التعريف ببعض الأخبار الواردة بهذا الموقع. فنجد في يوم 7 ديسمبر/ كانون الأول بصفحة اللغة اليابانية التالي ’’ قال المتحدث باسم هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة الإيرانية إن فناء إسرائيل أمر حتمي‘‘ في عنوان حاد كمثال على هذا النوع من البث الإخباري الفردي. وعلى الرغم من طول المقال بعض الشيء إلا أن مضمونه الهام يستحق النشر كما هو.

’’قال المتحدث باسم  هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة الإيرانية جزائري إن حكام أمريكا ومحتلي فلسطين قد أخطئوا تقدير الأمر وأن السلطة الصهيونية لن تستطيع إنقاذ إسرائيل بل ستختفي تلك السلطة.

كما ذكرت وكالة أنباء إيرنا، أن المتحدث الرسمي جزائري قال في يوم الخميس السابع من ديسمبر/ كانون الأول، إن السلطة الصهيونية هي محتل للأراضي الفلسطينية، وأن استمرار كفاح الشعب الفلسطيني أمام تلك السلطة التي تشبه الخلايا السرطانية، لن يسمح للمحتل بالشعور بالسلام أبداً، ولا يوجد أمام سلطة الاحتلال خيار آخر غير الرحيل عن تلك الأرض أو الفناء.

وأضاف بأن التقدير الخاطئ لأمريكا وسلطات الاحتلال الإسرائيلية بشأن فلسطين سينتهي بالفشل كما حدث في العراق، سوريا واليمن بسبب سوء تقديرهم.

كان الرئيس الأمريكي ترامب قد أعلن يوم الأربعاء 6، عن الاعتراف بالقدس كعاصمة للسلطات الإسرائيلية الكاذبة على الرغم من المعارضة الكبيرة في كل أنحاء العالم‘‘.

(نقل للخبر كما هو)

تقوم الحكومة الإيرانية بإصدار تفاصيل الأخبار على هذا النحو بشكل مفصّل باللغة اليابانية بخصوص قرار الرئيس ترامب هذه المرة والذي سيكون له أثر كبير على أمن منطقة الشرق الأوسط.

كوريا الشمالية وخطب ود الولايات المتحدة بشكل مستتر

فلنقم بإلقاء نظرة على إعلام كوريا الشمالية كدولة ديكتاتورية أخرى تعتبرها إدارة ترامب من ’’ضمن محور الشر‘‘. حيث تمتلك كوريا الشمالية موقع إعلامي باللغة اليابانية ’’وكالة أنباء نينارا‘‘ الحكومية. وتعني كلمة نينارا باللغة الكورية ’’وطننا‘‘. وتظهر في هذا الموقع العديد من ’’عبارات التهديد‘‘ المتنوعة الموجهة إلى اليابان. ولا يقتصر الأمر على امتلاك كوريا الشمالية على الصواريخ والبرنامج النووي، ولكن أيضا تقوم ببث رسائل لليابان باللغة اليابانية.

في البداية نجد في الصفحة الرئيسة بعنوان ’’أهلاً بكم في نينارا‘‘، دعاية تحت مسمى ’’مصدر بث المعلومات المفيدة المتعلقة بكل شيء يخص أمور السياسة، الاقتصاد، الثقافة الخاصة بجمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية‘‘. وقام الموقع ببث معلومات كما يلي تحت عنوان مخيف ’’سوف نقوم بمحو أي أثر للأرض المسماة بالولايات المتحدة الأمريكية من على خريطة العالم‘‘ في عددها الصادر في 30 نوفمبر/ تشرين الثاني. وهنا عرض للخبر كما هو.

’’نفخر بعرض الإطلاق التجريبي لكل أنحاء العالم، للصاروخ الباليستي العابر للقارات من طراز (المريخ  <فاسون> - 15) الذي نجح بفضل القرار الاستراتيجي والسياسي لحزم العمال الكوري، والقادر على حمل رؤوس نووية ضخمة التي تمكن جمهوريتنا من ضرب أي مكان بالولايات المتحدة حسب رغبتنا بهذا الصاروخ الباليستي العابر للقارات.

وسيكون دوي الانفجار الحاد للصواريخ الباليستية العابرة للقارات نتاج الفكر الكوري الذي هز العالم مرة ثانية بمثابة العقاب الحازم والقبضة الحديدية التي لا تعرف التهاون مع الإمبريالية الأمريكية الوقحة التي هددت في وضح النهار شن حرب نووية وجرؤت على إصدار تصريحات مجنونة بـ ’’محو شامل‘‘ لأمتنا.

وإن النصر الكبير الواقع اليوم والذي يضرب الأمريكي الأحمق المغرور المتعامي عن مكانة جمهوريتنا الاستراتيجية كبلد نووي قوي قائم على الفكر الكوري في تطابق بين التصور والحقيقة، أشعل في صدور جنود الجيش الشعبي لبلدنا قوة وشجاعة لا مثيل لهما.

كما أن الإمبريالية الأمريكية تتغافل عن الواقع الراسخ في كون جميع أراضيها واقعة في نطاق ضرب قوات النخبة المبيدة لجنودنا وضرباتنا النووية الغير المسبوقة التي لن ترحم، وأنها إن استدعت غيم الحرب النووية إلى هذه الأرض، ستقوم قوتنا سلاحنا الثوري برفع الراية العظيمة عاليا لضرب الولايات المتحدة جحر الاحتلال والشرور ومحو أي أثر له من على سطح الأرض بقوتنا النووية. قائد الجيش الشعبي الكوري باك ناموتشول‘‘.

أعتقد أن كوريا الشمالية لديها جهاز إعلامي متقدم. في الحقيقة يبدو الأمر كما لو كانت النية الحقيقة من وراء هذا الكلام هي توجيه رسالة إلى كل من واشنطن وطوكيو مفادها ’’نود أن نصبح على علاقة طيبة مع أمريكا بقدر رغبتنا في ضربها ومحو أي أثر لها‘‘. وهي رسالة ’’خطب ود‘‘ في ذات الوقت موجهة إلى محادثة قادة أمريكا وكوريا الشمالية.

الرسالة من زيارة ترامب لليابان

كانت الأخبار الصادرة في يوم 21 نوفمبر/ تشرين الثاني أيضاً مثيرة للاهتمام. نجد الخبر التالي، تحت عنوان (تعليق: التحرك العسكري الأعمى يدفع إلى الوقوع في أعماق الانهيار الذاتي).

’’تزايد التحرك الأعمى للمناوشات العسكرية لطبقة الارتداد اليابانية إزاء جمهوريتنا بشكل يومي. ’’قوات الدفاع الذاتي‘‘ البحرية اليابانية قامت في يومي 11 و12 نوفمبر/ تشرين الثاني بإجراء تدريبات عسكرية مشتركة واسعة النطاق مع قوات حاملة طائرات أمريكية مستهدفة بلدنا.

قال وزير الدفاع الياباني أونوديرا إن التدريبات عالية الفعالية تعبر عن صلابة عزم اليابان والولايات المتحدة مشيرا إلى التدريبات العسكرية المشتركة التي جرت بمشاركة سفن الحراسة إيسي، ماكينامي وإينازوما التابعة لـقوات الدفاع الذاتي البحرية وحاملات الطائرات النووية الأمريكي، رونالد ريغان، ثيودور روزفلت ونيميتز.

وفي المقابل، تسارع اليابان في تجهيز محافظتي أكيتا وياماغوتشي بمنظومة صواريخ الاعتراض الجديدة ’’إيجيس آشور‘‘ تحت حجة مواجهة صواريخنا الباليستية.

ولا يمكن التغاضي عن حقيقة الإعلان عن شراء اليابان منظومة صواريخ الاعتراض SM3 وF35A ومنظومة صواريخ الاعتراض إيجيس من الولايات المتحدة كما أعلن في المؤتمر الصحفي المشترك بين ترامب وآبي.

ووفقا لعدة شواهد، أصبح التحرك العسكري الأعمى الخطير لطبقة الارتداد المجنونة باليابان لتحقيق طموح الاحتلال الخارجي حقيقة واضحة.

لا تزال طبقة الارتداد باليابان تتمسك بالطموح إلى تحقيق الحلم القديم الخاص بـ"مجال الازدهار المشترك لشرق آسيا العظمى" من خلال تحججها بـ"التهديد" الصادر من بلدنا، كستار لانتشار قوات الدفاع الذاتي اليابانية في شبه الجزيرة الكورية، وتبرير إعادة احتلال مناطق المحيط الهادي في آسيا.

لقد مضى على هزيمة اليابان في الحرب ما يقارب 70 عاماً، لكن لم يتبدل أبدا الطموح العسكري لليابان، وها هو يبعث من جديد بشكل فادح.

وقامت قوات الدفاع الذاتي بعد أن قامت الطبقة الحاكمة الحالية في اليابان بإصدار قانون خاص بحماية الأمن في مارس/ آذار عام 2016، ومنح قوات الدفاع الذاتي حق ممارسة الدفاع الذاتي الجماعي وتوسيع نطاق أنشطتها في الخارج بشكل كبير.

وتتسارع الإجراءات الفاشية الداخلية المتمثلة في توالي إصدار القوانين سيئة السمعة بداية من قانون حماية الأسرار الخاصة، وقانون عقوبات جرائم المنظمات، ومؤخرا يمكن القول إن الهوس الهيستيري في التعديل السيئ للدستور الحالي هو بمثابة المرحلة الأخيرة لتحقيق طموح الاحتلال الخارجي.

والأن، تدعي اليابان أن جهاز الحماية الشرعي للدفاع الذاتي الخاص بنا، هو ’’تهديد‘‘، وإن اندفاعها نحو التدريبات العسكرية المشتركة وتسمح بالإيقاف داخلها للقوة الأساسية لجيش الاحتلال الإمبريالي الأمريكي التي ستنتشر عند حالة الطوارئ في شبه الجزيرة الكورية لهو جنون حربي يهدف إلى إشعال فتيل حرب كورية من جديد بالتعاون مع الولايات المتحدة.

ولكن من الأفضل أن تتصرف اليابان الغارقة في الأوهام العظيمة تصرفاً عقلانياً. ولن تكن اليابان أبدا بمنأى عن أي حرب قد تندلع في شبه الجزيرة الكورية. فسيتم تقطيع اليابان إلى قطع صغيرة عند تعبئتها إلى الحرب مع قواعد الاحتلال العسكرية الأمريكية بها. وكلما تسارعت عجلة الحرب العسكرية اليابانية، وقعت أعمق وأعمق في قاع الانهيار الذاتي السحيق. وكالة الأنباء الكورية المركزية.‘‘ (النص كما هو).

اليابان وبث الأخبار بلغات متعددة

وبقراءة المراد من بين السطور، نجد رسالة ضد ترامب والذي بدأ جولته إلى دول آسيوية من قاعدة يوكوتا العسكرية الأمريكية باليابان. وفي حقيقة الأمر هي رسالة مثيرة للاهتمام بشكل كبير. وهم يقومون ببث الأخبار كما يجب على طريقتهم الخاصة. ويجعلنا ذلك نتساءل إن ما كانت وزارة الخارجية اليابانية قد تلقت إشارة بيونغ يانغ تلك كما يجب أم لا؟

وأعتقد أنه من الآن يجب على اليابان تلقي تلك الأخبار التي تبثها الدول الديكتاتورية بعناية والرد عليها بمعلومات مضادة مضافا إليها النقد الواجب. كما يجب توضيح موقف اليابان بوضوح إزاء التأكيد الإيراني، وبث الأخبار باللغة الفارسية موجهة إلى طهران. ويعد هذا العمل مسؤولية هامة على عاتق مواقع البث متعدد اللغات القليلة باليابان ومنها nippon.com وأعتقد أن رد اليابان بهذا الشكل على إيران وكوريا الشمالية، يتوافق هذا مع صالح البلد في حقيقة الأمر. ودون ذلك، قد يقع سوء فهم لعدم ملاحظة اليابان للرسائل الهامة التي تبثها الدول الديكتاتورية على هذا النحو. وهكذا لا يقتصر الأمر على تقوية الاستعدادات العسكرية فقط، بل هناك الكثير من الأمور الواجب القيام بها.

(النص الأصلي باللغة اليابانية. صورة العنوان: الرئيس الكوري يحتفل مع المسؤولين بنجاح إطلاق القمر الصناعي. الصورة من KCNA، شينخوا، أفلو)

كوريا الشمالية