التعافي والتغيير: مصائد الأسماك في سانريكو تغير محور تركيزها بعد 7 سنوات على الكارثة

مجتمع

تدمرت مصائد الأسماك على طول جنوب ساحل سانريكو بمنطقة توهوكو في اليابان بفعل تسونامي عام 2011. وبعد مرور 7 سنوات على الكارثة، أعاد الكثيرون بناء ميناء ومنشآت رئيسية أخرى، واستغلوا جهود التعافي لتحسين العمليات التشغيلية وجعلها أكثر انسيابية وسلاسة. وتحسنت غلّات صيد الأسماك إلى حد كبير، ولكن المجتمعات لا تزال تعاني لجذب الشباب إلى الصناعة السمكية المحلية. وفي هذه المقالة يعود الصحفي كيكوتشي ماسانوري إلى بلدات إيشينوماكي وميناميسانريكو وأوناغاوا في محافظة مييازاكي ليطلع على سير تطور مصائد الأسماك في المنطقة.

افتتاح طال انتظاره لمصنع ماروسين

أثناء سفري إلى ساحل سانريكو في محافظة ميياغي في منتصف شهر فبراير/شباط مررت بعشرات الآلات الكبيرة بينما أنا أتنقل في الطريق السريع الذي يتخطى هذا الامتداد المعقد من الخط الساحلي. آلات الحفر ومعدات بناء أخرى هي جزء من مشروع حكومي لتشييد حاجز بحري ضخم لحماية المجتمعات التي تقطن بالقرب من الساحل من أمواج تسونامي مشابهة لتلك التي دمرت المنطقة في 11 مارس/آذار 2011. أولى محطاتي التي توقفت بها كانت بلدة ميناميسانريكو التي لم أزرها منذ عام، وذلك بهدف تفقد جهود التعافي المحلي من آثار الكارثة.

وأثناء زيارتي إلى بلدة ميناميسانريكو التقيت ميؤرا هيروأكي رئيس شركة ماروسين للأغذية البحرية – التي يبلغ عمرها 80 عاما – وهو من الجيل الثالث الذي ترأس الشركة، وذلك في مصنع اكتمل بناؤه حديثا ومقر الشركة، وقد استعاد ذكرياته بشأن معاناته على مدى السنوات السبع الماضية. حيث قال ميؤرا بينما ترتسم ابتسامة عريضة على محياه: ’’لقد كان طريقا طويلا وشاقا، ولكننا في النهاية أحرزنا هدفنا‘‘.

يوجد المصنع على منصة ترابية مرتفعة مبنية في منطقة كانت تشكل مركز البلدة قبل التسونامي. وتم إكمال المصنع في شهر سبتمبر/أيلول من عام 2017 ولا يزال يعمل بقدرة محدودة حتى موعد الافتتاح الكبير، وهي فعالية ستتضمن تدشين متجر جديد في الموقع ومن المقرر أن يكون في منتصف مارس/آذار. ويقول ميؤرا إنه مرتاح لوقوف الصناعة السمكية على قدميها مجددا. ويضيف موضحا: ’’تعتمد أعمالنا بشكل كلي على الموارد البحرية للمنطقة. وأخيرا أصبح لدينا الآن تدفق مستمر من المكونات الأساسية التي نحتاجها‘‘.

في طابق الإنتاج توجد موظفات يرتدين بدلات وردية اللون تغطي كامل أجسادهن، وتقوم الموظفات بتغطيس شرائح سمك السلمون المحلي في مخلوط البيض والدقيق والحليب. وفي نهاية المطاف يتم قلي شرائح الأسماك وتقديمها كجزء من وجبة الغداء في المدارس المحلية. ويقول ميؤرا: ’’كنا قبل الزلزال نزود المدارس بالوجبات الغذائية، والآن وبعد اكتمال المصنع يمكننا البدء بالقيام بذلك مجددا‘‘.

مصنع شركة ماروسين المشيد حديثا لمعالجة الأغذية في بلدة ميناميسانريكو.

بمجرد أن يعمل المصنع بكامل طاقته الإنتاجية، سينتج تشكيلة واسعة من المنتجات البحرية.

خسر ميؤرا عند اجتياح أمواج التسونامي بلدة ميناميسانريكو وتدمير مركزها، 9 عقارات من بينها منزله ومتاجره ومصنع. وأسفرت الأمواج العاتية أيضا عن مصرع جدته التي كان يعيش معها. في شهر ديسمبر/كانون الأول من عام 2011، وبينما كان لا يزال يقطن في مسكن مؤقت، شرع في إعادة بناء ماروسين، حيث اقترض مكانا لورشة عمله واستخدم سيارة قديمة اقتناها لتوصيل منتجات أطعمة بحرية إلى سكان كانوا لا يزالون يعتمدون على الأطعمة التي مصدرها التبرعات. وفي أوائل عام 2017، انتقل من مكان إقامته المؤقت بعد انتهاء العمل بمنزله الجديد. وبعد إكمال مصنع الإنتاج الجديد التابع لشركة ماروسين والذي بلغت تكلفته 360 مليون ين، أصبح لديه مكانا دائما لإدارة أعماله أيضا.

وعلى الرغم من أن الوضع في ماروسين قد تحسن بشكل كبير، يعلم ميؤرا أنه يتعين عليه التفكير بحكمة. وبينما يقف ميؤرا خارج مصنع الشركة ذي الجدران الرمادية اللون، يتقاسم معنا أفكاره عن المستقبل، حيث يقول: ’’لدي منزل جديد وقد أعدت بناء شركتي، ولكني لا أستطيع تجاهل آثار الكارثة على سكان البلدة وبيئة الأعمال فيها. يتعين علي بذل جهود مضنية وتحويل الموارد البحرية المحلية إلى منتجات رائعة‘‘.

تعافي غلات صيد الأسماك في محافظتي إيواتيه وميياغي

ينتج عن تلاحم تيارات كوروشيو الدافئة مع تيارات أوياشيو الباردة قبالة ساحل سانريكو واحدة من أغنى مناطق الصيد في العالم. ولكن أمواج التسونامي دمرت الموانئ وأساطيل سفن الصيد ومنشآت الاستزراع المائي والتي دعمت الصيد وصناعات معالجة الأطعمة البحرية وشكلت عماد اقتصاد المنطقة. تشهد مصائد الأسماك في محافظتي إيواتيه وميياغي تعافيا مع اقتراب اكتمال إعادة تشييد بنية تحتية رئيسية. ولكن الصناعة السمكية في محافظة فوكوشيما لا تزال تعاني في ظل قيود ناجمة عن مخاوف من الإشعاعات.

تم ترميم معظم موانئ ومنشآت الاستزراع المائي في بلدة ميناميسانريكو بحلول عام 2014. كما أن الصناعة السمكية المحلية – والتي خسرت 90% من سفن الصيد – قد استبدلت تدريجيا السفن بمساعدة تعاونيات صيد الأسماك في أرجاء البلاد ووسائل أخرى، وهو ما مكن عددا أكبر من الصيادين من العودة إلى الصيد. أما غلات الصيد من الأسماك فقد تحسنت تدريجيا بعد انخفاضها إلى 3042 طنا في عام 2011 في أعقاب الكارثة. بينما بلغت غلة الصيد 8556 طنا من الأسماك في عام 2013 والتي كانت سنة استثنائية من حيث غلة الصيد. وعلى الرغم من انخفاضها منذ ذلك الحين، ازدادت غلة صيد الأسماك في السنوات الأخيرة، لنشهد في عام 2017 عودة مستدامة فيما يبدو إلى مستويات ما قبل الكارثة، حيث جنى صيادو الأسماك 5629 طنا بارتفاع قدره 14% وبقيمة تتجاوز 2.21 مليار ين (بزيادة بـ23%) مقارنة بعام سابق.

ومع تحسن غلة صيد الأسماك وإكمال الإعمار، يقول رئيس مديرية الزراعة والغابات وصيد الأسماك إنه يتعين الآن على هذه الصناعة تغيير تركيزها نحو تأمين وتثقيف الجيل القادم من الصيادين.

تحسن استزراع المحار

تراجع التعداد السكاني في بلدة ميناميسانريكو بحوالي الثلث منذ الكارثة، ومن غير المرجح أن يتغير هذا المنحنى التراجعي بسبب تقدم أعمار السكان وبقاء معدل الولادات منخفضا. وهذا الأمر يشكل خبرا سيئا لتعاونية صيد الأسماك في البلدة والتي تحتاج إلى مزيد من الشباب لتولي هذه التجارة إذا كانت تطمح لأن تنمو وتحافظ على نفسها في المستقبل. ولجذب صيادين جدد، تشاركت التعاونية مع جمعية سياحية بالإضافة إلى الحكومة المركزية وإدارات المحافظات بشأن مشاريع متنوعة بما فيها برنامج يمنح الأشخاص الذين يتطلعون لإعادة التوطين في مناطق ريفية، فرصة تجربة الصيد المحلي والاستزراع المائي.

ينشط غوتو كييوهيرو – وهو مزارع في مجال المحار وأعشاب واكامي البحرية – في منطقة توغورا في البلدة لتعزيز الترويج للاستزراع المائي. كان غوتو على وشك إيقاف عمله عندما جرفت أمواج التسونامي منزله والطوافات التي كان يستخدمها في الاستزراع. ولكن بعد 3 أشهر من الكارثة، تولى غوتو منصب الممثل المحلي لتعاونية صيد الأسماك في المحافظة. وبدأ العمل على إصلاح تقنيات الاستزراع من خلال خفض العدد الزائد من منصات المحار، مستخدما تمويلات من الحكومة المركزية.

يقول مزارع المحار والأعشاب البحرية غوتو كييوهيرو إن المحافظة على الصناعة السمكية تتطلب تطوير كيفية إدارة الموارد البحرية.

غوتو (داخل الرافعة الشوكية) يرفع أعشاب واكامي حديثة الحصاد.

يقول غوتو إن الاكتظاظ ناجم عن تطلع المزارعين لزيادة الإنتاج إلى أقصى حد ممكن. ويوضح ذلك قائلا: ’’كانت هناك مخاوف قبل الكارثة في أن الاكتظاظ يؤثر على جودة منتجاتنا من المحار. كنت أشعر أن خفض عدد المنصات سيحسن شروط النمو من خلال منع تراكم الفضلات وضمان توزيع متساو للمواد الغذائية‘‘. ويشير غوتو بشيء من السخرية كيف أن التسونامي كان عامل تغيير أيضا حيث يقول: ’’إن الحاجة إلى البدء من الصفر سهلت عملية إدخال الإصلاحات الضرورية‘‘.

أعاقت الخطة حقوق صيد الأسماك القائمة منذ فترة طويلة وعارض الكثير من الناس في الصناعة المقترح في البداية مخافة تراجع مدخولهم. ولكن غوتو ركز على فوائد خطته، وفي نهاية المطاف حصل على الدعم من نحو 40 مزارع محار. وفي النهاية نجح غوتو في تقليل عدد المنصات بحوالي الثلث عن مستوياتها ما قبل الكارثة.

وعلى الرغم من أن المزارعين ينمّون كميات أقل من المحار، إلا أن الإنتاج ظل ثابتا لأنه أصبح من الممكن حصاد هذه الرخويات في غضون عام بدلا من سنتين إلى 3 سنوات كما كان عليه الوضع في السابق. كما أن تحسين الإنتاج خفّض التكاليف وأنقص ساعات العمل بحوالي الخُمس، ما ساعد في رفع الأرباح بحوالي 15% – 20%.

قبل عامين أقر مجلس الإشراف على المزارع المائية ومقره هولندا بالجهود التي تبذلها مصائد الأسماك في توغورا ومنحها شهادة وهو ما شكل حافزا إضافيا لصناعة استزراع المحار المحلية.

يقول غوتو إنه يمكنه رؤية جهد مضاعف في المجتمع لأن السكان الشباب الذين انتقلوا من البلدة للعمل أو الذهاب إلى الجامعات يختارون البقاء في ميناميسانريكو. ’’كان الآباء في الماضي يشجعون أولادهم على الانتقال إلى المدينة، ولكن توجد حاليا ثقة متجددة في هذه الصناعة. ونظرا لأن أمام الشباب فرصة لإدارة مزارعهم الخاصة بهم، فإنهم بدأوا برؤية مستقبل لأنفسهم في مجال استزراع المحار‘‘.

جذب الجيل التالي من الصيادين

يوجد في بلدتي أوناغاوا وإيشينوماكي – جنوب ميناميسانريكو – مناطق كانت في أحد الأوقات مغمورة بالركام، وقد شارفت فيها على الاكتمال أعمال منشآت الموانئ ومنصات ترابية مرتفعة بغية تشييد هياكل جديدة.

حركة المرور بجانب موقع تشييد على طول طريق في أوناغاوا.

تحرز جهود التعافي في أوناغاوا تقدما ثابتا. فقد أكملت البلدة في السنوات القليلة الماضية عدة مشاريع رئيسية بما فيها تشييد منشأة تبريد وإنتاج ثلج، وفي شهر أبريل/نيسان من عام 2017 تم افتتاح سوق محلية جديدة فيها لبيع الأسماك بالجملة.

إن صيد الأسماك المحلي أيضا آخذ في التعافي. فقد تمكنت الصناعة السمكية أخيرا في عام 2016 من تأمين السفن الضرورية لإكمال أسطولها. كما أن غلات الصيد من الأسماك تزداد ببطء على مدى السنوات القليلة الماضية، لتتعافى إلى نحو 80% من مستوياتها قبل التسونامي. وفي عام 2017 تجاوزت غلة الصيد 35600 طن من الأسماك وهي تعادل تقريبا نحو ضعفي غلة عام 2011 والبالغة 19740 طنا. وطبقا لمديرية تعافي الصناعة السمكية المحلية، فإن الصيادين المحليين اتخذوا المبادرة في أعقاب الكارثة وقاموا بأعمال تنظيف وإصلاحات طوارئ في منشآت الميناء. وهذا ما سهل التعافي من خلال السماح لمشاريع إعادة إعمار كبيرة بالانتهاء قبل الجدول الزمني المحدد لها.

ولكن حتى بعد عودة الميناء ومنشآت المعالجة للعمل، فإن البلدة التي لحق بها جزء من أسوأ الدمار الذي حل بالمنطقة مستمرة في المعاناة من تراجع معدل عدد السكان، وهو أحد أكبر المعدلات في البلاد. فقد انخفض عدد أهالي البلدة بنحو 40% وفقا للإحصاء السكاني لعام 2015 مقارنة بالإحصاء السكاني القومي لعام 2010. وبسبب قلة عدد الناس الذين يتولون تجارة الأسماك، تعمل بلدة أوناغاوا – كما هو الحال في ميناميسانريكو – على ضخ دم جديد في الصناعة لمواجهة آثار تراجع عدد السكان وتزايد عدد المعمرين.

ويقود الجهود مجموعة من الصيادين الشباب من أوناغاوا وإيشينوماكي ومجتمعات أخرى على طول ساحل سانريكو، وكانت المجموعة قد شكلت تعاونية صيادي الأسماك في اليابان في عام 2014. وتهدف المجموعة التي تتخذ من إيشينوماكي مقرا لها – وهي بلدة فقدت أكثر من 3 آلاف من سكانها في التسونامي – إلى جذب الشباب إلى الصناعة من خلال إعادة تسويق صيد الأسماك باعتبارها مهنة جذابة ومبتكرة وذات مدخول عال. وينخرط الـ40 عضوا الرئيسيون في المنظمة في طيف واسع من الأنشطة، بما فيها البيع المباشر لمنتجاتهم وتخطيط وإدارة الفعاليات والتدريب الاحترافي.

ويشدد رئيس المجموعة آبي شوتا البالغ من العمر 32 عاما على أن إعادة إنعاش الصناعة يعتمد على جذب الجيل الجديد من الصيادين، حيث يقول: يستغرق الأمر 10 إلى 15 عاما حتى تصبح صيادا ماهرا. ومعظم الصيادين المحنكين هم الآن في الستينيات والسبعينيات من العمر، لذلك من المهم للغاية الاستفادة من خبراتهم الآن في تدريب صيادين جدد أثناء تغيير طريقة عمل هذه الصناعة‘‘.

آبي شوتا رئيس تعاونية صيادي الأسماك في اليابان أثناء قيامه بزرع أعشار واكامي البحرية.

بُعيد تشكيل تعاونية صيادي الأسماك في اليابان، أسندت بلدة إيشينوماكي لها مهمة تأسيس برنامج تدريب عملي على صيد الأسماك والاستزراع المائي ووضع خطة تجربة عمل. كما أنشأت المجموعة في عام 2015 موقعا لتوظيف الأشخاص الذين يتطلعون للانضمام إلى الصناعة السمكية. وقد شارك حتى اليوم نحو 100 شخص في برامج أو تقدموا للحصول على وظائف مع زيادة بأربعين شخصا حصلوا على أعمال، من بينهم 20 شخصا جديدين على هذه الصناعة.

وفي حين يتزايد الاهتمام بالصيد باعتباره مهنة، يقول آبي إن المجموعة يجب أن تستمر في العمل على تعزيز الترويج لهذه المهنة. حيث يوضح قائلا: ’’يتمثل التحدي التالي في إبقاء الناس في هذه الصناعة. نتطلع دائما لاستعراض سبل لتحسين منتجات السوق وجعل الصيد مهنة مربحة بشكل أكبر‘‘.

لا يزال الكثير من سكان المجتمعات الواقعة على طول ساحل سانريكو يقيمون في مساكن مؤقتة، ويأتي في الأولوية تشييد مجمعات سكنية بالإضافة إلى ترميم البنية التحتية الأساسية مثل الطرق والمنشآت الطبية والرعاية والخدمات الحكومية. ولكن أمام الصناعة السمكية دور حيوي أيضا لتلعبه في عملية التعافي. ويتمثل هذا الدور في الأشخاص المرنين الذين يعملون في مصائد الأسماك التجارية والذين سيشكلون القوة القاطرة لإعادة بناء المجتمعات.

(المقالة الأصلية منشورة باللغة اليابانية. صورة العنوان: منشآت ميناء ومنصات استزراع مائي جديدة في خليج شيزوغاوا ببلدة ميناميسانريكو. جميع الصور من الكاتب.)

زلزال شرق اليابان الكبير