قصة ساداكو ضحية هيروشيما وأسطورة الألف طائر كركي !

مجتمع

أصبحنا نشاهد طيور الكركي الورقية مؤخرا في جميع أنحاء العالم وليس فقط في اليابان. فكيف انتشرت هذه الطيور في العالم يا ترى؟ قمنا بسؤال السيد ساساكي ماساهيرو الأخ الأكبر لساداكو صاحبة تمثال طفلة القنبلة النووية.

طيور كركي قام أوباما بطيها بنفسه

في مايو/ أيار 2016، أصبح باراك أوباما أول رئيس أمريكي في منصبه يزور مدينة هيروشيما، موقع أول قنبلة ذرية في العالم والتي تم إسقاطها على المدينة في عام 1945. أحضر أوباما 4 طيور كركي ورقية قام الرئيس السابق أوباما بطيها بنفسه (مقطع مصور) 

يقول كاتب قصة ”سينبادزورو (ألف طائر كركي ورقي) ساداكو“  ساساكي ماساهيرو ”لقد اندهشت حقا! لم أكن أعرف أنه قام بطي الأوريغامي بنفسه“.

يقول السيد ماساهيرو ”حتى لو لم يستطع الاعتذار كرئيس، أعتقد أن أوباما نقل لنا رسالة تتضمن ”الاعتذار“ كشخص. لقد شعرت بإنسانية وكلمات أوباما من خلال طيور الكركي الورقية التي قام بطيها“. تبرع أوباما لاحقًا بطائري كركي من الورق للهدف الثاني للقنبلة الذرية وهي مدينة ناغاساكي.

صورة مكبرة للرئيس باراك أوباما وهو يقوم بطي طائر الكركي الورقي أثناء زيارته لهيروشيما عام 2016 مع السفيرة الأمريكية آنذاك كارولين كينيدي، جيجي برس.

طائر الكركي الورقي هو أحد الألعاب المنزلية اليابانية الرئيسية، ويتعلم معظم اليابانيين طيه منذ الصغر. ولأن طائر الكركي هو رمز لطول العمر، فبالإضافة إلى القيام بإهداء سينبادزورو مفعمة بأمنيات ”الشفاء من المرض“، يتم استخدامها في كثير من الأحيان كهدية للتضامن مع المتضررين من الكوارث ولتشجيع الفرق الرياضية.

ولكن في الوقت الحالي، أصبح يُنظر إلى طائر الكركي الورقي في جميع مناطق العالم كـونه ”أداة“  أو رمز للصلاة من أجل السلام والتغلب على العقبات.

وكان هناك أخبار حول قيام طلاب صف مدرسي بطي ألف طائر كركي في ثلاثة أيام والصلاة من أجل سلامة التلاميذ الذين علقوا في كهف تاموران في محافظة تشينراي في شمال تايلاند في شهر يونيو/حزيران من عام 2018.

”طيور الكركي الورقية“ التي غزت في العالم

أول صورة لها بزي الكيمونو (ساداكو في سن الثانية عشرة)، الصورة من ساساكي ماساهيرو ومتحف هيروشيما التذكاري للسلام.

يعود سبب معرفة العالم بـ ”طائر الكركي الورقي“ إلى قصة  للطفلة ساساكي ساداكو الأخت الصغرى للسيد ساساكي ماساهيرو والتي تصغره بسنتين. وساداكو هي طفلة من ضحايا القنبلة النووية عندما كان عمرها سنتين في هيروشيما في عام 1945، وأصيبت بسرطان الدم أو اللوكيميا بعد عشر سنوات، وفارقت الحياة في سن الثانية عشرة بعد صراع مع المرض استمر لمدة ثمانية أشهر. وساداكو التي كانت تحب الجري، كانت تؤمن بأنها ستشفى من المرض، وستعود إلى منزلها، واستمرت بطي طيور الكركي الورقية، ويقال إنها استمرت بطي طيور الكركي الورقية حتى وصل عددها إلى 1300 طائر أو حتى 1500 طائر. ويقال إنها صاحبة ”تمثال طفلة القنبلة النووية“ التي تقف رافعة طائر كركي ورقي في حديقة هيروشيما التذكارية للسلام. وكل عام، يتم إهداء عشرة ملايين طائر كركي ورقي من جميع أنحاء العالم إلى هيروشيما. وقصة ”ساداكو وطيور الكركي الورقية“ معروفة في الدول الأجنبية أكثر من اليابان في الوقت الحالي.

قام الصحفي الأسترالي روبرت يونك بزيارة هيروشيما في عام 1556، وقام بنشر قصة ساداكو ”ضوء الدمار“ في العالم. ويونك الذي نجا من الهولوكوست تأثر كثيرا بحيوية ساداكو، وذكائها، واهتمامها بوالديها. وبعد ذلك، تم التعريف بقصة ساداكو من خلال العديد من كتب الأطفال والكتب المدرسية وكتب القراءة الثانوية، وتُقرأ قصتها من قبل الكثير من الأطفال في جميع أنحاء العالم.

تمثال طفلة القنبلة النووية ومكان تعليق طيور الكركي، تصوير دانييل روبيو.

قمنا بسؤال السيد ساساكي ماساهيرو (77 عاما) الأخ الأكبر لساداكو والذي يقيم في مدينة فوكوؤكا حول انتشار طيور الكركي الورقية في العالم من خلال قصة ساداكو. حيث قام السيد ماساهيرو بتأسيس منظمة غير ربحية أطلق عليها اسم ”تراث ساداكو (The Sadako Legacy)“، ويقوم بنشاطات لنشر السلام من خلال إلقاء المحاضرات وعرض ”طيور الكركي الورقية“ المتبقية لديه والتي قامت ساداكو بطيها.

تم تزيين حائط محل الحلاقة الذي يديره السيد ساساكي ماساهيرو من خلال تعليق سينبادزرو التي يتم إرسالها من جميع أنحاء العالم عليه. وربطة عنقه أيضا مزينة بطيور الكركي الورقية، تصوير دوي إميكو.

طيور الكركي الورقية من هيروشيما إلى بيرل هاربر

وحتى في مركز الزوار في بيرل هاربر في هاواي (خليج شينجو) يتم عرض ”طائر كركي ورقي“ حجمه أصغر من قطعة النقود المعدنية من فئة الين قامت ساداكو بطيه. وهو أحد الأماكن التي قام السيد ماساهيرو بإهدائها ”طيور الكركي الورقية“ التي قامت ساداكو بطيها. ويقول السيد ماساهيرو ”لا يعني هذا أنني أستطيع إهداء طيور الكركي لمجرد رغبتي بذلك. فلا يوجد معنى من إهدائها إذا لم يفهم الطرف الآخر أهميتها ويعتقد أنه بحاجة لها“

عندما يقول أحدهم في أمريكا ”لا مزيد من هيروشيما“  فمن المرجح أن يسمع ”تذكروا بيرل هاربر“ ردا على ذلك. وفي معرض مركز الزوار في خليج شينجو الذي كان سبب بدء الحرب اليابانية الأمريكية معظم المعروضات هي أشياء تتعلق بأمريكا التي تعتبر الضحية. وعندما كان هناك حديث حول التفكير بمعرض يدعو للسلام في عام 2012، كان هناك شخص شجع على القيام بمعرض لعرض طيور الكركي الورقية التي قامت ساداكو بطيها.

هذا الشخص هو كريفتون ترومان دانييل (60 عاما) حفيد الرئيس الأمريكي ترومان الذي أمر بإلقاء القنبلة على هيروشيما.

تحدث السيد ماساهيرو بالهاتف مع السيد دانييل ولأول مرة عندما قام بزيارة أمريكا من أجل تجديد تمثال ساداكو في حديقة سياتل للسلام في عام 2004. وقال له ”أنا من ضحايا القنبلة النووية، ولكنني لا أتحدث كممثل عن الضحايا لأنقل الرعب والبؤس الذي سببته تلك القنبلة. أريد أن يكون لدينا أرضية مشتركة للقيام بحوار جذري من أجل معرفة الأسباب التي أدت إلى وقوع مأساة القنبلة النووية، وما يجب علينا فعله من أجل إزالة تلك الأسباب. وأيضا أريد الحديث مع شخص لديه جهة نظر مختلفة تماما“. فأدرك السيد دانييل على الفور نية السيد ماساهيرو. وكان قد قرأ كتاب ساداكو، وقال إن الأطفال الأمريكيين يدرسون عن ساداكو في المدرسة. وقام السيد دانييل بدعم إقامة معرض في بيرل هاربر.

طيور كركي ورقية قامت ساداكو بطيها على فراش المرض. وفي الوسط طائر كركي لم تكمل طيه. وفي ذلك الوقت لم تستخدم ورق الأوريغامي الذي كان مرتفع الثمن، بل كانت تستخدم أوراق تغليف الأدوية وقصاصات أوراق الملاحظات. وكانت تقوم بطي طيور الكركي التي كانت أصغر من ظفر الإصبع باستخدام الإبرة. تصوير دوي إميكو.

وبعد ذلك، كانت أول مرة قابل فيها السيد ماساهيرو السيد دانييل في شهر سبتمبر/أيلول من عام 2010. ويقول السيد دانييل ”كنت أريد أن أزور هيروشيما وناغاساكي ولو لمرة واحدة. ولكن، عند التفكير بماذا سيحدث إذا عُرف أنني حفيد ترومان، أفقد الشجاعة للقيام بذلك. ولكن بعد أن تحدثت مع ماساهيرو عقدت العزم على القيام بذلك“.

وزار السيد دانييل اليابان لأول مرة بصحبة زوجته وأبنائه الثلاثة في شهر أغسطس/آب من عام 2012، وشارك في مراسم هيروشيما وناغاساكي، واستمع لشهادات حوالي أربعين شخصا من ضحايا القنبلة النووية. وقال في المؤتمر الصحفي الذي عقده ”لقد جئت لأبحث عن طريقة تجعل اليابان وأمريكا قادرتين على تجاوز الضغائن السابقة، وماذا نستطيع فعله من أجل أطفال المستقبل“.

السيد كريفتون دانييل ترومان (وسط)، وابنه (يسار)، والسيد ساساكي ماساهيرو (الطرف اليمين) وهم يقومون بزيارة لحديقة هيروشيما التذكارية للسلام 4/8/2012 (ِAFLO/AFP PHOTO/KAZUHIRO NOGI).

 أمنيات ساداكو التي تتوارثها الأجيال

والآن يقوم كل من السيد دانييل والسيد ماساهيرو بإقامة نشاطات تدعو إلى السلام من خلال طيور الكركي الورقية حتى في أمريكا، لذلك قاما بتقديم طلب للموافقة على تأسيس المنظمة غير الربحية The Paper Cranes Foundation.

يقول السيد ماساهيرو ”الكراهية لا تولد إلا الكراهية، والرحمة لا تتولد من الكراهية. ولكي لا نكرر كارثة الحرب من المهم أولا أن نكون متواضعين تجاه الطرف الآخر وأن نفهم مشاعره. ومن أجل ذلك، يجب علينا القيام بنقل مشاعرنا إلى الطرف الآخر أولا“.

ويقول أيضا ”كانت ساداكو فتاة مميزة. ومع أنها كانت تعرف أنها مصابة بسرطان الدم إلا أنها تظاهرت بأنها لا تعرف ذلك حتى لا تجعل عائلتها تشعر بالحزن، وصارعت القلق والألم الشديد. وحاولت التغلب على مرضها من خلال قيامها بطي طيور الكركي الورقية. أعتقد أنها ولدت لأداء مهمة معينة“.

يسار: ساداكو التي كانت أسرع فتاة في الجري في المدرسة. وسط الصف الأمامي.
يمين: ” The complete story of Sadako Sasaki(Armed with the Arts, Inc)」by Sue DiCicco and Masahiro Sasaki“.

والآن وبعد مرور 60 عاما على رحيل ساداكو، أصبحنا نرى أشخاصا يعبرون عن مشاعرهم من خلال طيور الكركي الورقية في جميع مناطق العالم. وفي بعض الأحيان يتم إرفاق طيور كركي ورقية مع الرسائل التي يتم إرسالها مع المساعدات النقدية والعينية التي يتم إرسالها من الدول الأجنبية إلى المناطق المتضررة من الكوارث في اليابان. وفي بعض الأحيان يقوم الأطفال الذين عايشوا أياما من المواجهات والنزاعات القبلية والعرقية بطي طيور الكركي سوية في الصفوف المدرسية.

ورغبة ساداكو بـ ”العيش“ والتي استمرت بطي طيور الكركي على فراش المرض من دون أن تتخلى عن أملها حتى النهاية، يتم توارثها الآن في قلوب الأشخاص الذين يقومون بطي طيور الكركي في مكان ما في هذا العالم.

النص الأصلي باللغة اليابانية. المقابلة والنص قسم التحرير في nippon.com. صورة العنوان الرئيسي: طيور كركي ورقية قام الرئيس الأمريكي أوباما بإهدائها للسيد ماساهيرو = 27/5/2016، حي ناكا في مدينة هيروشيما، جيجي برس.

هيروشيما الحرب العالمية الثانية